الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من علوم الإمام أبي العزائم | الطريق إلى الله |‏ 16

عدنان إبراهيم

2021 / 2 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إحتياج المسلم إلى الطريق ‏
‏ كل مسلم على يقين أنه مسافر إلى الدار الآخرة، وأهل الإيمان منهم مسافرون إلى ‏مقر ‏رحمة الله ودار النعيم ‏الأبدي، وأهل الإحسان مسافرون إلى مقعد صدق عند ‏مليك ‏مقتدر، وأهل الإيقان مسافرون فرارا من الكونين ‏إلى المكون جل جلاله. ‏
‏ ولما كان المسافر إلى مكان بعيد لا يخلو حاله إما أن يكون عالما بالطريق متمرنا ‏عليه ‏أو لا. فإن كان عالما به ‏احتاج إلى رفيق يعينه على مهام شئونه، حتى يكون على ‏يقين ‏من أنه إذا نسى ذكّرَه، وإذا ذكر أعانه. وفى ‏الحكمة : ( الرفيق قبل الطريق ). ‏وإن كان ‏جاهلا بالطريق احتاج إلى دليل موثوق به مشهور بين الناس ‏بتوصيل السفر.‏
‏ ولو أن المسلم حصل علوم الأولين والآخرين ولم يظفر بدليل في مقام جهالته ‏بالطريق، ‏أو برفيق في مقام علمه ‏به، لا يصل إلى قصده (1).‏

ولو أن الله تعالى قدر ذلك في أزله لأظهر ذلك في ملائكته المجردين عن المادة ‏ولوازمها، ‏أو منح ذلك رسله ‏الكرام، فإن الله تعالى ألزم الملائكة أن يتلقوا من آدم عليه ‏السلام، ‏وأمر الرسل أن يتلقوا من جبريل، وقد ‏صحب جبريلُ رسولَ الله (صلى الله عليه ‏وآله وسلم) في إسرائه وفى ‏سيره - وهو من تعلم جلالة وقدرا - حفظا ‏للناموس الإلـٰهي ‏حتى ينفرد جل جلاله بالعلم ‏بذاته.‏
‏ وقد سأل رجل أستاذه عن وظائف وأوراد، فغضب منه الأستاذ وقال: أرسول أنا ‏؟ ‏فأوجب الواجبات، ‏الفرائض معلومة، والمعاصي مشهودة، فكن للفرائض ‏حافظا، ‏وللمعاصي رافضا. واحتفظ من إرادة الدنيا وحب ‏النساء وحب الجاه وإيثار ‏الشهوات (2) ‏واقنع من ذلك كله بما قسم الله لك، إذا خرج لك مخرج الرضا فكن ‏لله ‏شاكرا. وإذا ‏خرج مخرج السخط فكن عنه صابرا. ‏
وحب الله قطب تدور عليه الخيرات، ‏وأصل جامع ‏لأنواع الكرامات. ‏
وحصون ذلك كله أربعة : 1- صدق الورع. 2- ‏وحسن النية. ‏‏3- وإخلاص العمل. 4- وصحبة العالم، ‏ولا تتم لك هذه إلا بصحبة ‏أخ صالح أو ‏شيخ ناصح. ‏

ما يناله السالك بانتسابه للطريق: ‏
‏ بيّنّا أن الطريق يراد بها ما يَسْهُل به الوصول إلى المقصد، آمناً سالكُهُ على نفسه ‏وماله ‏من وعثاء السفر وسوء ‏المنقلب، ولما كان السالك إلى الله كما بيّنّا سالفا يفارق ‏حقائق ‏كثيرة هي في نفسه، لا يتسنى له الوصول ما ‏دام واقفا عندها، وكل حقيقة من ‏تلك ‏الحقائق كجبل سد مسلك المسافر إلى الله تعالى، فإنه ربما اغتر بأعماله ‏فأفسد ‏إبليس ‏عليه حاله، فكم من سالك زلت به قدمه، وواصل ارتد على وجهه، ولا أمان ‏لمكر الله. ‏
إذاً يتعين على كل مسلم أن يتلقى الأسرار، وأن يقتدي بالمرشد في الأعمال ‏والعقيدة ‏والأخلاق والعبادة، ‏ليكون أشبه الناس برسول الله. (3)‏
فإن كل مسلم لم يتلق العلم ‏من ‏العالم الرباني ؛ ولم يقتد بالمرشد الكامل ؛ يخشى عليه من الشرك الخفي أو ‏الأخفى، ‏ومن ‏الغرور بالنفس والعمل والنسب والجاه. فكل مسلم لا يتربى على يد مرشد لا يذوق ‏لذة ‏الإيمان ‏ولا لذة التقوى، ولا يكون في حصون الأمن من وسوسة الشيطان وخُدع ‏النفس. ‏
‏ وبالمرشد ينال الرقي إلى مقامات اليقين، من التوبة، والخوف، والرجاء، والمحبة، ‏والتوكل، ‏والمشاهدة، والصبر، ‏وغيرها, حتى يبلغ مقام المقربين، ويكون مع الذين أنعم الله ‏عليهم ‏من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين. ‏
‏ نسأل الله السلامة من الآفات في الهجرة إلى الله تعالى إنه مجيب ‏الدعاء.‏

ما ينبغي للمنتسب أن يتشبه فيه بمرشده
‏ التشبه يكون في الزى والخلق والعمل. فالتشبه بهم في الزي جائز لدفع المضرة ‏وغيرها، ‏لقوله تعالى : (يا أيها ‏النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن) ‏ ومن ذلك لبس الخرقة للتمييز ‏وللدخول في القوم بالتشبه، لكن بشرط اجتناب ‏الكبائر ‏وصغار الهمة. ولا يقدح عدم الاجتماع بالمرشد في ‏محبته بعد أن بلغه مناقبه ‏وطريقته ‏بالتواتر، فإنا كما نحب رسول الله وأصحابه ولم نرهم، وإننا نقتدي بهم ‏فيما ‏بلغنا عنهم ‏لا بجسمهم، فكذلك المرشد والمتشبه والمنتسب جزاؤه أن يُحَبَّ ويُحْتَرَم فيوضع ‏له القبول ‏في ‏الخلق والحرمة في القلوب، فلا يراه أحد إلا احترمه وعظمه. ‏
‏ وقالوا : أربعة آداب إذا خلا منها الفقير المنتسب فلا تعبأ به وإن كان أعلم ‏البرية: ‏‏1- مجانبة الظلمة. 2- ‏وإيثار أهل الآخرة. 3- ومواساة أهل الفاقة. 4- ‏ومواظبة ‏الجماعة. (4)‏

مالا ينبغي للمريد أن يقلد فيه المرشد
‏ للمرشد أحوال خاصة به ينبغي أن لا يقلد فيها إلا بعد الإذن منه بعملها للأخ في ‏الله ‏‏: ‏
مثل الصولة عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ‏
ومثل اشتغاله بالعلم والمذاكرة عن بعض النوافل. ‏
ومثل مداراته للخلق وتأليفه لأهل المنازل والشرف. ‏
ومثل تركه للذكر باللسان واشتغاله بذكر القلب.‏
وبذل جميع ما في يده غير خائف من الفقر.‏
ومثل تكليف بعض الإخوان بما يناسبهم من الأعمال البدنية والصدقات أو الرياضات. ‏
ومثل أن يعمل أعمالاً لا يقتضيها الوقت هي سنة بالنسبة له تخفى على ‏غيره حكمتها.‏
ومثل سكوته على أمور يلزم المبادرة بمحوها مما هو مكروه أومخالف للسنة، فإن ‏الرجل ‏إنما يسعى ليزيل المرض ‏المنتج للآلام لا ليسكن الآلام، فقد يسكت عن المكروه ‏أو ‏المخالف حتى يعلم حقيقة المرض فيعالجه بالعلاج ‏الشرعي، والشافي هو الله. وربما ‏كان ‏سكوته على المكروه سداً لباب من أبواب الفتنة والتفرقة.‏
‏ فالمريد لا يقلد المرشد في كل تلك الخصوصيات حتى يظهر له سر حكمتها، ‏وعلى ‏المريد أن يسلِّم له، ويعلم ‏أنه لم يؤت من العلم إلا القليل، وليتشوف إلى فضل ‏الله ‏والمزيد من العلم، فالمريد الذي يقلد المرشد في ‏خصوصياته ليس بمريد، ولكنه ‏حيوان ‏يحاكى كالقردة والنسانيس، أو رضيع يحاكي أعمال والده. ‏(5)‏


آداب الصحبة للمرشد ‏
‏ الأدب عند أهل الطريق هو رعاية الحق جل جلاله، باستحضار عظمته وكبريائه وعزته. ‏حتى ‏كأن الأديب يراه أو ‏يراقب أنه جل جلاله يراه، فيحفظ السالك أنفاسه من أن يصرف ‏نفساً ‏منها في غير مراضية ومحابه. وقد شرحت جملا ‏منها في كتاب : (موارد أهل الصفا). ‏
وهنا أُلمِع إلى شيء من أداب الصحبة : ‏
السالك مهاجر من حسه ونفسه وهواه ‏مسارعة ‏إلى نيل رضا مولاه. وفار من الدنيا الفانية وزخرفها إلى الدار ‏الآخرة ونعيمها، ‏ولما كانت ‏دواعي فطر النفس المهملة حاجبة عن الحق، وكانت وساوس الشيطان الملازمة ‏داعية ‏إلى ‏الهلاك الأكبر والقطيعة عن الخير لزم للسالك رفيق يصطفيه لنفسه، ويتعين ‏أن يكون ‏أشبه الناس برسول ‏الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خلقا وأدباً، وأعلم الناس بهديه وسنته أدباً ‏ومعاملة.‏ (6)‏
‏ وقد بين الله تعالى لنا صفاته (صلى الله عليه وآله وسلم)، في القرآن، قال الله تعالى : (كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم ‏آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ‏ما لم تكونوا تعلمون) فبين لنا سبحانه أن المرشد ‏يجب أن ‏نختاره ‏بعد العلم اليقيني بأنه أقرب الناس شبها برسول الله (‏صلى الله عليه وسلم‏ وآله)، وبعد ‏طول البحث ‏والأختبار والتجربة ‏حتى تطمئن القلوب، ولديها يجب أن نسَلِّم له ونقتدى ‏به، ونخالف ‏الحظ والهوى مسارعة للإقتداء به.‏

‏ آداب صحبته :‏
‏ 1 - نقيمه مقام الوالد الرءوف الرحيم، ونقوم له بما يقوم به الولد البار الكريم، ‏وقد ‏أدب الله من اجتباهم في ‏صحبة الأئمة حتى بلغوا أرقى مقامات المحبة والقرب.‏
‏ وكلما تفضل الله عليهم بعواطفه عرفانا، وإحسانه وإقبالا، وفضله علما، ومننه ‏شهوداً: ‏قاموا لله شكراً لنعمته ‏عليهم بتعظيم الوسيلة، وسارعوا لشكر من أجرى الله ‏النعمة لهم ‏على يديه، فزادهم الله يقينا، وقربهم لديه ‏زلفى، حتى بلغوا مقامات الشهداء ‏والصديقين، ‏وهم على ما هم عليه من الأدب، كما قال تعالى : (من ‏المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) مادام ‏المرشد متحداً مع رسول الله صلى ‏الله عليه وسلم وآله، فإنهم ‏صحبوه على بصيرة من أمرهم، لأنهم أحبوا ‏الحق وأحبوا ‏المرشد للحق، ومادام على الحق فهو حبيبهم ووالدهم ‏وسيدهم، وإن خالف ‏الحق خالفوه ‏وهم صفوة الله من عباده.‏
‏2- ومن آدابهم أن السالك مهما أكرمه الله تعالى لا يخطر على قلبه أنه أشبه ‏المرشد، ‏أو ساواه، أو استغنى ‏عنه، فإن ذلك دليل القطيعة عن الله تعالى، وإن كان ‏الرجال لا ‏يحظرون على فضل الله تعالى، ولكن الطريق لا ‏يَسْلَمُ فيه إلا أهل الأدب، ‏وفيه سوء ‏الأدب عطب.‏
والعطية من الله تعالى توجب على العبد مزيد الشكر، ومن ‏كانت ‏العطية له سببا في الكفر أو موجبة للفخر ‏فهى بلية، أعاذنا الله وإخواننا منها. ‏
‏ وقد أدب الله أولياءه بهجرة الكليم عليه السلام للعبد العالم، وبيّن لنا ‏أدب ‏الكليم عليه الصلاة والسلام معه، ‏مع مالاقاه منه من الجفوة والاحتقار في مخاطبته ‏بقوله: (قال إنك لن تستطيع معي صبرا . وكيف تصبر على ما ‏لم تحط به خبرا) .‏
وبين ‏لنا سبحانه وتعالى سوء أدب السامري وبلعام بن باعوراء الذي أخبر الله ‏عنه ‏بقوله (واتل عليهم نبأ الذي ‏آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين)‏‎ ‎وكان من خاصة ‏أصحاب الكليم عليه ‏السلام، ‏فبلغ في محبته مبلغا ظن فيه مساواته له وتفوقه عليه. وقد ‏أثبت التاريخ سوء أدب يهوذا ‏صاحب ‏المسيح عليه السلام، الذي سعى في قتله بعد أن ‏اعتقد أنه تفوق عليه بما ناله. وسوء الأدب مع المرشد دليل ‏الطرد والخسران يوم ‏القيامة. ‏
‏ صحب رجل الجنيد رضى الله عنه فنال بصحبته شهرة بين الناس، فاعتقد ‏مساواته ‏للجنيد وتفوقه عليه ‏فاعتزله، وكان يشهد مشاهد ظنها معارج، ولكن الله ‏تداركه بلطفه ‏فتوجه له الجنيد وقال له : قل : لاحول ولا ‏قوة إلا بالله، فقالها، فتبين أنه ‏على ضلال.‏
‏ وكثير من السالكين يهبهم الله تعالى لسان بيان ويُقبِل سبحانه بالوجوه عليهم ‏فيظنون ‏لجهالتهم أن هذا هو ‏الوصول، فيلتفتون عن المرشد فيفتنون، والله تعالى يقول: (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة) وكل من استعان ‏بنعم الله على ‏معاصيه بطرا ‏وفخرا فهو هالك. ‏
‏ وقد صحبني في بلاد مصر ناس منحهم الله البيان، وأقبل بالوجوه عليهم، فمالوا ‏إلى ‏حظوظهم، فمنهم من ‏التفت ظاناً أنه استغنى عن المرشد فتخطفه الشيطان، ومنهم ‏من ‏استدرجه الله تعالى وطرده من الخير الحقيقي، ‏فأصبح ذاماً بعد المدح، منكِراً ‏بعد ‏التسليم، فرحا بما يفرح به اليهود، معتقدا أن المال في الدنيا هو الخير الذي ‏يمن الله ‏به ‏على أوليائه، ونسى أن رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم عاشوا فقراء، وأنه ‏عجّل ‏لأعدائه ما ‏يحبونه استدراجاً منه لهم، ولو علم ما أوقعه فيه الشيطان لأوقع نفسه ‏من ‏شاهق جبل. ‏
‏ 3 - والسعادة في الطريقة هي الأدب مع المرشد حتى يفارق الدنيا، وحفظه بعد ‏موته. ‏فإن سوء الأدب مع ‏المرشد في حياته يدل على أن السالك يحرم الجمعية على ‏رسول الله ‏‏(صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنما يفوز بها أهل الأدب مع ‏المرشد. ومن ظن في نفسه أنه ساوى ‏المرشد، ‏ويقدم رأيه على رأيه، لا يصلح للجمعية على رسول الله.ومن ‏نقَّصَ المرشد وفرح ‏بما ‏يفرح به اليهود من المال باء بالخسران. ‏
وحفظ الأدب في الصحبة دليل على عناية ‏الله ‏بالسالك، وإنما هو الأدب في الطلب، وبه الرقي إلى أعلى ‏الرتب.‏
أسأل الله تعالى أن يرزقني وإخواني الأدب لله ولرسوله، ولكتاب الله وسنة رسوله، ‏فإن ‏مسىء الأدب لم يدخل ‏الطريق ولم يخرج منه، لأنه دخل في حظه فظن الناس أنه ‏في ‏الطريق، وكشف الله الستر عنه وارتد أمام الخلق إلى ‏حظه، فهو بعيد أولا وآخرا، ‏وهو ‏كما قال الله تعالى (إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى ‏الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا ‏يذكرون الله إلا قليلا . مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء) ‏ومن وضع قدما واحدا في الطريق لزم ‏أعتاب الرفيق، والله ‏يتولى الصالحين. ‏
‏ قال الشاذلي : ما سلم عبد من النفاق ما لم يعمل على الوفاق. وقال : لا ‏تصحب ‏من يؤْثِر نفسه عليك فإنه ‏لئيم.‏
وقال سهل : احذر ثلاثة أصناف، الفقراء المداهنين، والمتصوفة الجاهلين، ‏والجبابرة ‏الغافلين. ‏
‏ وقالوا : أربعة آداب إذا خلا الفقير المتجرد منها فاجعله والبعيد سواء: الرحمة ‏للأصاغر، ‏والحرمة للأكابر، ‏والإنصاف من النفس، وترك الانتصاف لها. ‏



‏"دستور السالكين طريق رب ‏العالمين"‏
الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم
مؤسس الطريقة العزمية بمصر والعالم الإسلامي
‏____________________________________‏
‏(1)‏ ‎ ‎ليس فقط الجاهل بالطريق وليس معه الدليل المرشد، ولكن الإمام يقول أيضاً: حتى لو كنت عالماً بالطريق ولم تصحب أخاً ‏يعينك، فلن تصل. ذلك لأن العبد محتاج، هو في مقام الفقر لا الغنى، فالغني هو الله، والقيوم هو الله وحده، وكل من عداه ‏فقائم بغيره لا غنى له عنهم، الحياة بُنِيَت الجسمانية على هذا، والحياة الروحانية لها نفس القانون، ولا يطهر العبد من أمراض ‏ابليس كالبر والعجب والغرور إلا اختلاطه بغيره وسعيه إليهم فيما يحتاجه معترفاً بحقيقته كعبد، لان الناس هم مظهر الله، وكل ‏ما توصله إليهم وتواجههم به فإنك تواجه الله به، دريت أو لم تدرِ.‏‎ ‎ونحن كأرواح نتجسد هنا في عالم الأجساد – المبني على ‏الإحتياج‏ - لكي نطهّر أنفسنا من الصفات الذميمة، من خلال التعامل مع الناس. فإذا لم يقوَ السالك للطريق على صحبة ‏مرشد، واستكبر عن هذا - في مقام التواضع وشدة الحاجة وندرة العالمين بهذا العلم - فمتى يطهر نفسه ؟.‏
‏(2)‏ يقول الله تعالى (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه) فإما أن تكون عبداً لله وحده، وإما أن تكون عبداً لآلهة كثيرة، ذكر ‏الإمام بعضاً منها، تستعبد صاحبها وتستذله، يقول الإمام ابو العزائم: (من احتاج إلى شيء فقد عبَده)، ..خذ هذه كقاعدة، ‏وابن عليها كل شيء، وستفهم من خلالها لماذا تفسد العلاقات بين الناس لا سيما العلاقات العاطفية وتكثر حالات الطلاق، ‏وهل ما نسميه حباً اليوم هو حب حقيقي مجرد غير مشروط ؟ أم أنه حب مبني على احتياج (أي عبودية).. ومن خلال هذا ‏المشهد، ستفهم – بشكل أعمق - معنى أن تكون عبداً لرب واحد، وكيف أن هذه هي قمة الحرية والعزة.‏
‏(3)‏ رسول الله ص هو النموذج البشري المثالي المطلوب من كل إنسان أن يحذو حذوه ويتخلق بأخلاقه، قال تعالى (لقد كان لكم ‏في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله) فكل من يدعي أنه يرجو الله بدون محبة رسول الله ص فهو كاذب (كالوهابية ‏أدعياء السلفية). فمحبة ذاته الشريفة شيء واتباع سنته شيء آخر هو ثمرة محبته، والإتباع الحقيقي يجب أن يتفرع عن الحب، ‏وأما اتباع جاف صلف دون حب (تدين الأعراب)، فهذا لا يساوي عند الله حبة خردل أو جناح بعوضة، لأن الله ينظر إلى ‏القلب، وأعمال الجوارح وسائل لظهور عمل القلب، فلو لم يتطهر القلب ويحب الصالحين والأولياء ويتوسل بهم ويحترمهم ‏ويوقرهم، وظل محتفظاً بكبره وأوهامه، فما فائدة الإتباع ؟!! الحب وحده هو الذي نقل حال المحبوب وصفاته لمن أحبه، ففي ‏عالم الأرواح يوجد قانون آخر لا نعرفه، ولذلك قال رسول الله ص: (المرء مع من أحب).‏
‏(4)‏ أهل الفاقة: أي الفقراء، ومواظبة الجماعة: أي الصحبة الصالحة وعدم الإنفراد في الطريق.‏
‏(5)‏ هذا المسلك من التدين (الوهابي) السلفي، لا يعرفه أهل الله، فكل شيء عندهم له تفسير، والطريق كله نور من أوله إلى آخره، ‏يتحد فيه النقل مع العقل، ولا يوجد فيه شيء مستنكر أو مستغرب.‏
‏(6)‏ الإمام المجدد الوارث في عصره، من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!


.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي




.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال




.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر