الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في محاولة التغيير الإجتماعي

أميرة أحمد عبد العزيز

2021 / 2 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


تعرف الأسرة بأنها وحدة البناء الاجتماعي، وهو ما نسطيع أن نلمسه في الواقع ببساطة.
فحين قال الشاعر حافظ إبراهيم
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعب طيب الأعراق
كان إدراكا كون الأسرة كوحدة البناء الاجتماعي تمثل الأم فيها أول نقطة احتكاك للطفل بالمجتمع ثم دورها الممتد في تكوين شخصيته، وعن ذلك يذكر الدكتور عصمت سيف الدولة، في مؤلفه (الشباب العربي الهوية، مشكلة الانتماء) فيقول:
((أما مصنع هذا الخلق الجديد، او أداة تشكيل الشخصية المتماسكة من شمع الانسان اللن كما اختار أن يقول فيكتور بالدریج، فهو الأسرة. الأم أولا ثم الأب معها ثم الأخوة والمرافقون الأقربون. هذه أيضا حقيقة علمية لم ينكرها أحد منذ مطلع القرن العشرين، وقد تأكدت أولوية تأثير الأم في الخلق الاجتماعي من أن الطفل لا يدرك ذاته منفصلة عن ذات أمه بالولادة بل بعد ذلك بوقت طويل قد يمتد إلى عامين خلال هذين العامين))

وفي التغيير الإجتماعي:
على من تقع مسئولية التغيير والتطور الاجتماعي، هل على الأسرة كوحدة البناء الاجتماعي؟ أم بتغيير النظام العام داخل البناء الاجتماعى؟
يشير البعض لهذا الأمر مفرقين بين الثورة والفكر الإصلاحي الغير ثوري، فالثورة هى تغيير النظام القانوني في المجتمع لصالح الأغلبية على غير الطريق الذي يحدده القانون والتي لا تحدث إلا في حالة يكون فيها النظام القانوني اعتداءً على حرية المجتمع وعائقا في طريق تطوره هذا من جانب ومن جانب آخر عدم إمكانية التغيير بالطريق القانوني،1 وتهدف الثورة للتغيير في المجتمع كوحدة متكاملة ومن ثم تغيير سلوك أفراده، أم الإصلاحيين فيتجهوا لفكرة التغيير الجزئي دون ثورة، ويكون تغيير سلوكيات أفراد الشعب طريقًا للتغيير الكلي في داخل البناء الاجتماعي دون ثورة تحت شعار (إذا انصلح الفرد انصلح المجتمع) وبالتالي تكون الأسرة وحدة البناء الإجتماعي طريقا للتغيير الشامل في المجتمع ودون أن يتطلب الأمر ثورة تكون طريقا للتغيير.
بالنسبة لتغيير النظام العام والقانوني في المجتمع عن طريق الثورة، فلن تجد بالمقابل تغيير في سلوك أفراد المجتمع بمجرد حدوث الثورة وبيان نجاحها، وذلك بما يحقق أهداف النطام الجديد، بل إن ما اعتاده الأفراد من سلوكيات قد يكون هو الخطر الأول على نجاح الثورة. وفي مسرحية الديكتاتور لجول رومان، ترجمة: عبد المسيح ستيتي، يتحدث الملك إلى المعارض الذي يهدف للتغيير في المجتمع ويقول:
((ولكنك تعلم جيدًا انت السيد العزيز أنه لا يوجد مصنع يأخذ على عاتقه أن يقدم مجتمعات جديدة. وفي اليوم الذي يلي الثورة ستجد أمامك أشكالا من الناس المستهلكين ومن سبق أن خدموا كثيرًا وأسهموا في صنع النظام السابق قبل أن يعمدوا إلى تحطيمه وإلغاء عادات العيش القديمة، حتى الأطفال لن يتجددوا تجديدًا كاملًا، وستري ذلك، وستعود أجزاء كبيرة من النظام القديم إلى التشكل أمام أنفك وستجد أن عليك الاستمرار في القبض على المطرقة لإعادة تكسير الأشياء باستمرار، وذلك إلى تقع المطرقة من يدك أو يأتى من ينتزعها منك)).
أما الفكرة إصلاح المجتمع على طريقة إصلاح الأفراد أولًا ومن ثم يكون التغيير دون ثورة، فتطرح علينا مشكلتان:
المشكلة الأولى/ كيفية إصلاح المجتمع بدءًا من أفراده أو من وحدة البناء الاجتماعي.
المشكلة الثانية/ إذا كانت الثورة تتم لتغيير النظام القانوني المفروض قهرًا على المجتمع، فهذا يعنى وجود مقهورين وقاهرين، فإذا كان من الممكن تغيير سلوك أغلب أفراد المجتمع وأؤكد بالقول أغلب أفراد المجتمع أو الأكثرية، ذلك لأن في حين يكون جهل الناس بالصالح الإجتماعي هو عائق أمام تغيير وتطور المجتمعات ومن ثم التوعية تكون ضرورة، فإنه في المقابل يوجد من يعوا أكثر الأفكارا إصلاحا للمجتمع ولكنهم سيقفوا ضد التغيير حيث يجدوا مصلحتهم محققة بما هم عليه في النظام القائم وهي مصلحة فردية لا تهتم بالمجتمع وتطوره.
وبالتالي سنأتى في النهاية إلى نقطة فاصلة للانتقال للتغيير الحاسم والذي لن نملك تحقيقه إلا بثورة لتحطيم النظام القديم المفروض على الأغلبية.
وبهذا نعشق بين ما بدا إنهم متضادان، فإصلاح وحدة البناء الإجتماعي هو الطريق الصحيح لتحقيق ثورة التغيير ولا يمكن هذا إلا بتوعية اجتماعية تعمل على ضرب كل سلبيات النظم المستبدة التى تؤثر على سلوكيات الأغلبية من فردية واتكالية وفهم ضيق لمفهوم الوطنية وغياب للثوابت الوطنية بل والإنسانية.

اننا إذا شاهدنا عرض للكثير من الأسر المصرية على سبيل المثال سنجد اختلاف في المنظر العام، فهذه أسرة تبدو متدينة وهذه أسرة تبدو غير متدينة، وهذه أسرة مسلمة وهذه مسيحية، وهذه أسرة مدير عام وهذه أسرة ساعي، وهذه أسرة غنية وهذه متوسطة الحال وهذه فقيرة وهذه تحت خط الفقر، وهذه أسرة حديثهم يغلبه الكلام الأفرنجي، وهذه أسرة تهتم باللغة العربية، وهذه أسرة حديثها ونمط سلوكها يتسم بالإباحية، وهذه أسرة أغلبها دكاترة وعلماء، وهذه أسرة أغلبهم يدوب بيفكوا الخط؛ ومع هذا ولك أن تتعجب، إن هؤلاء ظالمين منهم ومظلومين، قاهرين ومقهورين، قد خيم عليهم سلوك واحد لا ينتمى لحضارة المجتمع الأصيلة، بل ولا يسمح بالتطور الإجتماعي، فهو قبول الأمر الواقع في المجتمع والتعامل بمنطق التكيف كالحيوانات وليس التطور كالمجتمعات الإنسانية، ولقد كان فيلم Parasite الكوري الذي صدر سنة 2019، وهو سيناريو وإخراج يونغ جون هو، يمثل لوحة فنية رائعة يظهر فيها وبجلاء هذه الفكرة.
بعد الاحتلال الإنجليزي لمصر سنة 1882، قام مصطفي كامل ومحمد فريد بإنشاء مدارس الشعب، كفكرة وعمل لدمج التوعية السياسية مع التعليم والتوعية السلوكية من خلال المدارس الليلية، كما قامت ثورة يوليو من خلال قائدها جمال عبد الناصر بإنشاء هيئة التحرير بعد ثورة يوليو 1952 وكذلك الإتحاد الإشتراكي كمحاولة منها لإشراك الشعب والتغيير بالتخلص من السلوكيات السلبية الراجعة للنظام القديم قبل الثورة، وخاصة الاتكالية والخوف.
إننا بحاجة لمثل هذه الافكار للخروج من هذا النفق المظلم، ولنرى أملا في التغيير في وطننا العربي، ولكي نتخلص من سموم (الليبرالية والرأسمالية التى تقتل المجتمع بقتل أبناءه بالفردية) والتى تفتك بنا وبالعالم ، وذلك مع دراسة نقاط الضعف في التجارب السابقة لتجنبها وابتكار أخرى. وإن إحدى نقاط الضعف التى تواجهنا هي الذاتية والتعالي ومحاولة إثبات التفوق الذاتي في مواجهة اخواننا وزملائنا في المجتمع، فقد نجد أننا بذاتنا نحتاج توعية إجتماعية نتخلص بها من سموم الرأسمالية والليبرالية التى تشوه شخصيتنا العربية بالفردية والأنانية والذاتية التى تملك هوي النفس على الواقع الموضوعي.
ويذكر الدكتور عصمت سيف الدولة في مؤلفه (بين الفردية وحضارة الجماعة) قوله في هذا الموضوع:
((إّنهم يفكّكون أمّتنا قطعة قطعة وما يفكّكون إلاّ حضارتنا عنصرا عنصرا فلا يفعلون إلاّ تفكيك شخصيّتنا العربية هيكلا هيكلا، وحين يصبح الشابّ العربيّ فردا فعليه أن يجري لاهثا في سباق المنافسة الحرّة لعلّه يدرك النجاح المادّيّ. ويصبح الثراء هو غايته، والمال هو محور حياته، ويحتكم في سباقه الحرّ من أجل الثروة إلى القوانين البيولوجيّة التي تحتكم إليها الحيوانات في الغابات: البقاء للأقوى. ولـمّا كان الغزاة هم الأقوى فإنّهم يفترسونه ويهضمونه و يتمثّلونه ... ثمّ يفرزونه برازا عفنا. نهاية المطاف إذن أنّهم يريدون افتراس أمّتنا . فهل ينجحون ؟))

في كتابه الطبيعة البشرية ، يحدثنا ألفريد إدلر مؤسس علم النفس الفرد بأن السعي الحثيث نحو التفوق هو العامل الذي من خلاله نستطيع فهم هدف الفرد، وأن شعور الفرد الاجتماعي هو الذي يحدد هدفه في التفوق. وفي هذا يقول:
((أن هدف تحقيق التفوق، والقوة، والتغلب على الآخرين، هو الهدف الذي يوجه نشاطات الفرد، فإن هذا الهدف هو الذي يكيف وجهة نظر الفرد نحو العالم ويحورها، كما أنه يشكل نمط سلوكه ويوجه أفكاره ومشاعره في قنوات محددة) (إن هدف "التفوق" هو هدف سري، ووجود الشعور الاجتماعي يمنعه من الظهور بطريقة مكشوفة، ولهذا فإن هدف التفوق ينمو في سرية ويختفي خلف أقنعة مختلفة تتصف بأنها مقبولة من المجتمع، وهنا يجب علينا أن نؤكد أن هذا النمو لا يمكن أن يصل إلى مداه الأقصى إذا تمكنا من فهم بعضنا البعض بطريقة أحسن، فلو أن كل واحد منا كانت لديه القوة والقدرة على أن يرى ما وراء القناع - أي أن يرى الشخصية الحقيقية خلف القناع - فعندها سنتمكن من أن نحمی أنفسنا بطريقة أفضل، كما أننا سنجعل من الصعب على الآخرين أن يستمروا في سعيهم الحثيث نحو القوة حتى نجعل منه سعيا لا قيمة له، ولا يستحق الوقت الذي يتم إضاعته في محاولة عقيمة للوصول إلى المزيد من القوة)).

إن في تراثنا العربي والقرآن الكريم والأحاديث النبوية لما يرفع من شعورنا الاجتماعي ويصرف الليبرالية والأنانية والفردية، ويظهر في آيات القرآن الكريم الدعوة للتعاون الإجتماعي ووحدة الجماعة والإيثار على النفس وليجعل محلا واحدا للتفوق والمنافسة بين الأشخاص ، ذلك هو العمل الصالح في الأرض طريقا للوصولا لحسن الخاتمة.
(خِتَامُهُ مِسْكٌ ۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) آية 26، سورة المطففين
1 يراجع دكتور عصمت سيف الدولة، نظرية الثورة العربية، الأسلوب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رداً على روسيا: بولندا تعلن استعدادها لاستضافة نووي الناتو |


.. طهران تهدد بمحو إسرائيل إذا هاجمت الأراضي الإيرانية، فهل يتج




.. «حزب الله» يشن أعمق هجوم داخل إسرائيل بعد مقتل اثنين من عناص


.. 200 يوم على حرب غزة.. ومئات الجثث في اكتشاف مقابر جماعية | #




.. إسرائيل تخسر وحماس تفشل.. 200 يوم من الدمار والموت والجوع في