الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللاأدرية لماذا ؟

عبدالله محمد ابو شحاتة

2021 / 2 / 10
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لم يكن فقداني الإيمان بدين أبائي منذ عمر الثامنة عشرة خياراً صعباً كما كان بالنسبة لكثيرين ، ولكن الأصعب كان هو ما تلا ذلك من محاولة لسد الفجوات التي تركها فقداني لهذا الإيمان ، التأرجح بين عديد من الفلسفات والأفكار ومحاولات حثيثة لإيجاد معنى وتفسيراً كانت تبوء دوماً بالفشل ، وهو شعوراً لن يفهمه من إرتضى بدفيء وسكينة الإيمان الأعمى .
تلك الرحلة الطويلة في البحث مرت بكثير من المحطات وتميزت بالديناميكية الدائمة ، حيث كنت أتبنى رؤية فلسفية معينة في الأخلاق أو نظرية المعرفة ثم سرعان ما أبدلها بأخرى ، ولكن كانت هناك العديد من نقاط التوقف وتحول المسار ، لعل أهمها كان قراءتي كتاب شوبنهاور" العالم كإرادة وتمثلاً " ، لقد كنتُ قبلها ككل الملحدين أتبنى نظرة واثقة في العلم بشكل مبالغ فيه ، وكنت أصدق وبشدة أن العلم بإمكانه الإجابة على الأسئلة الكبرى فيما يخص الكون ، وهو بالطبع الأمر الذي اعتبرته فيما بعد سذاجة أو مجرد أحلام مراهقة .
لقد كنت قبل قراءتي لشوبنهاور مستهزءاً بفلسفته وهو ما تغير إلى حداً ما بعد مطالعتي للعالم إرادة وتمثلاً ، لقد أصابني الدوار في منتصف الكتاب حتى أني كنت أقرأ الفقرة في عشرة دقائق ثم أفكر فيها ساعة ، لقد تهدمت التصورات القديمة لتحل محلها أخرى جديدة ، فقد تبدى لي حدود معرفتنا التي لا يمكن أن تتجاوزها ، الحدود التي لا يمكن للعلم أن يكسرها ، لقد أطلق عليها شوبنهاور مبادئ العلة الكافية ، ولكني أطلق عليها مبادئ أو قوانين الكون الأساسية ، إنها الزمان والمكان والعلية .
إن تلك المبادئ هي قضبان السجن التي لا يمكن كسرها ولا تجاوزها ، إنها تظل جزء لا يتجزأ من الكون وبالتالي يتطلب تفسير وجود الكون تجاوزها ، ولكن تجاوزها على كل حال غير ممكن ، فالعلم في أساسه مبني على العلية وإذا توقفت العلية توقف العلم ، فالعلم بإمكانه أن يمرح كيفما يشاء داخل الكون بقوانينه لكنه لا يمكنه أبدأ تجاوز ذلك ، و تفسير الكون لن يوجد بالطبع داخل الكون ، تفسير الكون لن يكون إلا خارجة وبالتالي خارج الزمان والمكان والعلية ( خارج العلم ) ، ولذلك فإن التفاؤل الزائد بخصوص قدرات العلم يبدو أنه غير ذات جدوى ، حيث يكون الكون وفقاً لذلك غير قابل للتفسير ، والطبيعة الكامنة ورائه غير قابلة للفهم ، لكونها سابقة على الزمان والمكان والعلية ، ويصبح أي فرض ليس إلا مجرد ظن ، فيمكنك أن تفترض أي افتراض تشاء وسيظل بعيداً عن الاثبات .
ورغم ذلك فإني اظل أستبعد افتراض وجود وعي أعلى خلف نشأة الكون أكثر من أي افتراض آخر ، والسبب هنا في أن الوعي ليس إلا أحد تجليات مادة الكون وليس شيء سحري مستقل عنها (( كالذات المتعالية والروح ))وتلك الميتافيزيقيات التي تفتقر للدليل ، فالثابت وما تؤيده كافة الشواهد وما يتفق عليه غالبية المتخصصين هو أن الوعي ليس إلا أحد تجليات المادة ، ولذلك يصبح تفسير المادة الكونية التي نعرفها بواسطة الوعي شيء مستبعد لكون الوعي أصلاً شكل من أشكالها وبالتالي لا يمكن تفسيرها بواسطته وإلا كنا كمن يفسر الماء بالماء .
واكثر شيء تُكسبه تلك النظرة للمرء هو احتكاراً متزايداً للميتافيزيقيا ، ورغبة في إقصائها من كل ميدان ، وهي الرغبة العارمة التي تنتابني ، وتجعلني أشعر بالامتنان لكانت من أجل إقصاءه للميتافيزيقا في نقد العقل الخالص بالرغم من أنه بعثها مرة أخرى في شكل أكثر استحياء في نقد العقل العملي ، كما يظل لشوبنهاور الفضل في كبح الغرور العلمي من جهة والميتافيزيقا من جهة أخرى بالرغم من أنه أيضاً قد سقط في شباكها جزئياً عند ابتداعه لفكر " الإرادة " التي اعتبرها كينونة العالم
، وعلى كل حال فهذا هو مبرر موقفي بالاأدرية ، إنه لا معقولية الغرور العلمي من جهة و وسخافة وتهافت الميتافيزيقا من جهة أخرى .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هنية يؤكد تمسك حماس بدور الوسطاء للتوصل لاتفاق متكامل لإنهاء


.. قرار الجيش الإسرائيلي بشأن -الوقف التكتيكي- لأنشطته العسكرية




.. الولايات المتحدة .. قواعد المناظرة الرئاسية | #الظهيرة


.. في أول أيام عيد الأضحى.. مظاهرة قرب السفارة الإسرائيلية بعما




.. بسبب منع وصول المساعدات.. غزيون يصطفون في طوابير طويلة من أج