الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الغرب والعلمانية

عادل الزدغاوي

2021 / 1 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


"إن المجتمعات الغربية ترفض أن تواسي كل أوجاع فقراء العالم" ميشيل روكار أحد رؤساء الوزراة الخارجية الفرنسية.
إن المُنطَلِق من كلام روكار يعتقد فعلا أن الغرب كان يوما ما يرعى مصالح فقراء العالم، غير أن الباحث النقدي يستنتج من كلام روكار انه ليس سوى شعارا يتذرع به الغرب أو بالأحرى تذرع به في مرحلة من المراحل، بغية شرعنة مخططه الاستغلالي والتملص من مسؤوليته في تقديم اعتذار علني لكل الشعوب التي عاث فيها فسادا.
لا يعني التطرف فقط ما يرتبط بالمعتقد الإيماني، بل يمكن للعلماني الموغل في علمانيته أن يكون متطرفا، وللماركسي الموغل في ماديته أن يكون كذلك، ولليبرالي-اليميني بالأخص-، أن يكون متطرفا أيضا، فالانغلاق على الذات يُعد دوغمائية مهما كانت منطلقاته وأسسه، لذلك فإن ما يعيشه الغرب (أوربا وأمريكا) اليوم في إطار الصراع العلماني العقائدي، سواءا كان مسيحيا كاثوليكيا او إسلاميا؛ هو تزمت لا يقل حدة وخطورة عن ما تعيشه الحركات الأصولية، فهو بذلك منهجا يفرض عليه سياجات تمنعه من الانفتاح على الآخر المسلم، البوذي، الهندوسي وغيره، بغية تشكيل ثقافة كونية ينتفي فيها التعصب لهذا الطرف اوذاك حسب منطلقات العلمانية ذاتها، وهو ما يدفعنا إلى الحكم على ان الغرب لا زال يتخبط في علمانيته، ولم يتمكن بعد من حصر مفهومها الفضفاض؛ اللهم عند فئة قليلة من المثقفين- حتى لا نقول كلهم- حيث سجلنا انزلاق عدد كبير منهم نحو مستنقع السياسة الغربية التي تشهر تسامحا عبر شعارات براقة، لكنها تصفي حساباتها خفية، متناسين لدورهم كمثقفين يستوجب عليهم موقعهم الاجتماعي والطبقي نقد هذه السياسة..على الغرب إذن أن يعيد النظر في فهمه للعلمانية، وان يصلح الكثير من مخططاته التي كانت سببا في اشعال فتيل الحركات الأصولية المتطرفة؛ ليرجعنا بذلك سنوات- إن لم نقل قرونا- إلى الوراء، وان يبني منهجا علمانيا منفتحا على الروحانيات بدل العلمانية المتطرفة المتزمتة والموغلة في علمانيتها، أن يفتح أفاق المصالحة الحقيقية والتعايش الحقيقي لشعوب المتوسط بضفتيه، وأن يدخل في اعتباره الجهة الأخرى المقابلة له، وأن يستفيد من الإرث القانوني الروماني والإرث اليوناني الفلسفي كمنطلقات فعلية لهذا التعايش، وأن ينزع عنه قناعه الرديئ في الدفاع عن حقوق الإنسان والقيم الكونية في التعاطي مع الشعوب الضعيفة، أن يتجاوز منطق تصفية الحسابات الموروثة عن الماضي والتي عفا عليها الزمن، فعبر هذه الإصلاحات وهذا الانفتاح يمكن أن يعفي نفسه من "شعار الحرب على الإرهاب والتطرف" الذي ولد بعد 11 شتنبر، ويحد من تهييجه للعالم بهكذا شعار، كما ويتمكن من تنزيل روح العلمانية الذي لا زال يفتقد إليه في الكثير من ممارساته اليومية. فالحركات الأصولية والغرب يسيران في نفس المسار، الأولى تَبنِي تطرفها وانغلاقها انطلاقا من ارتباطها التقليدي بالتراث، والثاني يعيش تزمت في علمانيته ومنهجه الأرثودوكسي الذي لا يقبل الانفتاح، فلتجاوز ذلك؛ يجب على الأولى أن تكون مستعدة بما يكفي لقراءة نقدية لروح التراث عن طريق إدخال مناهج علمية حديثة في دراسته، أو على الأقل المنهج التاريخي، كما ويلزم الثاني فتح باب الحوار على أوسع نطاق مع المتديينين غير الأصوليين-المتزمتين، وإعادة النظر في تطرفه العلماني كأحد السياجات الدوغمائية les clôtures dogmatiques التي تمنعه من التواصل وتساهم في تهييج الحركات المتطرفة، وبناء ذاته بناء حقيقيا وصريحا لتجاوز منطق النفاق الذي يشتغل به.. فالغرب هو الذي قاد حملة مسعورة على الفاشية-النازية مع مطلع القرن العشرين، وهو من تحمل المعركة ضد الشوعية من أجل البناء العلماني والديمقراطي، فهل حقق ذلك داخل بلدانه وفي مشروعه السياسي عموما؟، طبعا لا، فالغرب الذي فعل كل هذا هو من فَرّغَ كل مكبوتاته في الدول الضعيفة المغلوب على أمرها، فالغرب الذي دافع عن أوربا ضد الفاشية سقط في فاشية لا حد لها في المستعمرات الافريقيا والآسيوية، الغرب الذي دافع عن العلمانية وخاض حربا شرسة على الإرهاب راح ضحيتها الآلاف من الأبرياء، لم يصبح علمانيا بما يلزم، والغرب الذي حاول الحد من المد الشيوعي، سقط في ليبراليته المتوحشة في استغلاله لخيرات المستعمرات، وزاد الأمر حدة بعد نهاية التسعينات من القرن الماضي؛ بعد سقوط الاتحاد السوفياتي.
#الذي بيته من زجاح لا يرجم الناس بالحجارة..لا يمكن للغرب أن يعطي دروسا في الديمقراطية والعلمانية وحقوق الإنسان، وهو نفسه لم يتحرر بعد من سياجاته الدوغمائية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الآلاف يشيعون جـــــ ثمــــ ان عروس الجنة بمطوبس ضـــــ حية


.. الأقباط يفطرون على الخل اليوم ..صلوات الجمعة العظيمة من الكا




.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله