الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كتاب المجتمع المدني والدولة المدنية

ندى أسامة ملكاني

2021 / 2 / 2
المجتمع المدني


قراءة في كتاب المجتمع المدني والدولة المدنية: دراسة تحليلية نقدية
يسعى هذا الكتاب ، كما يذكر مؤلفه الدكتور محمد أحمد علي المفتي، إلى دراسة وتحليل مفهومي المجتمع المدني والدولة المدنية لبيان القواعد الفكرية التي تبنى عليها. وتنطلق الدراسة من افتراض مفاده أن مفهومي المجتمع المدني والدولة المدنية ليسا مفهومين محايدين، بل إنهما مصطلحان ثقافيان لهما مضامين فكرية وإيديولوجية، يؤدي تبنيهما بالضرورة إلى تبني إطارهما الفكري وإلا يصبحان مفهومين أجوفين.
تبدأ دراسة الدكتور المفتي للمجتمع المدني بتعريفه، وتحديد نشأته، وتبيان القواعد التي ينبني عليها وصولا لإعطاء رؤية نقدية عن المجتمع المدني.
يميز المؤلف بين المجتمع المدني النخبوي والمجتمع المدني الشعبي. فهو يرى أن المفهوم الذي ساد ويسود عصر العولمة عن المجتمع المدني يمثل رؤية نخبوية لمؤسسات هذا المجتمع، فحينما يحل المجتمع المدني مكان الدولة للتقليل من المخاطر الناجمة عن إعادة هيكلتها كالتخفيف من آثار الفقر أو دعم المحتاجين يصبح المجتمع المدني نخبويا تنادي بدوره ذلك قوى العولمة ذاتها، ما يعني تفريغه من دوره المطلوب في بناء مجتمع ديمقراطي. بينما المجتمع المدني الشعبي يهدف إلى تغيير الواقع كالنقابات المهنية والعمالية والمنظمات الفلاحية.
ولدى شرحه لنشأة المجتمع المدني، يعرض الكاتب ثلاثة توجهات فكرية لنشأته. التوجه الأول يتضمن النظرة الكلاسيكية للمجتمع المدني وهي تحدد المجتمع المدني بالمجتمع السياسي ذاته، ويركز التوجه الثاني المرتبط بالحداثة أو التنوير الأوروبي على الحرية والمصلحة الفردية والمساواة الاقتصادية. يرى التوجه الثالث أن المجتمع المدني ميدان يرسخ الحرية والعمل على تقييد سلطة الدولة.
ويرتكز المجتمع المدني على القواعد التالية: اللادينية، العقلانية، والديمقراطية. فالمجتمع المدني يقف على طرفي نقيض مع المجتمع القائم على التفرقة بين الناس بناء على معتقداتهم الدينية. ففي الغرب اكتسب المجتمع المدني مشروعيته من التحرر من الإلهي ، أما مشروعيته في البلاد العربية فمرتبطة بالمؤسسات الدينية، ما يشكل حجر عثرة أمام تحول الدين من الشأن العام إلى الشأن الخاص، أما العقلانية فهي الاعتماد على العقل وترك النصوص والأهواء جانبا . والديمقراطية هي تفكير سياسي يعتمد الاحتكام إلى الناس والعقل البشري في تنظيم شؤون الحكم. فمتى ترسخت أسس الديمقراطية تدعمت مؤسسات المجتمع المدني ومتى انحسرت الديمقراطية تراجعت مؤسساته.
الدولة المدنية هي الحاضنة أو الوعاء الفكري للمجتمع المدني. يعرف المفتي الدولة المدنية بأنها دولة تحافظ وتحمي كل أعضاء المجتمع بغض النظر عن انتماءاتهم القومية أو الدينية أو الفكرية أي دولة قائمة على المواطنة. إرادة الأفراد في الدولة المدنية هي المرجعية فهي مصدر كل السلطات ومرجعيتها النهائية. ومن هذا المفهوم تتضح لنا المبادىء التي تستند إليها الدولة المدنية. إن أولى وأهم قاعدة ترتكز عليها الدولة المدنية هي الحرية الدينية، كما تشكل المساواة التامة بين المواطنين القاعدة الثانية، أما المبدأ الثالث فهو ربط مرجعية الدولة بإرادة الأفراد ورفض أي مرجعية أخرى وأهمها المرجعية الدينية.
إن نشوء الدولة المدنية في أوروبا كان ثمرة عصر النهضة بعد أن تفجر صراع استمر قرابة 100 عام نتيجة الاستبداد بشقيه الكنسي الكهنوتي وهيمنة الكنيسة على الحياة في أوروبا والاستبداد السياسي الذي شرعنته الكنيسة تحت يافطة الحق الإلهي للملوك
يصل الكاتب إلى نتيجة مفادها أن قبام المجتمع المدني والدولة المدنية يتطلب توافر بيئة سياسية وثقافية قائمة على اللادينية والعقلانية والديمقراطية انطلاقا من افتراضه في بداية الكتاب أن مفاهيم الدولة المدنية والمجتمع المدني مفاهيم ثقافية لها إطار فكري وإيديولوجي يجب تبنيهما بالضرورة عند تبني تلك المفاهيم وإلا أصبحت مصطلحات جوفاء.
فالدولة المدنية والمجتمع المدني هما مصطلحان غربيان، يبدو أن الباحث ينطلق من المبادىء التي يرتكز عليها كل من المفهومين ليصل إلى فكرة أن تطبيقهما في السياق العربي لا يخلو من التناقض بين الفكر الإسلامي والمجتمع المدني والدولة المدنية، لذلك يطرح في الخاتمة السؤال التالي: هل يصلح مفهوم المجتمع المدني والدولة المدنية في الدولة الإسلامية التي تطبق أحكام الشرع في واقع الحياة؟
إذا كانت مدنية الدولة تعني حيادية الدين أي تحييد الدين تجاه السياسة بعدم تديين السياسة وعدم تسييس الدين ، فإن هذا يعني إقامة دولة لا علاقة للدين فيها، كما أن جعل الأمة مصدر السلطات لا يعني سوى عزل الدين عن التدخل في تشريع أنظمة الحياة ....ويذكر جملة خطيرة وهي أن قيام الدولة الديمقراطية مخالفا لأحكام الإسلام ، لم يغب عن ذهن المؤلف أن من سيقرأ الكتاب سيظن أنه يؤيد الاستبداد بوجه الدولة الديمقراطية لذلك يقول إن معالجة الاستبداد لا تكون بتبني نظام سياسي يقوم على عزل الدين عن الدنيا ولكنه لا يطرح كيف برأيه تتم معالجة الاستبداد إذا لم يكن بتفعيل دور المجتمع المدني والدولة المدنية، ولكنه في معرض حديثه عن المجتمع المدني يطلعنا على أن بناء مجتمع مدني حديث في العالم العربي يتطلب تحقيق القطيعة المعرفية والإبستمولوجية مع النظام المعرفي القديم وأساليب التفكير التقليدية غير العلمية السائدة عربيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لأول مرة منذ بدء الحرب.. الأونروا توزع الدقيق على سكان شمال


.. شهادة محرر بعد تعرضه للتعذيب خلال 60 يوم في سجون الاحتلال




.. تنامي الغضب من وجود اللاجئين السوريين في لبنان | الأخبار


.. بقيمة مليار يورو... «الأوروبي» يعتزم إبرام اتفاق مع لبنان لم




.. توطين اللاجئين السوريين في لبنان .. المال الأوروبي يتدفق | #