الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البطرك ساكو يؤكِّد: يونان النبي (يونس)، أسطورة

موفق نيسكو
(Mowafak Nisko)

2021 / 1 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قذيفة أخرى للبطرك ساكو في مرمى السريان المتأشورين

يصادف هذه الأيام ذكرى صوم نينوى للمسيحيين الشرقيين عموماً خاصة السريان بطوائفهم، وهو ثلاثة أيام، يُسمَّى بالسريانية الباعوثة أي الطلبة، ودرجت العادة عند أغلب الكنائس توجيه بيان أو منشور..إلخ، للمؤمنين بهذه المناسبة يحثهم على الصوم، وطبعاً الاعتقاد السائد لدى عامة الناس البسطاء هو أن هذا الصوم هو المذكور في سفر النبي يونان (يونس) صاحب قصة الحوت، وقطعاً ذلك ليس صحيحاً بالمطلق، ففي سنة 576م انتشر مرض الطاعون المُسَمَّى بالشرعوط في السريانية، في شمال العراق، مثلث كركوك، الموصل وتكريت، في عهد الجاثليق السرياني النسطوري، حزقيال (570-581م)، (الكلدان والآشوريين حالياً) ويقول النساطرة، إنه بسبب ارتفاع الموت اقترح مطران كركوك سبريشوع على الجاثليق حزقيال الصوم ثلاثة أيام، فاستحسنه الجاثليق وأمر، وهناك أكثر من رواية لذلك.

ومعروف أن الآشوريين والكلدان الحاليين هم سريان آراميون نساطرة المذهب لا علاقة لهم بالكلدان والآشوريين القدماء مطلقاً، وقد انتحل لهم الغرب حديثاً اسمي الكلدان والآشوريين، والكلدان انفصلوا عن السريان النساطرة سنة 1553م وثبت اسمهم كلداناً في 5 تموز 1830م، ثم قام الإنكليز بتسمية القسم الذي بقي نسطورياً، آشوريين، واشتعلت الحر بينهما وبقي التنافس بين الاثنين إلى اليوم، كل يريد أن يثبت اسمه المزيف ضد الآخر وكل يريد أن يعتبر اسمه قومياً، إلاّ أني يجب أن أُقرُّ أن الكلدان كانوا هادئين إلى سنة 2003م، وربما تعصبهم القومي بعد هذا التاريخ نابع من ردة فعل ضد الآشوريين، والمهم أن الاثنين على باطل واسمهم مزور فلا علاقة بالقدماء مطلقاً ولا وجود لقومية آشورية وكلدانية، بل إنهم سريان (آراميون) ولغتهم سريانية (آرامية).

وفي العقود الأخيرة خاصة بعد سنة 2003م بدأ السريان الذين سمَّاهم الإنكليز آشوريين يستغلون اسم هذا الصوم ويربطونه بصوم يونان ونينوى القديم لأغراض سياسية ودعائية آشورية مزيفة، ومنهم كهنة النساطرة (أي كنيسة من يُسمَّون أنفسهم اليوم آشوريين) حيث كانوا ينشرون بهذه المناسبة مقالات حقيقتها هي دعائية آشورية بحجة إن هذا الصوم هو صوم الآشوريين الوارد في سفر يونان النبي، إلى أن تصديت لهم وفنَّدت ادعاءهم، وعموماً توقف الكهنة النساطرة عن ذلك منذ حوالي 5 سنوات، لكن العلمانيين لا زالوا مستمرين.

وقبل أكثر من سنتين نشرت بحثاً تفصلياً بعدة أجزاء قلت فيه أن قصة يونان النبي (يونس في الإسلام) هي، إمَّا رمزية، أو حقيقة، وإن كانت حقيقية، فيونان النبي لم يصل إلى العراق، بل المقصود بنينوى هو مدينة أخرى، حماة أو دمشق أو غيرها، ومعلوم أن الكتاب المقدس دائماً يستعمل أسماء رمزية، أو يخلط الأسماء، فهو مثلاً يُسمِّي روما بابل، ويُسمِّي مملكة سبأ بالحبشة..إلخ، أي إن هدفي من البحث كان تاريخياً وليس إيمانياً والبحث في أعجوبة يونان والحوت، بل إثبات أن يونان لم يصل العراق، حيث أن هذه القصص الرمزية أو الأسماء الوصفية مثل أور الكلدان التي تعني مدينة السحرة والمنجمين والمشعوذين وهي حاران في الرها (أور هاي، أورفا) وليس العراق، تستغل من الآشوريين والكلدان الحاليين الجدد الذين هم سريان انتحل لهم الغرب روما والإنكليز حديثاً اسمي كلداناً وآشوريين لأغراض سياسية استعمارية عبرية، ومنذ أن انتحلوا هذين الاسمين بدؤوا باستغلال الكتاب المقدس لإثبات زور ادعائهم.

ولأن اهتمامي وبحثي وهدفي هو تاريخي، لا إيماني، فإني طرحت المسالتين، إمّا القصة رمزية، أو حقيقية، لكني أكدت إن كانت حقيقة فكاتبها ليس يونان النبي، وقد نشرت البحث مفصلاً في كتابي: اسمهم سريان لا آشوريون ولا كلدان.

واليوم وبمناسبة هذا الصوم، يذهب البطريرك ساكو في بيانه أكثر مني فيؤكِّد أن القصة هي أسطورة وهي رمزية (دراما)، وكاتب سفر يونان ليس يونان النبي، إنما يونان متمرد آخر، واسم يونان بالحقيقة هو كلمة نينوى معكوسة، وصوم نينوى ليس له علاقة بنينوى.

والحقيقة إن بيان البطريرك ساكو يبدو عادياً للإنسان البسيط، لكن في حقيقته هو قذيفة موجّه للآشوريين، في الحرب المشتعلة بينهم منذ سنة 1553م التي لا يلاحظها إلاَّ المهتمون، وقد نوهت أنا قبل مدة قصيرة إلى ذلك عندما هاجم البطريرك ساكو طقس الآشوريين.

ومع أن كثيراً من المعلومات التي ذكرها البطريرك ساكو صحيحة، لكن ما دخل سفر يونان ونقده في بيان البطريرك ساكو إن كانت قصة رمزية أو أن سفر يونان كاتبه ليس النبي يونان؟، فهو يصدر بياناً يحث المؤمنين على الصوم، وبسبب جائحة كورونا ممكن للبطريرك ساكو أن يُذكِّر المؤمنين بصوم نينوى الذي بدأ سنة 576م والذي أُقرَّ بسبب مرض الطاعون، ولكن تطرق البطرك إلى أن رمزية السفر وأن وكاتبه غير النبي يونان..إلخ، هو رسالة موجه للآشوريين مفادها أن استغلالكم لهذا الصوم هو باطل. لذلك فإن فقرة (ثمة فرقٌ بين يونان النبي ويونان “السِفْر“ المتمرد) والى فقرة (ممارسة الباعوثا في الكنيسة) في بيان البطرك ساكو، هي فقرة زائدة، وهي قذيفة موجهة للآشوريين.

بيان البطرك ساكو
https://saint-adday.com/?p=41211

والحقيقة إن كلام البطريرك ساكو تاريخياً صحيح، لكن بما يخص استغلال الآشوريين للكتاب المقدس فقط، أما بخصوصه هو كبطريرك كلدان، فهو وبعض طائفته من المتعصبين بدورهم يستغلون زوراً عبارة أور الكلدان على أنها في الناصرية في العراق وهي مسقط رأس إبراهيم أبو الأنبياء..إلخ، والحقيقة: إن أور الكلدان هي آرام نهرين أو حاران أو الرها (أورفا) في تركيا وليست أور العراق، وإبراهيم نفسه في سفر (تكوين 24: 1-10)، يقول، إنها مسقط رأسه، وكلمة أور معناها، مدينة، والكلدان معناها، المنجمين والسحرة والعرافين، لذلك الآشوريون بدورهم يعتبرون كلام الكلدان أن أور الكلدان هو استغلال.

وهنا يُذكِّرني البطريرك ساكو بأحد الأصدقاء الكلدان وكان رئيس جمعية كلدانية، فمعروف أن الكدان والآشوريين يتمتعون بسمعة سيئة في الكتاب المقدس، وتوصف مدينتا نينوى وبابل بأبشع الصفات، مثل الزانية ومصدر العهر ومدينة الكذب والدماء..إلخ، (انظر مثلاً سفر ناحوم وسفر الرؤيا 18)، وفي إحدى المرات قلت لصديقي الكلداني أعلاه إن أحد أصدقائي الآشوريين اقترح علي قائلاً لي أخي موفق: بحكم علاقتك مع رجال الدين ومكانتك الثقافية والتاريخية أرجو أن تتكلم مع رجال الدين لتغيير الكتاب المقدس وحذف كل ما يُسيء للآشوريين، وكان جواب صديقي الكلداني لي: فكرة جيدة أخي موفق، ولكن بحذف ما يُسيء للكلدان فقط.
فهل صدق بطريرك الكلدان عمانؤئيل دلي سنة 2005م وأنه نتيجة صراع الكلدان والآشوريين سياسياً، حين قال: إن عبارة كلدو وأثور ستجعلنا أضحوكة للعالم.

عن مثل هذه الشعوب الشرقية قال عنها الفيلسوف Eugen Kamenka: إنها شعوب مُقلِّدة للقومية، وهي شعوب مُتخلِّفة تشعر بالحاجة إلى إحداث تحول في أحوالها فتحاول رفع مستواها، وهي لن تستطيع أن تكون قومية ما لم تعترف بتخلفها وتتغلب عليه.
وشكراً








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد: المسيحيون الأرثوذوكس يحتفلون بـ-سبت النور- في روسيا


.. احتفال الكاتدرائية المرقسية بعيد القيامة المجيد | السبت 4




.. قداس عيد القيامة المجيد بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية برئا


.. نبض أوروبا: تساؤلات في ألمانيا بعد مظاهرة للمطالبة بالشريعة




.. البابا تواضروس الثاني : المسيح طلب المغفرة لمن آذوه