الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عقوبات سادية

رماز هاني كوسه

2021 / 2 / 16
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


أينما وجدت الجريمة وجد معها العقاب .هذه القاعدة رافقت المجتمعات البشرية منذ بدء نشوئها إلى يومنا هذا . واستمر هذا المبدأ موجودا في التشريعات البشرية التي وصلتنا عبر التاريخ سواء المدنية منها او الدينية .فكرة الجريمة و العقاب هي من أولى الأفكار التي طرحت في العهد القديم حيث يخبرنا بأن أول عقوبة هي التي فرضها الإله بحق آدم و حواء لعصيانهما تعليماته و تناولهما من ثمار شجرة المعرفة في الجنة و التي نهاهما الإله عن الاقتراب منها فكانت عقوبتهما الطرد من الجنة . تليها العقوبة بحق قايين الذي قتل أخيه هابيل في الحادثة المعروفة في الأديان السماوية . تنوعت العقوبات و تطورت مع مرور الزمن و تراوحت ما بين النفي و الطرد الى العقوبات الجسدية كالجلد مثلا او قطع أجزاء من الجسم كاليد أو الأنف وصولا لأقساها و هي الموت . و لجأ البشر لتطبيق هذه العقوبة بحق الجرائم الكبيرة من قبيل قتل انسان آخر او الخيانة و ما شابه . و لتطبيق عقوبة الموت لجأت المجتمعات الى تقنيات متعددة أثناء التنفيذ منها ما كان سهلا و بغير ألم نسبيا كتناول السم كما حدث مع سقراط بعد حكم الأثينيين عليه بالموت لتخريبه عقول شباب أثينا . و منها ما كان قاسيا للغاية و يهدف الى الحاق أشد أنواع العذاب بالشخص قبل أن يفارق الحياة و تفنن البشر في هذا النوع من العقوبات لدرجة لا يمكن وصف ما قاموا به إلا بنوع من السادية و طبعا كان لها تقنيات و أساليب كثيرة من الحرق حيا للاغراق للغلي بالماء او الزيت الخ . و في هذا المقال سنطلع على ثلاث منها ربما هي الأشهر عبر تاريخ البشرية و هي الموت بواسطة الصلب و الموت بواسطة الخازوق والموت بواسطة قطع الراس .
نبدأ من عقوبة الخازوق و هي تقنية للقتل اشتهر باستعمالها العثمانيون و لكنها كعقوبة موجود و مطبقة على الواقع قبلهم بزمن طويل . حيث تخبرنا النصوص الرافدينية بأن العقوبة كانت موجودة في بلاد الرافدين منذ بدايات الألف الثاني قبل الميلاد وقد وردت عدة نصوص مسمارية تعود الى شريعة حمورابي و هي تجيز استعمال الخازوق كوسيلة للإعدام عقوبة على بعض الجرائم مثل القتل أو العلاقات الجنسية المحرمة اجتماعيا و التي تندرج تحت مصطلح زنا المحارم كوجود علاقة جنسية بين الأب و ابنته على سبيل المثال . كما جاء الموت بالخازوق كعقوبة على الخيانة الزوجية إذا تسبب ذلك في موت الزوج . مما يدل على أن هذه العقوبة كانت معروفة و منتشرة حينها و طبعا استمر استخدامها لاحقا كما يظهر مما كتبه هيرودوت عن قيام الملك الفارسي داريوس بتطبيق هذه العقوبة ضد سكان بابل بعد أن قام باحتلالها . هذا عن استخدامها أما عن أسلوب التنفيذ فيتم باستخدام قضيب مدبب معدني أو خشبي يتم إدخاله من أحد طرفي الجسم و إخراجه من الطرف الاخر . رغم أن المتعارف عليه هو إدخاله من فتحة الشرج و إخراجه من الكتف أو العنق إلا أن هذا الاسلوب لم يكن يرضي منفذي العقوبة عندما كانوا يرغبون بإطالة عذاب الشخص . فإدخال الخازوق بتلك الطريق يمكنه أن يصيب بسهولة الأعضاء الحيوية في البطن أو الرئتين و يؤدي لنزيف صاعق يميت الشخص بسرعة . و لإطالة العذاب كان يلجأ الجلاد الى ادخال الخازوق من مؤخرة الجسم في منطقة العجز تحت الجلد و الابتعاد عن الأعضاء الداخلية الحيوية حتى لا يموت الشخص بسرعة و من ثم اخراجه من الناحية الخلفية للكتف و بذلك يعيش لأطول فترة ممكنة قبل ان يموت . و لكم أن تتخيلوا كم العذاب و الألم الذي يقاسيه الشخص قبل ان يموت .
الطريقة الثانية و هي الصلب و هي أيضا طريقة قديمة و اشتهر باستعمالها الرومان ضد المتمردين على حكمهم كنوع من الرادع للآخرين و هو ما نستطيع أن نجده في كتابات يوسيفيوس فلافيوس اليهودي الذي وثق حركات التمرد اليهودية ضد الرومان و ذكر أنه شاهد بضعة من المقاتلين اليهود معلقين على الصلبان و لم يموتوا بعد فتوسط لدى القائد الروماني للعفو عنهم . و لعل أشهر من نفذت بحقه هذه العقوبة هو السيد المسيح الذي صلب من قبل الرومان و بقي معلقا على الصليب لعدة ساعات قبل ان يتم انزاله و يدفن . (و هنا يطرح السؤال هل نظرت السلطات الرومانية الى المسيح أنه متمرد سياسي و ليس مبشر ديني لتطبق بحقه عقوبة الصلب . حركة المسيح اعتبرت تجديف من اليهود و عقوبة التجديف الديني هو الرجم حتى الموت و ليس الصلب كما جرى مع يعقوب أخي الرب رئيس كنيسة أورشليم الأولى ) . أما بالنسبة لتقنية التنفيذ لهذه العقوبة فكانت تتم بتعليق المصلوب على خشبتين متعامدتين بشكل حرفT حيث يتم دق المسامير في ساعد المصلوب قبل المعصم و هو نقطة الارتكاز العلوية و أحيانا ربط الذراعين بحبال الى العارضة الخشبية ( و لا يتم دق المسامير في كف المصلوب كما تظهر الرسوم لأن عظام كف اليد قليلة السماكة لا تستطيع حمل ثقل الجسم بأكمله مما يسبب تكسرها فورا و سقوط المصلوب ) . اما نقطة الارتكاز السفلية فهي في القدمين حيث يرتكز كعب المصلوب على المسمار و يقوم بحمل ثقل الجسم الأكبر . و بعد تثبيت المصلوب على الصليب بهذا الشكل يوقف الصليب بشكل عمودي و يترك الشخص لمصيره حتى يموت . و الموت هنا لا يتم بسبب النزيف فالمسامير تسد الجروح و لا تسمح بنزف غزير من المصلوب . و بحالة الربط لا جروح هناك لتنزف . فالموت هنا يحدث اختناقا نتيجة صعوبة التنفس التدريجية التي يعاني منها الشخص و هو معلق . و يحدث ذلك نتيجة ثقل الجسم الذي يعمل على شد الشخص للأرض و يتبعه تعب العضلات و انهيارها مما يضغط على الأعضاء الحيوية و خصوصا الرئتين و ينتج عنه صعوبة في التنفس تصل في النهاية الى الاختناق و الموت . و هي عملية موت بطيئة و مؤلمة للغاية تستغرق من يومين الى ثلاثة أيام ليموت المصلوب . و هنا كان الرومان بدافع من الرأفة يلجؤون لوسيلة تسرع موت المصلوب و هي قيامهم بكسر ساقي المصلوب مما يفقد الجسم نقطة الارتكاز السفلية و يجعله معلقا من الساعدين فقط مما يسرع من عملية التعب و انهيار الرئتين نتيجة ضغط عضلات الجسم عليهما و يؤدي ذلك للموت بشكل أسرع خلال أقل من نهار واحد . ( و من هنا تنطلق النظريات التي تتحدث عن عدم موت المسيح على الصليب و بأنه نجا و تزوج و أنجب ... فالمسيح بقي معلقا لفترة لا تزيد عن تسع ساعات و لم تكسر ساقيه أبدا حسب نصوص العهد الجديد و بالتالي لا يمكن أن يكون قد مات خلال هذه الفترة القصيرة ) .
ننتقل للطريقة الثالثة و هي قطع الرأس و هي طريقة قديمة للإعدام و لا تزال مطبقة ببعض الدول ليومنا الحالي . و تتنوع وسائل تنفيذها من السيف الى الفأس الخ . و كلما كانت وسيلة التنفيذ حادة و ثقيلة الوزن فان العملية تتم بيسر و سهولة أكثر . و من هنا اكثر الأدوات فعالية بتنفيذها هي المقصلة التي اشتهر استعمالها في فرنسا و بكثرة عقب الثورة الفرنسية و بشكل أساسي ضد من اعتبر عدوا لها . و لعل أشهر من اعدموا بواسطة المقصلة هي ماري انطوانيت ملكة فرنسا و زوجها لويس السادس عشر . و رغم أن عملية الإعدام هنا تعتبر سريعة و دون الم نسبيا للضحية و لكنها تحتوي على جانب آخر به نوع من السادية و هو اللحظة التي يقوم بها الجلاد برفع الراس و اظهاره للجمهور المتواجد . عادة القصد اظهار اتمام العملية و موت الضحية و لكن في الواقع الجلاد يقوم بجعل الراس هو من يشاهد الجمهور الحاضر . فالدماغ بهذه الحالة يبقى محتفظا بوعيه لمدة عشر ثوان تقريبا بعد عملية الفصل قبل . سبب ذلك أن الدماغ يتغذى على الأوكسجين بشكل رئيسي و الذي يصله عبر الدم . و في حالة قطع الراس و فصله يبقى في الدماغ مخزون من الاوكسجين يكفيه ليبقى واعيا لهذه الثواني القليلة و مدركا لما يدور حوله قبل أن يفقد وعيه . و يقوم الجلاد هنا باستغلال هذه الثواني و رفع الراس ليلقي الشخص الذي تم إعدامه نظرته الأخيرة على الدنيا و يرى الجمهور المحتشد هاتفا و مهللا لإعدامه . تنقل المرويات أن الموضوع اكتشف بعد قيام أحد الجلادين بصفع الرأس المفصول بعد أن تم تنفيذ الحكم فيه فما كان من الراس المقطوع الا أن نظر مكشرا باتجاه الجلاد . و تبقى هذه رواية تعوزها المصداقية بالرغم من أنه علميا يبقى الدماغ قادرا على ارسال الأوامر العصبية الى عضلات العين لتحريكها باعتبار الأعصاب الوجهية بقيت سليمة و متصلة بالدماغ و لكن النزف الغزير و عدم وجود كمية دماء كافية تجعل من إمكانية الراس القيام بحركات ارادية أمرا مستبعدا . أو أن يقوم الرأس بالنطق مثلا و هو مستحيل لأن عضلات العنق التي تساعد في تحريك الفك السفي أثناء النطق تكون قد قطعت . عقوبة الإعدام بالمقصلة بقيت مطبقة في فرنسا لغاية عام 1981 و آخر شخص تم إعدامه بواسطتها كان عام 1977 .
ما تشترك به العقوبات السابقة هو القسوة الشديدة تجاه الضحايا الذي يصل لدرجة السادية كما أشرت سابقا و ينطبق ذلك على المقصلة أيضا . فكمية الدماء النازفة بغزارة بعد فصل الراس كفيلة ببث الرعب في النفوس . و يبدو ان الغرض الرئيسي من هذه القسوة هو تأثيرها الرادع في المجتمعات حيث تسبب الرعب و الخوف في نفوس الناس و من هنا ترافق استعمالها مع التمرد السياسي و العسكري ضد السلطات الحاكمة بزمنهم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصر تعلن طرح وحدات سكنية في -رفح الجديدة-| #مراسلو_سكاي


.. طلاب جامعة نورث إيسترن الأمريكية يبدأون اعتصاما مفتوحا تضامن




.. وقفة لتأبين الصحفيين الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل


.. رجل في إسبانيا تنمو رموشه بطريقة غريبة




.. البنتاغون يؤكد بناء رصيف بحري جنوب قطاع غزة وحماس تتعهد بمقا