الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكلمة: المفهوم و المنظور

ربيعة العربي

2021 / 2 / 10
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الكلمة: المفهوم و المنظور
من كتاب معمارية المعجم الذهني: إشكالات مؤسسة
ربيعة العربي و أشرف فؤاد
تفترض اللسانيات أن الكلمة هي مقولة كلية وأساسية في بنية اللغة، كما أنها مقولة محددة سواء في المورفولوجيا أو في التركيب، لأنه – كما يقول ديكسو ن Dixon و أيكنفالد Aikhenvald (2002 : 6):
" تتناول الموفولوجيا تكوين الكلمات، في حين أن التركيب يتناول توليف الكلمات. "
لكن رغم هذه الأهمية القصوى التي حظيت بها الكلمة ورغم أن أدبيات كثيرة- وخاصة في إطار ما يعرف بالدلاليات المعجمية lexical semantics - حاولت تقديم تعريف للكلمة يكون قابلا للتطبيق على جميع اللغات ويكون دقيقا وكليا، فليس هناك إجماع حول كيفية تحديد هذا المفهوم بشكل واضح. قاد هذا المعطى الباحثين إلى الإقرار بأن الكلمة مفهوم غامض يصعب ضبطه.يقول لنكاكر Langacker (1972: 37):
"الكلمة هي مصطلح من الصعب تحديده."
لعل هذا ما قاد كوزريو Coseriu (1964 : (141–142 إلى الاعتماد على بعد الحدس. يقول:
"نحن نعتبر فكرة الكلمة قائمة بشكل حدسي."
وقد تبعه في هذا الرأي أرونوف Aronoff وفودمان Fudeman (2005 : 36) اللذان يعتبران أن:
"المتكلمين - لديهم حدس واضح حول ما هي [الكلمة] وما ليس كلمة"
قاد هذا الإقرار مجموعة من الباحثين إلى اعتبار أن الكلمة لا يمكن أن تحدد إلا بطريقة خاصة بكل لغة على حدة، من ضمن هؤلاء الباحثين بازل Bazell ( 1958: 35). يقول:
" لا يوجد حاليا اتفاق حول تعريف الكلمة. هذا يعني أنه يجب تحديد الكلمة وفق كل لغة على حدة."
نحا سبنسر Spencer (2006: 129) المنحى نفسه، حيث يقول:
" قد تكون هناك معايير واضحة للكلمات في اللغات الخاصة، ولكن ليس لدينا مجموعة معايير دقيقة يمكن تطبيقها على مجمل لغات العالم."
وهو الموقف الذي يتبناه مارتينيMartinet (1960: 112) الذي يذهب إلى أنه من غير المجدي محاولة تعريف الكلمة بشكل كلي، وأنه ينبغي الاقتصار على تعريفها في إطار اللغة الخاصة.
نتجت عن هذا الوضع منظورات متعددة في تعريف الكلمة، نحددها- تبعا لإكاي جلانليوكلو Ilkay Gilanlioglu ( 2002 : 29)- فيما يلي:
- المنظور الإملائي orthographic perspective.
- المنظور الصوتي phonetic perspective.
- المنظور الفونولوجي Phonologique perspective.
- المنظور التركيبي syntactic perspective.
- المنظور الدلالي Semantic perspective .
1 - 3 - 1 – 1- المنظور الإملائي:
وفق هذا المنظور، يعرف كارتر Carter (1987 : 4) الكلمة بأنها:
" متوالية من الحروف (ومن عدد محدود من الخصائص الأخرى...) يحصرها من الجانبين بياض أو علامة ترقيم."
معتبرا أن هذا المنظور يمكن من تقديم تعريف عملي،على أساسه يمكن حصر عدد الكلمات المطلوبة في نشاط ما. نجد هذا التعريف نفسه يتردد عند سنغلتون (2000 : 7)، حيث يقول:
" في المقاربة الإملائية، تُعرَّف الكلمة بأنها متوالية من الحروف تفصلها من الجانبين مسافة فارغة."
غير أن هذا المنظور لا يستحضر البعد الشفوي للغة، بل يقتصر بالأساس على البعد المكتوب. أضف إلى ذلك أنه يسري على اللغات التي تستخدم أنظمة كتابة أبجدية مثل السيريلية Cyrillic alphabet أو الرومانية، ولكنه لا يسري على اللغات التي لا تستخدم مثل هذه الأنظمة للفصل بين الكلمات المشَكلة لها، من نحو الصينية واليابانية والسنسكريتية وغيرها من اللغات التي لا تضع فواصل بين كلماتها بهذا الشكل.
أضف إلى ذلك، أنه في الفئة الأولى من اللغات، هناك تنافر inconsistency واضح في قواعد الإملاء. يمثل هسبلمات Haspelmath (2011 : 36) لذلك بالعلامة "zu" في اللغة الألمانية، التي تتسم بإملاء متغير، إذ تكتب بشكل منفصل في أفعال بسيطة، من نحو الواسم غير المنته infinitive marker، لكن هذا الفراغ لا يراعى مع أفعال أخرى، كما يمكن أن نستنتج من خلال المقارنة بين المثالين التاليين:
1- أ - zu gehen (ذهب).
ب - wegzugehen (ذهب بعيدا).
يضاف إلى هذا المعطى معطى آخر، يتلخص في أن هذا التعريف لم يأخذ بعين الاعتبار ما يلي:
أ - التصور المجرد للكلمة.
ب - مشكل اللغات التي يطغى عليها البعد الشفوي ويغيب فيها- عموما- الشكل المكتوب، مثل اللهجات العربية، وكذا مشكل اللغات التي لم تشهد التدوين مطلقا، من نحو العديد من اللغات الأمريكية الأصلية.
ج - الكلمات المركبة: يعد هذا النمط من الكلمات- حدسيا- كلمة واحدة، لكن المكونات المشكلة لها يفصل بينها بياض.
د – المشترك اللفظي: يتوفر المشترك اللفظي على صورة واحدة، لكنه يتضمن معان متعددة، من نحو كلمة "هدى" التي تدل على معان متعددة منها الثبات والبيان والدين والمعرفة والإرشاد و غير ذلك من المعاني المختلفة.
من هنا، يمكن أن نتفق مع جسبرسن Jespersen (1924: 92) الذي يلاحظ أنه:
" غالبًا ما يكون الإملاء تعسفيًا تمامًا ".
1 - 3 - 1 - 2- المنظور الصوتي:
يقوم هذا المنظور على افتراض أن الكلمات تتمايز عن بعضها البعض عن طريق التوقف المؤقت في الكلام. لذلك شاعت فكرة التوقف المؤقت المحتمل والتركيز في تعريف الكلمة على البعد الصوتي، إلا أن هسبلمات (2011 : 68) يعتبر التوقف ظاهرة سطحية مرتبطة فقط بالإنجاز، و هذا يفيد أن لها علاقة بالأجرأة وليس ببنية اللغة. من هذا المنطلق، يؤكد سنغلتون (2000 : 7) أن هذا المعيار ليست له إلا قيمة جد محدودة، لأنه نادرا ما يمكن ضبط الفواصل بين الكلمات في الكلام، وهذا يحد من الفائدة العملية لمعيار التوقف المحتمل ويضعف من إمكان عده مؤشرا كافيا على حدود الكلمة.
هناك معطى آخر يزكي هذا الموقف، يتلخص في أن بعض اللغات تلجأ إلى التوقف داخل الكلمة الواحدة، وذلك إذا كانت طويلة. يمثل إفانز Evans وآخرون (2008: 103) لها بلغة دالابون Dalabon التي يقتبس منها هسبلمات (2011 : 69) المثال التالي:
- 2 ka-h-. . .rak-. . . m-iyan
سيحصل على حطب الوقود

1 - 3- 1-3 - المنظور الفونولوجي:
يعتمد هذا المنظور في تعريفه للكلمات على خصائصها الفونولوجية وعلى ربطها بالأنسقة الصوتية الفرعية. من هنا يؤسس تعريفه للكلمة على الصوت sound، وعلى استخدام طرازات النبر stress patterns وتناغم الصائت vowel harmony. كما يتضح ذلك من خلال المثال المقتبس من اللغة التركية:
hazir-Ia-mak - 3
هيأ
وكما يظهر أيضا من خلال اللغة الإنجليزية، التي تستعمل المقطع المنبور stressed syllable في مواقع مختلفة من الكلمة. يمثل سنغلتون (2000 : 7) لذلك بالكلمات التالية:
4 - renew- renewable- renewability.
التجديد - قابل للتجديد - جَدد
وكذا بالكلمات التالية المقتبسة من اللغة الهنغارية:
- 5a -kegyetlen- seg-uk-ben
بقسوتهم
في مقابل:
b- gond-atlan-sdg-uk-ban
بإهمالهم.
يتضح من خلال هذه الأمثلة أن تناغم الصائت، يحيل على أن الصائت الموجود في بداية الكلمة يتحكم في الصوائت الأخرى الواردة في الكلمة.
تواجه هذا المنظور بعض المشكلات، منها ما يورده سنغلتون كالتالي:
- أنه يتوافق مع لغات معينة دون غيرها.
- أن اللغات التي يتوافق معها لا يتوافق مع كل مكوناتها. مثلا في اللغة الإنجليزية، نجد الكثير من الكلمات غير منبورة في الكلام العادي ordinary speech من نحو( and (و)- but (لكن) by(ب) - if (إذا).
1 -3 -1-4 - المنظور التركيبي:
يعتمد هذا المنظور على ما يسميه سنغلتون (2000 : 9) بمعيار "الحركية الموقعية positional mobility" ومعيار"الاستقرار الداخليinternal stability". أو مايحيل عليه هسبلمات (2011 :40) بالثبات الداخلي internal fixedness. يحيل معيار الحركية الموقعية على احتلال الكلمة لمواقع مختلفة في الكلام، مثلا إذا انطلقنا من ج6 ( أ- ب- ج):
6- أ - قرأ زيد الكتاب.
ب- قرأ الكتاب زيد.
ج- زيد قرأ الكتاب.
نلاحظ أن الكلمات تحتل مواقع مختلفة باختلاف الجمل الواردة فيها. في حين أن معيار الثبات الداخلي يحيل على أن الكلمة ثابتة من حيث بنيتها الداخلية. لذا لا يمكن أن نجري أي تغيير في الرتبة التي تتوالى بها الحروف المشَكلة لها. يمكن أن نربط هذا المعيار بمعيار آخر يورده هسبلمات (2011 : 44)، وهو معيار عدم القابلية للفصل Uninterruptibility، الذي ينص على عدم جواز إدراج أي مكون بين الحروف المؤلفة للكلمة.
أول ما يجب ملاحظته هو أنه في معظم اللغات، تكون بعض أنماط الكلمات ذات موقع ثابت. مما يحتم النظر إلى هذا المعيار في نسبيته، وهذا ما يجعل منه معيارا محدودا. لذلك نجد هذا المنظور يصادف بعض الاعتراضات، يجمل منها سنغلتون (2000) مايلي:
- لأداة التعريف"the" المستعملة في اللغة الإنجليزية حركية موقعية محدودة، فهي ترد دائما قبل الاسم أو ما يقوم مقامه.
- أداة التعريف في اللغة العربية تحتل دائما الموقع الذي يوجد قبل الاسم أو ما يقوم مقامه، كما يمكن أن نستنتج من خلال ما يلي: :
7- البحر الهائج.
بحيث يؤدي تغيير رتبة المكونات إلى إنتاج تلفظ غير مقبول:
8- *بحر ال هائج ال.
بذلك نستنتج أن هذا المنظور قاصر على تقديم تعريف دقيق للكلمة.
1 - 3 -1-- 5- المنظور الدلالي:
منظور اعتمده بلومفيلد Bloomfield(1933 : 178). الفكرة هنا هي الاستقلال الدلالي للكلمة. تبنى العديد من الباحثين هذا المنظور، نذكر منهم زدلر Zedler (1749) الذي عرف الكلمة بأنها:
"صوت مدرك له معنى ."
وماييه Meillet (1921 : 30) الذي عرفها بأنها:
"ربط معنى معين بمجموعة محددة من الأصوات التي لها استخدام نحوي معين."
هناك حضور لهذا المعيار أيضا، في الأبحاث الحديثة، فقد اعتمده ديكسون Dixon وأيكنفالد Aikhenvald (2002: 19) اللذان افترضا أن الكلمة:
"لها تلاحم ومعنى عرفيان".
واعتمده كارتر (2012 : 21) الذي يقول:
" قد يكون تعريف الكلمة على أنها أصغر وحدة دالة [هو التعريف] الأدق. هذا يتيح لنا التمييز بين المعاني المختلفة التي تتضمنها الكلمة حينما تعد وحدات دلالية مختلفة."
وهو ينص على أن الفكرة المعتمدة في هذا التعريف هي تأكيد ما هو ثابت في الكلمة. والذي يتلخص في اعتبار أن اللفظ يعد كلمة إذا كان مستقلا بدلالته. لذلك تكون كلمات من نحو: يا - وا- ها... مستقلة بدلالاتها إذا ما ربطت بسياقات ورودها. يستنبط من هذا القول أن الكلمة صورة مستقلة وحرة، كما أنه يفترض فيها عدم القابلية للتقسيم،إلا أنه ينبغي الإشارة إلى أمرين أساسيين:
- وجود كلمات ليست حرة، وهي الكلمات التي ترد مربوطة إلى كلمة أخرى تسندها، من نحو الكاف في "ساندتك" والهاء في "سأله" والفاء في "فالدرس" والياء في "كتابي" وغيرها من الكلمات التي ترد مربوطة بكلمات أخرى.
- وجود الكثير من الوحدات الدالة التي لها طبيعة مركبة، ولكنها تتمظهر في شكل كلمات بسيطة غير قابلة للتجزئ. الأمثلة هنا كثيرة ويمكن أن نأخذها من لغات متعددة، ففي اللغة الانجليزية مثلا، يسوق سنغلتون كلمة "teapot = إبريق الشاي" التي تكتب باعتبارها كلمة واحدة، بالرغم من أنها تتضمن وحدتين دلاليتين"pot +tea". يمكن أن نمثل كذلك في اللغة العربية بما يسمى بالمركب المزجي، من نحو كلمة "بعلبك" التي تتألف من كلمتين "بعل" و "بك"، لكن الكلمتين جمعتا في كلمة واحدة. أضف إلى ذلك التوليفات التي لا تكتب في كلمة واحدة، لكنها تحيل على دلالة واحدة. من نحو ما نجده في اللغة الفرنسية، فكلمة "pomme de terre" (البطاطس) تتألف من ثلاثة مكونات "pomme+ de+ terre"، لكنها تحيل على وحدة واحدة. الأمر نفسه وارد في اللغة العربية في كلمات من مثل عبد الله - الدار البيضاء -... إلى جانب ذلك، هناك أيضا بعض التوليفات التي تختزل الجمل من نحو: البسملة التي تختزل " بسم الله" والحوقلة التي تختزل " لا حول ولا قوة إلا بالله" وغيرها من الأمثلة التي تؤكد أن المنظور الدلالي لا يقدم تعريفا كافيا لمفهوم الكلمة.
إذا أضفنا إلى هذه الأمثلة الكلمات التي تأتي على شاكلة: إذا - و - إن - أن - كـ - وغيرها فيحق لنا أن نتساءل مع كارتر ((2012 : 21) عن المعاني التي تحملها ألفاظ من هذا النوع. إنها لا تشكل بمفردها وحدات دلالية بالمعنى المقصود أعلاه، بل هي توظف بالأساس لبنينة طريقة تلقي المعلومات. من هنا يسجل سنغلتون (2000 : 8) أن التعالق الذي يوازي بين الكلمات البسيطة والمعاني الخاصة بها لا يتسم دائما بالوضوح.
خلاصة القول، يتضح من خلال ما أوردناه أنه على الرغم من تعدد المنظورات التي حاولت تقديم تعريفات شاملة للكلمة، إلا أنها كلها واجهت مشاكل متعددة جعلتها متسمة بالقصور. يتجلى هذا القصور في أن هذه المنظورات المقترحة لضبط الكلمة وتحديدها لا تنطبق بشكل موحد على اللغات، بل إنها، فضلا عن ذلك، لا تنطبق على اللغة الواحدة في كل سياقات الاستعمال. تدعو هذه الخلاصة إلى استنتاج عدم وجود معيار ضابط ومحدد لماهية الكلمة، لذلك تجاوز الباحثون الاعتماد على معيار واحد إلى الاعتماد على معايير متنوعة واستحضار جملة من المعلومات المرتبطة بالكلمة.
لربط مفهوم الكلمة بالمعجم الذهني ينظر الرابط
https://youtu.be/6H-JGvt8Rk8








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. متضامنون مع غزة في أمريكا يتصدون لمحاولة الشرطة فض الاعتصام


.. وسط خلافات متصاعدة.. بن غفير وسموتريتش يهاجمان وزير الدفاع ا




.. احتجاجات الطلاب تغلق جامعة للعلوم السياسية بفرنسا


.. الأمن اللبناني يوقف 7 أشخاص بتهمة اختطاف والاعتداء -المروع-




.. طلاب مؤيدون للفلسطينيين ينصبون خياما أمام أكبر جامعة في الم