الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة جماعة الإخوان المسلمين من الألف إلى الياء | 8

عبد الرحمن علي

2021 / 2 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


توظيف حرب فلسطين لخدمة أهداف الجماعة
كان الشيخ البنا ماهرا إلى أقصى درجات المهارة فى استخدام الشعور القومى والإسلامى واعتلاء موجته لتعزيز مكانة الجماعة. ومنذ عام 1936 سنحت الفرصة لحسن البنا فى ثورة فلسطين، فوجد فيها ضالته للعمل والتوسع.
وأكسبته تأييد الثورة الفلسطينية وعطف مفتى فلسطين الحاج أمين الحسينى.
وما يعنينا فى هذا الأمر هو أن القضية الفلسطينية قد أتاحت إمكانات عدة أمام الإخوان:
فمن خلال تأييدها اتضح البعد الإسلامى والعربى للجماعة
ومن خلالها أيضا أمكن للجماعة الوهابية أن تمد نشاطاتها إلى المنطقةالعربية كلها كما أراد الملك عبد العزيز، وانتشرت شعبيتها من فلسطين إلى سوريا إلى لبنان إلى غيرها من البلدان.
لكن أكثر ما يعنينا فى هذا البحث هو أن مساندة الثورة الفلسطينية، ثم الاستعداد للمشاركة فى حرب فلسطين 1948 كان الفرصة الذهبية أمام الشيخ البنا ليحشد "ترسانة سلاح ضخمة"، ويدرب رجاله علنا تحت شعار الإعداد لحرب فلسطين.
وفى المحاكمات التى جرت لأعضاء الجماعة عام 1954 قيل الكثير حول تصرفات غير سليمة فى الأموال التى جمعت باسم الجهاد فى فلسطين. وحول تجميع السلاح بحجة حرب فلسطين
ثم تخزينه فى مخازن الجهاز السرى، واستخدامه فى عمليات الإرهاب الداخلى. الجمهورية 22/11/1954 ونجد أن الجمعية الشرعية- التى توهبت بعد صوفيتها بالرشاوى والمال الحرام المتدفق من بلاد البترول - تستقى أوامرها من الإخوان المسلمين، بل وتقوم بخدمتها حيث جمعت 6 ملايين جنيه لمجاهدى أفغانستان ثم أودعتها لحساب الإخوان فى ألمانيا، الذين يقومون بتمويل وتدريب قادة التطرف والإرهاب وتخزين الأسلحة للإرهاب الداخلى، طبقا لما نشرته مجلة روز اليوسف 13/12/1993 مؤيدا بالوثائق والأدلة.

تورط الإخوان في حرب اليمن
ويدخل الميدان عنصر جديد.
ففى 17 فبراير 1948 تهتز الأنظمة العربية كلها إذ تقع محاولة انقلاب فى صنعاء ضد الإمامة ويقتل الإمام يحيى وثلاثة من أبنائه.
ولقد هزت المحاولة الأنظمة العربية جميعا، التى كانت ترى فى أية محاولة للتغيير العنيف عدوى يمكن أن تنتشر إلى أرضها. ولقد دهش الجميع عندما وجدوا أن أصابع الشيخ البنا ممتدة بعيدا حتى صنعاء.
وعندما أعلنت جماعة الإخوان نفسها شريكا فى الصراع اليمنى، ووسيطا بل وحكما يملى شروطه ويتقدم بمطالب إصلاحية، ويحدد المناصب التى يجب أن توزع على قادة الانقلاب الذين اتضح للجميع أنهم كانوا على علاقة وثيقة بالشيخ البنا، وهو أمر لم يحاول الشيخ أن يخفيه، بل لعله - فى بعض الأحيان - تعمد الزهو بهذه الحقيقة. مجلة المباحث 12/12/1950
وكان هذا من أسباب تردى العلاقات بين البنا والملك وحكام الأقلية. وكانت الجماعة تعانى من الوهن الداخلى وتفتقد الدعم الخارجى من أى من القوى السياسية المسيطرة، وكان سوء علاقتها بالملك هو نقطة التحول الأساسية لديها. طارق البشرى - المرجع السابق ص: 369
"وعندما يقف الأخ المجاهد المسلح، موقف المتحدى، ويشعر بأنه مطالب بأن يحمى دعوته وأن يجابه خصومها، فإن العقل يخلى مكانه تماما كى يتكلم الرصاص والديناميت".

جرائم الجهاز السري للإخوان
فى يناير 1948 أعلن البوليس أنه اكتشف بمحض الصدفة مجموعة من الشبان تتدرب سرا على السلاح فى منطقة المقطم، وبمداهمة المجموعة ضبط البوليس 165 قنبلة ومجموعات من الأسلحة. وقال زعيم المجموعة سيد فايز : إن السلاح يجرى تجميعه من أجل فلسطين، وأن الشباب يتدرب من أجل فلسطين وقال: إنهم اشتروا السلاح من العرب البدو من أجل الفلسطينيين (المصرى 22/1/1948)
وبدأت أنظار البوليس تتجه ناحية شباب الجماعة.
وتأتى الخطوة الثانية فى 22 مارس 1948 عندما يقتل اثنان من الإخوان المستشار أحمد بك الخازندار، وذلك بسبب إصداره حكماً على عضو بالجماعة سبق أن اتهم بالهجوم على مجموعة من الجنود الإنجليز فى أحد الملاهى الليلية، ويكتشف البوليس الصلة بين الشابين وبين مجموعة المقطم وبين جهاز سرى مسلح داخل جمعية الإخوان المسلمين. آخر ساعة 24/11/1948 ولم يكن هذا الحادث سوى المقدمة.
فقد كانت حرب فلسطين تشتعل، وأسهم الإخوان المسلمون فى إذكاء مشاعر عنصرية ضد اليهود المصريين، وكان طبيعيا أن يسهم "الجهاز الخاص" - المدجج بالسلاح والمستفز المشاعر سواء بسبب تعثر مسيرة القتال وخيانة الحكومات العربية العميلة، أو بسبب القبض على إخوة الجهاد الذين قتلوا الخازندار - كان طبيعيا أن يسهم فى إذكاء نيران التعصب الدينى مستخدما الديناميت.
• وفى 20 يونيو 1948 اشتعلت النيران فى بعض منازل حارة اليهود، وفى 19 يوليو تم تفجير شيكوريل وأركو وهما مملوكان لتجار من اليهود.
• ويكون الأسبوع الأخير من يوليو والأول من أغسطس هما أسبوعا الرعب بالقاهرة حيث تتوالى الانفجارات فى ممتلكات اليهود. وخلال أسبوعين دمرت محلات بنزايون وجاتينيو وشركة الدلتا التجارية ومحطة ماركونى للتلغراف اللاسلكى.
• وفى 22 سبتمبر دمرت عدة منازل فى حارة اليهود، ثم وقع انفجار عنيف فى مبنى شركة
الإعلانات الشرقية. ولسنا بحاجة إلى القول بأن الضحايا كانوا كثيرين وأنهم جميعا من الأبرياء. (المصرى 20،21،29 يوليو، 1،4 أغسطس 1948)
• وكانت أعين البوليس التى استيقظت مؤخرا قد اكتشفت أحد أطراف الخيط إذ ضبطت ترسانة سلاح ضخمة فى عزبة بالإسماعيلية يمتلكها الشيخ محمد فرغلى قائد كتائب الإخوان فى فلسطين.
• وفى 15 نوفمبر ضبطت سيارة الجيب الشهيرة. والتى وضعت يد البوليس على اثنين وثلاثين من أهم كوادر الجهاز السرى، وعلى وثائق وأرشيفات الجهاز بأكمله بما فيها خططه وتشكيلاته وأسماء الكثيرين من قادته وأعضائه. (قضايا الإخوان - قضية سيارة الجيب : الحيثيات ونص الحكم، دار الفكر الإسلامى- القاهرة 1951)

محاولات يائسة
والشيخ البنا الذى اعتاد المناورة بالسياسة والسياسيين وجد نفسه محاصرا تماما عاجزا عن الفعل.
فإما أن يواجه القصر والحكومة، وإما أن يواجه أتباعه. وحاول أن يتخذ موقفا وسطا، ولعله راح ضحية هذه المحاولة. ولكن البنا حاول أن يلعب بآخر أوراقه (نفوذه وسط طلاب الجامعة) ودارت معركة عنيفة أمام فناء كلية طب قصر العينى أحد مراكز القوة بالنسبة لطلاب الإخوان. واستخدام البوليس الرصاص واستخدم الإخوان المتفجرات، وإذ كان حكمدار العاصمة سليم زكى يقود المعركة فى سيارته تلك السيارة التى ركبها حسن البنا منذ أقل من عام ونصف ليهدئ المتظاهرين ضد خيانة إسماعيل صدقى، سددت نحوه قنبلة أصابته إصابة مباشرة. واتهم بيان حكومى جماعة الإخوان المسلمين بقتله.
وعلى أثر ذلك، صدر قرار من الحاكم العسكرى بإيقاف صحيفة الجماعة. وحاول البنا يائسا إنقاذ الجماعة. اتصل بكل أصدقائه وحتى خصومه، ولعب بكل أوراقه، حاول الاتصال بالملك، بإبراهيم عبد الهادى رئيس الديوان الملكى، وبعبد الرحمن عمار صديقه الشخصى وصديق الجماعة وكان وكيلا لوزارة الداخلية.
ولأن الشيخ قد فقد أسباب قوته، فقد بدأوا يتلاعبون به، ففى الساعة العاشرة من مساء يوم 8 ديسمبر اتصل به عبد الرحمن عمار وأ كد له أن شيئا ما سيحدث لتحسين الموقف وإنقاذ الجماعة. واطمأن الشيخ وقبع هو ومجموعة من أنصاره فى المركز العام ينتظرون الإنقاذ، فإذا بالراديو يذيع عليهم قرار مجلس الوزراء بحل الجماعة، بناء على مذكرة أعدها عبد الرحمن عمار
نفسه.

الإتهامات الموجهة للإخوان المسلمين
واشتملت مذكرة عبد الرحمن عمار المرفوعة إلى مجلس الوزراء على ثلاث عشرة تهمة، نذكر منها:
1- أن الجماعة كانت تعد للإطاحة بالنظام السياسى القائم، وذلك عن طريق الإرهاب مستخدمة تشكيلات مدربة عسكريا هى فرق الجوالة.
2- مسئولية الجماعة عن مقتل أحد خصومها السياسيين (وفدى فى بورسعيد).
3- مسئولية الجماعة بحيازة أسلحة ومفرقعات ومتفجرات حادث المقطم - مستودع السلاح بعزبة الشيخ محمد فرغلى- ضبط مصنع للمتفجرات بالإسماعيلية.
4- نسف فندق الملك جورج بالإسماعيلية.
5- نسف العديد من المنشآت التجارية المملوكة لليهود.
6- الاعتداء على رجال الأمن أثناء تأدية وظائفهم.
7- إرهاب أصحاب المنشآت التجارية وتهديدهم بهدف الحصول على تبرعات واشتراكات مدفوعة مقدماً لصحيفة الجماعة.
8- قتل المستشار المسلم أحمد باشا الخازندار لحكمه على بعض أفراد الجماعة الذين اعتدوا على جنود الإنجليز.
وإذ حاول البعض الخروج من مقر المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين وجدوه محاصرا، واقتحمه
البوليس ليلقى القبض على كل من فيه باستثناء البنا الذى ترك طليقا بحجة أنه لم يصدر أمر باعتقاله. (الدعوة، غرة ربيع الأول 1397 - فبراير 1977)
وكانت حريته هذه هى عذابه ونهايته.
ودارت ماكينة العنف السياسى نحو الإخوان. هؤلاء الطغاة الذين باركوا دورانها ضد خصومهم من الوفديين والتقدميين والشيوعيين فإذا بغول الديكتاتورية يبتلعهم هم أيضا. وحاول البنا جهد طاقته أن يوقف طوفان المحنة، لكنه كان عاجزا بالفعل.
فالحكومة التى هادنها وهادنته كانت تضرب عنف وقوة مصممة على تصفية الإخوان، ورفض النقراشى كل محاولات البنا للالتقاء، والجماعة التى بناها الشيخ على مدى عشرين عاما تنهار أمام عينيه، وجهازه السرى تتقطع خطوط اتصاله، فقد كانت ضربة سيارة الجيب بالقنبلة: قاصمة بالنسبة لقيادة الجهاز السرى وشبكات اتصاله.
وإذ ضربت قيادة الجهاز فقد البنا اتصاله به، بل وفقد سيطرته عليه.

اغتيال النقراشي على يد الإخوان
فى العاشرة وخمس دقائق من صباح الثلاثاء 28 ديسمبر 1948 م وقعت الواقعة، وصعدت المأساة إلى أعلى قممها، حيث وصل النقراشى باشا إلى وزارة الداخلية يحيط به ضباط الشرطة يحرسونه وهو يتجه إلى المصعد فى طريقه إلى مكتبه بالدور الثانى، تقدم منه الطالب الصيدلى عبد المجيد أحمد حسن يرتدى ملابس شرطة برتبة ملازم أول وأطلق على ظهره رصاصتين فسقط قتيلا بعد عشرين يوما من صدور الأمر العسكرى بحل جماعة الإخوان، لم يحاول القاتل الهرب فتم القبض عليه، ولم يضف عبد المجيد أحمد حسن إلى اعترافاته جديداً خلال الستة عشر يوما التالية رغم التعذيب الوحشى الذى عاناه.
ولكن القاتل العنيد اعترف فجأة عندما قدم إليه النائب العام محمود منصور صباح يوم 11 يناير 1949 صحف الصباح وفيها بيان للناس كتبه الشيخ حسن البنا يقول فيه: (وقعت أحداث نسبت إلى بعض من دخلوا هذه الجماعة دون أن يتشربوا روحها، وتلا هذا الحادث المروع اغتيال دولة رئيس الحكومة محمود فهمى النقراشى باشا الذى أسفت البلاد لوفاته، وخسرت بفقده علما من أعلام نهضتها، وقائدا من قادة حركتها، ومثلا طيبا للنزاهة والوطنية والعفة من أفضل أبنائها. ولما كانت طبيعة دعوة الإسلام تتنافى مع العنف بل تنكره، وتمقت الجريمة مهما يكن نوعها، وتسخط على من يرتكبها، فنحن نبرأ إلى الله من الجرائم ومرتكبيها.
والله أسأل أن يحفظ جلالة الملك المعظم ويكلأه بعين رعايته، ويثبت خطى البلاد حكومة وشعبا فى عهده الموفق إلى ما فيه الخير والفلاح، آمين).

الشيخ السفاح سيد سابق صاحب كتاب فقه السنة يفتي باغتيال النقراشي باشا
وأدت اعترافات عبد المجيد أحمد حسن إلى القبض على خمسة من الإخوان المسلمين بتهمة الاشتراك والاتفاق والتحريض والمساعدة بينهم الشيخ سيد سابق - صاحب كتاب فقه السنة - الذى أخذ يقنعه بأن القتل حلال فى سبيل الله، فالنقراشى اعتدى على الإسلام بحل الجمعية. واستشهد الشيخ سيد سابق ببعض آيات القرآن الكريم.
وشيع أنصار الحكومة جثمان رئيس وزرائهم النقراشى هاتفين فى صراحة الموت لحسن البنا رأس
البنا برأس النقراشى وتهتف" الدم بالدم" (المباحث 23/1/1951)

السخط العام على الإخوان
وأتى إبراهيم عبد الهادى رئيسا للوزراء ليدير ماكينة العنف الرسمى إلى أقصى مداها. ولتتسع دائرة
الاعتقالات فى صفوف الإخوان فتشمل 6000 معتقل.
وفى زنازين التعذيب الرهيبة كان أقصى ما يؤلم الإخوان قيام أجهزة الأمن بتعليق الآية الكريمة: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب أليم(1)
ولعل شكوكا كثيرة قد ساورت هؤلاء الشبان من أعضاء الجهاز السرى وهم يعانون من التعذيب الوحشى فى جدوى عملية الإرهاب ضد خصومهم، وفى مدى انطباق فكرة الجهاد على ما ارتكبوه من أعمال.
ومع ماكينة التعذيب كانت ماكينة الدعاية تدور لتجرم الجماعة وشيخها ومنهجها وجهازها السرى، فلقد صدر:
1- فتوى مفتى الديار المصرية الشيخ حسنين محمد مخلوف يدين أفعال الجماعة ويتهم القائمين بها بالكفر.
2- بيان من هيئة كبار العلماء.
3- بيان ثالث من شيخ الأزهر محمد مأمون الشناوى.
4- إدانة من مفكرين وكتاب يتمتعون باحترام جمهور الشعب.
لكن استنكار الجهاز السرى وجرائمه لم يأت من خارج الجماعة فقط، بل لعله أتى أكثر من داخلها. بل من شيخها ومنشئها ومؤسس الجهاز السرى نفسه.
* يقول منير الدلة عضو مكتب الإرشاد العام فى اعترافاته أمام المحكمة : شفت الأستاذ حسن بعدما حصلت حادثة الخازندار وكان مرهق ومتعب جدا من الحكاية دى، وقال لى : الإخوان قاموا بارتكاب الحادثة دى إزاى؟ دى جريمة بشعة. (محكمة الشعب، الجزء الثانى- محاكمة حسن الهضيبى، شهادة منير الدلة 1236- 1237)
* ونمضى لنتابع مواقف بقية قادة الجماعة من أعمال الإرهاب، يقول حسن الهضيبى خليفة حسن البنا فى اعترافاته أمام المحكمة : لما جيت فى الإخوان المسلمين فى سنة 1951 تبين لى أن عندهم شئ اسمه النظام الخاص، فأنا سألت أيه الغرض من هذا النظام؟ وأيه مرماه؟ وتعملوا بيه أيه؟ خصوصا بعد ما ثبت أنه ارتكب جرائم قبل ذلك فى السنوات 46 و47 و48 وهذه الجرائم التى ارتكبت طبعا انحراف أو خروج عن الغرض الأصلى (محكمة الشعب، الجزء الرابع -
محاكمة محمود عبد اللطيف شهادة حسن الهضيبى ص 788)
* وقائد ثالث من الإخوان - محمد عبد المعز محمد عبد الله- يقول فى شهادته أمام المحكمة:
الدفاع: قتل النقراشى حلال؟
الشاهد: جريمة.
الدفاع: وقتل الخازندار حرام؟
الشاهد: إيوه.
الدفاع: إسلام أو كفر؟
الشاهد: كفر.
الدفاع: وقاتله؟
الشاهد: يدخل النار.
الدفاع: فى عهد من قتل الخازندار والنقراشى؟
الشاهد: فى عهد حسن البنا.
الدفاع: ومن يقر القتل كافر أو مسلم؟
الشاهد: ...........
المرجع السابق- الجزء الثانى- ص 376

* وقائد آخر من قادة الجماعة هو محمود الحواتكى يتكلم أمام المحكمة:
الدفاع: هل اغتيال الخازندار من ضمن الأخطاء؟
الشاهد: نعم.
الدفاع: والذين اتكبوا هذه الأخطاء مسلمين أو غير مسلمين؟
الشاهد: انخلعت عنهم ربقة الإيمان.
الدفاع: هل تع تد أن الذين يقرونهم ويوافقون على هذه الجرائم مسلمين أو غير مسلمين؟
الشاهد: غير مسلمين.
ويمضى الشاهد فى اعترافاته مؤكدا أنه فى أيام حسن البنا كان الذى يخرج على الجهاز السرى يقتل (المرجع السابق، ص: 254)
ونترك هذا الحديث إذ بإمكانه أن يطول. وقد أردنا فقط منه أن نثبت أن مقولة الجهاد التى قام على أساسها الجهاز السرى لم تكن واضحة ولا مستقرة ولا مقبولة من كوادر الجماعة وقادتها. وأن الزهو عندما انطفأ، انهار الكثيرون مدلين باعترافات كاملة. كان أخطرها تطوعهم بإدانة فكرة الجهاز السرى وتكفير القائمين عليه.
نترك ذلك. ونعود إلى الشيخ حسن فى محنته القاسية.

الخداع والتلاعب بالشيخ حسن البنا
كان الشيخ حسن البنا يعانى أكثر ما يعانى من حريته المفروضة عليه. وأكثر من مرة طالب خصومه بأن يضعوه فى المعتقل ولكنهم رفضوا، فقد اختمرت لديهم فكرة تصفية الشيخ سياسيا أولا وبعدها يصفى جسديا. وقد كان.
وفى حريته كان الشيخ أكثر عذابا من أتباعه المسجونين، فقد تركوه محاصرا، ضعيفا، لقد انفرط عقد الجماعة، والجهاز السرى تقطعت خطوطه، والبناء الشامخ ينهار، ورهبان الليل وفرسان النهار يتساقطون تحت آلة التعذيب ليدلوا باعترافات متكاملة تجر إلى الزنازين المزيد والمزيد من الإخوان.
والشيخ الذى كان ملء السمع والبصر، أصبح يستجدى مقابلة مع رئيس الوزراء، مقدما كل ما يستطيع من تنازلات. ويأبى رئيس الوزراء أن يقابله.
وبالنسبة لرجل كحسن البنا، يكون وضع كهذا هو قمة المأساة، ولجأ الشيخ البنا إلى الوساطة. والصحيح أنه قد وقع فى مصيدة الوساطة.
لقد استدرجوه خطوة خطوة، ليقدم تنازلا، أثر تنازل وفى النهاية اغتالوه.
وقد رفض إبراهيم عبد الهادى مقابلة الشيخ، ثم أحال الأمر إلى اثنين من أخلص أعوانه ليراوغا الشيخ ويستدرجاه أولا إلى مصيدة التصفية السياسية.
ولنلق نظرة على الصائِدَيْن ثم على المصيدة:
- الصائدان: مصطفى بك مرعى، وزكى باشا على.
- المصيدة: استدراج الشيخ إلى إصدار بيانات واتخاذ مواقف تدمر سمعته السياسية وتظهره بمظهر الضعيف أمام أتباعه وجماهيره، وتؤدى إلى تدمير معنويات الإخوان المحتجزين، ثم فى النهاية تصفيته جسديا بعد أن يصفى سياسيا.
لكن كيف كانت تجرى المفاوضات بين الصائد والصيد؟. وكيف كان الشيخ المقصوص الأجنحة يجر جرا إلى المصيدة ؟.
لنستمع إلى شهادة أقرب المقربين إلى حسن البنا، صهره عبد الكريم منصور، إنه يستخدم نفس التعبير فيقول: وعلاوة على ذلك استخدمت الحكومة الأستاذ مصطفى مرعى كأداة صيد. لأن مصطفى مرعى اتصل بصالح حرب، وقال له : أنا عاوز أفاوض الإمام الشهيد، وأخذ الأستاذ مصطفى مرعى بأساليب ملتوية ممقوتة يعمل على إبقاء الإمام الشهيد بالقاهرة، موهما بأسلوب بهلوانى بأن الحكومة ستلغى أمر الحل وتتصالح مع الإخوان، وتعود الأمور إلى ما كانت عليه. (محاكمات الثورة – الكتاب الأول- ص: 125)
وهكذا فعندما يتردى السياسى فى هاوية التنازلات فلا عاصم.
ويوقع البنا بيانا بعنوان بيان للناس استنكر فيه أعمال رجاله ورفاق طريقه، ودمغها بالإرهاب والخروج على تعاليم الإسلام، وكان البنا يلح على ضرورة الإفراج عن بعض رجاله، معلنا أنه لا يستطيع أن ينكر الأخطاء التى ارتكبها الإخوان، وأنها قد هزته إلى درجة أنه هو نفسه قد شعر بضرورة حل الجماعة (موسى إسحق الحسينى، الإخوان المسلمون كبرى الحركات الإسلامية، ص: 36)
لكن عبد الهادى لم يقتنع بمنطق الشيخ ولم يكتف بالبيان الذى أصدره، وأخذ مصطفى مرعى يلح على ضرورة تسليم محطة الإذاعة السرية للإخوان، وكل ما بقى لدى الإخوان من أسلحة. (جمال سليم، البوليس السياسى يحكم مصر، ص: 199)
وبعد يومين من صدور بيان للناس قبض على أحد قادة الجهاز السرى وهو يحاول نسف محكمة استئناف مصر حيث أصيب 25 شخصا، وحصلت بعد ذلك مفاوضات بين مصطفى مرعى وصالح حرب مع الشيخ البنا، واتفقوا على إصدار بيان بعنوان (ليسوا إخوانا
وليسوا مسلمين).
وعندما يدخل الصيد المصيدة تكون التصرفات غير محسوبة. ولنقرأ ما خطه الشيخ البنا
بيده:
ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين
يقول: وقع هذا الحادث الجديد، حادث محاولة نسف مكتب سعادة النائب العام، وذكرت الجرائد أن مرتكبه كان من الإخوان المسلمين، فشعرت بأن من الواجب أن أعلن أن مرتكب هذا الجرم الفظيع وأمثاله من الجرائم لا يمكن أن يكون من الإخوان ولا من المسلمين، لأن الإسلام يحرمها والأخوة تأباها وترفضها. ولكن مصر الآمنة لن تروعها هذه المحاولات الأثيمة،
وسيتعاون هذا الشعب الحليم الفطرة مع حكومته الحريصة على أمنه، وطمأنينته فى ظل جلالة الملك المعظم على القضاء على هذه الظاهرة الخطيرة، وليعلم أولئك الصغار من العابثين أن خطابات التهديد التى يبعثون بها إلى كبار الرجال لن تزيد أحدا منهم إلا شعورا بواجبه وحرصا
على أدائه، فليقلعوا عن هذه السفاسف ولينصرفوا إلى خدمة بلادهم.
وإنى أعلن أننى منذ اليوم سأعتبر أى حادث من هذه الحوادث يقع من أى فرد له اتصال بجماعة الإخوان موجها إلى شخصى، ولا يسعنى إزاءه إلا أن أقدم نفسى للقصاص أو أطلب إلى جهات الاختصاص تجريدى من جنسيتى المصرية التى لا يستحقها إلا الشرفاء الأبرياء، ولله عاقبة الأمور. حسن البنا).
وهكذا امتص المفاوضون البرتقالة إلى آخر قطرة. (د. رفعت السعيد، حسن البنا- ص: 234)
وماذا يبقى من الشيخ؟
رجاله فى السجون يبعثون له يهددونه، ومن بقى بالخارج يتمرد عليه، وهو يتهم أخلص خلصائه الذين أقسموا له على المصحف والمسدس يمين الطاعة التامة فى المنشط والمكره. يتهم رهبان الليل وفرسان النهار بأنهم ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين!. بل ويتردى إلى مديح الحكومة التى تعذب رجاله أشد العذاب، ويقول : إنها حريصة على أمن الشعب وطمأنينته فى ظل جلالة الملك، بل ويحرض الشعب على التعاون مع الحكومة للقضاء على هذه الظاهرة الخطيرة!.
رهبان الليل وفرسان النهار أصبحوا فى آخر بيان للشيخ أولئك الصغار من العابثين وجهادهم أصبح سفاسف، ولا يبقى للشيخ ما يقوله سوى أنه سيطلب تجريده من جنسيته المصرية التى لا يستحقها إلا الشرفاء الأبرياء.. وقرر القتلة أن يطلقوا الرصاص على جثة الإمام الذي أسموه فيما بعد شهيداً، استكمالاً لمسيرة خداع الثعالب في ميدان السياسة وتسلق كرسي الحكم.

الإذلال والإغتيال
أصبح البنا بلا حارس، أو مسدس، أو سيارة. فقد سحبوا مسدسه المرخص، ثم سحبوا الحراسة المحيطة به، ثم سحبوا سيارته، وفوجئ ذات يوم بأن التليفون فقد الحرارة بأمر من وزارة الداخلية، وامتنع البنا عن الصلاة فى جامع قيسون بناء على نصائح الأسرة والأصدقاء وأخذ يؤدى الصلاة فى بيته. حتى صلاة الجمعة كان يؤديها فى بيته!!.
وكانت جمعية الشبان المسلمين -المقر الذى أسسته الوهابية- هى المكان الوحيد الذى يدخله البنا إذا غادر بيته.
وجاءت الساعة.
فى مساء السبت 12 فبراير 1949 - يوم ذكرى ميلاد الملك فاروق - استدرج الشيخ البنا إلى جلسة مفاوضات أخرى أو أخيرة فى جمعية الشبان المسلمين، وبعد انتهاء المفاوضات خرج البنا ومعه صهره عبد الكريم منصور ليستقلا التاكسى، وقبل أن يحدد البنا وجهته تقدم رجل
يرتدى الملابس البلدية ويبدو ملثما، وفتح باب السيارة وأخذ يطلق النار على الشيخ البنا، وجاء رجل آخر وأطلق النار على عبد الكريم منصور، ونقل الشيخ وصهره إلى القصر العينى، ولم يترك فى مكان الجريمة سوى مسبحة القاتل من 100 حبة.
وفى الثانية عشر والربع بعد منتصف الليل مات الشيخ.
قال الشيخ عمر التلمسانى مرشد الإخوان الثالث : إن البنا قتل بالرصاص وبغير الرصاص، وإن الملك أمر أن يترك فى المستشفى بلا علاج، ليموت، وإن صاحب الجلالة ذهب إلى المستشفى ليراه قتيلا!.
وهكذا فى اثنتى عشرة ساعة قتل الشيخ البنا، وشُرح، وغُسل، ودفِن، وانطوت صفحة حياته.
(محسن محمد، من قتل حسن البنا؟ من صفحة 485 حتى 544) وبقيت نتائج وثمرات أعماله التي لا يغسلها ماء البحر.. مسلسل ترويع باسم الإسلام والدين والملة في كل مكان عدا اسرائيل، من ساعتها وحتى اليوم. ويعلم الله أن الهدف هو السلطة ومتاع الدنيا الزائل، الذي جعلهم لا يتورعون أن يُظهروا تواطؤ مكتب الإرشاد مع الأمريكان جهرة بلا حياء، بعدما كان التواطؤ مع بريطانيا زمان سراً.. ولم الحياء؟ إذا كان الهدف هو كرسي الحكم، والكارت الذي تكسب به العب به يا شيخ.. فالحكم ليس لأحد إلا لله! والإخوان والوهابية هم الفرقة الناجية أبناء الله وأحباؤه!!

______________________
(1) لن تعدم شخصاً إما أبله أو مجرم مريب - يكاد يقول خذوني – يدعو حتى الآن إلى محو العقوبات التي وردت في القرآن (كأنها تطبق أساساً، بينما المجرمون يسرحون ويمرحون في كل مكان) اللاتي تشرع الحدود لحفظ الأمن وردع من لا يجد رادعاً يردعه عن المضي فيما يفكر فيه من جرائم، ولكن السؤال: هؤلاء يدافعون عن من يا ترى؟ هل يرون أنفسهم من المجرمين أم هم منحازون إلى المجرمين مشجعون لهم؟ هذا لغز محير، لكن المقطوع به أنه لا يمكن أن تجد دولة محترمة بلا قانون عقوبات صارم ورادع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #shorts - 49- Baqarah


.. #shorts - 50-Baqarah




.. تابعونا في برنامج معالم مع سلطان المرواني واكتشفوا الجوانب ا


.. #shorts -21- Baqarah




.. #shorts - 22- Baqarah