الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


م 3 / ف 2 : لمحة عن ( برسباى ) من طفولته في القوقاز الى أن صار سلطانا

أحمد صبحى منصور

2021 / 2 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مقدمة
1 ـ قلنا إن عام 824 كان فريدا، حكم فيه السلطان المؤيد شيخ ثم مات وخلفه إبنه أحمد ، ثم عزله ططر وتولى مكانه ثم مات ططر سريعا وخلفه إبنه محمد. أي أربعة سلاطين في عام واحد، وظل الطفل محمد بن ططر سلطانا إسميا الى أن عزله برسباى في العام التالى 825 وأصبح سلطانا .
2 ـ ماذا قال المقريزى عن إفتتاح سنة 824 ؟ ننقل ما كتبه ، ونحلله .
أولا : يقول :
( سنة أربع وعشرين وثمانمائة : :
أُهلّت وخليفة الوقت المعتضد بالله أبو الفتح داود بن المتوكل على الله أبي عبد الله محمد. والسلطان بديار مصر والشام والحجاز الملك المؤيد أبو النصر شيخ المحمودي الظاهري، وهو مريض، ومعظم عسكر مصر بمدينة حلب صحبة الأمير الكبير ألطنبغا القرماشي أتابك العساكر، ومعه من الأمراء طوغان أمير أخور، وألطنبغا من عبد الواحد- المعروف بالصغير- رأس نوبة النوب، وألطنبغا المرقبي حاجب الحجاب، وجرباش الكريمي رأس نوبة، وغيرهم. وعند السلطان من الأمراء قجقار القردمي أمير سلاح، و ططر أمير مجلس، وتنبك ميق العلاي، ومقبل الدوادار. والوزير يومئذ الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله. ووظيفة نظر الخاص ليست بيد أحد، وإنما يتحدث فيها عن السلطان الطواشي مرجان الهندي الخازندار. وأستادار الأمير يشبك أينالي. وكاتب السر كمال الدين محمد بن محمد بن البارزي، وقاضي القضاة شيخ الإسلام جلال الدين عبد الرحمن بن البلقيني الشافعي. وقاضي القضاة الحنفية زين الدين عبد الرحمن التفهني. وقاضي القضاة المالكية بديار مصر شمس الدين محمد البساطي. وقاضي القضاة الحنابلة علاء الدين علي بن مغلي. ونائب الإسكندرية ناصر الدين محمد بن أحمد بن عمر بن العطار. ونائب غزة أركماس الجلباني. ونائب الشام جقمق الدوادار. ونائب حلب يشبك اليوسفي، ونائب قيصرية الروم محمد بك بن دلغادر التركماني. ونائب صفد قطلوبغا التنمي. ونائب طرابلس اسنبغا الزردكاش. ونائب حماة أق بلاط. وأمير مكة الشريف حسن بن عجلان. وأمير المدينة النبوية الشريف عزير بن هيازع، ومتملك اليمن الملك الناصر أحمد بن الأشرف إسماعيل. ومتملك بلاد الشرق شاه رخ بن تيمور كركان، ومتملك بلاد الروم سلطان محمد كرشجي بن خوندكار بايزيد بن مراد بن عثمان. ومحتسب القاهرة إبراهيم ابن الوزير ناصر الدين محمد بن الحسام. ووالي القاهرة بكلمش ابن فري. وكاشف الوجه القبلي دمرداش. وكاشف الوجه البحري حسين الكردي ابن الشيخ عمر، وكان مشكور السيرة على تقوى، كما ذكر. )
ونحلل ما كتبه المقري . يقول :
1 ــ ( أُهلّت) اى بدأت بهلال محرم . تحديد الشهور بالتقويم القمرى، أي بالهلال.
2 ـ ( وخليفة الوقت المعتضد بالله أبو الفتح داود بن المتوكل على الله أبي عبد الله محمد.).
2 / 1 : بدأ المقريزى بأعلى رُتبة وهو الخليفة العباسى ، ووصفه ب( خليفة الوقت ) أي خليفة هذا الزمان للعالم .! هذا يحمل ليس فقط تعظيما للخليفة العباسى بل إعتبارا لمصر بأنها مركز العالم ، ففيها خليفة الزمان ، وبالتالي فمقرّه مركز العالم . وليس هذا مستغربا فقد كان بعض الملوك في الهند وغيرها يبعثون للخليفة العباسى أن يمنحهم تفويضا بحكم بلادهم .
2 / 2 : بدأ به المقريزى وغيره لأنه كان الذى يعطى السلطان المملوكى شرعية الحُكم، أو بالتفويض بالسلطنة لمن يصل من الأمراء الى السلطة بعد التغلب على منافسيه . ثم ( يصعد ) الى القلعة مع كبار الفقهاء والقضاء لتهنئة السلطان مع بدء كل شهر عربى . أي كان مجرد خادم تابع للسلطة العسكرية ، مع كونه رسميا رقم (1 ) في القائمة . وكان يحدث أن يغضب السلطان على الخليفة ويسجنه . كان الخليفة العباسى مجرد طرطور ، وظل هكذا الى أن سقطت الدولة المملوكية ودخل السلطان العثمانى سليم الأول مصر ، وعاد منها يحمل منها أشياء كثيرة من النفائس والأسلاب والمهرة من الحرفيين ، وحمل معه آخر خليفة عباسى فيها . وحمل السلطان العثمانى لقب ( خليفة ) ضمن ألقاب أخرى ، وظل السلطان العثمانى خليفة ( المسلمين ) الى أن سقطت الخلافة العثمانية عام 1923 .
3 ـ ( والسلطان بديار مصر والشام والحجاز الملك المؤيد أبو النصر شيخ المحمودي الظاهري،).
3 / 1 : السلطان المملوكى كان يحكم مصر والشام والحجاز. هذه هي الأقاليم الرئيسة في الدولة المملوكية . ويلاحظ أن السلطة المملوكية كانت تشمل ما يسمى الآن بفلسطين و لبنان و سوريا ، وتلك مناطق جغرافية لم تكن أسماؤها مذكورة ضمن الولايات ، المذكور كانت ولايات : غزة والشام وحلب وقيصرية جنوب آسيا الصغرى ، وصفد و طرابلس ، بالإضافة الى مكة والمدينة .
3 / 2 : جاء المقريزى باسم السلطان ( المؤيد شيخ ) تاليا للخليفة العباسى .
4 ــ ( وهو مريض، ومعظم عسكر مصر بمدينة حلب، صحبة الأمير الكبير ألطنبغا القرماشي أتابك العساكر، ومعه من الأمراء طوغان أمير أخور، وألطنبغا من عبد الواحد- المعروف بالصغير- رأس نوبة النوب، وألطنبغا المرقبي حاجب الحجاب، وجرباش الكريمي رأس نوبة، وغيرهم. وعند السلطان من الأمراء قجقار القردمي أمير سلاح، و ططر أمير مجلس، وتنبك ميق العلاي، ومقبل الدوادار.) . وقت مرض السلطان كان كبار الأمراء المماليك في مطلع هذا العام قسمين : منهم من يقود معظم الجيش في حلب ، والباقون كانوا مع السلطان المريض . نلاحظ وجود الأمير ططر الى جانب السلطان المريض . وهو الذى تولى الحكم بعد الطفل ابن المؤيد شيخ .
5 ـ ( والوزير يومئذ الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله. ووظيفة نظر الخاص ليست بيد أحد، وإنما يتحدث فيها عن السلطان الطواشي مرجان الهندي الخازندار. وأستادار الأمير يشبك أينالي. وكاتب السر كمال الدين محمد بن محمد بن البارزي )، هنا أكابر المجرمين من الجناح المدنى في الأجهزة الديواني.
6 ـ ( وقاضي القضاة شيخ الإسلام جلال الدين عبد الرحمن بن البلقيني الشافعي. وقاضي القضاة الحنفية زين الدين عبد الرحمن التفهني. وقاضي القضاة المالكية بديار مصر شمس الدين محمد البساطي. وقاضي القضاة الحنابلة علاء الدين علي بن مغلي.). ثم أكابر المجرمين في الناحية الدينية ( القضاة ) .
7 ـ ( ونائب الإسكندرية ناصر الدين محمد بن أحمد بن عمر بن العطار. ونائب غزة أركماس الجلباني. ونائب الشام جقمق الدوادار. ونائب حلب يشبك اليوسفي، ونائب قيصرية الروم محمد بك بن دلغادر التركماني. ونائب صفد قطلوبغا التنمي. ونائب طرابلس اسنبغا الزردكاش. ونائب حماة أق بلاط. وأمير مكة الشريف حسن بن عجلان. وأمير المدينة النبوية الشريف عزير بن هيازع،).
7 / 1 : بعده القضاة الأربعة يأتي نُوّاب السلطان .
7 / 2 : قسّم المماليك دولتهم الى ما كان معروفا سابقا بالولايات ، في كل منها نائب للسلطان . والتقسيم كان طبقا لأهمية المدينة . مثلا جعلوا مدينة الإسكندرية ولاية يقوم عليها نائب للسلطان بسبب تعرضها للغارات البحرية الصليبية، وكذلك كانت ( غزة ) ( ولاية ) بنفسها لموقعها البحرى وقت الهجمات البحرية الصليبية. لم تكن دمشق ولاية . ثم هناك نواب للسلطان في حلب وقيصرية وصفد وطرابلس وحماة ، بالاضافة الى مكة والمدينة ويحكمها الأشراف تحت سلطة المماليك .
9 ـ ( ومتملك اليمن الملك الناصر أحمد بن الأشرف إسماعيل. ومتملك بلاد الشرق شاه رخ بن تيمور كركان، ومتملك بلاد الروم سلطان محمد كرشجي بن خوندكار بايزيد بن مراد بن عثمان.) . ذكر ملك اليمن وملك الشرق في العراق ، والسلطان العثمانى ( بلاد الروم ). وكان وقتها محمد كرشجى الذى جاء في عصر تنازع على الحكم ، وقد تولى في 5 ربيع الآخر عام 816 ، وإستمر حتى حل محله مراد الثانى في 23 جمادى الثانى عام 824 . أي بعد عدة أشهر من محرم 824 .
10 ـ ( ومحتسب القاهرة إبراهيم ابن الوزير ناصر الدين محمد بن الحسام. ووالي القاهرة بكلمش ابن فري. وكاشف الوجه القبلي دمرداش. وكاشف الوجه البحري حسين الكردي ابن الشيخ عمر، وكان مشكور السيرة على تقوى، كما ذكر.) . في النهاية يذكر محتسب القاهرة ووالى القاهرة ( مدير الأمن ) ، وكاشف الوجه القبلى ، أي حاكم الريف في الصعيد ، وحاكم الريف في الوجه البحرى .
ثانيا :
برسباى ليس مذكورا في القائمة :
برسباى الذى تولى السلطنة في العام التالى 825 لم يكن ضمن قادة الأمراء المماليك عام 824 . أين كان برسباى في عام 824 ؟
نتتبع أخباره في تفصيلات أحداث عام 824 .
1 ـ يقول المقريزى : ( شهر شعبان، أوله الجمعة: في يوم الاثنين حادي عشره.. وقدم الخبر بأن الأمير برسباي الدقماقي نائب طرابلس- كان- بعثه الأمير ططر من حلب، ومعه القاضي بدر الدين محمد بن مزهر ناظر الاصطبل إلى صرخد، وأنه ما زال بالأمير جقمق حتى أذعن، وسار معه إلى دمشق، وصحبه الأمير طوغار أمير أخور. فلما قدموا دمشق قبض الأمير تنبك ميق النائب على جقمق وطوغان وسجنهما. وأن الأمير ططر برز من حلب بمن معه في حادي عشره، وأنه قدم بهم إلى دمشق في ثالث عشرينه، فقتل جقمق نائب الشام ونفى طوغان إلى القدس بطالا .. وعزم ( ططر ) على خلع المظفر( ابن المؤيد شيخ ) من السلطنة، وخلعه في تاسع عشرينه ( أي 29 شعبان ) فكانت مدته سبعه أشهر وعشرين يوماً ) .
وهو في سعيه للسلطنة كان ططر يتخلص من منافسيه ويستبدل بهم أنصاره. لذا عزل النائب اسنبغا الزردكاش وعيّن برسباى مكانه نائبا للسلطان في طرابلس. كان الأمير جقمق أقوى شخصية مملوكية في الشام ، وهو الذى سجن برسباى من قبل في قلعة دمشق ، ثم أخرجه من السجن الأمير الطنبغا بعد هزيمة جقمق بأوامر من ططر. خرج برسباى من السجن يحمل حقدا على الأمير جقمق. وجاء ططر قبل سلطنته فجعل برسباى نائبا له في طرابلس . ولا بد أن برسباى أوعز الى ططر بقتل جقمق بعد أن أذعن جقمق وسلّم نفسه وسلاحه ، وليس هذا معهودا في صراع المماليك على السلطة . بهذا تخلص برسباى من أكبر عدو له . هذا مؤشر على أن برسباى ــ وهو الأقل درجة من كبار الأمراءــ يمهد لنفسه مبكرا لأن يكون سلطانا ( أكبر أكابر المجرمين ) بأن يتقرب الى ططر ، ويساعده في تولى السلطنة ، ثم يتخلص منه فيما بعد . وهذا ما حدث .وهذا يفسر كيف مات السلطان ططر سريعا ، وقد عهد لبرسباى أن يكون خليفته على إبنه ولى عهده . وما لبث برسباى أن عزل السلطان الطفل وتولى مكانه في العام التالى .
2 : في رمضان الشهر التالى وقد أصبح ططر سلطانا بعد عزل السلطان الطفل إبن المؤيد شيخ نراه قد رقّى برسباى الى درجة كبرى : ( الداودار الكبير ) يقول المقريزى : ( يقول المقريزى : وفي يوم الاثنين ثالثه: .. وخلع على الأمير برسباي الدقماقي، واستقر به دواداراً كبيراً، عوضاً عن الأمير ألي بيه.). الداودار: هو الذى يبلغ الرسائل عن السلطان والذى يبلغه بالأمور والشكاوى، وهو صاحب الاستشارة والإشراف على البريد ، ويقدم للسلطان المكاتبات الرسمية . بهذا أصبح برسباى أقرب الى السلطان ططر .
3 ـ ثم يمرض السلطان ططر فجأة . يقول المقريزى في أحداث شهر ذي الحجة : ( أهل والسلطان مرضه متزايد، والإرجاف به كبيره وفي يوم الجمعة- ثانيه-: استدعى الخليفة والقضاة إلى القلعة، وقد اجتمع الأمراء والمباشرون والمماليك، وعهد السلطان لابنه الأمير محمد، وأن يكون القائم بدولته الأمير جانبك الصوفي، والأمير برسباي الدقماقي لالا، فحلف الأمراء على ذلك، كما حلفوا لابن الملك المؤيد. ) . أصبح برسباى ومعه الأمير جانبك الصوفى ( الأقدم من برسباى ) قائمين بدولة السلطان الطفل محمد بن ططر .
4 ـ يقول المقريزى عن تولية ابن السطان ططر : ( أقيم في السلطنة بعهد أبيه إليه، وعمره نحو العشر سنين، عقيب موت أبيه. في يوم الأحد رابع ذي الحجة، سنة أربع وعشرين وثمانمائة قد اجتمع الأمراء بالقلعة، إلا الأمير جانبك الصوفي فإنه لم يحضر، فما زالوا به حتى حضر، وأجلسوا السلطان، ولقبوه بالملك الصالح. ونودي في القاهرة أن يترحموا على الملك الظاهر، ويدعوا للملك الصالح وسكن الأمير جانبك الصوفي بالحراقة من باب السلسة، وانضم إليه معظم الأمراء والمماليك. وأقام الأمير برسباي الدقماقي بالقلعة، في عدة من الأمراء والمماليك، ... وباتوا بأجمعهم مستعدين. ) . تولى الطفل محمد بن ططر سلطانا شرعيا ــ فترة إنتقالية ـ الى ان ينحسم الصراع بين كبار المماليك . وكانوا فرقتين ؛ يتزعم الأولى برسباى المقيم في القلعة ، والأخرى جانبك الصوفى .
5 ـ إنتهى الصراع بفوز برسباى الذى خدع جانبك الصوفى . يقول المقريزى : ( وبينما هم في ذلك إذ رمى المماليك بالنشاب من أعلا القلعة على الأمير جانبك، وهو بالحراقة من باب السلسلة، فاضطرب الناس وللحال أغلق باب القلعة، ودقت الكوسات حربيا، فخرج الأمير طرباي من داره في عسكر كبير، وقد لبسوا جميعهم لامة الحرب. وطلع ومعه الأمير قجق إلى الأمير جانبك الصوفي بالحراقة، وأخذ يلومه على تأخره عن الطلوع لصلاة العيد، ومازال يخدعه حتى انخدع له، وركب معه ليشتروا في بيت الأمير بيبغا المظفري.... فما هو إلا أن صاروا في داخل بيت بيبغا المظفري إذا بباب الدار قد أغلق، وأحيط بجانبك الصوفي، ويشبك أمير أخور وقيدا، وأخذا أسيرين إلى القلعة. ). بهذا أصبح برسباى هو الوحيد المؤهل للسلطنة وعزل السلطان الطفل إبن ططر .
5 ـ يقول المقريزى في مطلع العام التالى عن أكابر المجرمين عام 825 :
( أهلت وسلطان مصر والشام الملك الصالح ناصر الدين محمد بن الظاهر ططر. والقائم بأمور الدولة الأمير الكبير نظام الملك برسباي الدقماقي. والأمير الكبير الأتابك طرباي...)
هنا تصدر برسباى العناوين ..!
6 ـ ويقول المقريزى في ( شهر ربيع الآخر، أوله الأربعاء: .. وفي سادسه: قدم الأمير تنبك العلاي ميق نائب الشام، بعد ما تلقاه عامة أهل الدولة، فخلع عليه واستقر على عادته في نيابة الشام. وتحدث معه في سلطنة الأمير برسباي، فوافق على ذلك . وخلع الملك الصالح في يوم الأربعاء ثامنه، فكانت مدته أربعة أشهر وثلاثة أيام . )
7 ـ ثم يقول عن السلطان برسباى : ( السلطان الملك الأشرف سيف الدين أبو النصر برسباي الدقمقاي ( نسبة للأمير المملوكى الذى إشتراه )الظاهري ( نسبة للظاهر برقوق الذى أعتقه ) الجركسي ( نسبة الى موطنه الأصلى ) . .. ومازال قائماً بتدبير أمر الدولة. ثم أحب أن يطلق عليه اسم السلطان، لما خلا له الجو، فأخذ طرباي وسجنه، تم بموافقة نائب الشام على ذلك، فاستدعى الخليفة والقضاة، وقد جمع الأمراء وأرباب الدولة، فبايعه الخليفة في يوم الأربعاء ثامن شهر ربيع الآخر سنة خمس وعشرين وثمانمائة. ولقب بالملك الأشرف أبي العز، ونودي بذلك في القاهرة ومصر. )
8 ـ ويستخلص المقريزى العبرة ، فالمؤيد شيخ لكى يصل الى السلطة قرّب اليه ططر ، وهو من أقل الأمراء شأنا ، فجعله مقدما وعهد اليه بالقيام على ابنه ، فما لبث ططر أن عزل السلطان الطفل وتولى مكانه . وفى تقوية مركزه قام السلطان ططر بتقريب برسباى وهو من أقل الأمراء شأنا ، وعهد اليه بالقيام على إبنه ، ومرض ططر سريعا وترك إبنه في حماية برسباى والأتابك طرباى ( قائد الجيش ). وسجن برسباى الأتابك طرباى وخلع إبن ططر وتولى مكانه . يقول المقريزى : ( وكان في هذا موعظة وذكرى لأولي الألباب، فإن الملك المؤيد أنشأ ططر وآواه، بعد ما كان من أقل المماليك الناصرية الهاربين من الملك الناصر فرج. وما زال يرقية حتى صار من أكبر أمراء مصر، وائتمنه على ملكه. فقام بعد موت المؤيد بكفالة ولده أحمد المظفر. وما زال يحكم الأمر لنفسه إلى أن خلع ابن المؤيد، وتسلطن، وأودع ابن المؤيد وأمه ببعض دور القلعة في صورة معتقل. فلما أشفي ططر على الموت، عهد إلى ابنه محمد، واستأمن برسباي- لقرابة بينهما- على ولده، بعد ما كان برسباي مقيماً بدمشق من جملة أمرائها، وجُلّ مناه أن يبقى المؤيد عليه مهجته، فآواه ططر، وجعله من أكبر أمراء مصر، فقام بأمر ابنه الملك الصالح قليلاً، واقتدى بأخيه ططر في أخذ الملك لنفسه. فلما أخذ طرباي، كما قبض ططر على الأمراء بدمشق، ولم يبق من يخشاه إلا نائب الشام، بعث يخيره بين أن يكون الأمير الكبير بديار مصر مكان طرباي وبين أن يستمر على نيابة الشام، فرغب في السلامة، وأتى إلى بين يديه، فأمن برسباي عند ذلك، وتسلطن، وأودع الصالح محمد بن ططر وأمه في دار بالقلعة. من يعمل سوءاً يجز به. )
9 ـ وفى سنة ست وعشرين وثمانمائة يقول المقريزى ( أهلت وسلطان مصر والشام والحجاز الملك الأشرف برسباي الدقماقي ... ) وصل برسباى الى درجة أكبر أكابر المجرمين .!
10 ـ ظل يحكم برسباى الى أن مات بعد مرض أليم عام 841 .
أخيرا :
1 ــ قال عنه المقريزى في وفيات عام 841 : ( ومات السلطان الملك الأشرف برسباى الدقماقى الظاهرى في يوم السبت ثالث عاشر ذى الحجة، وقد أناف على الستين‏. كان أبوه من أوضع أهل بلاده قدرًا وأشدهم فقرًا فأسلم إبنه هذا لحداد، فكان ينفخ عنده بالكير ثم مات فتزوجت إمرأته برجل فباع برسباى هذا وهو صغير من رحل يهودى إسمه صادق‏. فخدمه مدة وتلقن أخلاقه وتطبع بطباعه حتى جلبه إلى ديار مصر فإبتاعه الأمير دقماق‏.ثم بعث به في جملة تقدمه ( هدية ) لما إستقر في نيابة ملطية‏. فأنزله السلطان الملك الظاهر برقوق في جملة مماليك الطباق‏. ثم أخرج له قبل موته خيلًا وأنزله من الطباق وقد أعتقه‏. فلما كانت الأيام الناصرية فرج خرج فيمن خرج إلى الشام وإنتمى إلى الأمير نوروز ثم إلى الأمير شيخ فلما قدم الأمير شيخ بعد قتل الناصر إلى مصر كان فيمن قدم معه فرقاه وصار من جملة أمراء الألوف وعمل كشف التراب‏. ثم ولاه نيابة طرابلس وعزله وسجنه بقلعة المرقب‏. ثم أنعم عليه بإمرة في دمشق‏. فلما مات المؤيد شيخ قبض عليه الأمير جقمق نائب الشام وسجنه‏. ثم أفرج عنه الأمير ططر لما توجه بإبن المؤيد إلى الشام‏. ثم أنعم عليه بإمرة ألف وعمله دوادار السلطان لما تسلطن وقدم به إلى القاهرة ، فلما مات الظاهر ططر قام بأمر ولده ثم خلعه وتسلطن فدانت له البلاد وأهلها وخدمته السعود حتى مات‏. وكانت أيامه هدوء وسكون إلا أنه كان له في الشح والبخل والطمع مع الجبن والجور وسوء الظن ومقت الرعية وكثرة التلون وسرعة التقلب في الأمور وقلة الثبات أخبار لم نسمع بمثلها وشمل بلاد مصر والشام في أيامه الخراب وقلة الأموال بها‏. وإفتقر الناس وساءت سير الحكام والولاة مع بلوغه آماله ونيله أغراضه وقهر أعدائه وقتلهم بيد غيره لتعلموا أن اللّه على كل شىء قدير‏. )
2 ـ نشأ برسباى في بلاد الجركس التي أتى منها معظم المماليك ( الأجلاب / الجلب ) لذا يطلق على المماليك البرجية لقب المماليك الجراكسة . ( جركس هي الآن القوقاز ) . لو ظل برسباى في بلده ما علم به أحد ، وما صار من أكابر المجرمين الذين يتصدرون العناوين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 12345


.. لابيد: كل ما بقي هو عنف إرهابيين يهود خرجوا عن السيطرة وضياع




.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #


.. خالد الجندي: المساجد تحولت إلى لوحة متناغمة من الإخلاص والدع




.. #shorts yyyuiiooo