الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة جماعة الإخوان المسلمين من الألف إلى الياء – 6

عبد الرحمن علي

2021 / 2 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الديكتاتور البنا
إذ يعلن البنا نفسه زعيم سياسى.ويقدم جماعته كهيئة سياسة لا يستنكف من أن يحرم الآخرين جميعا من حق العمل السياسى.فيقول : لقد آن الأوان أن ترتفع الأصوات بالقضاء على نظام الحزبية فى مصر، وأن يستبدل به نظام تجتمع فيه الكلمة وتتوفر جهود الأمة حول منهاج قومى إسلامى صالح (الإخوان المسلمون - الأسبوعية 9/4/1946 مقال لحسن البنا).
والشئ الذى قد يبدو محيرا للباحث المحايد هو أن البنا كان يؤكد أن الأحزاب والنظام الحزبى ليسا ضروريين إذ يمكن لهذه الحكومة أن تقوم بدون حزبية، ذلك لأن الأحزاب تقسم الأمة ولا تتفق مع النهج الإسلامى. (حسن البنا- مشكلاتنا فى ضوء النظام الإسلامى- ص: 41)
وإذ يدعو البنا صراحة إلى حل كل الأحزاب القائمة، فإنه لا يجد غضاضة فى أن يطالب الجميع بأن يفسحوا له الطريق وحده قائلا : فحل الأحزاب السياسية سيتلوه قيام حزب واحد على أساس برنامج إسلامى إصلاحى (حسن البنا- الرسائل الثلاث- ص: 112).
ولعله يبدو غريبا أن يمعن البنا فى فكرة تصفية كل الأحزاب السياسية ما عدا حزبه إلى درجة الاستشهاد بتجربة الحزب الواحد فى روسيا وتركيا، وكلتاهما دولتان لا ترضى جماعة الإخوان عن نهجيهما. (الإخوان المسلمون 22/7/1946 مقال لحسن البنا).

وتستمر علامات الاستفهام وعلامات التعجب فى التراكم ولا نملك إلا أن نمضى مع رحلة الشيخ السياسى لنسجل ملاحظتنا. فالبنا يقدم نفسه كحزب سياسى يريد السلطة، بل ويؤكد أكثر من مرة أنه لن يسعى إلى السلطة وإنما السلطة هى التى ستسعى إليه فيقول : فنحن لا نسعى للحكم، ولكن هو الذى سيسعى إلينا فيما نعتقد، وحينئذ نفكر فى تحديد موقفنا منه، أنقبله أم نرفضه (المصور 1/3/1946)
وإذا ما سئل كأى زعيم سياسى عن برنامجه أجاب :نحن مسلمون وكفى، ومناهجنا منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفى، وعقيدتنا مستمدة من كتاب الله وسنة رسوله وكفى (حسن البنا- مذكرات الدعوة والداعية).
وهذا الأمر ليس بهذه السهولة.إذ لا يمكن لرئيس جماعة سياسية أن يقتحم ميدان العمل السياسى معلنا أن الإسلام طاعة وحكم ومصحف وسيف دون أن يدفع الجميع إلى التساؤل من سيستعمل السيف؟ وضد من؟
ولعل التساؤلات بدت فى محلها تماما عندما استخدم السيف بالفعل أسلوبا فى تعاملات الجماعة مع خصومها.
والإخوان لا ينكرون حقيقة أنهم جماعة سياسية بغير برنامج.

التخبط مع الدستور والقانون
فى رسالة المؤتمر الخامس يقول البنا : إن من نصوص الدستور المصرى ما يراه الإخوان المسلمون مبهما غامضا يدع مجالا واسع ا للتأويل والتفسير الذى تمليه الغايات والأهواء، فهى فى حاجة إلى وضوح وإلى تحديد وبيان، هذه واحدة. والثانية هى أن طريقة التنفيذ التى يطبق بها الدستور.طريقة أثبتت التجارب فشلها وجنت منها الأمة الأضرار لا المنافع، فهى فى حاجة شديدة إلى تحوير وإلى تعديل يحقق المقصود ويفى بالغاية.ولابد أن تكون فينا الشجاعة الكافية لمواجهة الأخطار والعمل على تعديلها (حسن البنا، رسالة المؤتمر الخامس).
لكن البنا سرعان ما يتراجع خوفا من أن يتهم بمناهضته للدستور فيقول : إن الدستور بروحه وأهدافه العامة لا يتناقض مع القرآن من حيث الشورى، وتقرير سلطة الأمة وكفالة الحريات، وإن ما يحتاج إلى تعديل منه يمكن أن يعدل بالطريقة التى رسمها الدستور ذاته (أنور الجندى - الإخوان المسلمون فى ميزان الحق، ص :63)
بل هو يواصل تراجعه.إلى درجة تثير الدهشة فيقول: ما كان لجماعة الإخوان المسلمين أن تنكر الاحترام الواجب للدستور باعتباره نظام الحكم المقرر فى مصر، ولا أن تحاول الطعن فيه أو إثارة الناس ضده وحضهم على كراهيته، ما كان لها أن تفعل ذلك وهى جماعة مؤمنة مخلصة تعلم أن إهاجة العامة ثورة، وأن الثورة فتنة، وأن الفتنة فى النار (النذير، العدد 33 - مقال لحسن البنا بعنوان : الإخوان المسلمون والدستور المصرى).
لماذا كل هذه القعقعة إذن؟ ولماذا الحديث عن الجهاد وعن النظام الإسلامى وعن التغيير الجذرى إذا كان النظام القائم سواء فى عهد الملك فاروق- صديق الإخوان - أو فى عهد الإخوانى جمال
عبد الناصر - عدوهم - مقبول من جانبهم؟ ولا ينكرون الاحترام الواجب له، باعتباره نظام للحكم المقرر.
والحقيقة أن هذه التصريحات كانت مجرد ستار من الدخان يخفى سعى الإخوان للانقضاض على الحكم، ذلك أن واحداً لا يختلف فى أن النظام المطبق فى مصر لا يجعل منها دولة إسلامية بالمفهوم الوهابى النجدى.
والأمر لا يقتصر فقط على الدستور وإنما يمتد أيضا إلى القانون فقد أكد الإخوان فى أكثر من موضع وبلسان جهابذة القانون من قادتهم أن القانون المطبق فى مصر- باستثناء بعض النصوص - يتفق مع نصوص الشريعة ولا يتناقض مع مبادئها العامة. (عبد القادر عودة- الإسلام بين جهل أبنائه وعجز علمائه، ص 23).
وقد أكد هذا الموقف بتفصيل واف وإسهاب الأستاذ حسن الهضيبى خليفة حسن البنا أثناء محاكمته عندما قال: إنه عندما كان يطبق القانون المدنى وهو قاض لم يكن يناقض الشريعة الإسلامية.
ويتساءل الباحث الأمريكى المقبول عند الإخوان المسلمين ريتشارد ميتشيل وهو محق تماما : إذا كان الأمر كذلك، فلماذا إذن إصرار الإخوان على تطبيق الشريعة الإسلامية؟ (راجع جريدة الإخوان المسلمون 29/7/1954).
ونحن نجيب على هذا السؤال : وهو أن جماعة الإخوان ترفع شعار الشريعة الإسلامية تأسيا بأسلافهم من الخوارج الذين رفعوا شعار إن الحكم إلا لله فى وجود الإمام على كرم الله وجهه، لأنهم لا يريدون أن يُحكَموا بالإسلام ولكنهم يريدون أن يَحكُموا بالإسلام.

لولي الأمر عندهم حق التشريع
إن أتباع البنا من قادة حركة الإخوان ومفكريها قد حاولوا حل التناقض القائم بين الشريعة الإسلامية وبين النظام القائم ولكن لصالح هذا النظام وتبريراً له. ويؤكد سيد قطب - كبير مفكرى الإخوان بعد وفاة الشيخ البنا -إن السلطات الممنوحة لولى الأمر تعطيه حق التشريع
مهتديا بمسألتين : المصلحة المرسلة وسد الذرائع (سيد قطب، العدالة الاجتماعية فى الإسلام).
ولابد لنا من أن نعيد ونكرر تساؤلنا:
فيم إذن كل هذه الضجة عن العودة للنظام الإسلامى، وعن جاهلية النظام الذى كان قائما فى الأربعينيات أو فيما بعدها؟
إذا كان الإخوان المسلمون قادرون دوما على التلون بأفكارهم ومبادئهم، فهى تارة تتفق مع هو قائم، وتارة تطالب بإدخال تعديلات طفيفة عليه، وتارة ترفضه لأنه جاهلىة وضلال، وكل ضلالة فى النار.ولا مبرر ولا معيار لقفز الجماعة من موقف إلى موقف سوى المصلحة الآنية.الأمر الذى يثير ريبة الباحث فى مدى جدية الشعارات التى ترفعها الجماعة أو تدعو لها.

البديل الذي قدمه البنا
* أهل الشورى يكونون إما من رجال الدين وإما من الرجال المتمرسين على القيادة مثل رؤساء العائلات والقبائل.ولا تكون الانتخابات بمقبولة إلا إذا ما أسفرت عن اختيار أناس من هذين الصنفين (حسن البنا، مشكلاتنا فى ضوء النظام الإسلامى، ص 60) ونلاحظ أن الشورى عنده مفاهيم إقطاعية متخلفة، مع أن الإسلام أكد أن التفاضل يكون بالتقوى والعمل الصالح.
* نفيا لدستور 1923 م نادى الإخوان (القرآن دستورنا)، مع أن القرآن حجة ودعوة، وليس دستوراً للحكم، وهذا ما فعله رسول الله فى السنة الأولى بعد الهجرة من وضع دستوراً للحكم سماه كتاب الموادعة قبل اكتمال نزول القرآن.
* ونفيا للزعامات السياسية )النحاس باشا أساسا( نادوا )الرسول زعيمنا(، مع أن الرسول مقصود الأ مة، وليس زعيمها، والزعيم لغة هو الرئيس أو الكفيل، وهذا معنى فيه نقص لقدر رسول الله صلى الله عليه وآله وسم.
* ورفعاً للمخطط الوهابى غلفوه بأعلام الخلافة الإسلامية، ولكن العجيب أنهم علقوا الخلافة الإسلامية على الملك فاروق، حيث يقول الشيخ البنا فى مجلة النذير العدد الأول مايو 1938 م: (إن لنا فى جلالة الملك المسلم أيده الله أملا. وبكل ما قام بينهم وبين القصر من علاقات) سنشير إلى بعضها فى صفحات قادمة - هل كانوا وهم يتحدثون عن الخلافة الضائعة يلوحون بها للملك فاروق؟ أم لملك الوهابية ولى نعمتهم الذى أخرجهم بعملية قيصرية من رحم الشعب المصرى ؟ أم أى خليفة آخر كانوا يريدون؟!!

الثالوث (ماهر- المراغي – البنا)
ويمضى الشيخ يوسع من قاعدة جماعته ونفوذها مكتفيا بشعارات عامة قد لا يختلف عليها أحد. فى عام 1929 كان لها أربع شعب، أصبحت خمسا فى عام 1930، ثم عشرا فى 1931، ثم 15 فى عام 1932 ثم تأتى مرحلة يقفز فيها عدد شعب الجماعة إلى 300 شعبة
فى عام 1938 ! إنها مرحلة التقاء الثالوث على ماهر -الشيخ المراغى - حسن البنا فى محور واحد مناهض لحزب الوفد وموال للسراى. ويستمر الصعود. ففى عام 1940 تصبح الشُعَب 400 شعبة حتى تصل إلى ألفى شعبة فى عام 1948.
فى رسالة المؤتمر الخامس قال الشيخ البنا :أحب أن أقول لإخواننا من دعاة الأحزاب ورجالها : إن اليوم الذى يستخدم فيه الإخوان المسلمون لغير فكرتهم الإسلامية البحتة لم يجئ بعد ولن يجئ أبدا، وإن الإخوان لا يضمرون لحزب من الأحزاب أيا كان خصومة خاصة به، ولكنهم يعتقدون من قرارة نفوسهم أن مصر لا يصلحها ولا ينقذها إلا أن تحل الأحزاب كلها وتتألف هيئة وطنية عاملة تقود الأمة إلى الفوز وفق تعاليم القرآن الكريم. وبهذه المناسبة أقول : إن الإخوان المسلمين يعتقدون عقم فكرة الائتلاف بين الأحزاب، ويعتقدون أنها
مُسَكّن لا علاج. والعلاج الحاسم الناجع أن تزول هذه الأحزاب مشكورة، فقد أدت مهمتها وانتهت الظروف التى أوجدتها، ولكل زمان دولة ورجال كما يقولون.
هكذا تحدث حسن البنا. لكن الكلمات شئ والأفعال شئ آخر.
فالدعوة توجهت نحو القصر الملكى تدعمه وتشد من أزره وتحاول جاهدة ودون جدوى أن تزين وجه الملك فاروق. والهجوم على الحزبية والأحزاب سرعان ما أسفر عن تحالف مع محور على ماهر - المراغى لفترة، ومع إسماعيل صدقى لفترة أخرى. ثم مع أحزاب الأقليات لفترة ثالثة، ولكن أليس من الأفضل أن نسير مع التحالفات السياسية للشيخ خطوة خطوة؟ وأليس من الأفضل أن نلقى بقعة صغيرة من الضوء على واحد من أقرب وأهم حلفائه - على ماهر باشا - تحدد لنا موقعه وموقع الحلف معه من قضية الوطن وقضية الإسلام؟
فقط أردنا بإيراد كلمات الشيخ السابقة أن نضعها فى مجابهة مواقفه العملية ونزن بعد ذلك مدى الصدق فى الكلمات والمواقف.
توفى الملك فؤاد، وأتى لحكم مصر شاب صغير السن، بلا خبرة ولا تجارب ولا قدرات، ونجح فى أن يسيطر عليه واحد من أعتى السياسيين المصريين وأكثرهم طموحا وذاتية وهو على باشا ماهر، والذى أصبح له النفوذ الأول فى السراى، واستطاع أن يصب فى الملك الجديد الكراهية التى كانت تفيض بها نفس أبيه نحو حزب الوفد.
وقد اعترف على ماهر بنفسه أمام المحكمة أنه كان صديقا للإنجليز، وأنه كان على ولاء تام لهم والمجاملات الشخصية كانت لأقصى الحدود.. (ملف قضية الاغتيالات السياسية - شهادة على ماهر باشا).
وعندما تصاعد المد الفاشى.وتصور البعض أن الألمان قادمون تهيأوا لاستقبال السيد الجديد.
من هؤلاء كان على ماهر. يقول الدكتور الطيب الناصر فى مذكراته: إن الكونت ماتزولينى آخر وزير مفوض لإيطاليا الفاشية فى مصر أبلغه أنه اتفق شخصيا مع على ماهر فى الوقت المناسب لتمهيد السبيل لجيوش المحور (روز اليوسف 23/1/1951 مذكرات الدكتور الطيب الناصر).
وتنفيذا لهذا المخطط وفى أعقاب الهجوم العنيف الذى قاده الجنرال روميل باتجاه مصر واستولى على بنى غازى يوم 29 يناير 1942 م، هاجت فى مصر مظاهرات أغلبها من الأزهريين أتباع الشيخ المراغى حليف على ماهر باشا تهتف (إلى الأمام يا روميل) وتهتف أيضا (على ماهر رجل الساعة).
ويقول جورج كيرك : إن المخابرات البريطانية اكتشفت فى الوثاق الألمانية أن على ماهر باشا كان يحصل على مبالغ مالية عن طريق بنك درسدنر جورج كيرك (موجز تاريخ الشرق الأوسط - ترجمة عمر السكندرى، ص: 34)
هذا هو على ماهر الذى دخل الشيخ البنا السياسة من بابه الخاص، والذى كان أول حليف سياسى لجماعة الإخوان المسلمين، والذى قاد البنا بيديه نحو التبعية للسراى والملك، والعداء للوفد والقوى الديمقراطية.
وهكذا كان على ماهر باشا أول من وعى – من المسئولين- نصيحة إسماعيل صدقى باشا بالتعاون مع الإخوان المسلمين واستخدامهم.

علاقة الإخوان بالملك
كانت البداية أثناء الاستعدادات لتولية الملك الشاب على العرش، فقد اقترح الأمير محمد على إقامة حفل دينى تتم فيه مراسيم تولية الملك، والحقيقة أن هذا الاقتراح لم يكن سوى جزء من المخطط الشامل لعلى ماهر والشيخ المراغى باحتواء الملك وتقديمه فى صورة (الملك الصالح) المسلح بالدين فى مواجهة الوفد المسلح بتأييد الشعب. وهنا يبرز - ولأول مرة- الدور السياسى للشيخ حسن البنا وجماعته. والتوقيت هام للغاية لأنه كما يحدد المهمة، يحدد إطارها وبواعثها ومحركيها.

ويعقد الإخوان المسلمون مؤتمرهم الرابع لهدف وحيد هو الاحتفال باعتلاء الملك العرش ! ولأول مرة أيضا تبرز فى الميدان جوالة الإخوان المسلمين لتلعب أدوارها الهامة كقوة للنظام والأمن (المصرى- عدد 22/2/1937).
وبعد احتفالات طويلة ومليئة بالبهجة تجمع الإخوان المسلمون عند بوابات قصر عابدين هاتفين نهبك بيعتنا وولاءنا على كتاب الله وسنة رسوله مذكرات الدعوة والداعية- حسن البنا) و (حسن البنا - د. رفعت السعيد، ص: 162)
وتستمر هذه الاحتفالات كل عام، فقد نشر بجريدة الإخوان المسلمين 6/5/1946 : (جاءنا من المحلة الكبرى أن استعراضا جميلا مؤلفا من خمسمائة وألف من جوالة الإخوان المسلمين هناك أقيم بعد ظهر أمس ابتهاجا بهذه المناسبة السعيدة). وفى مناسبة أخرى وعندما اختلف النحاس باشا مع القصر، خرجت جماهير الوفد تهتف (الشعب مع النحاس)، فسير الشيخ البنا رجاله يهتفون (الله مع الملك) !.
وتناهى الإخوان كثيرا بأن الملك قد خرج فى شرفة قصره ست مرات ليحيى مظاهرتهم هذه الأهرام 22/12/1937 وتقول جريدة البلاغ : إن الملك كان بالغ السعادة بشعار (الله مع الملك)، وكان يردد نعم الله معنا (البلاغ 22/12/1937) وهكذا تتعزز العلاقة بين القصر والإخوان، وتصل إلى درجة التشاور مع البنا قبل استدعاء إسماعيل صدقى (آخر ساعة، 1/12/1954)
والحقيقة أن البنا لم يكن جديدا على فكرة التقرب إلى العرش فهو يروى بنفسه فى كتابه (مذكرات الدعوة والداعية) إنه لما حقق معه فى عام 1930 ثبت من التحقيق أنه كان يملى على طلبته فى دروس الإملاء موضوعات يتوخى فيها الثناء على الملك فؤاد وتعداد مآثره.

ولم تكن جوالة الإخوان وحشودها لتحية الفاروق وحده وإنما أيضا لتحية على ماهر. فعند عودته من مؤتمر المائدة المستديرة الذى عقد فى لندن مارس 1939 لبحث قضية فلسطين، يقول الباحث دون هيوارت : كانت حشود الجوالة والإخوان فى انتظاره هاتفة له.
لكن النحاس باشا كان يرى أن إقحام الإخوان المسلمين فى السياسة وتصاعد دعواهم فى هذا الوقت بالذات تعبير عن مؤامرة أوسع وأخطر، فيقول فى خطاب 2 يوليو 1938 : عامل آخر من عوامل الأزمة. فلقد أراد أصحاب المؤامرة أن يجعلوها محبوكة الطرفين.
فتآمروا على استخدام الدين فى الدعاية ضد الحكومة -حكومة الوفد - ولقد كان من شأن هذه الدعاية أن تقف حجر عثرة فى سبيل إلغاء الامتيازات الأجنبية، وينال المتآمرون من وراء ذلك ما يرجونه. (هذا التحليل للموقف من النحاس باشا يؤكد المخطط الإنجليزى الوهابى للسيطرة على مصر، وإضعاف أية حكومة وطنية تعمل ضد الاستعمار وأعوانه).

تداعيات ولاء البنا للقصر
أدت العلاقات الحميمة بين الشيخ البنا ومحور القصر (على ماهر – المراغى) إلى تداعيات عدة، فهى من ناحية مكنت البنا من أن يقفز بجماعته إلى سطح الأحداث، وفى عام واحد أو عامين تضاعف عدد شُعَب الجماعة إلى أكثر من عشرة أضعاف، وامتلكت الجماعة مجلة ناطقة باسمها، وتشكلت فرق جوالتها لتمارس مهام الردع وحفظ النظام، وحشدت لمظاهرات كانت أول مظاهرات فى تاريخ مصر الحديث تهتف بحماس لحياة الملك.
لكن للتداعيات وجهها الآخر، فقد اعترضت مجموعة هامة من أعضاء الجماعة وكوادرها القيادية فى عام 1939 على هذا الانغماس السياسى المناوئ لمصالح الجماهير، ورفضوا أن يهتفوا بحياة الملك، ورفضوا الانغماس فى مؤامرات مشبوهة يحركها سياسى مشبوه مثل على
ماهر.
وهكذا وجه المنقسمون إنذارا إلى الشيخ البنا بقطع الجماعة كل اتصالاتها السياسية خاصة مع على ماهر (طارق البشرى - الحركة السياسية فى مصر، ص : 48). لكن البنا يرفض الإنذار، ويصدر قرارا بطرد كل معارضيه من صفوف الجماعة، بل ويهددهم بإبلاغ البوليس ضدهم إذا هم أذاعوا أسرار الجماعة.
أية أسرار؟
ولماذا يحميها البوليس؟ وكيف يستعين زعيم بالبوليس ضد معارضين له من صفوف جماعته الدينية ؟
والحقيقة أن هناك من الشواهد ما يثبت أن البوليس كان يحمى حسن البنا بتعليمات من السلطات العليا.
وقد كون المنقسمون جماعة شباب سيدنا محمد وخرجت معهم مجلة النذير وظلوا لفترة يرددون
معلومات عن مساعدات مالية تلقاها البنا من على ماهر.
ويكتب أحد زعماء الانقسام محمود أبو زيد عثمان فى مجلة النذير يحدد أسباب انقسام مجموعته، فيتهم الشيخ البنا بأنه:
1- موالٍ للقصر وعلى ماهر.
2- يتلاعب بأموال الجماعة.
3- يرفض تطبيق مبدأ الشورى.
4- يحمى بعض الشخصيات غير الأخلاقية (صهره الشيخ عبد الحكيم عابدين).
ومن التداعيات أيضا أن الإنجليز بدأوا يشعرون بخطر التقاء الجماعة والشيخ مع مخطط الموالين للمحور.ثم بدأت السفارة البريطانية فى تسليط عيونها على تحركات الشيخ ووضعته فى موضع الخصومة، خصوصا بعد الإطاحة بوزارة على ماهر.
ويروى د. محمد حسين هيكل باشا فى مذكراته أن السلطات البريطانية أبلغت حسين سرى باشا رئيس الوزارة أن حسن البنا يعمل لحساب الإيطاليين ورأت ضرورة الحد من نشاطه (د. محمد حسين هيكل، مذكرات فى السياسة، ج2: ص 208)

البنا يسخر جماعته لمن في الحكم
وتأتى أحداث 4 فبراير 1942 ويأتى الوفد إلى الحكم، وكان الجناح الليبرالى للوفد يرفض بشدة أى تدخل للدين أو الجماعات الدينية فى السياسة.
أما الجناح اليمينى فى الوفد بقيادة فؤاد سراج الدين باشا فقد كان يعتبر أن الإخوان المسلمين تمثل أداة مفيدة ضد الضغوط الاجتماعية المتزايدة خلال فترة الحرب، وساعد سراج الدين الإخوان بحكم منصبه كوزير للزراعة على توسيع نشاطهم فى الريف.
وفى 7 فبراير 1942 أعلن النحاس باشا رئيس الوزارة حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة، ورشح البنا نفسه فى دائرة الإسماعيلية، لكنه ما لبث أن سحب ترشيحه على أثر مقابلة عاجلة بينه وبين رئيس الوزارة فى مقابل إطلاق حرية النشاط أمام الجماعة.
وفى نهاية عام 1942 عاد النحاس إلى التصادم مع الإخوان فأغلق مقارهم جميعا ماعدا المركز العام، ثم عادت العلاقات إلى التحسن على أثر زيارة قام بها بعض قادة الوفد للمركز العام (أحمد أنس الحجاجى، الإمام - الجزء الثانى، ص: 399).

خلاصة الأمر : لقد وضح مبدأ التحالف بين الوفد والإخوان فى فترة محددة تماما، هى فترة تولى الوفد الحكم.ليس قبلها وليس بعدها فتحالفات الإخوان كانت دوما مع من فى الحكم أو سيوصلهم إلى الحكم، كما فعلوا فتحالفوا مع حزب العمل الاشتراكى الشيوعى.
وما أن أقيل الوفد وجاءت سلسلة حكومات الأقلية، حتى غير البنا دفة تحالفاته، فحاول مرة أخرى أن يعزز علاقته بالقصر، وإذ فقد قناة الاتصال التى تمثلت فيما سبق فى (على ماهر – المراغى)، الذين لم يعودا مقربين من القصر، كان البنا يبحث بدأب عن قناة اتصال جديدة بينه وبين الملك، ويروى أنور السادات أن الشيخ البنا قد ألح عليه إلحاحاً شديداً أن يحاول ترتيب اتصال مع الملك عن طريق يوسف رشاد، وأن يوسف رشاد قد قابل البنا بناء على تفويض من الملك، ويضيف السادات أن يوسف رشاد قد أفهمه فيما بعد، أن عام 1946 قد شهد رضاء
تاما من الملك عن الشيخ وجماعته (أنور السادات، صفحات مجهولة- الترجمة الإنجليزية، ص:99).

قال تعالى: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا رأيت العالم يخالط السلطان مخالطة كثيرة فاعلم أنه لص) أخرجه الديلمى فى مسند الفردوس. هذا لو كان عالماً وليس سياسياً يتخذ الله ورسوله سُلّماً ومطيّة للوصول إلى كرسي الحكم، فهذا ليس لصاً فقط ولكنه أقبح من الشيطان نفسه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح


.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة




.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا