الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاخلاق والسلوك

دانيال شمعون

2021 / 2 / 11
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يقول الحكيم: ان لم ترفعك اخلاقك فلن يرفعك منصبك، وان لم تزينك أفعالك فلن تزينك ملابسك. فالحياة اخلاق ومبادئ.
رُبَّ سائل يسأل: لكن، ما هي هذه الاخلاق التي ترفع الانسان وتلك الافعال التي تزين حياته يا تُرى؟
هذا هو بالضبط موضوع مقالنا.
الاخلاق، هي مجموعة الافعال والتصرفات التي يقوم بها الانسان والتي تحدد سلوكه.
لكن هل كل الافعال التي يقوم بها الانسان هي افعال اخلاقية وتعبر عن سلوكه؟ الجواب هو كلا. بل هناك افعال لا اخلاقية والتي لا تعبر عن سلوكه.
اذاً متى يكون الفعل اخلاقياً ومتى يكون لا اخلاقياً او بعبارة اخرى ما هو الفعل الاخلاقي والفعل اللاخلاقي؟ وهل كل الافعال الاخلاقية جيدة وصالحة والافعال اللاخلاقية سيئة؟
الفعل الاخلاقي: هو كل فعل يقوم به الانسان بمعرفة ووعي وبارادة حرة. اي ان الفعل كي يكون اخلاقياً يجب ان تتوفر فيه هذه العناصر الثلاث: المعرفة والارادة والحرية، اي يجب ان يخضع الفعل للعقل والارادة وان تكون هذه الارادة حرة وغير مقيدة. اي ان تكون للانسان السيطرة الكاملة عليه. وهذه الافعال هي التي تحدد سلوك الانسان وتجعله جيداً او سيئاً. وهي التي يكون الانسان مسؤولاً عنها ويمكن ان يُحاسب عليها. وتُسمى ايضاً بالافعال الانسانية لان الانسان وحده من بين كل الكائنات الحية يملك مقومات تلك السيطرة.
اما الفعل اللا اخلاقي, هو كل فعل ينقصه عنصر او اكثر من هذه العناصر اي لا يكون للعقل والارادة سيطرة عليه. وهذه الافعال لا يكون الانسان مسؤولاً عنها لذا لا يمكن ان يُحاسب عليها. وهي تنقسم الى قسمين:
الاول: الافعال الطبيعية: وهي التي تجري في جسم الانسان بمعزل عن ارادته مثل التغذية والهضم والتمثيل والتنفس والتغوط وغيرها. وتُسمى بافعال انسان لا افعال انسانية, لانْ ليس الانسان وحده الذي يقوم بها بل هناك كائنات اخرى تقوم بها مثل الحيوان والنبات .
الثاني: الافعال الاجبارية: وهي التي يُغصب او يُجبر الانسان على القيام بها اي لا يكون حراً في القيام بها او الامتناع عنها بارادته. واساليب الغصب والجبر هي كثيرة ومتعددة منها العنيف مثل التهديد بالقتل والايذاء الجسمي والنفسي ومنها الناعم مثل التوهيم والخداع والاغراء.

مما تقدم نفهم ان سلوك الانسان تحدده تلك الافعال التي يقوم بها بارادته الحرة وبمعرفته التامة. فهذه انْ كانت صالحة سلوكه يكون صالحاُ وإن كانت سيئىة فسلوكه بالنتيجة يكون سيئاً.
لكن ذلك يثير تسألات مهمة هي:
أ: هل يملك الانسان القدرة على معرفة طبيعة الافعال والاشياء بحيث يمكنه التيمييز بينها وتصنيفها الى ما هو جيد وما هو سيء؟
ب: ما هي المصادر التي يمكن للانسان ان يستمد منها هذه المعرفة؟
ج: ما هي المعايير التي يمكن له ان يستخدمها للحكم على فعل ما ووضعه في خانة الجودة او السوء؟

اما بخصوص قدرة الانسان على معرفة طبيعة الافعال والتمييز بينها فتبينه لنا كتب الفلاسفة والحكماء منذ القدم . امثال احيقار الحكيم وافلاطون وارسطو وسقراط وغيرهم.
واما المصادر التي يعتمد عليها الانسان للحكم على الافعال فهي الاتية:
اولاً: الدين والتراث:
لا يخفى على احد ان الكثير من الاديان التي وُجدت على سطح الارض على مر العصور ارا دت تعليم الانسان امرين اساسيين هما:العقيدة والاخلاق.
وما يهمنا هنا هو الامر الثاني الا وهو الاخلاق. فجميع الاديان قامت من خلال تعاليمها بإطلاع الانسان على الاعمال الجيدة والاعمال السيئة. وقامت بحثه وتشجيعه وارشاده للقيام بالجيدة والصالحة منها والامتناع عن الشريرة والسيئة والابتعاد عنها.
ولكن وللاسف الشديد فان بعض هذه الاديان لم تقدم فهماً صحيحاً لهذه الافعال فجعلت من بعض الافعال السيئة صالحة ومن بعض الافعال الصالحة سيئة زاعمةً ان الاله هو الذي يأمر بذلك وان امره بطبيعة الحال غير قابلٍ للجدال والرفض لانه عالم بكل شيء ومعرفته هي فوق ادراك البشر. والكثير من هذه الاديان قامت بسن قوانين وشرائع تفرض على الانسان القيام بذلك من دون اعطاء اي اعتبار لعقله وارادته وحريته منتهكة بذلك كرامته الانسانية، لا بل ذهبت الى تحديد عقوبات شديدة على من يخالف تلك الاوامر والنواهي غير عابهة بمدى تطابقها او عدم تطابقها مع المعايير الاخلاقية. وقد وصلت العقوبة الى حد سلب الانسان اغلى ما يملكه الا وهي الحياة. فجعلت من الفعل الاخلاقي فريضة وعملاً قسرياً مجردِةً اياه من اهم عنصر له الا وهو الاختيار الطوعي والحر. فاختزلت الاخلاق في اطاعة الاوامر والنواهي دون اعطاء اية اهمية للارادة الحرة للانسان لا بل انكرت امتلاكه ارادة حرة بالاساس. وادعت ان الحرية هي شر محرم وان الانسان كائن مسير لال يملك حرية الاختيار. فوقعت في تناقض شديد افقدها مصداقيتها وحرمتها. لانها من ناحية اعتبرت الانسان مسؤولاً عن اعماله بدليل استحقاقه المكافأة على الصالحة منها والعقوبة على السيئة. ومن الناحية الاخرى ادعت ان الانسان لا يملك القدرة والحق على الاختيار الحر لافعاله. ومن الاديان ما لم تكتفي بتجريد الانسان من الارادة الحرة بل جردته ايضاً من عقله زاعمة ان العقل قاصر وغير قادر على المعرفة الصحيحة للامور بالنتيجة لا يمكنه التمييز بين الخير والشر لذا عليه الاذعان فقط لتعليماتها مدعية ان الله بنفسه هو من سلمها لها. لذا نراها تحرم على الانسان استعمال عقله في تقييم ونقد وتحليل الشرائع والقوانين التي تفرضها عليه باسم الاله. وبهذا تكون قد افرغت الفعل الاخلاقي من عناصره الثلاث جميعها اي المعرفة والارادة والحرية. والظاهر ان مؤسسي هذه الديانات لم يعوا انهم بفعلتهم هذه ينزعون عن الدين دوره الاخلاقي ويحولونه الى منضومة سياسية واجتماعية مستندة على القوانين والشرائع والاوامر والنواهي. وحصرت دور التربية الدينية في تلقين الشرائع للناس ومطالبتهم بالاذعان لها واطاعتها بصورة عمياء. الامر الذي ادى الى تجريد الانسان من انسانيته. والانكى من ذلك هو انها استعملت وسائل واساليب هدامة ومنحرفة من اجل دفع الانسان الى اطاعة تلك الاوامر والنواهي حين قامت باستعمال اسلوب الاغراء والترهيب زاعمةً انه سيحصل في الحياة الابدية على اللذات الجسدية من مأكل وجنس ان هو اطاع وعلى عذابات رهيبة ومرعبة ان هو خالف. فانتفى بذلك دور الاخلاق كلياً، لانها جعلت الانسان يُقدم على الافعال "الصالحة" طمعاً باللذات الجنسية والجسمية ويبتعد عن الافعال "السيئة"هرباً من العذاب والالم.
وهذا النمط من التعليم صار سببا لنشر ثقافة وتربية التعسف باسم الدين والإله. وادى ومع الاسف الشدية الى ان يقدم الكثير من المثقفين والمتنورين والمدافعين عن كرامة الانسان الى كره الدين واعتباره منافياً للقيم والمباديء الاخلاقية الحميدة ومنتهكاً لكرامة الانسان.

ثانياً: العقل والبصيرة:
اثبت الكثير من الفلاسفة والحكماء على مدار العصور اهلية وقدرة العقل البشري على معرفة الحقائق المختلفة وعلى التمييز بين الصالح والطالح وبين المفيد والمضر اي بين الخير والشر.
بالرغم من وقوع بعض التقديرات الخاطئة من قبل بعض الفلاسفة والحكماء، الا ان العقل والبصيرة يظلان اهم مصدر لمعرفة طبيعة الاشياء والافعال. وافضل طريقة لتحقيق ذلك هو استخدام التفكير المنطقي وادواته المختلفة مثل الاستقراء والاستنباط والمقارنة والتحليل والاستنتاج. فالمنطق يعلمنا انه لا يحدث امرٌ من دون ان يكون هناك سبب يدفعه وغاية يرنو اليها. ويساعدنا ذلك في تحديد المعايير والمقاييس التي يجب استعمالها لمعرفة نوعية الافعال والحكم على جودتها او ردائتها وبصورة صحيحة وسليمة.
ويمكننا حصر تلك المعايير في النقاط التالية:
اولاً: مدى النفع او الضرر الذي يسببه الفعل للحياة: فالفعل يكون جيداً اذا كان نافعاً للحياة ومؤدياً الى حفظها وحمايتها وسلامتها واستمرارها. ويكون سيئاً ان ادى الى الضرر بالحياة وبسلامتها وباستمراريتها.
ثانياً: مدى تطابقه مع طبيعة الاشياء والغاية التي من احلها وُجدت: ونطبق ذلك بصورة رئيسية على اعضاء جسم الانسان. اي انه يجب احترام طبيعة اعضاء الجسم والتعامل معها واستعمالها بطريق مطابقة للوظيفة والغاية التي اعطتها لها الطبيعة . وكل اجراء اوتصرف يؤدي الى اعاقة عملها او تحريف وظيفتها اوتغيير مسارها عن الغاية التي وجدت من اجلها هو فعل سيء. سواء حصل ذلك من قبل الشخص نفسه او من قبل غيره كالطبيب مثلاً. وبعكسه فالاجراء الذي يحافظ على العضو ويوفر له شروط تساعد على اداء عمله والوصول بشكل سليم الى هدفه هو بالتأكيد من الافعال الجيدة والاخلاق الحميدة.
ثالثاً: مدى حفاظه على كرامة الانسان: فكل فعل يؤدي الى صون كرامة الانسان وضمان حقوقه المختلفة كحقه في الاختيار الحر لافكاره ودينه وحزبه ومهنته وانتمأته السياسية والاجتماعية، ولطريقة عيشه هو فعل جيد وسلوك حسن. وبعكسه هو فعل سيء وسلوك رديء واخلاقة فاسدة.
رابعاً: مدى النفع او الضرر الذي يلحقه بالطبيعة: فاذا كان فعل ما يلحق الضرر بالطبيعة المتمثلة في الهواء والماء والنبات والحيوان. فهو فعل سيء وخلق فاسد اما عكسه فهو صالح ويدخل في خانة الاخلاق الحميدة.
ملاحظات هامة:
أ: الخوف هو اسوء العوامل التي تؤدي الى فساد الاخلاق. لانه يدفع الانسان الى الكذب والنفاق والغش والخداع والتي تعتبر من الاعمال المنافية للاخلاق الحميدة.
ب: كل فعل صالح عندما يصبح عادة عند شخص ما، نتيجة تكراره له بصورة مستمرة ولمدة طويلة من الزمن يُدعى فضيلة. والشخص الذي يؤديه يٌدعى فاضلاً.
ج: كل فعل سيء يصبح عادة عند شخص ما نتيجة تكراره له بصورة مستمرة ولمدة طويل من الزمن. يُدعى رذيلة والشخص الذي يقوم به يُدعى رذيلاً.

وفيما يلي قائمة باهم الافعال الصالحة التي تولد الاخلاق الحميدة والسلوك الجيد. والافعال الشائنة التي تؤدي الى الخلق السيء والسلوك الرديء مع تعريف بسيط لكل منها.

الافعال الصالحة
العدالة: ان تعطي لكل استحقاقه
المساواة: ان لا تفرق بين الناس على اساس العنصر او القومية او الدين او المذهب اوالجنس.....
المحبة: ان تتمنى الخير والفائدة للاخرين
الكرامة: للشخص الانساني كرامة وقيمة يجب الحفاظ عليها سواء من الشخص نفسه او من الاخرين.
النزاهة: ان تكون صادقاً في قولك وقراراتك.
الشفافية: ان تكون صافياً في اقوالك واحكامك.
الصدق: ان تقول الحقيقة ولو على نفسك.
الاخلاص: ان تؤدي وتكمل واجباتك بكل استقامة.
الامانة: ان تحفاظ على ما تؤتمن عليه باستقامة
التضامن: ان تقف مع الاخرين في مطالبهم العادلة والمستقيمة.
المصارحة: ان تقول الحقيقة كما هي.
العفة: الزهد والترفع عن الاهواء والملذات الجنسية والمال والثروة.
الطهارة: ان تكون سيرتك واعمالك نظيفة بعيدة عن الدنس والاثم.
التواضع: ان لا ترفع نفسك فوق الاخرين ولا تتفاخز وتمدح نفسك.
الاعتدال: ان تلتزم بما هو معقول في اقوالك وافعالك.
التسامح: ان تغض النظر عن اخطاء الاخرين وتسامحهم عنها عند طلبهم السماح.
التعاون: ان تمد يد المساعدة للمحتاجين بصدق واستقامة
التكافل: ان تشترك مع الاخرين في تلبية احتياجات الضعفاء
التفاهم: ان تهتم بجدية بما يقوله الاخرين وتقدر اقوالهم واراءهم.

الافعال الرديئة
الظلم: عدم اعطاء حق الاخرين بل سلبهم حقوقهم ومستحقاتهم.
التفرقة: التمييز بين الناس على اساس العنصر اوالقومية اوالدين اوالمذهب اوالجنس
الكراهية: ان تطلب الشر والضرر للاخرين.
الدناءة: ان تستخف بقيمة الشخص الانساني. وتعتبره شيئاً رخيصاً
النصب والاحتيال: اخذ اموال واملاك الاخرين عن طريق الكذب والالتفاف على الحقيقة.
الغش: التغطية على الحقيقة
الكذب: عدم قول الحق
الخداع: تقديم معلومات كاذبة للاخرين لغرض تضليلهم.
الخيانة: نقض الوعد والعهد وعدم حفظ الامانة
الانانية: طلب الفائدة لنفسه ولو على حساب كرامة وحقوق وفائدة الاخرين.
الاغراء: استخدام الشهوات والملذات لاستمالة الاخرين وخداعهم لغرض استمالتهم.
الفحشاء: الجري وراء الاهواء والملذات الجنسية بصورة مفرطة.
العهر: الانغماس في الملذات الجنسية بصورة مفرطة وعلنية.
التكبر: الاعتداد بالنفس والاستخفاف بالاخرين والتفاخر والترفع عليهم.
الغرور: ان تحسب نفسك احسن من الاخرين وتعظم من شأنك اكثر مما تستحق.
التعدي: الاضرار بشخصية واموال واملاك الاخرين بغير حق.
الغزو: الهجوم على الاخرين المسالمين دون وجه حق.
السبي: السيطرة على الاخرين واخذهم كعبيد واجلائهم من ارضهم وممتلكاتهم.
السرقة اخذ اموال او ممتلكات الاخرين بصورة سرية وبدون وجه حق.
السلب والنهب: اخذ اموال وممتلكات الاخرين بالقوة والخديعة.
الاغتصاب: سلب المرأة عفتها ومضاجعتها بالقوة رغماً عن ارادتها.
الغصب: اجبار الاخرين على اعمال واقوال لا يرغبونها.
الابتزاز: الحصول على موافقة الاخرين في مالهم وشرفهم عن طريق تخويفهم بافشاء سر عمل خاطئ قاموا به او اجبروا عليه.
التهديد: الحصول على موافقة الاخرين في التنازل عن حقوقهم او ارائهم او افكارهم او اموالهم مقابل عدم قتلهم او ايذائهم.
++++++








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا مستر دانيال شمعون
ماجدة منصور ( 2021 / 2 / 14 - 08:54 )
الاخلاق و السلوك خضعت للسياسة و كذلك الدين فإذا اصبحت الأديان مسيسة و خاضعة للسلطان فما هي القيمة التي تنظم و تدير شؤون الفرد و المجتمع!!!!!!9
إذا كان رب البيت بالدف ضاربا ...فشيمة أهل البيت الرقص
و كما تكونوا يولى عليكم0
يلزمنا ثورة حقيقية تقودها النخب الدينية و الفكرية و الثقافية و الحقوقية و السياسية و الإجتماعية و الفنية و...الخ...الخ0
و هذا بعيد جدا عن مجتمعات الشرخ الأوسخ ( عفواأعني الشرق الأوسط) في المدى المنظور أو القريب0
وما كتبته أناملك في هذه المقالة الجميلة إنما هي تعبير عنك و عن مبادئك و أخلاقك0
ليت هناك من يقرأ لك و يفهمك
شكرا مستر دانيال شمعون

اخر الافلام

.. أوضاع مقلقة لتونس في حرية الصحافة


.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين: ماذا حدث في جامعة كاليفورنيا الأ




.. احتجاجات طلابية مؤيدة للفلسطينيين: هل ألقت كلمة بايدن الزيت


.. بانتظار رد حماس.. استمرار ضغوط عائلات الرهائن على حكومة الحر




.. الإكوادور: غواياكيل مرتع المافيا • فرانس 24 / FRANCE 24