الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة جماعة الإخوان المسلمين من الألف إلى الياء | 7

عبد الرحمن علي

2021 / 2 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الإخوان في الذروة
فى فبراير 1947 يخطو الشيخ البنا أولى خطواته على عتبات قصر عابدين مدعوا لأول مرة إلى وليمة - ملكية، وبقدر ما كان عاما 1946-1947 عامى التباعد بين الإخوان والخط الوطنى، بقدر ما كان الإخوان يتورطون فى مباركة خطوات لا يمكن لأى وطنى أن يباركها، كما شاهدنا فى صفحات سابقة من مشاركة معاهدة صدقى- بيفن، ومن علاقات البنا الوثيقة
بالطاغية صدقى. بقدر ما كان الثمن سخيا.
ومن الواضح أن جماعة الإخوان كان ينظر إليها باعتبارها أداة لمناهضة الوفد والشيوعية، و يبدو أن البنا قد حصل من صدقى على مجموعة من التسهيلات الرسمية! شجعته على القيام بهذا الدور من بينها :
• ترخيص بإصدار صحيفة يومية رسمية للجماعة هى: الإخوان المسلمون التى صدرت فى مايو 1946 و
• كذلك ترخيص ورق طباعة بالسعر الرسمى
• ومنح زى رسمى وأدوات ومعدات بأسعار رمزية لفرق الجوالة
• وكذلك منحها أرضاً لإقامة معسكراتها عليها
• وكذلك تعيين محمد حسن العشماوى - وهو أحد المقربين من الشيخ البنا - وزيرا للمعارف العمومية
• ومعونات مالية هائلة من وزارتى المعارف والشئون الاجتماعية.
وكان طبيعيا أن يتجاوب الإخوان أكثر فأكثر مع سياسة صدقى مقابل هذه التسهيلات، فجند الإخوان جوالتهم وكل قواهم لمحاربة كل من خاصم صدقى وسياسته الخائنة. وتركز هجوم الإخوان على الوفد والشيوعيين.
يقول أحمد حسين : إن الإخوان قد خاصموا الوفد وخاصمهم فبدأت الاحتكاكات بين الطرفين وبدأ الصدام على الخط، وكان طبيعيا أ ن تقف الحكومة إلى جوار الإخوان فى كل صدام يقع بينهم وبين الوفد وكانت تحميهم وتشد أزرهم (مرافعة أحمد حسين المحامى فى قضية اغتيال النقراشى، ص 243)
ورد الوفديون بالمثل فهاجمت صحف الوفد الشيخ البنا وأسمته الشيخ " حسن راسبوتين "، وقالت جريدة الوفد صوت الأمة فى وصف زيارة للشيخ لأحد الأقاليم :
هتف الناس بسقوط الشيخ صنيعة الإنجليز (صوت الأمة 28/8/1946) وشاركت (مصر الفتاة) فى الحملة على البنا وكتب أحمد حسين يهاجم البنا قائلا : حسن البنا أداة فى يد الرجعية وفى يد الرأسمالية اليهودية وفى يد الإنجليز وصدقى باشا (مصر الفتاة 17/7/1946)
وإذ استند الإخوان إلى حماية السلطة فقد لجأوا إلى ممارسة العنف السياسى على أوسع مدى، وشهدت المصادمات السياسية لأول مرة استخدام الرصاص والقنابل والفصائل المنظمة شبه العسكرية للجوالة.
وفى 6 يوليو 1946 وقع صدام بين الإخوان والوفديين فى بورسعيد استعمل فيها الإخوان الرصاص وألقوا ثلاث قنابل، فأسفر الحادث عن قتل واحد من الوفديين وإصابة 35 فتجمع الكثيرون على دار الإخوان وأشعلوا الحريق فيها، وفى النادى الرياضى للإخوان. (المصرى 7/7/1946)
وقبل أن نقلب هذه الصفحة بقى أن نقول : إن الإخوان سرعان ما انقلبوا على صدقى باشا نفسه عندما أحسوا أن أيامه فى الوزارة قد انتهت، وأن ثمة قادم جديد هو النقراشى، فمالقوا القادم الجديد كعادتهم.

الضربة القاضية لبنا بخروج زعماء الجماعة منها
لم يكن من السهل أن يقتنع كل إخوانى بكل هذا النهج، ولم يكن من السهل على أى مسلم أن يجد نفسه فى مظاهرة تهتف بحياة ملك فاسد أو رئيس وزراء خائن، ويؤيد معاهدة ترفضها مصر كلها، ويقسم الصف الوطنى.
وكان الانقسام هو السبيل الوحيد فى جماعة تحكمها من أعلى قبضة واحدة قوية.
واستند المعارضون للشيخ إلى قضية شائكة وحساسة كانت فى الجماعة منذ عام 1945 عندما أثار البعض شكوكا أخلاقية ضد عبد الحكيم عابدين السكرتير العام للجماعة وزوج شقيقة البنا.
وكلف البنا أحد قادة الجماعة المقربين منه د. إبراهيم حسن بالتحقيق فى التهمة وهى انتهاك حرمة بيوت وأعراض بعض الإخوان. ويقدم المحقق اقتراحا توفيقيا ويطالب بفصل عبد الحكيم عابدين وبفصل الأعضاء الأربعة الذين اتهموه، ويرفض الشيخ البنا ويأمر بتشكيل لجنة تقصى الحقائق من كبار قادة الجماعة، وتقدم اللجنة اقتراحا توفيقا وهو أن يبعد عابدين من منصبه وعن الجماعة كإجراء تطهيرى، ويرفض الشيخ مرة ثانية، ويعقد مكتب الإرشاد اجتماعا عاصفا يتهم صهر الشيخ البنا تهما خطيرة أقلها أنه راسبوتين الجماعة، ولكن البنا يصمم على موقفه متحديا إجماع مكتب الإرشاد العام.
واستقال إبراهيم حسن احتجاجا فى إبريل 1947 واستقال معه البعض.
ثم جاء خلاف جديد مع قائد آخر من الأعمدة الأساسية هو الشيخ أحمد السكري - وكيل عام الجماعة – والذى كان بينه وبين البنا علاقة وثيقة منذ أيام الطفولة، وكان مفوضا من قبل البنا للتفاوض باسمه مع الكثير من الجهات مثل : السفارة البريطانية والوفد وغيرهما، وجاءت
استقالته نتيجة تعسف البنا فى تعامله مع مكتب الإرشاد، وكان الشيخ السكرى يطا لب بتقليل سلطات المرشد وبديمقراطية العلاقة فى التنظيم، وكان الشيخ السكرى أيضا لا يرى أى خير فى التصادم مع الوفد، أكبر قوة سياسية جماهيرية فى البلاد، بل وطالب بنوع من الوحدة بين الحزبين. (حسن البنا - للدكتور رفعت السعيد، ص 182-183)
وكان خروج إبراهيم حسن والشيخ السكرى ومن لف لفهما ضربة قاصمة للجماعة، حيث فجر قضايا هزت الثقة فى الجماعة ونقاء دعوتها، وفى الشيخ وقدرته على تخطى علاقاته الأسرية.
وبدأ البنا فى التحرك فى اتجاه آخر وهو الاعتماد على الجهاز السرى.
ويبدأ الجهاد في سبيل الشيطان.

الجهاد يبدأ
خطوتنا الثانية.أيها الإخوان تجهزوا.فنحن حرب على كل زعيم أو رئيس حزب أو هيئة لا تقوم على نصر الإسلام، ولا تسير فى الطريق إلى استعادة حكم الإسلام ومجد الإسلام.
تحت هذا العنوان كتب البنا افتتاحية العدد الأول لمجلة النذير 30 ربيع الأول 1357 ه، ولقد
رأينا كيف دعا الشيخ أيضا إلى الجهاد، وكيف جعله الفيصل الذين يميز بين جماعته وبين الجماعات الإسلامية الأخرى، وكان البنا يلح ويلح على هذه المسألة ابتداء من عام 1938 ويكثر من الحديث عنها نثرا وشعرا.
والجهاد يبدأ.والدعوة لا ترفع أعلامها فحسب، وإنما تقترب من التنفيذ.لكن كيف؟.
وقبل أن نسأل كيف؟
نسأل لماذا؟
أو بالدقة نسأل ما هو جوهر فكرة الجهاد عند الشيخ البنا، وكيف فهمهما هو وأتباعه؟.
تنبع الفكرة من تقسيم أولى قسّم الشيخ البنا به المسلمين إلى أربعة أقسام : مؤمن - متردد - نفعى - متحامل. (حسن البنا، الرسائل الثلاث، صفحة: 6)
وطبقاً للمفهوم العملى لمثل هذا التقسيم فإنه ليس أمام أى مصرى إلا أن يضع نفسه فى أحد موضعين، فإما أن يكون عدوا للإخوان، وإما أن يكون مؤمنا.
وانطلاقا من هذا التقسيم.تكون جماعة الإخوان المسلمين هى ملتقى مصب المؤمنين، أى : تكون بالمعنى الإسلامى جماعة المسلمين، وإمامها هو إمام الحل والعقد فى الإسلام، والخروج على الإمام وعلى الجماعة هو خروج على جماعة المسلمين أى: خروج على الإسلام ذاته. ولهذا فإن الشيخ البنا كان منذ الأيام الأولى لجماعته يرى أن أى معارض له من الخوارج واضربوه بالسيف.
ولكن كيف فهم الإخوان الجهاد؟.

الجوالة هي البداية الحقيقية
الحقيقة أن الهدف السياسى للجوالة لم يكن مجرد تكوين أداة ردع منظمة على أسس عسكرية وانضباط صارم، وإنما كانت الجوالة أيضا حقلا تتابع فيه أعين المرشد اليقظة العناصر الأكثر حماسا والأكثر إخلاصا والأكثر طاعة وتلتقطها فى نواة خاصة.
وما يهمنا فى هذا الصدد هو أن البنا قد اهتم بالجوالة أساسا لأنها كانت حقلا يلتقط منه رجال تنظيمه السرى.
ونتوقف عند اعتراف بالغ الأهمية من عبد المجيد حسن - قاتل النقراشى باشا - أدلى به أثناء التحقيق إذ قال : إن انتقاله من نظام الجوالة بالإخوان إلى النظام الخاص قد تم دون أن يحس تغييراً طرأ على وضعه! لاتفاق النظامين فى التدريبات وأسلوب التعامل والعلاقات داخل التنظيم.
(طارق البشرى - الحركة السياسية فى مصر 1945-1952 ص 50).

البناء التنظيمي للجماعة
الحقيقة أن البنا كان حريصا على السرية التامة فى تحركاته، وكان يعتقد أن الدعوة عليها أن تتحقق بالسرية حفاظا على صمودها وضمانا لاستمرارها.
ويلاحظ أن نشأة الجهاز الخاص قد صاحبها إحداث تغييرات جذرية فى الهيكل التنظيمى للجماعة، إذ أُلغى نظام الكتائب وبُدئ فى تنظيم الأعضاء ضمن إطار نظام الأسر التعاونى، وهكذا يمكننا أن نتصور البناء التنظيمى للجماعة وهو يسير فى ثلاثة خطوط متوازية - فى الغالب مجهولة لبعضها البعض - كل منها له أسلوبه وقواته، ومنهاجه وقيادته:
1- نظام الأسر : ويضم الأعضاء العاديين، وهو الوعاء الأساسى لعضوية الجماعة، وهو يسير فى إطار دينى بحت، وهو الذى يتعامل مع الناس فى المساجد وغيرها، ويكون حكم العامة على الإخوان من خلال هذا النظام.
2- نظام الجوالة : ويضم الأعضاء الأكثر حماسا والأكثر استجابة والأكثر طاعة.
3- النظام الخاص : وهو جهاز سرى مطلق السرية. يتكون من ثلاث شعب : التشكيل المدنى - تشكيل الجيش -تشكيل البوليس.
ويتبع الجهاز السرى عدد من التشكيلات المتخصصة مثل (جهاز التسليح، وجهاز الإخبار) ويعتبر الأخير بمثابة جهاز المخابرات الخاص للجماعة، وقد وضع البنا واحداً من أخلص خلصائه على رأس هذا الجهاز هو عبد الرحمن السندى، وكان صالح عشماوى قد تولى رئاسة الجهاز فى البداية ثم تنحى عنه.
ويدرب أعضاء الجهاز تدريبا عسكريا قاسيا وعنيفا، ويعتادون الطاعة التامة والاستعداد للتضحية. وبعد أن ينتهى التدريب يقسم العضو يمين البيعة : أقسم بالله العظيم أن أكون حارسا أمينا لمبادئ الإخوان، مجاهدا فى سبيل الله على السمع والطاعة فى المعروف. وأن أجاهد نفسى
ما استطعت.
وفى المراحل الأولى كان قسم البيعة يتم وفق مراسيم خاصة فى حجرة شبه مظلمة مفروشة بالحصير، ويتم القسم على مصحف ومسدس وكان يكتسب مذاقا خاصا إذ كان يتم عادة بين يدى الشيخ البنا نفسه(1)
ويتباهى أحد قادة الجهاز السرى هنداوى دوير أنا أقسمت لحسن البنا شخصيا (محكمة الشعب، الجزء الأول- شهادة هنداوى دوير، ص: 32).
وكان عضو الجهاز السرى يربى تربية خاصة ويهيمن عليه عقائديا بحيث تسيطر عليه فكرة الجهاد والشهادة فى سبيل الله، وقد حرص البنا دوما على أن يربط بين فكرة الجهاد وفكرة الموت فى سبيل الله، وقد بين ذلك فى مقال نشر فى صحيفة الإخوان المسلمون عدد 16/8/1946
بعنوان فن الموت. وهكذا.. وبعد أن يتقن عضو الجهاز السرى فن الموت يتقدم للعمل، فيقول محمود عبد اللطيف أثناء محاكمته بتهمة محاولة اغتيال جمال عبد الناصر.
المدعى: فهمت أيه الفكرة من النظام السرى؟
المتهم : الفكرة هى الجهاد فى سبيل الله ودراسة القرآن والسيرة.
المدعى: الغرض منه أيه.
المتهم : الغرض منه محاربة أعداء الدعوة الإسلامية.
المدعى: كنت عارف إنك رايح تموت؟
المتهم: إيوه.
المدعى: مفكرتش فى طريقة للهرب؟
المتهم: لا.
محكمة الشعب- الجزء الأول- ص: 11
ونلاحظ فى النهايات أن الجماعات المتأسلمة الإرهابية كلها لها نفس التنظيم ونفس الهيمنة العقائدية وإتقان فن الموت، مما يؤكد أنها امتداد لجماعة الإخوان المسلمين، أو بمعنى أوضح تقوم بدور الجهاز السرى للإخوان المسلمين، كما سنثبت ذلك لاحقاً.
____________________________
(1) السؤال الذي يفرض نفسه هنا: من أين لمدرس خط بسيط أن يتفتق ذهنه - الذي لا يعرف غير تعليم الخط لطلبة المرحلة الإبتدائية – عن إعداد وتنظيم أجهزة غاية في المكر والدهاء والسرية باطنها غير ظاهرها (كما رأينا في نظام الأسرة ثم الجوالة) وغاية في الخطورة (كما رأينا في النظام الخاص والنظام السري الذي يتبعه نظام التسليح ونظام المخابرات) اللهم إلا عن طريق بريطانيا مؤسسة الحركة الوهابية في نجد وجماعة الإخوان في مصر؟
ومن أين أتت فكرة القسم في حجرة مظلمة بطقوس معينة يعرفها كل من قرأ في الحركة الماسونية وطقوس الإلتحاق بها والتي تكون مليئة بالترهيب بهذا الشكل ليتم تعظيم شأن الجماعة في قلب العضو للأبد؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حكاية -المسجد الأم- الذي بناه مسلمون ومسيحيون عرب


.. مأزق العقل العربي الراهن




.. #shorts - 80- Al-baqarah


.. #shorts -72- Al-baqarah




.. #shorts - 74- Al-baqarah