الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تِلْكَ ٱلْكَاْتِبَةُ ٱلْرِّوَاْئِيَّةُ: خَرَفُ ٱلْعِفَاْفِ سَهْوًا أَمْ خُلْفُ ٱلْإِرْدَاْفِ رَهْوًا؟ (1-2)

غياث المرزوق
(Ghiath El Marzouk)

2021 / 2 / 23
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


وَمِنْ بَيْنِ ٱلْغَضِيضِ مِنْ إِرْهَاصِ ٱلْعُصَابِ ٱلْنَّفْسِيِّ
أَنْ يَبِينَ ٱلْمَغِيضُ حَقًّا، أَوْ حَتَّى بَاطِلاً، بِتَسْيَارِهِ ٱلْعَكْسِيِّ
زيغموند فرويد

(1)

وهكذا، آنئذٍ، وقد شارفَ ذلك العامُ الميلاديُّ «الكورونيُّ» المجيدُ على الانتهاءِ دونما انتهاءٍ، نأتي في نهايةِ المطافِ إذَّاكَ إلى تقريرٍ، أو شبهِ تقريرٍ، صحافيٍّ و/أو إعلاميٍّ يرقى بكلِّ جدارةٍ وبكلِّ استحقاقٍ إلى الترتيبِ «التاسعَ عشرَ» آتيًا إتْيَانًا ومَأْتَاةً من يراعِ عينِ الكاتبةِ الروائيَّةِ «النسويةِ» السوريةِ المنشأِ واللبنانيةِ المبدأِ والفرنسيةِ الملجأِ، غادة السمان، ويلقى تِلْقَاءَهُ تحتَ جنحِ شيءٍ من الاستفهامِ «اللاعنصريِّ» يُشْتَفُّ اشْتِفَافًا من عينِ هذا العنوانِ صادرًا في صدرِ صحيفةٍ غنيَّةٍ عن التعريفِ مؤخَّرًا، «متى كان «بابا نويل» أسود البشرة؟» (القدس العربي، 25 كانون الأول 2020). أقولُ، هنا، «تقريرًا، أو شبهَ تقريرٍ، صحافيًّا و/أو إعلاميًّا (يتيمًا)» من هكذا ترتيبٍ مُعَبَّرٍ عنهُ بالرقمِ «الكورونيِّ» الإمبراطوريِّ بالذاتِ، لأن يراعَ هكذا كاتبةٍ روائيَّةٍ يبدو فيهِ ماسكًا مسألةَ الدفاعِ عن حالِ الأنامِ السُّودِ المضطهَدينَ (إزاءَ حالِ الأنامِ البِيضِ المضطهِدينَ)، في الأغلبِ والأعمِّ، يبدو فيهِ ماسكًا إيَّاها من ذيلِها، لا من رأسِها مثلما تقتضيهِ الحكمةُ والحصافةُ اقتضاءً، وإلى حدٍّ يتبدَّى فيه ذلك الموقفُ «اللاعنصريُّ»، جرَّاءَ محاولاتِ تفسيرِ الماءِ بعدَ الجهدِ الجهيدِ بالماءِ، موقفًا «عنصريًّا مضادًّا» بامتيازٍ – حتى أكثرَ «عنصريَّةً مضادَّةً» من عنصريَّةِ صحيفةِ «القدس العربي» المُنَوَّهِ عنها، في حدِّ ذاتِها، هذهِ الصحيفةِ «العربيةِ» و«الفلسطينيةِ» التي ما إن يبرزُ على السطحِ، سطحِ الأرضِ، مجرَّدُ نبأٍ، أو مَحْضُ خبرٍ، عابرٍ عن دخولِ السلكِ السياسيِّ «الغربيِّ»، بنحوٍ أو بآخَرَ، من طرفِ امرئٍ، أو امرأةٍ، متحدِّرَيْن من أصولٍ «فلسطينيةٍ» بعيدةٍ، أو حتى جدِّ بعيدةٍ، حتى تسارعَ أسرةُ تحريرِها (أي أسرةُ تحريرِ الصحيفةِ المعنيةِ) في تصديعِ الرؤوسِ، قيامًا وقعودًا، عن هذهِ الأصولِ «الفلسطينيةِ» لاجئةً إلى كلِّ أشكالِ «الخَرْطِ» و«الضَّرْطِ» الصحافيَّيْنِ «الموضوعيَّيْنِ» الأعْجَفَيْنِ، وإلى كلِّ أنواعِ التطبيلِ والتزميرِ الإعلاميَّيْنِ «الذاتيَّيْن» الأجوفَيْنِ، كما أَشارتِ الناقدةُ الصحافيةُ الإعلاميةُ، آصال أبسال، مرارًا وتكرارًا إلى كلٍّ من هذينِ التوصيفَيْنِ المزدوجَيْنِ في عدَّةٍ من مقالاتِها الفَريدةِ مبنًى ومعنًى على حدٍّ سِوًى (يُنظر، مثلاً، لاحصرًا: مقالُها، «إشكالية الإعلام السياسي: معنى الاِزْدِوَاج في مبنى الاِعْوِجَاج!»، المجلة الثقافية الجزائرية [وصحفٌ آُخرى]، 8 تشرين الثاني 2020؛ ومقالُها، «الصحافة العربية: ادِّعَاءٌ للعِبَرِ الماركسية أم دُعَاءٌ للإبَرِ الاِرْتِكاسية؟»، المجلة الثقافية الجزائرية [وصحفٌ آُخرى]، 19 كانون الأول 2020). هذا مع العلمِ التعيسِ أنَّ الأغلبيةَ الساحقةَ والماحقةَ من أولئك العربِ المغتربينَ (والمستغربينَ) المتحدِّرينَ من أصولٍ «فلسطينيةٍ» في أصقاعٍ الغربِ ذاتِهِ، وعلى الأخصِّ هَا هُنا في أصقاعِ أمريكا وبريطانيا ذاتَيْهِمَا، إنما يعملونَ بذريعةٍ وضيعةٍ، أو بأخرى، كعناصرِ «مخابراتٍ» و/أو «استخباراتٍ» حتى أشدَّ وضاعةً بكثيرٍ ضدَّ «صنوانِهِمْ» من العربِ الآخرينَ أنَّى تواجدوا، ولصالحِ هذهِ الجهةِ، أو تلك الجهاتِ، السلطويةِ الرسميةِ التي ينتمونَ، أو يرومونَ الانتماءَ، إليها في هذا الغربِ – ناهيكُما، بطبيعةِ الحالِ، عن تيك الوسائلِ الإعلاميةِ غيرِ الشريفةِ والرخيصةِ التي تلجأُ إليها لجوءًا لـ«حاجاتٍ في أنفُسِ اليعاقبةِ» الكثيراتُ من الصحفِ الغربيةِ الشهيرةِ والكثيراتُ من نظيراتِها من الصحفِ العربيةِ الأشهرِ كذلك، وعلى وجهِ الخصُوصِ هُنَا في مقدِّمةِ هذهِ النظيراتِ الأخيراتِ، صحيفةُ «القدس العربي» بالذاتِ: وهي الصحيفةُ «العربيةُ» و«الفلسطينيةُ» التي لا تني، كعهدِهَا المَعْهُودِ منذُ تاريخِ تأسيسِهَا الأوَّلِ، تتبجَّحُ بـ«استقلالِهَا» السياسيِّ وبامتثالِهَا «المبدئيِّ» و«النزيهِ» للأخلاقِ والقِيَمِ الإنسانيةِ، فيما لهُ مساسٌ بعالَمَي التحريرِ والنشرِ على حدٍّ سواءٍ.

وهكذا، بجلاءِ الكلامِ الجليِّ هُنا، أيضًا، فإن الغُلُوَّ المَغْلُوَّ في إقرانِ لونِ البياضِ، لا لونِ السَّوادِ، من أديمِ «بابا نويل» Père Noël، بتعبيرهِ في اللغةِ الفرنسيةِ (أو، بالحريِّ، «سانتا كلوز» Santa Claus، كما يُعبَّرُ عنهُ كذاك في اللغةِ الإنكليزيةِ)، فإن الغُلُوَّ المَغْلُوَّ في إقرانِهِ بالفحوى «العنصريِّ»، كما تفعلُ غادة السمان حُجَّةً وحِجَاجًا في انتقادِهَا الحماسيِّ، ذاك «الضميريِّ» و«الأبيِّ الحَرِيِّ»، لمدى سَعْيِ الغربِ «الديمقراطيِّ» إلى ترسيخِ أفكارِ تفوَّقِ العنصرِ الأبيضِ المستديمِ على العنصرِ الأسودِ «الذميمِ» و«الدميمِ» في نفوسِ الأطفالِ كافَّةً (وخصُوصًا في نفوسِ الأطفالِ الذينَ واللواتي شاءتِ الأقدارُ أن نشأوا وأن نشأنَ في أكنافِ مجتمعاتٍ مسيحيةٍ)، إنما هو الفحواءُ «العنصريُّ المضادُّ» بعينِ عينهِ، ولا ريبَ فيهِ، وعلى الأخصِّ كذلك إن تفكَّرنا، نحنُ ذوي الألبابِ الملتزمينَ بقولِ الحقيقةِ والحقِّ رغمًا عن «تَسْيَارِهِ ٱلْعَكْسِيِّ» كما جاءَ في العبارةِ التصديريَّةِ الفرويديَّةِ، إن تفكَّرنا، أقولُ، قليلاً في الحالِ من كلٍّ من عناصرِ الألوانِ الأديميَّةِ الأُخرى ذواتِهَا (كالعنصرِ الأصفرِ والعنصرِ الأحمرِ والعنصرِ الأسمرِ، بعدَ العنصرَيْنِ الآنِفَي الذكرِ): هذا إذا لمْ نَقُلْ أيَّ شيءٍ مسهبٍ، أو مطنبٍ، بتَّةً عن أيٍّ من تلك «الشروطِ» الإجرائيةِ (اللَّحْقِيَّةِ) التي تسعى الكاتبةُ الروائيَّةُ المعنيَّةُ بالذاتِ سَعْيًا «حثيثًا» إلى التنظيرِ فيها، من قبيلِ إثباتِ «لاعنصريَّتِها» الافتعاليةِ في المقابلِ، كمثلِ «شرطِ» قبولِ العنصرِ الأسودِ (في الغربِ) إن كانَ متفوِّقًا تفوُّقًا «ذاتيًّا» لافتًا بصحوةٍ إصلاحيةٍ اجتماعيةٍ (إنسانيةٍ)، كما هي الحَالُ في المجالِ الرياضيِّ أو في المجالِ الفنيِّ، وهكذا دَوَالَيْكُمَا، أو حتى كمثلِ «شرطِ» استحسانِ هذا العنصرِ الأسودِ (في هذا الغربِ ذاتًا) إن كانَ مُتَجَمِّلاً تجمُّلاً «آخَرِيًّا» أشدَّ لَفْتًا بصحوةٍ إصلاحيةٍ ثقافيةٍ (جدِّ إنسانيةٍ)، كما هي الحَالُ كذاك في تغييرِ عنوانِ روايةِ التحرِّي الشهيرةِ للكاتبةِ الروائيةِ الإنكليزيةِ، آغاثا كريستي، تغييرِهِ عنوةً من مثيلِ ذلك التعبيرِ العنصريِّ الصاخبِ جدًّا، «عَشْرَةُ زِنْجٍ صِغَارٍ» Ten Little Niggers (التعبيرِ الذي يحتوي جليًّا على اللفظِ الازدرائيِّ «زِنْج» بلسانِهِ الإنكليزيِّ الأصليِّ، لا حسبما تترجمُ أو تنقلُ غادة السمان مزاجيًّا، «عشرةُ عبيدٍ صغارٍ»، كعهدِهَا في تقريرِهَا المعنيِّ اليتيمِ)، إلى بديلِ هذا التعبيرِ اللاعنصريِّ غيرِ الصاخبِ أبدًا، «وبعدَئذٍ لم يَكُنْ هناك أَحَدٌ» And Then There Were None (التعبيرِ الذي لا يحتوي على أيِّمَا لفظٍ ازدرائيٍّ، ولا حتى شبهِ ازدرائيٍّ، في التمثيلِ القصديِّ الرحيمِ)، وهلمَّ جرًّا، وهلمَّ جرًّا. وعلى الرغمِ من كُلِّ ذلك، فوقَ ذلك كُلِّهِ، كما تساجلُ الكاتبةُ الروائيَّةُ «اللاعنصريَّةُ» غَضْبَى (أو، بالأحرى تعبيرًا، كما تبدو بَدَاءً في مزاجِ المُسَاجِلاتِ «اللاعنصريَّاتِ» الغَضَابَى)، فإن كلَّ تلك «الشروطِ» الإجرائيةِ (اللَّحْقِيَّةِ)، سواءً كانتْ متفرِّقةً أو حتى مجتمعةً بأيِّمَا حُسْبَانٍ أو اعتبارٍ، فإن كلَّهَا ليستْ كافيةً بأيَّتِمَا مثابةٍ كانتْ، ما دامتْ أساليبُ الاقتناعِ اليقينيِّ الداخليِّ في القرائرِ والسَّرائرِ في هذا الزمانِ «الكورونيِّ» العصيبِ تحديدًا، وهي الأساليبُ النفسيَّةُ (أو الذهنيَّةُ) التي تتجلَّى هَا هُنَا بوصفِهَا الأهمَّ اجتماعيًّا في هذهِ القرينةِ، ما دامتْ لم تحقِّقْ بعدُ ذلك الابتغاءَ الإنسانيَّ المنشودَ، بالتماسٍ ضميريٍّ معهودٍ، بأنَّ «[الإنسانَ] الأبيضَ ليسَ أفضلَ من [الإنسانِ] الأسودِ، بلْ هو إنسانٌ يساويهِ في الإنسانيةِ والمزايا والأخطاءِ البشريةِ والعيوبِ، وكلُّ ما في الأمرِ أنَّ لونَ بشرتِهِ لهُ خصوصيَّتُهُ»، على حدِّ قولِ الكاتبةِ الروائيَّةِ «اللاعنصريَّةِ» الغَضْبَى بالحرفِ الواحدِ في تقريرِهَا المعنيِّ اليتيمِ ذاك!

لستُ أدري على وجهِ الضبطِ إن كانتِ الكاتبةُ الروائيَّةُ «اللاعنصريَّةُ» الغَضْبَى، من خلالِ تركيزِهَا المُفْرِطِ، لا بلِ البالغِ الإفراطِ، على هكذا مسلَّماتٍ وبديهياتٍ لا تخفى حتى على أولئك الأطفالِ الذينَ واللاتي تساجلُ من أجلِهِمْ ومن أجلِهِنَّ تجنُّبًا لتسميمِ نفوسِهِمْ ونفوسِهِنَّ بعنصريَّاتِ تيك الأفكارِ التفوُّقيةِ الآنفةِ الذكرِ، لستُ أدري إن كانتْ قد غفلتْ، أو قد تغافلتْ، عن مضمونِ تلك الحقيقةِ التاريخيةِ التي تشيرُ إلى أن شخصيةَ «بابا نويل» (أو «سانتا كلوز») لا تعدو أن تكونَ شخصيةً خياليةً يُصَارُ إلى إحيائِهَا إحياءً دَوْرِيًّا في الأسبوعِ الأخيرِ من كلِّ عامٍ ميلاديٍّ من لدنِ المجتمعاتِ المسيحيةِ عامَّةً، شخصيةً خياليةً قادمةً في الأساسِ، إبَّانَ حقبتِهَا التاريخيةِ الثانيةِ، من منطقةٍ من مناطقِ القطبِ الشماليِّ على وجهِ التخصيصِ، وبالأخصِّ تلك المناطقِ التي يتميَّزُ سُكَّانُهَا بشدَّةِ بياضِ الأديمِ من حيثُ اللونُ ذاتًا، حتى أشدَّ بياضًا من أديمِ الكثيرِ من سُكَّانِ أوروبا ذاتِهَا (ناهيكُمَا عن ألوانِ ذلك الأديمِ من سائرِ السُّكَّانِ الأصليِّينِ في أمريكا الشماليةِ، على الأقلِّ قبلَ ابتلائِهَا بوباءِ الاستعمارِ البريطانيِّ في أواخرِ القرنِ السادسَ عشرَ – وما تلاهُ كذلك). وقد تحدَّثَ الكثيرُ من المثقَّفينَ والمفكِّرينَ الغربيِّينَ، وحتى من نُظَرَائِهِمْ من غيرِ الغربيِّينَ، مؤكِّدين تأكيدًا شديدًا على خياليةِ هذهِ الشخصيةِ الجَذَّابَةِ الجَاذِبَةِ الملايينَ بعدَ الملايينِ من القلوبِ الطفوليَّةِ (حرفًا بالسنِّ أو حتى مجازًا بالشعورِ)، وفي مقدِّمتِهم هَا هُنَا الباحثُ الفرنسيُّ الشهيرُ، كلود ليفي-ستراوس (1908-2009)، وهو الباحثُ المتخصِّصُ بالاختصاصِ العلميِّ الثريِّ فيمَا يُسمَّى بـ«علم الإنسان» (أو الأنثروبولوجيا)، وذلك من خلالِ مقالِهِ الألمعيِّ الأشهرِ، في هذا السياقِ، «بابا نويل المُعَذَّب» Le Père Noël Supplicié، المقالِ الذي كتبَهُ عنوةً بحالٍ من الشَّجَا قبلَ مَا يُنَاهِزُ السبعينَ عامًا – وعلى الخلافِ الكلِّيِّ، بالمناسبةِ هَا هُنَا أيضًا، ممَّا يترجمُ الكاتبُ الصحافيُّ، صبحي حديدي، «توسُّل بابا نويل»، كعهدِهِ كذاك، هو الآخَرُ، خالطًا ذاتَ التوصيفِ الفرنسيِّ المعنيِّ Supplicié بذاتِ الفعلِ الفرنسيِّ المُجانسِ بالتمثيلِ الحرفيِّ، أو شبهِ الحرفيِّ، Supplier، كما يتبدَّى واضحًا وفاضحًا في مقالِهِ «القدساوي» الأخيرِ (يُنظر، مثلا، مقالُهُ: «بابا نويل وانكشاف الحكاية»، القدس العربي، 27 كانون الأول 2020). ففي مقالِهِ الألمعيِّ الأشهرِ هذا، إذن، فإنَّ كلود ليفي-ستراوس لا يهمُّهُ، في السياقِ، على الإطلاقِ ذلك السببُ «المُلِحُّ» الذي يُفضي بالصغارِ إلى الإيمانِ الراسخِ والرَّسُوخِ بشخصيةٍ، كمثلِ شخصيةِ «بابا نويل»، بل تهمُّهُ أكثرَ فأكثرَ، والحالُ هذهِ، تلك المدعاةُ «المِلْحَاحُ» التي تحدو بالكبارِ أنفسِهِمْ إلى جَعْلِ الصغارِ أولئك يؤمنونَ إيمانًا راسخًا ورَسُوخًا بهذهِ الشخصيةِ!

(2)

كما قلتُ إذَّاك باليقينِ الكاملِ (أو بالكادِ) في مستهلِّ القسمِ الأوَّلِ من هذا المقالِ، وكما يقتضي سياقُ التحليلِ السياسيِّ النفسيِّ (الاجتماعيِّ)، هَا هُنَا، إعادَةً بكلامٍ آخَرَ اقتضاءً، حينَ يأتي المَسَاقُ الصحافيُّ و/أو الإعلاميُّ «العربيُّ» عن ذكْرِ أيِّ شيءٍ تدليليٍّ مجرَّدٍ (عن الناصبِ والجازمِ) من مَحَلِّيَّةِ الموقفِ «العنصريِّ»، أو حتى ممَّا يُوازيهِ كذاك من مَحَلِّيَّةِ الموقفِ «العنصريِّ المضادِّ»، بنحوٍ أو بآخَرَ، لا بدَّ أن تلك الصحيفةَ «العربيةَ» و«الفلسطينيةَ» الشهيرةَ، صحيفةَ «القدس العربي» بالذاتِ (والمقصودُ، هُنَا، طاقمُ التحريرِ بذاتِ الذاتِ، بالطبع، تفاديًا لأيِّمَا لُبْسٍ أو أيِّمَا التباسٍ كان)، لا بدَّ أنها تَسْتَبِيءُ مكانَ الصَّدَارةِ بالشيءِ التمثيليِّ الملموسِ والفعليِّ، وحتى الدامغِ، في المقابل. فما إن يبينُ «ٱلْمَغِيضُ من ٱلْمَفِيضِ» على السطحِ الصحافيِّ و/أو الإعلاميِّ عن مجرَّدِ نبأٍ، أو خبرٍ، عابرٍ يبثُّ بثًّا دخولَ السلكِ السياسيِّ «الغربيِّ»، كما تبتغي الظروفُ أو تشتهي الأقدارُ، من طرفِ امرئٍ، أو امرأةٍ، متحدِّرَيْن من أصولٍ «فلسطينيةٍ» بعيدةٍ، أو حتى جدِّ بعيدةٍ، حتى يُسارعَ الكُلُّ أو الجُلُّ من طاقمِ تحريرِ الصحيفةِ «القدساويةِ» المعنيةِ في تصديعِ الرؤوسِ، قيامًا وقعودًا، عن مدى «أصالةِ» هذهِ الأصولِ «الفلسطينيةِ» ذاتِها، لاجئةً بذاك إلى كافَّةِ أشكالِ «الخَرْطِ» و«الضَّرْطِ» الصحافيَّيْنِ «الموضوعيَّيْنِ» الأعْجَفَيْنِ، وإلى سَائرِ أنواعِ التطبيلِ والتزميرِ الإعلاميَّيْنِ «الذاتيَّيْنِ» الأجوفَيْنِ، كما أَشارتِ الناقدةُ الصحافيةُ الإعلاميةُ، آصال أبسال، بالبرهانِ القطعيِّ مرارًا وتكرارًا إلى كلٍّ من هذينِ التوصيفَيْنِ المزدوجَيْنِ في عدَّةٍ من مقالاتِها الفَريدةِ مبنًى ومعنًى على حدٍّ سِوًى (انظرا، مثلاً، مقالَيْها الموثَّقَيْنِ في القسمِ الأوَّلِ من هذا المقالِ). هذا مع العلمِ البئيسِ أنَّ الأغلبَ السَّاحِقَ والمَاحِقَ من أولئك العربِ المغتربينَ المعنيِّينَ، أو حتى من مُحَاذِيهِمْ من «المستغربينَ» Occidentalists ذواتِهِمْ، جلاءً أو خفاءً (في حذاءِ عَدِّ المُجَافينَ من «المستشرقينَ» Orientalists عَدًّا)، أولئك العربِ المتحدِّرينَ بعِتْرَةٍ أو بطفرةٍ (أو حتى بأيَّةٍ مِمَّا بَيْنَ بَيْنَ) من أصولٍ «فلسطينيةٍ» في أصقاعٍ الغربِ «الآمنِ» ذاتِهِ، وعلى الأخصِّ هنا في أصقاعِ أمريكا وبريطانيا من هذا الغربِ «الآمنِ»، إنما يعملونَ بذريعةٍ وضيعةٍ، أو بأُخرى أشدَّ وضاعةً، كعناصرِ «مخابراتٍ» و/أو عناصرِ «استخباراتٍ» و/أو عناصرِ «أمْنٍ» أو «تَحَرٍّ»، وحتى أشدَّ وضاعةً بكثيرٍ ضدَّ «صنوانِهِمْ» من العربِ الآخرينَ الهاربينَ من بلادِهِمْ (لأسبابٍ سياسيَّةٍ أو دينيَّةٍ أو اجتماعيَّةٍ أو غيرِها)، يعملونَ بـ«كدٍّ» و«تفانٍ» لصالحِ هذهِ الجهةِ السلطويةِ الرسميةِ، أو لصالحِ تلك الجهاتِ السلطويةِ اللارسميةِ، التي ينتمونَ، أو يرومونَ الانتماءَ، إليها في هكذا غربٍ «آمنٍ» (انظرا، أيضًا، التقريرَ السياسيَّ «التعريفيَّ» اللافتَ للنظرِ: «ماهر بيطار: الفلسطيني الأمريكي الذي عينه بايدن في منصب استخباراتي رفيع»، القدس العربي 25 كانون الثاني 2021). ولكنْ، ولكنْ، ومن جَرَّاءِ انسيابِ الكلامِ عن «أصلٍ» أو «فصلٍ» مُحَدَّدَيْنِ قرينةً كشفيَّةً جليَّةً كهذهِ، لا غَرْوَ في أن يتكشَّفَ، بينَ حينٍ وآخَرَ، صِنْفٌ من الاستثناءِ اللَّكِيعِ والوَكِيعِ الذي يَتَسَامَى بِهِ طاقمُ تحريرِ الصحيفةِ «القدساويةِ» المعنيةِ أيَّمَا تَسَامٍ لـ«حاجاتٍ أُخْرَيَاتٍ في أَنْفُسِ اليعاقبةِ»، أو حتى أنكى منها، إنِ انكشفَتْ بأنساقِ تقاليدهِمْ وأَعْرَافِهِمْ «لاأخلاقيَّاتُ» الشخصيَّةِ السياسيَّةِ «الغربيَّةِ» أَلاًّ و«الفلسطينيةِ» آلاً، كما هي الحالُ في عُدُولِهِمِ «الأخلاقيِّ» عن أيٍّ من أشكالِ التنفُّخِ والتباهِي المُعتادَيْنِ بأيِّ شيءٍ يخصُّ أصلَ أو فصلَ النائبةِ البريطانيةِ، ليلى ميشيل موران، حينَ أدركوا، ضِمْنَ حُدُودِ إدراكاتِهِمْ، قَبَسًا من «تحذيرِ» قارئٍ فطينٍ بأنَّ هذهِ الـ«ليلى الليلاءَ» إنَّمَا تؤمنُ إيمانًا يقينيًّا بنوعٍ من السلوكِ الجنسيِّ الشُّمُوليِّ، أو الكونيِّ، المُسَمَّى بـ«كُلَّانِيَّةِ الجنسانيَّةِ» Pansexuality، وذاك من منظورِ اقتضائِهَا انجذابًا جنسيًّا كُلَّانِيًّا «شَاذًّا» متفرِّدًا كلَّ التفرُّدِ – على الخلافِ الكُلِّيِّ، على أدنى تخمينٍ هَا هُنا، من كلٍّ من «لاشُذُوذِ» ذلك السلوكِ الجنسيِّ اللاشُّمُوليِّ المَدْعُوِّ بـ«أحاديَّةِ الجنسانيَّةِ» Unisexuality، الأحاديَّةِ التي تقتضي الاِنجذابَ الجنسيَّ اقتضاءً إلى الذكرِ أو الأنثى كُلٍّ على حِدَةٍ في المَآنِ، ومن «شُذُوذِ» ذلك السلوكِ الجنسيِّ اللاشُّمُوليِّ (أو، بالحريِّ، شبهِ الشُّمُوليِّ) المَدْعُوِّ بدورهِ هو الآخَرُ بـ«ثنائيَّةِ الجنسانيَّةِ» Bisexuality، الثنائيَّةِ التي تقتضي الاِنجذابَ الجنسيَّ اقتضاءً كذاك، ولكنْ إلى الذكرِ والأنثى معًا، في الآنِ أو الأوانِ.

وهكذا، في عصيبِ الزمانِ، واستنادًا إلى هكذا إدراكٍ على قَدْرِ مَا يمتلكونَ من مداركَ عقليَّةٍ في كِفَافِ المِيزانِ، لم نجدْ أيًّا من طاقمِ تحريرِ الصحيفةِ «القدساويةِ» المعنيةِ، من قريبٍ أو من بعيدٍ، «تُسَوِّلُ لَهُ نَفْسُهُ» نَشْرَ أيِّمَا إخبارٍ عُمُومِيٍّ، أو حتى إنباءٍ خُصُوصِيٍّ، لَهُ مِسَاسٌ بأصلِ أو فصلِ تلك الـ«ليلى موران»، لم نجدْهُ منذُ تاريخِ إصدارِ آخرِ تقريرٍ سياسيٍّ يمسُّها مَسًّا في أواخرِ الشهرِ الأوَّلِ من ذلك العامِ الفَارِطِ «المُدَانِ» (انظرا، على سبيلِ المثالِ، التقريرَ السياسيَّ اليتيمَ: «وزير بريطاني يرد بعدوانية على برلمانية من أصل فلسطيني بعد أن كشفت تناقض تصريحات بوريس جونسون بشأن حل الدولتين»، القدس العربي 30 كانون الثاني 2020). بيدَ أنَّ الكُلَّ من طاقمِ تحريرِ الصحيفةِ «القدساويةِ» المعنيةِ، إكمالاً ترديديًّا لذلك التَّسَامِي المَرْكُونِ إليهِ بالاستثناءِ وإجلالاً تعضيديًّا لكلٍّ من توصيفَيِ اللَّكَاعَةِ والوَكَاعَةِ الوَاصِفَيْنِ لهذا الاستثناءِ، إنما «تُسَوِّلُ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ»، على النقيضِ، نَشْرَ مَا «يُكَفِّرُ»، أو مَا «يُطَهِّرُ»، من ذينك الإخبارِ العُمُومِيِّ والإنباءِ الخُصُوصِيِّ إنْ مَسَّ أصلَ أو فصلَ شخصيَّةٍ سياسيَّةٍ «غربيَّةٍ» أَلاًّ و«لافلسطينيةٍ»، لكنْ «عربيَّةٌ»، آلاً، غيرِ تلك الـ«ليلى موران»، والعياذُ ثمَّ العياذُ باللهِ من «شَرِّها» جَرًّا على جَرٍّ، مثلما هي الحالُ كذاك في لاعُدُولِهِمِ «الأخلاقيِّ» و/أوِ «اللاأخلاقيِّ» عن شيءٍ من شكلٍ تنفُّخِيٍّ وتباهَوِيٍّ، أو حتى أقلَّ منهُ، بما يتعلَّقُ أصلاً أو فصلاً بالمُسَاعِدَةِ السيناتوريةِ الأمريكيةِ، دانا شباط (المتحدِّرَةِ من أصلٍ أردنيٍّ)، تلك المُسَاعِدَةِ السيناتوريةِ التي سَمَّاهَا جو بايدن أيَّمَا تسميةٍ في صَبيحةِ ذلك اليومِ المجيدِ (اليومِ الخامسَ عشرَ من شهرِ كانون الثاني عامَ 2021)، والتي عيَّنَهَا أيَّمَا تعيينٍ من ثَمَّ، من بينِ الكثيرِ مِمَّنْ عيَّنَهُمْ وعيَّنَهُنَّ، كـ«مستشارةٍ لشؤونِ التشريعِ» في البيتِ الأبيضِ ذَاتًا – علمًا بأنَّ سيِّدَهَا السيناتورَ الأمريكيَّ، مايكل بينيت، إنَّمَا هو المسؤولُ المباشرُ، أو بالكادِ، عن شؤونِ الشرقِ الأوسطِ وشمالِ إفريقيا في هيئةِ التشريعِ العليا، أو «الكونغرس» نَفْسًا: فتأمَّلا مليًّا نوعَ المحلِّ الإعرابيِّ لهذهِ «المستشارةِ» المَسُودَةِ الجديدةِ بالعَيْنِ! – وعلمًا بأنَّ سيِّدَ سيِّدِهَا، جو بايدن بعَيْنِ العَيْنِ، لم يكنْ لهُ أن يستمرَّ في اتِّبَاعِ سياسةِ السَّلَفِ السَّافِلِ (عَفْوًا، اَلسَّالِفِ!)، دونالد ترامب، بإزاءِ ذلك «الكَرَمِ» الأمريكيِّ المَسْبُوغِ على إسرائيلَ بالجَهَارِ القَهَّارِ، إلاَّ أن مصدرًا استخباريًّا إسرائيليًّا «جِدَّ حَمِيمِيٍّ» كانَ قدْ أبَانَ، من جملةِ مَا قدْ أبَانَ، عن رسائلَ بَايْدِنِيَّةٍ (نسبةً «مستجدَّةً» إلى بايدن) أُرْسِلَتْ إلى إسرائيلَ في الخَفَاءِ المُفَاءِ، رسائلَ بايدنيةٍ ليسَ لها إلاَّ أن تؤكِّدَ ذلك السَّعْيَ الحثيثَ إلى الاستمرارِ في التَّصَافُقِ بالتطبيعِ بينَ القَبُولِ للابتياعِ من حكومةِ الدولةِ «العبريةِ» ذاتِها وبينَ القابلاتِ للبَيْعِ من حكوماتِ الدولِ «العربيةِ» الخليجيةِ أو حتى اللاخليجيةِ، على النهج الترامبي ذاتِهِ: فتأمَّلا مليًّا أشدَّ نوعَ المحلِّ الاستعرابيِّ لسيِّدِ السيِّدِ الجديدِ هذا بعَيْنِ العَيْنِ! (انظرا، مثلاً، التقريرَيْنِ السياسيَّيْنِ اللَّطِيمَيْنِ: «من أصول أردنية: بايدن يختار ثاني أمريكية عربية ضمن إدارته»، القدس العربي 15 كانون الثاني 2021؛ «رسائل جديدة من بايدن لحكومة إسرائيل: سنواصل دعم اتفاقيات التطبيع التي بدأها ترامب»، القدس العربي 15 كانون الثاني 2021). وهكذا، مرَّةً ثانيةً، وفي لسانِ التجلِّي التنافَويِّ بينَ أحكامِ ما يُسَمَّى بـ«الإيسَادِ» في عَالَمِ اللاوَعْيِ تارةً وبين أحكامِ ما يُدْعَى بـ«السَّدَادِ» في عَالَمِ الوَعْيِ طورًا، وعلى الأخصِّ منظورًا إليهِ من منظارِ مفهومٍ مُسْتَمَدٍّ، بهيئةٍ أو بأُخرى، من وَصَائدِ ذلك الحُيُود التقديريِّ، أو التخمينيِّ، الذي يُحدِّدُهُ المُحَلِّلُ النفسانيُّ، جاك لاكان، اصطلاحًا بـ«سُوءِ الإدراكِ»، أو «سُوءِ التبيُّنِ» (إذْ كان قد حدَّده بالإفرادِ المعجميِّ، Méconnaissance، في اللغةِ الفرنسيةِ)، فإن أيَّ مثالٍ فعليٍّ ملموسٍ يمثِّلُ ذلك العُدُولَ «الأخلاقيَّ» دونَ النقيضِ «اللاأخلاقيِّ» عن ذينك التنفُّخِ والتباهِي المُعتادَيْنِ بأيِّ شيءٍ لهُ صِلةٌ وَصُولٌ بأصْلِ أو بفَصْلِ المَعْنِيِّ (أو المَعْنِيَّةِ) من شخصيَّاتٍ سياسيَّةٍ «غربيَّةٍ» أَلاًّ و«فلسطينيةٍ» آلاً، إنما هو مثالٌ فعليٌّ ملموسٌ يمثِّلُ بالفعلِ هذا الموقفَ «العنصريَّ المضادَّ» المُتَكَلَّمَ عنهُ هَا هُنَا بامتيازٍ، ولٰكِنَّهُ موقفٌ «عنصريٌّ مضادٌّ» مُمَوَّهٌ تمويهًا «أخلاقيًّا» ظاهريًّا، ليسَ إلاَّ، بسببٍ من حالٍ نفسيَّةٍ لاسَوِيَّةٍ مُكْتَراةٍ اكترَاءً «لاأخلاقيًّا» باطنيًّا مِمَّا يُمْكِنُ أن نُسَمِّيَهُ الآنَ بـ«الارْتِكَاسِ التَّيْهَاوِيِّ» Aporetic Retroaction، هذهِ الحالِ النفسيَّةِ اللاسَوِيَّةِ المُكْتَراةِ التي استحالتْ إلى حَوْلٍ «فاعليٍّ» بعدَ أن حَالتْ دونَ حَيْلِهَا المُحَالِ إلى حَوْلٍ «منفعليٍّ»، بحِيلةٍ أو حتى بحِيلاتٍ أو بأُخرى.

مَا سَمَّيْنَاهُ الآنَ قَصْدًا في هذهِ القرينةِ النفسانيةِ بـ«الارْتِكَاسِ التَّيْهَاوِيِّ» (وذلك نَسْبًا مقصُودًا إلى «التَّيْهَاءِ» Aporia، وبالأخصِّ من حيثُ مفهومُهَا «التِّيهِيُّ» و«المُتَيِّهُ» في إطارِ ذلك الجَدَلِ الفلسفيِّ السقراطيِّ بالذاتِ)، إنَّمَا سَمَّيْنَاهُ كذاك استئناسًا بمدلولِ مَا سَمَّيْنَاهُ في قرينةٍ نفسانيةٍ أُخرى، من قبلُ، بـ«الدَّالِّ التَّيْهَاوِيِّ» Aporetic Signifier، هذا الدَّالِّ الذي يعملُ في المحلِّ العقليِّ عامَّةً، أوِ في الحَيِّزِ الذِّهْنِيِّ خاصَّةً، بمثابةِ بقعةٍ مُثِيرَةٍ للحَيْرَةِ والذُّهُولِ خفيَّةِ «الدَّالِّ»، أو المبنى (لا «المدلولِ»، أو المعنى): إذْ تتبدَّى هكذا بقعةٌ شَمُوسٌ عَنُودٌ تبدِّيًا كنظيرةٍ جِدِّ شبيهةٍ بمَا يُعرفُ اصطلاحًا في علمِ البصرياتِ بـ«النقطةِ العمياءِ» Blind Spot، وعلى الأخصِّ كذاك من حيثُ مفهومُهَا «العَمَويُّ» و«المُعَمِّي» في مجالِ ذاك السَّجْلِ الإدراكِيِّ البصريِّ ومَا تقتضيهِ إواليَّاتُهُ التَّحْتِيَّةُ من تأويلٍ معرفيٍّ، أو عرفانيٍّ، تحديدًا. ذلك لأن الاستدلالَ المعنيَّ الذي يُسْتَدَلُّ بهِ في هكذا محلٍّ عقليٍّ، أو حَيِّزٍ ذِهْنِيٍّ، لا يتمُّ بناؤُهُ على أساسِ مَا يُرى فعليًّا رَأْيَ العَيْنِ في واقعِ الأمرِ، بلْ يتمُّ بناؤُهُ على أساسِ مَا لا يُرى بهذا الرَّأْيِ العَيْنِيِّ في حدِّ ذاتِهِ (إلاَّ أنَّهُ قدْ يُرى الرَّأْيَ كُلَّ الرَّأْيِ القلبِيِّ، في المقابلِ). وهكذا، مرَّةً ثالثةً، وبالارتدادِ «اللاتَيْهَاوِيِّ» إلى بئيسِ الحَالِ من كاتبتِنَا الروائيَّةِ «اللاعنصريَّةِ» الغَضْبَى، غادة السمان، ومن خلالِ مَا تَمَّ تعيينُهُ بَادِئَ ذِي بَدْءٍ في نَاصِيَةِ المقالِ من «خَرَفِ ٱلْعِفَافِ سَهْوًا أَمْ خُلْفِ ٱلْإِرْدَافِ رَهْوًا»، فإنَّ مجرَّدَ مَا تراهُ بالرَّأْيِ العَيْنِيِّ (دونَ الرَّأْيِ القلبِيِّ) من بياضِ الأديمِ من شخصيةِ «بابا نويل» (أو «سانتا كلوز») في تقريرِهَا، أو شبهِ تقريرِهَا، الصحافيِّ و/أو الإعلاميِّ المُشَارِ إليهِ في القسمِ الأوَّلِ، وإنَّ مجرَّدَ مَا تَتَّخِذُهُ من جرَّاءِ هذا الرَّأْيِ العَيْنِيِّ من موقفٍ «لاعنصريٍّ» غَضْبَانَ غَاضِبٍ مِمَّا تخالُهُ كُلَّ الخَيْلِ والخَيَلانِ موقفًا «عنصريًّا» نهائيًّا لا مِرَاءَ فيهِ مُتَّخَذًا من لدنْ أولئك «القوَّادينَ البيضَانِ» الذين لمْ يفتأوا ينفُثُونَ في نفوسِ الأطفالِ سُمُومَ تيك الأفكارِ التفوُّقيةِ الآنفةِ الذكرِ في القسمِ الأوَّلِ ذاتِهِ، إنَّمَا يُذَكِّرَانِ، قبلَ كُلِّ شيءٍ في هذا الآنِ، بتيك «الدَّالِّيَّةِ التَّيْهَاوِيَّةِ» الظاهريَّةِ التي يُمْكِنُ اسْتِشْفَافُهَا بسُهُولةٍ ويُسْرٍ من فحوى القولِ الشكسبيريِّ المأثورِ ذي الدَّلالةِ العميقةِ مَدًّا (ولكنْ مأخوذٌ باتِّجَاهِهِ القَصْدِيِّ الخُلْفِيِّ، بالطبعِ)، «لَيْسَ كُلُّ مَا يَلْمَعُ ذَهَبًا» All That Glisters Is Not Gold، أو حتى من فحواءِ قولِ المتنبي المأثورِ كذاك ذي الدَّلالةِ الأشدِّ عمقًا بكثيرٍ مَدًّا أمَدَّ هَا هُنَا (وبأخذِهِ كذاك بذاتِ الاتِّجَاهِ القَصْدِيِّ الخُلْفِيِّ، بطبيعِةِ الحَالِ)، «أُعِيذُهَا نَظَرَاتٍ مِنْكِ صَادِقَةً / أَنْ تَحْسَبِي الشَّحْمَ فِيمَنْ شَحْمُهُ وَرَمُ» – والحَالُ المُخَاطَبُ، هَا هُنَا أيضًا، بالصَّوْغِ المُؤَنَّثِ مقصودٌ كُلَّ القَصْدِ، عندَ هكذا حَدٍّ، ومُوَجَّهٌ توجيهًا خاصًّا ومَخْصُوصًا إلى كاتبتِنَا الروائيَّةِ «اللاعنصريَّةِ» الغَضْبَى، في حدِّ ذاتِهَا، لكي نُذَكِّرَهَا، بعدَ كُلِّ شيءٍ في آنٍ لاحقٍ، بتيك «الدَّالِّيَّةِ التَّيْهَاوِيَّةِ» الباطنيَّةِ التي يُمْكِنُ اسْتِشْفَافُهَا كذاك، ولكنْ ولكنْ بصُعُوبَةٍ وعُسْرٍ، من أقوالٍ مأثورَةٍ، أو حتى «لامأثورَةٍ»، أُخرى غيرِ هذين القولَيْنِ المأثورَيَنِ، على النقيضِ!

*** *** ***

دبلن، بلفاست،
27 كانون الأول 2020 - 29 كانون الثاني 2021








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مساعدات بملياري دولار للسودان خلال مؤتمر باريس.. ودعوات لوقف


.. العثور على حقيبة أحد التلاميذ الذين حاصرتهم السيول الجارفة ب




.. كيربي: إيران هُزمت ولم تحقق أهدافها وإسرائيل والتحالف دمروا


.. الاحتلال يستهدف 3 بينهم طفلان بمُسيرة بالنصيرات في غزة




.. تفاصيل محاولة اغتيال سلمان رشدي