الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رحيل مخضب بدموع اليتامى

مصطفى العمري
(Mustafa Alaumari)

2021 / 2 / 8
المجتمع المدني


هل بإمكان الكلمة ان تأدلق الحزن و تزيحه الى زاوية النسيان, كيف لموجوعٍ تهاوت جميع أعضائه الى البلادة و العتمة و التيه ان يعبر عن وجده وحزنه, الأمر محال, لكن وكما يقولون ربّ كتابة تهون على الروح وجع السياط, أي سياط تكون أرحم من فقد و رحيل يمزق فيك كيانك و أحشائك و ذاكرتك, وانى لمأسور الجوى, مختنق بالاسى ان تخفق به الكلمة فينتفض بها و يرسم معالم الحزن العميق من خلالها.

لم يكن أبو فراس غريباً على ذاكرتي فهو ابن عمي الحاج الوجيه الكبير نعمة الشبيب, تربى في بيت مملوء بالعزة و الأخلاق و العمل الحسن. فقد أثّر سلوك والده, الذي كان مضرباً للأمثال بالقيم و الشجاعة و الكرم و التدين الحقيقي, أثر فيه و بنى قوامه الاجتماعي من معين ذلك الوالد الزاهد.

المبدئية التي تربى عليها أبو فراس, هي عدم المهادنة او الإذعان فكان مشروع لثورة تهز عرش الحكم.

لكن للقدر نصيب و اختيار و تفكير مغاير وقبل ان ينقض عليه شبح الاعتقال او الإعدام, هاجر او هجر البلاد الى غير رجعة.

وبعد مرور أكثر من عقدين ولازال صاحبنا الذي كان طفلاً عندما غادر أبو فراس البلاد, يتذكر أحاديث قيلت عن ابن عمه و محاولات لتقريب صورته في ذهنه.

شاء ذات القدر ان يجمعهما بطريقة أقرب للخيال منها للواقع.

لقاء دام لأكثر من عقدين, فيه أحداث جديدة و مواقف محفورة بذاكرة الشاب, فأبو فراس يغدق بالمروءة و النبل و الكرم, وسِفره عظيم و شاسع.

وبرغبة عميقة في تدوين بعض من تلك المواقف يتذكر صاحبنا الشاب كيف إلتقى بإبن عمه لأول مرة, فقبل اللقاء خطب أحدى بناته وبعد مداولات و نقاشات لم تدم طويلاً وعلى غير العادة, وافق أبو فراس لتزويج بنته الى ابن عمه, وعندما ألتقيا دار بينهما حديث طويل, مكتظ بلوعة الفراق و طيف اللقاء.

يتذكر الولد كلمة قالها له أبو فراس:

قال هل تعلم لماذا وافقت على خطبتك لأبنتي ؟

لأنك أبن عمي عبدالواحد و أكيد أنك تحمل شيئاً من صفاته التي أثرت بي كثيراً, أسمع هذه ابنتي هي زوجتك و أمانة عندك.

وما ان أنهى أبو فراس كلمته الصادقة ،حتى نقش الولد تلك الكلمة في عقله و ذهنه و وجدانه.

وبعد زواج أكثر من عشرين عاماً لازالت تلك الكلمة منقوشة بالعقل و الفؤاد.

هاجس أبو فراس الكبير هم الايتام و العوائل المتعففة ولأنه يعرف الإنسانية من فلسفة العمل وليس الشعار فقد أسس مؤسسة خيرية للأيتام و المحتاجين وقد استفاد منها الآلف من الفقراء و اليتامى.

قلت له ذات مرة لماذا لا تنشر دعاية عن مؤسستك؟

قال لا أرغب بالعمل الذي فيه دعايات فأنا أعمل بصمت أفضل من التهريج و التكلف.



ليس عندي رغبة بأن انهي حديثي عنك يا أبا فراس, ورغم اني لم أقل شيئاً ذات قيمة لكنه محاولة لتخفيف من حجم الاسى وعمق الدنف الذي يمزق الروح من الداخل. وجودك هو كيان عظيم إتكأ عليه العديد من محبيك, فمحاولة الموت الاقتراب منك, هي محاولة لانهيار بناء إجتماعي و إنساني, لندعوا الموت و نحذره من ان يلمس ظفرك او يعبث بشعرك او يسرق ضحكتك و ابتسامتك, أنت يا سيدي رجل استثناء وجودك ضرورة يحتمها الواقع, وتوجبها الشرائع و القوانين.

كيف لهذا الموت محاولته الوصول اليك؟

ألا يعلم الموت كم طفلٍ يتيمٍ مرهق سينتزعه املاق الجوع و الفقد بعدك؟

هل أمكن للموت النظر الى أرضك التي أعمرتها و أصلحتها و زرعت فيها أطايب الثمار؟

لكنه القدر المحتوم شاء مرة أخرى, شاء ان يرحل أبو فراس رحيل أبدي, ترك خلفه مؤسسة من الايتام تنتحب لفراقه, هجرنا أبو فراس هجراناً مكتظاً بالاسى و الدجن.

رحيلك يا أخي لوعة مزقت ذواتنا و أدمت قلوبنا, كيف لا وانت الفارس الذي يظهر بالاحتدام و الشدة. أخي أبا فراس أنعيك بل أنعى روحي الممزقة لفراقك أنعى قلبي الذي يلهج بإسمك, ستبقى في قلبي المملوء بالوجع وان غيبك الموت فستبقى مخلداً في قلوب محبيك. وداعاً اخي أبو فراس و داعاً وقبلة لوجهك و على جبينك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعزية من القلب
علاء علي ( 2021 / 2 / 16 - 04:07 )
هكذا يكون وفاء الأصدقاء بالتعبير عن أسمى حالات الحب والصداقة والقرابة الحقيقية .. بأسى عميق ليس فقط على المأسوف عليه بل أيضاً لكلماتك التي تعبر عن مدى حزنك ووجعك الذي يقول بأن كل الأشياء الجيدة تساقطت أمامك كأوراق الشجر في الخريف , وكأن وفاته حلم وليس حقيقة , وبأنك ستظل تحاوره لترسم ابتسامته وتفاصيل وجهه الطيّب وأفعاله الأنسانية وأيامك التي قضيتها معه , ويتذكّره وأيضاً أبناء مؤسسته من الأيتام والمحتاجين وكل من عرفه وصاحبه , ولكني أعتقد بأنك مقابل ذلك ستبكي ألف مرة .. سيبقى المرحوم خالداً في سفر الحياة وفي ذاكرتك وليرحمه ألله ويدخله جناته وأجبر قلوبكم وقلوب محبيه فالموت حقٌ كالشمس التي تُشرق على الجميع .. حزني شديد لحزنك العميق على المأسوف عليه والبقاء في حياتكم أستاذنا العزيز .

اخر الافلام

.. كم عدد المعتقلين في احتجاجات الجامعات الأميركية؟


.. بريطانيا.. اشتباكات واعتقالات خلال احتجاج لمنع توقيف مهاجرين




.. برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والإسكوا: ارتفاع معدل الفقر في


.. لأول مرة منذ بدء الحرب.. الأونروا توزع الدقيق على سكان شمال




.. شهادة محرر بعد تعرضه للتعذيب خلال 60 يوم في سجون الاحتلال