الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انطونيو لابريولا ( 1843 – 1904)

غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني

2021 / 2 / 1
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


فيلسوف ماركسي ايطالي بارز، بدأ نشاطه في ظروف تعاظم نمو حركة التحرر الوطني في إيطاليا، كان "لابريولا"، في البداية، من أنصار الاتجاه الديمقراطي – البرجوازي، لكن اطلاعه على الفكر الاشتراكي والحركة الاشتراكية قاده، في التسعينيات، إلى مواقع الماركسية، وأدخل "لابريولا" تغييرات على المذهب الهيغلي في فلسفة التاريخ، فالبروليتاريا وحدها بدت في نظره قادرة على حل المشكلات الكبرى، التي لابد أن تنطرح على الحياة الايطالية؛ وأكب على دراسة ماركس وانجلز في العمق، بعد أن اعتنق الاشتراكية في قرارة نفسه"([1]).
اعتقد لابريولا "أن المذهب المادي قمين بأن يجيب عن جميع الأسئلة، وهذا المذهب هو الذي وجهه نحو النشاط العملي، وبعد انسحابه من حلبة النضال السياسي، كرس نفسه لنشر مذهبه، المادية التاريخية، من خلال إلقاء الدروس والمحاضرات وكتابة المقالات، ولا سيما من خلال محاولات في التصور المادي للتاريخ، والجزء الأول من هذا المؤلف هو الذي صنع شهرة "لابريولا" كمفكر ماركسي، والحال أن موقفه كان نقدياً لا وثوقياً، إذ رفض مذهب "العوامل" المهيمن في إيطاليا، وأعاد النظر كلياً في نظريات ماركس التي طبقها على تفسير التاريخ في المقام الأول، وبفضل نشاطه التعليمي، الذي كان يعتبره ضرباً من الواجب المدني، مارس تأثيراً عظيماً على الثقافة الايطالية"([2]).
"عمل "لابريولا" محاضراً في تاريخ الاشتراكية بجامعة روما، حيث أعلن، بصراحة، تبنيه للمادية التاريخية، وفي 21 شباط عام 1891 كتب إلى انجلز يقول: "أشعر الآن، أكثر من أي وقت مضى، بأنني أعيش بينكم، هنا، في الجامعة، حيث أتيحت لي، في نهاية المطاف، حرية الكلام، أعمل، منذ شهور عديدة، على تطوير النظرية المادية في التاريخ".
وفي عام 1893 قَدِمَ إلى زوريخ، بوصفه مندوبا في مجلس الأممية الثانية، حيث تَعَرَّف شخصياً إلى انجلس، وقام عام 1895، بنشر الجزء الأول من "دراسات في الفهم المادي للتاريخ"، ثم أعقبه بالجزأين الثاني والثالث، أما الجزء الاخير من هذا المؤلف – "من عصر إلى آخر" فلم ير النور إلا في عام 1925.
إلى جانب القضايا العملية، المتعلقة بنشر المادية التاريخية، يتطرق "لابريولا"، في رسائله إلى عدد من المسائل النظرية: نظرية المعرفة، والأخلاق، وظهور المسيحية وتطورها، إلخ.. وقد طور "لابريولا" آراءه خلال النضال ضد فلسفات نيتشه، وهارتمان، وكروشه، والداروينية الاجتماعية والمالتوسية، وضد تحريفية برنشتين.
كان "لابريولا" من أفضل ممثلي الماركسية عصر الأممية الثانية، فقد درس مسألة أصل النظرية الاجتماعية – التاريخية، التي وضعها ماركس وانجلس، بهذا الصدد نراه لا يلفت الانتباه إلى الثوراث ما بين الماركسية والأفكار التقدمية السالفة، بقدر ما يعني بالكشف عن الظروف التاريخية والاجتماعية، التي كانت وراء ظهور الماركسية، وكذلك بالأشياء الجديدة، التي جاء بها ماركس وانجلس، بالمقارنة مع علم التاريخ والاجتماع السالفين"([3]).
أكد لابريولا أيضاً على الأهمية التاريخية لـ"البيان الشيوعي"، الذي اعتبره مؤشراً لولادة عصر جديد، كذلك يشير لابريولا إلى أن نظرية الشيوعية العلمية تنبع من الفهم المادي للتاريخ، كما دافع عن الموضوعة الماركسية، القائلة بأن التقدم الاجتماعي يتحدد، في نهاية المطاف، بتطور الإنتاج، وعلى هذا الطريق يدحض لابريولا الداروينية الاجتماعية، و"المادية الاقتصادية"، و"نظرية العوامل" Factors، ويبرهن على خطل أولئك، الذين يرجعون التاريخ إلى الصراع من أجل البقاء، وفي مجال دحضه لـ"المادية الاقتصادية"، يلفت لابريولا الانتباه إلى الطابع المعقد للحياة الاجتماعية وظواهرها، فمن المتعذر، كما يقول، استخلاص الظواهر الايديولوجية استخلاصا مباشراً، أوتوماتيكياً، من الظروف الاقتصادية للحياة، يقول: "ليس الأساس الاقتصادي، المحدد لكل ما عداه، مجرد آلة، تصدر عنها، على شكل نتائج مباشرة، أوتوماتيكياً وآلياً، المؤسسات والقوانين والعادات والأفكار والمشاعر ومختلف أشكال الايديولوجيا، لكن على الرغم من أية ملاحظات، فقد ارتبط اسم لابريولا ودوره بصورة رئيسية في انتشار الأفكار الماركسية الثورية في إيطاليا، وقد لقي نشاط لابريولا الدعائي عالي التقدير من قبل مؤسسي الحزب الشيوعي الايطالي انطونيو جرامشي و الميروتولياتي"([4]).
قالوا عنه([5]):
·          "إن أعمال لابريولا تحتل مكانتها المميزة في المكتبات إلى جانب كتب ماركس وانجلز الكلاسيكية". (جورج سوريل).
·          "إن لابريولا، الذي يرفض الداروينية السياسية والاجتماعية، لا يبدي تساهلاً نقدياً أكبر تجاه "الهواة اللطفاء" الذين يسعون إلى ربط التصور المادي للتاريخ بنظرية عامة في التطور تتحول لدى العديدين منهم، وفق ملاحظة لا بريولا القاسية وإنما السديدة، إلى محض استعارة ميتافيزيقية". (جورج بليخانوف).
 


([1]) جماعة من الأساتذة السوفيات – موجز تاريخ الفلسفة - تعريب: توفيق ابراهيم سلوم - دار الفارابي – طبعة ثالثة (1979 م) - ص 693
([2])  جورج طرابيشي – معجم الفلاسفة – دار الطليعة – بيروت – ط1 – أيار (مايو) 1987.– ص  565
([3])جماعة من الأساتذة السوفيت – مرجع سبق ذكره - موجز تاريخ الفلسفة –ص 694
([4]) المرجع نفسه - ص 695
([5])  جورج طرابيشي – مرجع سبق ذكره – معجم الفلاسفة – ص  565








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما شكل المقاربة الأمريكية للدفع باتفاق سياسي لإنهاء الحرب في


.. خلافات معلنة بين بايدن ونتنياهو.. ما تأثيرها على الانتخابات




.. واحات جنوب المغرب -الساحرة- مهددة بالزوال!! • فرانس 24 / FRA


.. السفينة الأميركية -ساغامور- تحمل أولى شحنات المساعدات من قبر




.. #متداول.. مستوطنون يقطعون الطريق بالحجارة أمام شاحنات المساع