الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تعطيل آية السيف أو حذف نصف القرآن

جمال علي الحلاق

2006 / 7 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


" أبتليت أن أكون قائلا ، وابتليتم أن تكونوا سامعين " ابن المقفّع

ليست ديدانا
ما يختبىء في المسامات
إنّها أصواتنا
وقد أفزعها
الصّمم

هذا الخطاب ليس إلى عامّة الناس ، إنّه موجّه في الدرجة الأولى إلى المؤسسات الرسمية التي تدير إعادة إنتاج الخطاب الديني في دوّل العالم الإسلامي ، ولمن يعتبرون أنفسهم مراجع وعلماء دين عند المسلمين ، كما أنّ الخطاب موجّه أيضا إلى النخب الاسلاميّة المثقّفة في العالم .



منهجان مختلفان

ورد عن النبيّ انه قال : " أوتيت جوامع الكلم " ، وقال أيضا : " أختصر لي الكلام " ( مروج الذهب : 2 / 300 ) .

تذكر كتب الأخبار أنّ النبيّ محمد بن عبد الله قضى ثلاثا وعشرين سنة وهو يدعو الى الإسلام ، وقد انقسمت هذه الفترة إلى قسمين يمكن تسميتهما :

1 – القسم الأوّل : الإسلام المكّي ، وهو مجموع السلوكيات التي كان تحدّد هويّة المسلم في مكّة طيلة تواجد النبيّ فيها .
2 – القسم الثاني : الإسلام المدني ، وهو مجموع السلوكيات التي أصبحت تحدّد هويّة المسلم في المدينة بعد هجرة النبيّ إليها .

ونتيجة لذلك إنقسم القرآن مضمونا وأسلوبا إلى قسمين أيضا ( قرآن مكّي / قرآن مدني ) .

إلا أنّ الإسلام المدني مرّ بثلاث مراحل مختلفة هي :-

المرحلة الأولى : كان النبيّ فيها معنيّا بتأسيس أمّة واحدة وفق منهجه في مكّة ، أي مرحلة " لا إكراه في الدين " ( البقرة : 256 ) ، وشهدت هذه المرحلة بداية التشريع أيضا.

المرحلة الثانية : شهدت بداية تشريع القتال ، شرط أن لا يكون أبتداء ، كان ذلك قبل غزوة بدر بقليل .

المرحلة الثالثة : بدأت مع فتح مكّة ، وشهدت إقرار آية السيف " فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " ( التوبة :5 ) ، وكانت بداية الإكراه في الدين .


آليّة التغيير في الإسلام


في علوم القرآن علم خاصّ بمفهوم ( الناسخ والمنسوخ ) ، وهذا العلم متّفق عليه عند الطوائف الإسلامية كلّها ، ولو أنّنا تأملنا عملية النسخ المتّبعة كممارسة إجتماعيّة عند النبيّ بدءا لعرفنا أنّها كانت تخضع لآليّة يحدّدها اتّساع سلطته في المدينة ، وعليه فإنّ هذا العلم لم يكن له حضور في مكّة سوى ما ورد في خصوص ذكر النبيّ للغرانيق العلى ومن ثمّ رفعه إيّاها من النص ، وسبب عدم ظهور مفهوم الناسخ والمنسوخ يأتي من كون النبيّ بلا أيّ سلطة في مكّة ، ونتيجة لذلك جاء الإختلاف بين منهج الإسلام المكّي ومنهج الإسلام المدني .

والنسخ كمفهوم يعني إيقاف حكم آيات بعينها – والآية تعني سلوكا إجتماعيا – مع حذف الآية المنسوخة من النص - روي عن أبي موسى الأشعري أنّه قال : إن سورة نحوا من التوبة نزلت ثم رفعت ( الناسخ والمنسوخ في القرآن العظيم : 13 ) - أو إبقائها في الكتاب مقروءة معطّلة الحكم .

وأكثر هذه الآيات – وأصرّ على كونها سلوكا إجتماعيا يحدّده وعيّ اللحظة ذاتها - كانت تتحدّث عن اللاإكراه في الدين ، وأنّ من حقّ كلّ إنسان أن يكون له دينه الخاص ، وهو مسؤول عن دينه هذا ، ولم يكن مفهوم الفرض والقسر قائما ، لأنّ النبيّ كان بلا سلطة ، كان النذير البشير فقط .

" أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين " ( يونس : 99 ) .
" فإن تولّوا فإنّما عليك البلاغ المبين " ( النحل : 82 ) .
" وما أدري ما يفعل بي ولا بكم " ( الاحقاف : 9 ) .
وجاء في حديث نبوي " والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي " ( الناسخ والمنسوخ : 203 ) .
" فتولّ عنهم فما أنت بملوم " ( الذاريات : 54 ) .
" فتولّ عنهم " ( القمر : 6 ) .
" فأعرض عمّن تولّى عن ذكرنا " ( النجم : 29 ) .
" فأعرض عنهم " ( السجدة : 30 ) .
" ومن كفر فلا يحزنك كفره " ( لقمان : 23 ) .
" قل لا تسئلون عما أجرمنا ولا نسئل عما تفعلون " ( سبأ : 52 ) .
" لنا أعمالنا ولكم أعمالكم " ( الشورى : 15 ) .
" فاصفح عنهم وقل سلام " ( الزخرف : 89 ) .
" وما أنت عليهم بوكيل : ( الزمر : 41 ) .
" إن أنت إلا نذير " ( فاطر : 23 ) .

هذه النصوص تعني بشكل صارخ أنّ النبيّ في مكّة كان يتحدّث ( بيقين يمتلك نافذة للإحتمال ) ، ونافذة الإحتمال هي التي منحت النبيّ في مكّة سعة من الحريّة ، بعد أن جعلت يقينه غير مدبّب ، مّما سهّل عليه عملية التعايش في مكّة مع الوثنيين والأحناف المعارضين والكتابيين ، وقد إستمر هذا المنهج في المدينة حتى بعد التصريح بالقتال لكن ليس إبتداء ، ثمّ جاء عام الفتح ليقلب المنهج تماما .


إعادة قراءة مفهوم السلطة


كان النبيّ في مكّة أحد منتجي الوعي الاجتماعي المكّي ، ولم يكن هو الوحيد بينهم ، كان هناك من بقي من الجيل الأوّل من الأحناف ، الذين رفضوا الدخول في الإسلام ، إضافة إلى الدهريين ، والوثنيين وأهل الكتاب .

ولم تتوفّر للنبيّ في مكّة القوّة المادية والبشريّة التي توفّرت له في المدينة ، وقد وعى خطورة المجابهة الحادة مع أطياف المجتمع المكّي ، وحفاظا على أرواح المسلمين آنذاك إتّخذ موقف النذير البشير .

ومع هذا فقد تمّت قراءة منهج النبيّ في مكّة قراءة سلبية من قبل بعض مؤرخي الإسلام ، فقد ورد أنّ النبيّ كان : " لا يحلّ ولا يحرّم في مكّة ، وكان مغلوبا على أمره ، حتى أنّ الشرع الإسلامي قد فرّق بين زينب ابنته حين أسلمت وبين زوجها أبي العاص بن الربيع وكان لا يقدر أن يفرق بينهما ، فأقامت زينب مع زوجها على إسلامها وهو على شركه " ( ابن هشام : 2 / 307 ) .

والقضيّة هي غير ذلك تماما ، فقد وعى النبيّ آليّة تشكّل الوعي الإجتماعي وعمل وفق ما رآه ، من هنا كان ( الإسلام المكّي ) مسالما يعتمد ( التأثير ) فقط كمنهج في الإنتشار ، والتأثير يأتي نتيجة لإلتصاق المؤمن بفكرته عبر السلوك ، كان الإسلام المكّي ممارسة تحدّد مدى إقتراب أو إبتعاد المؤمن عن سلوكيات المحيط الإجتماعي الأخرى .

أمّا في الفترة المدنية فإنّ النبيّ – تدريجيّا - أصبح المنتج الوحيد للفكر فيها بعد أن هرب منها الأحناف - الذين رفضوا الدخول في الإسلام - إلى مكّة ، وبعد أن إنتصر على التجمّعات اليهودية أيضا .

أصبحت القوّة والفرض لا التأثير هما المنهج في الإنتشار ، وأستطيع القول أنّ فتح مكّة كان بداية لمنهج الإكراه في الدين ، فقد ورد عن النبيّ أنّه قال : " نصرت بالرعب ، فإنّ العدو ليرعب مني من مسيرة شهر " ( كتاب السيّر : 230 ) ، وبهذا أصبح الدخول في الإسلام ناتجا عن الخوف من القتل وليس عن الإيمان ، لذا ورد عن عطاء بن السائب : " أنّ عامة من مع النبيّ يومئذ غير مؤمنين " ( كتاب السيّر :201 ) .

أعتقد أنّ قرار الإكراه في الدين كان قرارا سياسيا أكثر منه دينيا – يشبه قرار الرجم تماما - بعد أن هيمن المسلمون على مكّة المركز الديني للجزيرة العربية ، فقد ذُكِر أنّ سورة براءة - التي وردت فيها آية السيف - كانت آخر ما نزل من القرآن ، وأنّ النبي مات ولم يبيّن موضعها ( إرشاد الساري : 7 / 138 ) ، وبهذا كان موقف آية السيف هو الموقف الأخير الذي تبنّاه النبيّ قبل وفاته ، ولهذا اتّخذه االمسلمون الأوائل باعتباره المنهج النهائي ، إلا أنّهم بإعتقادهم هذا أساءوا للدين أكثر مّما خدموه .

تحت آلية منهج الإكراه في الدين أصبح الدخول في الإسلام كميّا وليس نوعيّا ، وهذا هو السبب الرئيس الذي دفع الخليفة الرابع علي بن أبي طالب إلى نعت المسلمين في الكوفة ب " الهمج الرّعاع الذين يتبعون كلّ ناعق " .


وجوب منطق التخيير


إنّ وجود منهجين لإنتشار الإسلام يعني أنّ المسلمين يمكنهم إتّخاذ أيّ منهج منهما حسب اللحظة التأريخية والإجتماعية التي يعيشون فيها ، خصوصا وأنّ النبيّ أبقى على النصّ المنسوخ في القرآن ، وهي – لو أمعنّا الإنتباه فيها – نافذة مهمّة جدا لمواكبة اللحظة الإجتماعية للمسلمين عبر التاريخ ، لكنّها تتطلّب وعيّا عميقا ، وجرأة على الممارسة أيضا ، وإلا فما جدوى الإبقاء على النص - في القرآن - في حالة رفضه تماما كاحتمال قائم لسلوك إجتماعي ممكن ؟

أريد أن أذكر هنا أنّ نسبة الآيات التي تفتح نافذة الإحتمال داخل اليقين الإسلامي أكثر كمّا من الآيات التي نسختها ، بل أنّ آية الإكراه في الدين كانت آخر ما أُنتِج داخل المنظومة المعرفية للإسلام ، وهذا يعني أنّ المسلمين – في الوقت الراهن - يقرأون بشكل يومي قسما كبيرا من القرآن لا يتّخذونه منهجا لهم في ممارساتهم الإجتماعية مع الآخر ، أقول : أنّ هذه ( اللاجدوى ) في قراءة القسم الأكبر من القرآن ينبغي أن يكون لها حلّا عقلانيّا ، إمّا بحذف النص – الكبير نسبيا – أو جعله سلوكا إجتماعيّا .

فمن غير المعقول أن يقرأ الناس لأكثر من نصف القرآن : " لا أكراه في الدين " ( البقرة : 256 ) ، بينما يطلب منهم من قبل جهات متطرفة أن يتبنّوا : " فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " ( التوبة :5 ) !!!


تكرار لحظة مكّة


إنّ وجود المسلمين في العالم الآن يشبه تماما وجود النبيّ في مكّة إن لم يكن بعد النبوّة فقبلها ، ذاك أنّ عملية إنتاج الوعي العالمي الآن تقع خارج نطاق دائرة المسلمين تماما ، ينبغي الإقرار بإستهلاكية الإنسان المسلم في هذه اللحظة . لم يعد العالم شفاهيا ، وأصبح إنتاج المعرفة خارج نطاق الكلام ، ولا تزال الأمّة الإسلامية أمّة شفاهيّة ولا تّتقن سوى الكلام ، كان الإسلام لحظة للتحضّر فأصبح الآن – تحت كثافة الحكم الشفاهي – أبعد ما يكون عن التمدّن .

كان النبيّ في مكّة يطلب من أصحابه عدم الجهر بالقرآن مثلا حتى لا يتعرّضوا إلى أذى من قريش ، وكان يقبل جوار المشركين ، حتى أنّه دخل في جوار المطعم بن عدي بعد فشل رحلة الطائف ، بل أنّ المطعم بن عدي وأولاده ظلّوا محدقين به في السلاح ، حتى دخل بيته ( مختصر سيرة الرسول :75 ) ، بل أنّ النبيّ قال في أسارى بدر : لو كان المطعم بن عدي حيّا وكلّمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له ( الناسخ والمنسوخ : 206 ) ، وكان المطعم قد مات قبل ذلك وهو مشرك على ما تذكر كتب الأخبار !
وورد أنّ أسماء بنت أبي بكر قالت : يا رسول الله إنّ أمي قدمت عليّ وهي مشركة ، أفأصلها ؟ قال : نعم صلي أمك " ( الناسخ والمنسوخ :212 ) .

كان النبيّ رجل سياسة من الدرجة الأولى ، ووعى تماما أنّ المهاترات الكلامية في مكّة لن تكون إلى صالحه ، ولن تجلب لأصحابه غير الأذى .

كانت قريش تنتظر الزلّة منه ، بينما كان بوعي سياسي وهو المرفوض من قبل المجتمع المكّي بكل أطيافه يواصل النمو والإنتشار دون أن يحتاج إلى رفع سيف بوجه أحد .

أقول : الغرب الآن يتحيّن الفرصة لأيّ زلّة من قبل المسلمين لاستثمارها في إبادة هذا الدين ، ولننظر إلى زلّة حزب الله ، وكيف تكاتف الجميع مع اسرائيل التي راحت تقتل المئات دون أن يحرّك مجلس الأمم المتحدة ساكنا ، بل إعتبر عملية القتل والتدمير جزءا من حقّ الدفاع وحماية النفس .

القضيّة الآن ليست قضيّة حقوق إنسان بقدر ما هي تغيّر في مراكز القوى العالمية التي تتبنّى إنتاج وعيّ اللحظة .

لقد كان المسلمون في لحظة سابقة يديرون دفّة إنتاج الفكر ، وكان العالم يومذاك يتّجه إليهم ، وكانت لغة المسلمين بفعل إنتاجهم للفكر تخترق لغات الآخرين ، وما يحصل الآن هو العكس تماما ، فالمسلمون الآن يذهبون إلى الآخر من أجل الحصول على ثمار الفكر المنتج ، ويوميّا تخترق لغة المنتج للفكر لغات المسلمين على الأرض ، وبهذا فإنّ لغات المسلمين – وليس اللغة العربية وحدها - في انحسار مستمر بشكل يومي أمام توسّع وامتداد اللغات المنتجة للفكر ، ولا أعتقد أن مصير اللغات الإسلامية بعيد جدا عن الإندثار .

أقول : جاء موقف المملكة العربية السعودية رصينا في إدانتها لحركة حزب الله ، وأتمنّى أن لا تكون هذه المبادرة لحظوية بقدر ما تمثّل بدايّة إنتباه مهم ، وبدايّة جديدة لوعي يتشكّل على السعودية أن تواصله إلى أقصاه من أجل الحفاظ على أرواح كثيرة بريئة تذهب هدرا بشكل يومي تحت ذرائع لا عقلانيّة وغير موضوعيّة تماما .


المطلوب في اللحظة الراهنة


على علماء الاسلام في كلّ مكان أن يتبنّوا الآن منهج النبيّ في مكّة فقط ، أي أن يتّخذوا ( منهج الإسلام المكّي ) شعارا لهم ، وأن يطالبوا ، أو أن يعملوا على تعطيل حكم آية السيف القائمة على الفرض والقسر والرعب ، أن يبادروا بشكل فوري إلى : -

1 - تعطيل حكم الآيات القرآنية التي تدعو إلى القتال ، اتكاء على ما ذكر السيوطي من : أنّ آية السيف لم تكن نسخا للصبر في حالة الضعف بل هي من ( المنسأ ) ، بمعنى أنّ كلّ أمر ورد يجب إمتثاله في وقت ما لعلّة تقتضي ذلك الحكم ، بل ينتقل بانتقال تلك العلّة إلى حكم آخر ( الإتقان : 2 / 21 ) .

وينبغي أيضا تعطيل مفهوم ( الجهاد ) لأنّه - الآن - لا يعني سوى إنتحار المسلمين دون أن يتمكّنوا من إحداث أيّ تغيير على مجرى التاريخ وصيرورة الحياة ، وبالتالي فإنّ الإسلام - وفق آلية الإنتحار - ذاهب مع الريح لا محالة ، لذا فإنّ من يصطفّ الآن إلى جانب مفهوم الجهاد إنّما يصطفّ إلى جانب إندثار الإسلام .

2 – ينبغي إعتبار الدين مسألة شخصيّة ، ومن حقّ كلّ فرد أن يتّخذ الدين الذي يرضاه ، وليس ما يفرض عليه فرضا ، فإنّه لا إيمان مع القسر .

3 – أن يوجّه الإنتباه إلى الممارسات الإجتماعية ، كسلوكيات تحدّد علاقة الفرد بالفرد ، وليس إلى طقوس العبادة الفردية ، التي هي جزء من السرائر ، وتخصّ علاقة الفرد بربّه فقط ، ماذا يعني المؤمنين أنّ فلانا قام أو قعد حين صلّى ؟ إنّه جدل عقيم لا يمكن له إلا أن ينتج أفرادا جوفا .

4 - لننتبه أيضا أنّ الإسلام المكيّ كان يتّخذ مواقفا جريئة تجاه الكثير من الممارسات الإجتماعية السلبية كالمعاملة السيئة للأيتام ، كذلك تبنّيه الإيجابي لموقف الجيل الأوّل من الأحناف تجاه وأد البنات ، " وإذا الموءُدة سئلت ، بأيّ ذنب قتلت " ( التكوير : 8 – 9 ) ، كم ثوري هذا النص ، وكم فيه من الطاقة على التأويل ، ولننتبه أنّ هناك أشكال كثيرة للوأد تمارس الآن بحقّ الطفولة ، حين تجد الأطفال يحملون بنادق أطول من قاماتهم ، أو حين يتّخذهم الدعاة الى القتل ألغاما ناسفة ، بل حتى حين تراهم عتالين وباعة أرصفة ! ينبغي أن يبادر علماء المسلمين إلى توسيع مفهوم الوأد ، وأن يكون لهم في كلّ مكان موقف تجاه وأد الطفولة في العالم الإسلامي ، كما ينبغي إعتبار العمليات الإنتحاريّة شكل من أشكال الوأد أيضا ، فالتنافس الحقيقي الآن يتجلّى في من يعيش في رفاهية أكثر من الآخر ، من يتّقن لعبة العيش ، وليس في من يتّقن لعبة الموت ، تستحضرني هنا مقولة إلبرد هابارد : "اعطنا ديناً يساعدنا على الحياة – فبمقدورنا الموت دون معاونة " .
5 - ينبغي على المؤسسات التي تعيد إنتاج الوعي الإسلامي أن تنتبه وبعمق لهجرة الشباب اللإسلامي بحثا عن فرص للحياة على أماكن أخرى من الأرض ، وما تخلقه هذه الهجرة من أمراض كالعزوبة في الخارج والعنوسة في الداخل .
6 – ينبغي الابتعاد عن منهج اختزال سيرة الرسول أيضا ، ينبغي امتلاك الجرأة على فرش السيرة بأكملها ، لأنّها في النهاية – وفق الفقه الإسلامي – سنّة ينبغي إتباع منهجها .
أقول أنّ الإتكاء على خبر " النبيّ الأمي " ، الذي لم يقرأ كتابا ، ولم يتعاط علما ، بل والإصرار على أنّه بعث في أمّة أمّيّة أيضا ( أعلام النبوّة : 106 ) ، وجعل هذا الخبر لازمة على ألسنة خطباء المساجد هو الذي قاد إلى تأخّر الأمّة الإسلامية عن اللحاق باللحظة الراهنة ، وهو الذي جعلها أمّة مستهلكة غير منتجة ، كما أنّ اختزال السيرة أو قراءتها من زاوية واحدة هي " أمرت أن أقاتل " هو الذي خلق التطرّف بكلّ أشكاله على الأرض ، وأستطيع القول أنّ ظهور تنظيم ( القاعدة ) إنّما كان نتيجة لاختزال السيرة النبويّة بآية السيف والأمر بالقتال من قبل الشيخ محمد عبد الوهاب .

7 – لا يمكن إحداث تغيير في البنيّة الثقافية للشارع الإسلامي دون أن يكون هناك تغيير في العقليّة التي تدير دفّة التعليم في البلدان الإسلامية ، وحتى تكون الخطوة فاعلة باتجاه التغيير ، ينبغي أن لا نجعل الاطفال ينمون على سيّر أشخاص تتلخّص حيواتهم في قتل عدد كبير من الناس ، أقول ينبغي إبعاد كلّ ما يمتّ بصلة لثقافة القتل في الإسلام عن الشارع الإسلامي ، فلا أعتقد أنّ الشارع الآن بحاجة إلى سيرة شخص كخالد بن الوليد أو عكرمة أو القعقاع ، فليتم التركيز على السيّر التي حفّزت على البحث والتسامح ، وأعتقد أنّ التاريخ الإسلامي حافل بهذه النماذج ، ولنتجرأ على البحث في أزماننا المعاصرة ، أقول لننقّب عن العلم لا عن القتل .

8 – ينبغي تغيير آلية الخطب والمواعظ في المساجد ، ينبغي تحجيم الصراخ فكيف أسمعك وأنت تجعر بصوت يثقب أذني ؟ كما ينبغي تحجيم التباكي ، لماذا هذا الإصرار على كسر نفوس المسلمين ؟

ينبغي الخروج من اليأس والتذمّر ، والإلتفات إلى الشارع اليومي لا إلى ماض مضى ، الدين عادة يولد وينتشر في المناطق ذات اليأس الإجتماعي ، لذا فهو مطالب بحلول إجتماعية ، وإلا فمصيره إلى الإندثار .

9 - كيف نجعل الحياة أكثر جمالا ، لا كيف نجعل الناس تهرب من الحياة ؟ هذا ما يجب التفكير فيه والعمل باتجاهه ، فالحياة التي خلقها الله لم يخلقها كي يقضي عليها الإنسان ، لقد خلق اللإنسان كي يتتبّع عظمة الخلق " قل سيروا فانظروا كيف بدأ الخلق " ( العنكبوت : 20 ) .

إنّ الإسلام المكّي جزء حيويّ وفاعل من الإسلام ، وما على علماء المسلمين الآن سوى تسليط الإنتباه عليه ، فقد تمّ تعطيله لفترة طويلة من الوقت حتى تغيّر شكل العالم ، وتغيّرت مراكز القوى فيه ، فبات من الأصلح تماما - لاستمرار فاعلية الإسلام ، ولاستمرار حياة المسلمين - إعادة إحياء منهجه مرّة ثانية ، والنزول إلى الشارع الحي والمحاولة في إيجاد حلول إجتماعيّة .


مصادر الخطاب

1 – القرآن الكريم
2 – مروج الذهب ومعادن الجوهر ، للمؤرخ أبي الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي ( ت 346 هج ) ، تحقيق وتعليق الشيخ قاسم الشماعي الرفاعي ، دار القلم – بيروت – لبنان .
3 - السيرة النبوية لابن هشام ، حققها وضبطها وشرحها ووضع فهارسها مصطفى السقا و ابراهيم الابياري و عبد الحفيظ شلبي ، دار احياء التراث العربي – بيروت – لبنان .
4 – كتاب السيّر ، لشيخ الإسلام أبي اسحاق الفزاري ( ت 186 هج ) ، دراسة وتحقيق د. فاروق حمادة ، ط1 – 1987 ، مؤسسة الرسالة – بيروت .
5 – مختصر سيرة الرسول ، لشيخ الإسلام محمد عبد الوهاب ، المكتبة الفيصلية .
6 – الاتقان في علوم القرآن ، تأليف شيخ الإسلام جلال الدين السيوطي ( ن 911 هج ) ، دار الندوة الجديدة – بيروت – لبنان .
7- الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم ، تأليف القاضي أبي بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله ابن العربي المعافري المالكي ( ت 543 هج ) ، وضع حواشيه الشيخ زكريا عميرات ، 2001 ، دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان .
8– إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري ، تأليف أبي العباس شهاب الدين أحمد بن محمد القسطلاني ، دار إحياء التراث العربي – بيروت .
9 - اعلام النبوة ، للامام أبي الحسن علي بن محمد الماوردي الشافعي ( ت 450 هج ) ، ضبط وتقديم وتعليق محمد المعتصم بالله البغدادي ، ط1 – 1987 ، دار الكتاب العربي – بيروت – لبنان .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي


.. التحالف الوطني يشارك الأقباط احتفالاتهم بعيد القيامة في كنائ




.. المسيحيون الأرثوذوكس يحيون عيد الفصح وسط احتفالات طغت عليها


.. فتوى تثير الجدل حول استخدام بصمة المتوفى لفتح هاتفه النقال




.. المسيحيون الأرثوذكس يحتفلون بعيد الفصح في غزة