الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طالبان قد تستفيد مما يجري في الشرق الأوسط

عبدالله المدني

2006 / 7 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وفق مقولة "مصائب قوم عند قوم فوائد" تتأهب حركة طالبان الأفغانية المدحورة للاستفادة من الأجواء الحالية المضطربة في منطقة الشرق الأوسط و تداعياتها المتمثلة في انشغال المجتمع الدولي بحرب إسرائيل على لبنان و زيادة حنق الشارعين العربي و الإسلامي على واشنطون والغرب في استعادة نفوذها و خلق شعبية لها. ففي مثل الأجواء الحالية، يكفي أن يقوم أتباع الحركة بالضرب في أي مكان حتى تلتهب أكف و حناجر العرب و المسلمين، بما فيهم أولئك المختلفين فكريا مع طالبان، بالتصفيق لها و إغداق الثناء عليها. و قد رأينا شيئا من هذا أثناء حرب إسقاط نظام صدام حسين، حينما تبرع الكثيرون من العرب المصنفين في خانة الليبراليين و اليساريين والتقدميين بالتصفيق لعمليات قام بها الطالبانيون بالتزامن ضد منشآت و أفراد قوات التحالف في أفغانستان.

و المعروف أن الطالبانيين نشطوا خلال اشهر ابريل و مايو و يونيو في ضرب بعض الأهداف الحكومية أو تلك التابعة لقوات التحالف في ما سمي بحملة الربيع التي تجاوزت كل عمليات الحركة منذ إخراجها من السلطة في شتاء عام 2001، ثم تراجعوا خلال الشهر الحالي مكتفين بهجمات ميليشاوية صغيرة و متفرقة، حتى أن القوات البريطانية الجديدة التي أرسلت إلى مناطق الجنوب الأفغاني حيث معقل الحركة لم تواجه صعوبة في التمركز و الانتشار. ويعزو احد كبار المتخصصين في شئون طالبان ( سيد سليم شاهزاد) هذا إلى احتمال أن يكون الطالبانيون قد قرروا تحين فرص تكون فيها عملياتهم الهجومية متزامنة مع تدهور اكبر إن لجهة المواجهة الإيرانية – الغربية حول ملف طهران النووي أو لجهة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، كي تكون لتلك العمليات وقعا مدويا في نفوس شارع عربي و إسلامي يبحث عن أي انتصار ضد الغرب، حتى لو كانت في صورة تدمير مركبة عسكرية أو قتل مجند.

مثل هذا التحليل يحمل قدرا كبيرا من الصحة، خاصة و أن حركة طالبان لها سوابق كثيرة في استغلال بعض الأحداث الخارجية في تجييش العواطف الدينية و تحريض النفوس ضد حكومة كابول و قوات التحالف، كسبا للتعاطف و التأييد. فإذا كانت الحركة لم تتأخر في استغلال حوادث مثل حادثة ابوغريب في العراق و حادثة الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للرسول في الدانمارك و حادثة إهانة القرآن الكريم في سجون غوانتانامو، فمن باب أولى توظيف ما يجري اليوم في لبنان و غزة لتلميع صورتها و إظهار نفسها كمن يقف في الخندق ذاته نصيرا للإسلام و المسلمين.

في السياق ذاته أيضا يقال أن ميليشيات طالبان التي كانت تقدر في عز أيامها بنحو ثلاثمائة ألف مسلح تمني النفس بأن تشهد أفغانستان موجة من التذمر الشعبي في الأسابيع القادمة على خلفية نقص المؤن الغذائية، فتستغل ذلك في تأليب الأفغان ضد حكومتهم و جذبهم إلى صفوفها. حيث لم يعد خافيا طبقا لبعض التقارير أن نحو مليوني و نصف المليون من الأفغان قد يواجهون المجاعة بسبب حالة الجفاف هذا العام التي قلصت محصول الحبوب إلى النصف، معطوفا على تخبط السياسات الزراعية و التموينية لحكومة الرئيس حامد كارزاي، و أن عشرات الآلاف من هؤلاء قد اضطروا بالفعل إلى الانتقال إلى أماكن أكثر وفرة في الغذاء و المياه، و لاسيما الولايات الجنوبية حيث تنشط طالبان وأعوانها.

و تتقاطع هذه التحليلات مع ما صرح به " الملا غل محمد جانغفي "، احد القادة الميدانيين العشرة الكبار في ما يسمى بالمجلس القيادي لحركة طالبان، من أن الحركة نجحت عن طريق تكثيف عملياتها ضد قوات التحالف في ولاية هيلماند في رفع الروح المعنوية في صفوف أتباعها، و أنها الآن تخطط لعمليات نوعية أكثر صدى، و تحديدا ضد المطارات و القواعد العسكرية. و طبقا للقائد الطالباني، فان حركته تحاول عبر هذه العمليات و الخطط إيصال رسالة إلى كل المسلمين بأن الجهاد ضد الكفار في أفغانستان قد استعاد زخمه، و بالتالي فان من واجبهم الديني الالتحاق به.

غير أن ما لم يقله الرجل هو أن حركته لئن استطاعت خلال الأشهر الثلاثة الماضية في إيقاع نحو مائة إصابة في صفوف قوات الحكومة و التحالف، فان عملياتها و العمليات المضادة قتلت أو أصابت أكثر من ألفي مدني أفغاني في المناطق الجنوبية و الغربية وحدها، حيث غالبية السكان من العرق البشتوني الذي تدعي طالبان تمثيله، و لم تؤثر هجماتها كثيرا في معنويات قوات التحالف أو آلتها الحربية المتفوقة. و هذا يجعل الطالبانيون في مقام واحد مع ما يسمى بالمقاومة المسلحة في العراق لجهة التسبب في قتل عشرات المدنيين الأبرياء أو تدمير عدد من منشآت الوطن و بنيته التحتية في كل عملية مقابل إصابة فرد أو اثنين من الفريق الخصم.

و ما لم يتحدث عنه الملا جانغفي أيضا هو المصادر التي تعتمد عليها حركته في التسليح و التجنيد وإعاشة المقاتلين الذين يقدر عددهم بأكثر من ثلاثة آلاف عنصر بحسب احد التقارير. ففي ظل القيود الدولية المشددة و العيون الاستخباراتية المفتوحة على مدار الساعة للحيلولة دون تحويل الأموال إلى الطالبانيين و أنصارهم ، لا يوجد لدى الحركة من المصادر المالية سوى زراعة المخدرات وتصديرها من الولايات الجنوبية غير الخاضعة لسلطة الحكومة. وهذا المصدر بطبيعة الحال مدر لأموال ضخمة، و بما يجعل الحركة صاحبة ذراع مالي أقوى من الحكومة المركزية التى لا تتجاوز ميزانيتها العامة 600 مليون دولار، ولا تستطيع الاعتماد على زراعة المخدرات في التمويل العام مثلما كانت تفعل معظم حكومات أفغانستان السابقة بسبب ضغوط الدول الغربية الحليفة.

و من هنا أشار أحد التقارير الصحفية الأخيرة إلى وجود ضغوط داخلية من جهات عديدة، و لا سيما من لوردات الحرب السابقين المتحالفين مع حكومة كابول الحالية، لتأجيل عملية حظر زراعة المخدرات في أفغانستان إلى ما بعد القضاء المبرم على طالبان و تنظيم القاعدة، كيلا تتسبب العملية في قطع مورد هام من موارد الدولة المالية في وقت هي أحوج ما تكون إليه لتحسين أحوال مواطنيها و نيل دعمهم لبسط سلطتها على كل أقاليم البلاد.

لكن من المسئول عن هذا الخلل الذي أعاد حركة طالبان إلى الواجهة و مكنها من استعادة جزء من قواها المنهارة؟ المسئولية تتقاسمها أربع جهات: أولاها الولايات المتحدة التي انشغلت بملفات خارجية ساخنة أخرى بعدما أخرجت طالبان بالقوة من السلطة و ضخت أكثر من بليون و نصف البليون من الدولارات في عملية إعادة بناء أفغانستان خلال السنوات الأربع الماضية. و ثانيتها الحكومة الأفغانية التي لم تستطع حتى الآن من بناء قوة أمنية محلية قادرة على بسط سيادتها على كامل التراب الأفغاني بسبب المماحاكات الاثنية و الجهوية و القبلية، بدليل أن قواتها لا تزال متخلفة بثلاث سنوات عن خطط التدريب و الإعداد و التسليح التي وضعها لها الأمريكيون. و ثالثها الدول المانحة التي لم يوف معظمها بما تعهدت به من مساعدات اقتصادية معتبرة لانتشال الأفغان من مصيدة الوقوع في الإحباط المعيشي الدافع إلى الفوضى و الخروج على الدولة. و رابعها فشل باكستان في بسط سيطرتها الكاملة على المناطق الحدودية المتاخمة لأفغانستان، رغم نشرها لتسعين ألف من عناصر جيشها في المنطقة، الأمر الذي منح طالبان فرصة إعادة جمع قواها و سهل لها عمليات الكر و الفر و الاختباء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ندوة توعية للمزارعين ضمن مبادرة إزرع للهيئه القبطية الإنجيلي


.. د. حامد عبد الصمد: المؤسسات الدينية تخاف من الأسئلة والهرطقا




.. يهود متشددون يهاجمون سيارة وزير إسرائيلي خلال مظاهرة ضد التج


.. مختلف عليه - الإلحاد في الأديان




.. الكشف عن قنابل داعش في المسجد النوري بالموصل