الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العقل عند المعري1/ 2

داود السلمان

2021 / 2 / 20
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يقسّم المعري الناس الى فئتين: عقلاء، ومجانين فاقدين الشعور والصواب. فالعقلاء يتبعون منطق العقل فلا يدينون بأي دين (يقصد إن الدين لا ينسجم والعقل) والمجانين غالبًا ما يتبعون دين بعينه اذ يرونه هو الحقيقة المطلقة وغيره من الديانات الاخرى المتعددة باطلة ومضللة "اثنان أهل الأرض: ذو عقــلٍ بلا ديــن وآخر ديِّنٌ لا عقل لهْ". لذلك نجد الاديان تقتل بعضها بعضًا، ويكفّر بعضها بعضًا، بل وصل الامر الى إن الدين الواحد صار يكفّر بعضه بعضًا، بعد إن تحول الى فرق ومذاهب وملل ونحل. فالمعري يشجب هذا الفعل، أعني الدين الذي يفرق الناس ويخرب المجتمعات المتحابة وفق هذه المبادئ (مبادئ التكفير) فهي لا تستند الى العقل ولا للمنطق السليم، والدليل هو ما فعلته الاديان بكثرتها، وعلى مدى تاريخها الطويل، من حروب واقتتال وكوارث إنسانية الى يومنها هذا؛ فالمعري يحذرنا من مغبة هذه الاديان، وإن نتحكم الى العقل فهو المعيار الصحيح لقياس الاشياء وهو المُهدي الى سبيل النجاة.
يؤمن المعري بالعقل ويدعو جميع العقلاء الى اتخاذه معبرًا للوصول الى الضفة الاخرى وهي شاطئ الامان، حيث نهتدي، ومن خلال هداية العقل، الى الصواب وتجنب التيه والضلال، الذي اضلت فيه الامم السابقة، من حيث إنها لم تتخذ العقل الميزان الذي تزن به قضاياها المصيرية، فتجاوزته ولم تعطه اهمية تُذكر، بل استهانت بالعقل وجعلته مقصّرا وقاصرا في الوصول الى كنه حقائق كثيرة في الوجود، فهو بمعنى آخر عاجز عن ذلك!، اذ كان يرى افلاطون إن العقل يصيبه العجز امام قضايا لا يدركها، ظواهر كثيرة ماورائية فهو محدود ولا يمكن أن نقيس به كل الاشياء، على حد تعبير افلاطون. وجاء بعد ذلك الغزالي فاتبع نهج افلاطون في نظرته الى العقل فاتفق مع افلاطون في ذلك، حتى جاء ايمانويل كانت الفيلسوف الالماني فحاول أن يحد من ادراكات العقل متفقًا مع افلاطون والغزالي، وليس هذا فحسب، بل إنه انتقد العقل نفسه وهو اول فيلسوف ينتقد العقل لاسيما في كتابه "نقد العقل المحض" وقال كانت في كتابه هذا، إن الفلاسفة الذين سبقوه كانوا ينتقدون كل الافكار والاطر الفلسفية من خلال العقل، إي انهم جعلوا العقل هو المعيار في ذلك، ولم يتسن لأحدهم أن نقد العقل، فكانت وضع منهج خاص في نقد العقل.
المعري يعد العقل جوهرة ثمينة، وهذه الجوهرة هي التي تميزنا عن بقية المخلوقات الاخرى من حيوانات غير ناطقة وغيرها، فالناطقية قد تقصر، فمثلا المجنون يستطيع النطق، بل احيانًا يكون نطقه سليمًا اكثر من سواه، لكنه فاقدا للعقل، فهو هنا يتساوى مع الحيوان بل قد يكون الحيوان افضل منه في احيايين كثيرة، فثمة مجانين يكونون بطبعهم عنفيين يقومون بأعمال ضرب واعتداء على الآخرين، بل واحيانا يضربون انفسهم ويعتدون حتى على الطبيب المعالج. فالعقل يجعلنا متزنين نفكر بكل الامور قبل الاقدام على القيام بها، فاذا رأيناها منسجمة مع العقل والمنطق وليس فيها اضرار للناس ولأنفسنا، وفيها فائدة عامة أو خاصة نفعلها ونحن باطمئنان تام لأنها موافقة للعقل، فالأبله والساذج ومحدود الوعي لا يمكن أن تظمئن اليهم القلوب ولا يمكن مشاورتهم بمشورة او بقرارات مصيرية، بل الصحيح أن نتبع اصحاب العقول فنجالسهم ونستمع الى مشورتهم ونستأنس الى رأيهم، ولا ضير أن نتخذهم اساتذة ومعلمين ومثل اعلى ناطقين بالمعرفة والحكمة والفلسفة.
ايمان المعري بالعقل لم يأت عن فراغ وهو الحكيم العاقل، فهو درس الفلسفة اليونانية وتأثر ببعض العلانيين منهم وعلى رأسهم ارسطو فمنطق ارسطو واضح في تأثيره على فلسفة المعري، اذ كان ارسطو واقعي بعكس استاذه افلاطون المثالي، وقد القت واقعية ارسطو بظلالها على فلسفة المعري، فالمعري واقعي يتبع العقل، فلا نعرف الواقعية الا من خلال العقل، والمثالية يصعب تطبيقها على ارض واقعنا المرير، فالنظرية التي وضعها افلاطون في جمهوريته صعبة المنال، كذلك مثالية الفارابي في مدينته الفاضلة حيث نهج النهج ذاته لدى افلاطون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المعري شاعر وليس مفكرا
عبد الله اغونان ( 2021 / 2 / 21 - 13:21 )
في شعره ونثره اضطراب وتناقضات
ولايمكن الركون الى كلامه
فمرة يبدي ايمانا بالبعث ومرة ينكره
ويظهرالإيمان بالتوحيد والنبوة ومرة ينكرها
وأحينا يساوي بين التوحيد والنبوة والشرك السيحي

اخر الافلام

.. المجر بقيادة أوربان تتسلم الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي..


.. الانتخابات التشريعية الفرنسية.. التجمع الوطني: الإغواء الأخي




.. انتخابات فرنسا.. ماذا سيحدث إذا لم يحصل أحد على أغلبية مطلقة


.. مستقبل غزة في -جيوب إنسانية- .. ملامح -اليوم التالي- تتكشف




.. إسرائيل تعتزم بدء المرحلة الثالثة من الحرب على غزة خلال أيام