الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من علوم الإمام أبي العزائم | الطريق إلى الله تعالى | الجزء‏ الخامس

عدنان إبراهيم

2021 / 2 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


المعرفة بالله تعالى

تذوق السكينة هو المعرفة بالله تعالى ‏
‏ أهل الطريق أسسوا طريقهم إلى الله تعالى على آيات كثيرة من القرآن، وأحاديث ‏صحيحة وصلت إليهم بسند عال صحيح، من تلك الأحاديث ما رواه الإمام أحمد بن ‏حنبل بسنده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: « ذاق طعم الإيمان منْ رضي بالله ربا ‏وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وآله وسلم نبيًّا » هذا الحديث الصحيح ركن من أركان الطريق ‏الذي أخذ به أهل العلم بالله تعالى، لأن الذوق (1) المنبعث عن الرضا هو المعرفة بالله ‏تعالى، والمعرفة أسكنها سبحانه قلب من أحبه من العباد، ولا شيء أجل وأعظم من ‏ذلك النور. ‏

حقيقة المعرفة حياة القلب وموت النفس: ‏
‏ وحقيقة المعرفة حياة القلب بالحي سبحانه، قال تعالى (أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا ‏له نورا يمشي به في الناس) وقال جل ذكره (لينذر من كان حيا) وقال تعالى (فلنحيينه حياة ‏طيبة) وقال تعالى (استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) فمن ماتت نفسه ‏بعدت عنه دنياه، ومن مات قلبه بعد عنه مولاه. ‏
‏ وأهل طريق الله تعالى رضي الله عنهم ؛ لما ماتت نفوسهم بعدت عنهم الدنيا وبعدوا عنها (2) ولما ‏قامت بحكم الحياة الدائمة بالله قلوبهم الطاهرة؛ قربت من الله، وقرب بسره المقدس منها. ‏فهم ودائع مدد الله وخزائن أسراره، إليه يرجعون، وبه سبحانه وتعالى يهيمون، وعليه ‏يتوكلون وإلى غيره لا يلتفتون، وكل ما يحمل على أكابرهم وأصاغرهم، خفيهم ‏وظاهرهم، من الشئون التي تمس زهرة هذه الدنيا الفانية بحقيقتها، خلاف ما حملها ‏عليهم الكذابون، وأضافها إليهم الباغون. ‏

مشارب أهل الطريق: ‏
‏ وهم رضي الله عنهم على مشارب وأطوار، فمنهم رب المظهر القهار، ومنهم المتحلي بالتجرد عن ‏الآثار، ومنهم الملتحف برداء التعزز والوقار، ومنهم المتطيلس بطيلسان الذل لله ‏والانكسار، ومنهم المغلوب، ومنهم المجذوب، ومنهم المتمكن الجامع، ومنهم السيف ‏القاطع، ومنهم شرعي الانبلاح، ومنهم البحر العجاج. ‏
‏ وكلهم ثقيلون على أهل النفوس الملوثة بأغراضها، والقلوب المملوءة بأمراضها، وهم ‏غرباء عن جنس أولئك، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام عنهم: « من يبغضُهُم أكثر ‏ممن يُحبُّهم » لأنهم يخالفون ما عليه النفوس وأربابها. والمقاصد الفاسدة وأصحابها. وقد ‏رُوي: «منْ أحبّ الله فيلتخذْ للبلاء جلْبابًا » فالابتلاء لأحباب الله تعالى لابد منه، ‏ولكن لهم الغلبة على من عاداهم، والنصرة على من ناوأهم قال سبحانه (ومن يتول الله ‏ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) وقال تعالى (ألا إن أولياء الله لا ‏خوف عليهم ولا هم يحزنون).‏
وكل أهل زمان لهم من الله حظهم بقدر احترامهم لأهل الوقت من أهل الله، وبقدر ‏محبتهم لهم، وحسن ظنهم بهم، وصدق موالاتهم، وخالص الاجتماع لمناهجهم، وسلوك ‏طريقهم، والتخلق بأخلاقهم، مع إجلالهم وإعظام شأنهم. ‏
والعكس - والعياذ بالله - بالعكس... فإن إهانة أولياء الله، والكذب عليهم، وإهمال ‏حقوقهم، وهضم مقاديرهم، ينتج عن زيغ القلوب، وخبث النفوس، واستخفاف لأوامر ‏الله تعالى. ومتى عمت هذه الأوصاف القبيحة قوما من المسلمين ؛ ترى الخزي والفشل ‏يعمهم، والذل يكتنفهم، ويدعون فلا يستجاب لهم. ‏
‏ لأن هؤلاء القوم هم أمناء النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الأمة، وهم العلماء بالله حقا، العارفون بسنته ‏عليه الصلاة والسلام صدقا، المتمسكون بها، الناصرون لها، المفْرِغون للأخلاق المحمدية ‏في القلوب، الجاذبون ألباب الأمة إليه صلى الله عليه وآله وسلم، هم نقطة الجمع للقلوب على أمر الله وسنة ‏نبيه، وإعزاز كتابه، وتعظيم أمره، وتوقير أحبابه، فمتى أهملهم أهل زمانهم انفكت ‏جامعتهم، وتفرقت قلوبهم، وهنالك فلا عز ولا مكنة، حيث يسلط الله عليهم عدوهم، ‏وينزع المهابة عنهم.‏
نسأل الله تعالى أن يمنحنا الأدب في جانب أوليائه رضي الله عنهم، وأن يوفقنا للاهتداء ‏بهديهم، ويعلق قلوبنا بمحبتهم، ليسلكوا بنا طريق الله القويم، وصراطه المستقيم.‏

أساس الطريق
تحصيل العلم والعمل به

أولا: تحصيل العلم
العلم في الكتاب: ‏
‏ أول واجب ينبغي على من أراد السلوك في طريق الله تعالى تحصيل العلم، إذ هو أساس ‏العقيدة، وروح العبادة، ومعلم الأخلاق، والرائد في المعاملات، وهذه الأربعة هي أصول ‏الدين. ‏
ذكر الله تعالى العلم في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، تنبيء عن شرفه وتعظيمه، ورفع ‏سبحانه قدر العلماء حتى عطفهم على نفسه، وخصهم بخشيته والتعقل عنه، فقال ‏سبحانه: (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم‏) وقال تعالى: (إنما يخشى الله من ‏عباده العلماء) وقال عز وجل: (وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون) ‏ ‏وقال جل شأنه (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون‏).‏

العلم في الحديث: ‏
‏ وكذلك حثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على طلب العلم، حتى جعله فريضة على كل مسلم ‏ومسلمة، وذكر في تعظيمه وبيان قدره أحاديث كثيرة نكتفي منها بهذا القدر: ‏
‏ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما عُبد اللهُ بأفضل من فقهٍ في دين الله، ‏ولفقيهٌ واحدٌ أشدُّ على الشيطان من ألف عابدٍ، ولكل شيء عماد وعماد الدين ‏الفقه)، وعن معاذ بن جبل قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (تعلّمُوا العلْم فإنّ تعلُّمهُ ‏لله خشيةٌ، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيحٌ، والبحث عنه جهادٌ، وتعليمه لمن لا يعلمه ‏صدقةٌ، وبذله لأهله قربة، لأنه معالم الحلال والحرام، ومنار سبل أهل الجنة, وهو الأنيس ‏في الوحشة، والصاحب في الغربة، والمحدث في الخُلوة، والدليلُ على السرّاء والضراء ، ‏والسلاح على الأعداء، ةالزّيْنُ عند الأخلاّء, يرفعُ اللهُ به أقواماً، فيجعلُهم في الخير قادة ‏وأئمة, تقتفى آثارهم, ويقتدى بفعالهم، ويُنتهى إلى رأيهم، ترغبُ الملائكةُ في خلتهم، ‏وبأجنحتها تمسحُهم، يستغفر لهم كلُّ رطب ويابس, حتى الحيتانُ في البحر وهوامُه، ‏وسباعُ البر وأنعامُه، لأن العلم حياةُ القلوب من الجهل، و مصابيح الإبصارمن الظُّلم، ‏يبلغُ به العبدُ منازل الأحرار، ومجالسة الملوك، والدرجات العُلا في الدنيا والآخرة، ‏والتفكرُ فيه يعدلُ القيام، به توصل الأرحام، وبه يعرف الحلال والحرام، وهو إمام ‏العمل، والعملُ تابعه ، يلهمه السعداء ويحرمه الأشقياء). ‏
‏ من ذلك تعلم أن تحصيل العلم أساس السلوك في طريق الله تعالى، إذ هو النور الذي ‏يهدي إلى الرشد، ويكشف للسالك عما قد يعترض طريقه من عقبات ومهاوٍ. ‏

ما المقصود بالعلم ؟: ‏
وإنما نقصد بالعلم، علم المعرفة بالله تعالى، الذي يهدى القلوب إلى معرفته، والعقول إلى ‏توحيده، والأرواح إلى محبته، والأجسام إلى الفناء في عبادته والقيام بأمره، فذلك هو ‏العلم المفروض على المؤمنين جميعا (3)، لأنه قوام العقيدة، وروح الإيمان، ومن حرمه أو ‏أهمل في طلبه فقد حرم السعادة والخير.

العالم الرباني يهدي إلى الطريق: ‏
‏ ولن يستطيع السالك أن يخطو في طريق الله تعالى خطوة ؛ إلا على يد عالم رباني، ‏منحه الله علم المعرفة به، وكاشفه بأسرار حكمته، وبدائع قدرته، حتى صار دالا به ‏عليه، واقتدر على بيان الحقائق بلسان الحكمة المؤثرة على النفوس. ‏
‏ أما أولئك الجهلاء الذين يظنون أن السلوك إلى الله تعالى بالعبادة والعمل - دون العلم ‏‏- فهم محجوبون، ناكبون عن الطريق، لأن العمل من غير علم المعرفة يجعل القلب ‏قاسياً، والقلب القاسي بعيد عن الله تعالى، ولو عبد الله ألف سنة، قال رسول الله ‏صلى الله عليه وآله وسلم: (فضلُ العالم على العابد كفضْلي على أدناكُم) وقال عليه الصلاة والسلام: (قليل ‏العلم خير من كثير العبادة).‏
‏ فعليك أيها السالك أن تسعى إلى العالم الرباني، لتتلقى منه علم المعرفة بربك، بعد أن ‏تعرف نفسك، حتى ينتهي بك السلوك إلى الوصول. ‏
‏ ‏
ثانيا: العمل بالعلم

العلم وسيلة للعمل: ‏
‏ العلم مقصد عظيم، وكل ما سواه من المال والبنين والعافية والزوجة ؛ إنما هو وسائل ‏لتحصيل العلم، الذي هو المقصد الأعظم. (4)‏
والعلم وسيلة للعمل، فالعمل بالنسبة للعلم مقصد عظيم، والعلم له وسيلة. والعمل ‏وسيلة للتقرب من المعلوم جل جلاله، ولنيل رضوانه. والتقرب ونيل الرضوان مقصدان عظيمان، ‏ولكنهما وسيلتان لنيل شهود جمال الله تعالى. ونيل شهود جمال الله تعالى فوق العلم ‏والعمل.‏

ترك العمل بالعلم خسران:‏
‏ والله جل جلاله لا يمنح ما عنده بمعصيته، لأنه تعالى غني عن العالمين، فالعمل بلا علم لا ‏يرفع، والعلم بلا عمل لا ينفع، والعمل والعلم بلا إخلاص لا يقبلان، والعالم إذا ترك ‏العمل خاب فيه الأمل، لأنه قدوة العالم ومحل نظرهم. ومن علامات بغض الله تعالى ‏للعلماء بالأحكام وبالدنيا وسياستها أن يتركوا عمل القلوب، ويتهاونوا بعمل الجوارح، ‏فتكون قلوبهم محلا للحسد والهمم الشيطانية، واللمم البهيمية، يتقربون بما حصلوه إلى ‏الظلمة، والملوك - ولو كانوا كفارا - ويستعينون به عندهم على نيل الخير العاجل. ‏
‏ وقد يكون العلم بالدنيا - لدى العلماء بالدنيا - سببا في سلب الإيمان - نعوذ بالله ‏‏- لأنهم يعينون أهل القوة والمال والسلطان، ولأنهم يُحَسّنون لهم أعمالهم، ولا يخافون الله ‏فيهم ويخافونهم. فإذا همّ الظالم بعمل يخالف الله ورسوله ؛ أعانوه عليه خوفا منه، ولم ‏يخافوا من الله تعالى.‏
أقول: يُسْلَبُ - بهذا العلم - الإيمانَ من العالم بالدنيا ؛ لأنه ينسى نفسه، ويعتقد أنه ‏عالم، والعالم في الحقيقة هو الله، وكل من سواه متعلم منه سبحانه، فإذا نسى العالم نفسه ‏؛ وحكم لنفسه بالعلم ؛ نسى الله تعالى، قال الله تعالى: (نسوا الله فأنساهم أنفسهم). ‏‏(5)‏
إذا خاف العالم من الموت ونسى يوم القيامة وسارع في أعداء الله تعالى قائلا (نخشى ‏أن تصيبنا دائرة) واقتدى به العالَم في هذا العلم ضل وأضل، فكان كالمرض المعدي، ‏وكان علمه شرا عليه. أعاذنا الله تعالى من مرض أهلك إبليس فظن لعلمه أنه خير من ‏غيره وخالف أمر ربه. أما العلم بالله تعالى وبأيامه وبأحكامه وبحكمة أحكامه فهو العلم ‏الذي يهبه الله تعالى لمن يشاء من أحبائه، وهو العلم الذي ينفع الله به عباده. ‏
‏ ‏
العالم الذي يعمل بعلمه:‏
‏ وهذا العالِم لا يخالف علمه ما دام مؤيدا بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله ‏عليه وآله وسلم، وعمله نجاة العالم أجمع، لأنه يعمل بعلمه عمل القلوب فيما بينه ‏وبين ربه، ويعمل بعلمه عمل الأجسام مخلصا لله تعالى أمام إخوانه، فيكون له المقام ‏العلى عند الله بعمل قلبه.‏
قال الله تعالى (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد‏) ‏صاحب القلب المتقلب فيما يقربه من الله تعالى، وصاحب البصيرة المشاهدة لآيات الله ‏تعالى فوق العالم العامل بجسمه لا بقلبه، لأنه عمل بقلبه عملا قربه من الله تعالى، ‏وعمل بجسمه عملا أناله الله تعالى به فضله ورضاه، ونفع به أهل عصره، كما قال ‏سبحانه: (واجعلنا للمتقين إماما).‏

العمل بحكم ما أنزل الله: ‏
‏ الأساس الذي أسس عليه أئمة أهل المجاهدة طريقهم هو أساس واحد. وهو أن الحاكم ‏هو الله، والحكم له سبحانه وتعالى (إن الحكم إلا لله) وقال تعالى (ومن لم يحكم بما ‏أنزل الله فأولئك هم الظالمون) وقال تعالى (‏ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك ‏هم ‏الفاسقون) وقال تعالى ‏(ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم ‏الكافرون)‏ وحكم الله هو كتاب الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لأن كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو حكم الله، ‏قال تعالى (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا).‏

العلماء بالدنيا الجهلاء بالآخرة: ‏
‏ ولا عجب، فإن علماء الدنيا أعانوا الظلمة والكفرة على مفاسدهم وأباطيلهم، وأضلوا ‏العامة بمسارعتهم إلى أعداء الله تعالى، والمخالفين لسنة نبيه ﴿--------صلى الله عليه وآله ‏وسلم﴾--------، قال الله تعالى (يحرفون الكَلِم عن مواضعه) وقال تعالىى (وإذ أخذ الله ميثاق ‏الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا ‏به ثمنا قليلا ‏فبئس ما يشترون) هذا لأن جميع العالَم يعتقدون أن العلماء هم الأئمة، وهم النور، ‏ويقبلون منهم مالا يقبلونه من غيرهم. ‏
وهؤلاء ليسوا بعلماء بالله وبأيامه وبأحكامه وبحكمة أحكامه، ولكنهم علماء بالدنيا، ‏وبالوجوه التي يحصلونها بها، قطع حب الدنيا قلوبهم عن مشاهدة الآيات في الكائنات، ‏وأعمى الحسد والمنافسة في الدنيا وحب الشهرة بها أبصارهم عن السياحة في ملكوت ‏الله، فعظموا ما حقر الله، وأهانوا ما عظم الله، فتراهم أذلاء. ‏

العلماء بالله: ‏
‏ أما العلماء بالله تعالى، فإنهم يسارعون إلى مغفرة من ربهم وجنة عرضها السموات ‏والأرض أعدت للمتقين، فيعمرون الأنفاس بما يحبه الله، مراقبة لله وخشية من عظمته، ‏وعملا بما يحبه ويرضاه، فيهدي الله بهم أهل عصرهم. ‏
فالعالِم كالنجم المشرق في الليل المظلم، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: "أكرمُوا العلماء فإنهم سرُجُ الدنيا ‏ومصابيحُ الآخرة". ‏
‏ قال الله تعالى: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا ‏قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم ‏يحذرون) ‏‎ ‎وقال تعالى (إنما يخشى الله من عباده العلماء) ‏‎ ‎وأهل الخشية قليل، ومتى أظهر الله رجلا من أهل الخشية عم نور اليقين أهل عصره. ‏
وأشر الناس يوم القيامة رجل يبيع دينه بدنيا غيره، فليتنبه أدعياء العلم، وليتقوا الله فيما ‏خولهم من العلم بأحكامه سبحانه، فإن تقوى الله بها نيل العلم بالله، وصحبة العلماء ‏الربانيين، قال تعالى: (واتقوا الله ويعلكم الله) ومن خاف غير الله أبعده، ومن طلب الله ‏وجده، فدله على من يدله عليه.‏
‏ إن الله سبحانه وتعالى قد أكرم أهل الطريق بما هو كمعجزات أنبياء الله السابقين، ‏على نبينا وعليهم الصلاة والسلام، والله سبحانه لا يستجيب لمن لم يستجب له، ولا ‏يكرم بآياته من خالف حكمه. فأساس طريقهم رضى الله عنهم العمل بحكم الله تعالى، ‏ومخالفة كل ما خالفه، حتى أنهم يخالفون كشفهم الصريح، ويرجعون إلى حكم الله ‏تعالى، وأئمتهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وكان الرجل منهم رضى الله عنهم إذا حكم ‏بحكم وظهر له حكم الله تعالى قال: أخطأت، ورجع إلى الحق.‏

‏_________________ ‏
‏(1)‏ في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ‏(ذاق طعم الإيمان).‏
‏(2) قال الإمام في تعريف الدنيا: ‏الدنيا هى مدة بقاء النفس مع الجسد إلى وقت افتراقها الذى يسمى الموت. ‏أنظر كتابه (معارج المقربين). وأوضح الإمام في موضع آخر أن المذموم هو التعلق بالحياة الجسمانية ومطالبها التي ‏تشغل العبد عن مصالحه الروحانية الخالدة الباقية معه، كما قال تعالى (بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير ‏وأبقى).‏
‏(3)‏ لأن العلم الآخر التجريبي، فرض كفاية على الأمة وليس فرض عين، بمعنى أنه ليس فرضاً على كل ‏أحد ولكن إن قام به عدد كاف منهم، سقط الفرض عن الباقين. والإمام كان يحث المسلمين ‏على العلم التجريبي والتقدم الصناعي والزراعي، وكان يقوم بتوعية المسلمين بأن المستعمر ‏الإنجليزي يأخذ ثروات المسلمين وخامات أرضهم ويقوم بتصنيعها وبيعها لهم بأضعاف السعر ‏الذي اشتراها منهم. ولكنه هنا يتحدث عن العلم الخاص بمصلحة العبد الروحانية.‏
‏(4)‏ ‏ العلم بالله معنى واسع، يشمل الوعي بالنفس، ولذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم: (من عرف نفسه عرف ربه). ‏والوعي بالنفس يكون من خلال خوض التجارب والتعامل مع الخلق.‏
‏(5) كانت هذه هي معصية آدم، أنه حكم لنفسه بالعلم والحياة والإرادة والسمع والبصر وسائر الصفات، ‏ونسي أنها صفات الله ظهرت فيه، وأنه مجرد مظهر، قال تعالى (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي) ومن هنا ‏نفهم قوله تعالى (نسوا الله فأنساهم أنفسهم) نسوا أصل ومنبع الصفات، فأنساهم أنهم مظاهر وعباد لله تعالى.‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية من قوات الاحتلال


.. لايوجد دين بلا أساطير




.. تفاصيل أكثر حول أعمال العنف التي اتسمت بالطائفية في قرية الف


.. سوناك يطالب بحماية الطلاب اليهود من الاحتجاجات المؤيدة للفلس




.. مستوطنون يقتحمون بلدة كفل حارس شمال سلفيت بالضفة الغربية