الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جذور ألشر

كامل علي

2021 / 3 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في مقالة سابقة ذكرت بأن أسطورة قابيل ( قاين ) وهابيل التي وردت في التوراة والقرآن والتي تم إقتباسها من أساطير وادي الرافدين السومرية والبابلية أثناء السبي البابلي من قبل اليهود المسبيين هي رمز للصراع بين المزارع والراعي، حلت ألثقافة ألسومرية وهي أول ثقافة زراعية في ألتاريخ ألتناقض بين ألمزارع والراعي لصالح ألمزارع والذي يُختتم بمقتل الراعي من قبل المزارع في ثلاثة أساطير معروفة هي:
1- أسطورة ايميش وأنتين.
2- أسطورة لهار وأشنان.
3- أسطورة أنكمدو ودوموزي.
ففي هذه ألأساطير يذهب المزارع والراعي الى الآلهة يحتكمان فيما شجر بينهما من خلاف، حيث تحكم ألآلهة للمزارع بالغلبة والتفوق والافضلية على اخيه الراعي.
إنّ انتصار الراعي لمْ يكن الّا مؤقتا وزائفا ومرحلة تحضيرية لخسارته النهائية، بل وللتضحية به لضمان استمرار الحضارة الزراعية. وفي مراميها الاخيرة فإن هذه الاسطورة تتفق مع بقية اساطير وادي الرافدين في سيادة الفلاح وغلبته على الراعي.
فهابيل الراعي تم قتله، تاركا احفاده الرعاة في أسْرِ الدورة المناخية السنوية، بعيدين عن اي مساهمة في ثقافة البشر وحضارتهم، فبدوي اليوم لا يختلف في شيء عن بدوي فجر التاريخ. اما قابيل المزارع فقد استلم زمام الحضارة ودفع بها اشواطا الى الامام، انتج المجتمع الزراعي، فالمجتمع الصناعي واستطاع احفاد قابيل الوصول الى الفضاء الخارجي.
بعبارة أعم فالصراع في أصلها ونتيجتها هي صراع بين الحضارة والبداوة.
الرمز في هذا الصراع التي ذكرناه في أعلاه هو الجزء البارز من جبل الجليد الطافي فوق المياه، ففي الجزء المغمور يكمن جذور الشر في تكوين جينات الإنسان والتي ورثها من أجداده الحيوانات والتي كانت تدفعه للقتل والإفتراس في سبيل البقاء.
ولكن رُبَّ متسائل سيتسائل: لم لا يمارس جميع البشر القتل والسرقة وجميع أنواع الشرور في عصر حضارتنا الحالية؟
الجواب والتفسير المنطقي هو أنَّ تطور الحضارة والعيش المشترك في مجتمعاتنا شذبَ أخلاقنا ولجم غريز ة ألشر في نفوسنا لأنّ الإنسان كائن إجتماعي كذلك فإنّ للأديان وخاصة التخويف بالعقاب في نار جهنم والتشويق بمسرات الجنة دور لا يُمكن إنكاره في ردع شريحة كبيرة من المؤمنين بهذه الأديان.
ألاديان المتطورة كالزرادشتية وااليهودية لاحقا والمسيحية والإسلام وديانات أخرى حاولت تفسير الشر الموجود في عالمنا وإبعاد الهتهم عن هذه التهمة بإيجاد كائن مرادف أو عاصي للإله يتحمل وزر جميع الشرور كأهريمان في الزرداشتية والشيطان أو إبليس في اليهودية والمسيحية والإسلام ومخلوقات أخرى في الأديان ألأخرى.
جذور الشر في الغنوصية المسيحية (المرقيونية):
ينطلق مارقيون في تفكيره من مبدأ الفصل التام بين العهد الجديد والعهد القديم، وكان معارضاً للطريقة المسيحية في تأويل العهد القديم لجعله متلائماً مع العقيدة الجديدة.
وإله العهد القديم يهوه ليس الأب السماوي الذي بشر به يسوع، بل هو الإله الخالق، أو الديميرج باللغة اليونانية، الذي صنع العالم المادي الناقص، وصنع الإنسان أيضاً وفرض عليه الشريعة التي كانت بمثابة لعنة، على حد تعبير بولس الرسول.
هذا الإله الحقود والمنتقم (على حد تعبير مارقيون) لا يستحق الطاعة والعبادة التي يطلبها، وهو ليس أباً ليسوع كما يعتقد المسيحيون القويميون.
أما الله الحق فهو الأب السماوي الذي يدعوه مارقيون بالإله المتعالي والإله المجهول؛ وهو لا يتدخل في أحداث العالم لأنه ليس صانعه؛ ولم يفعل شيئاً إلا إرسال ابنه يسوع المسيح الذي هبط من السماء إلى هذا العالم السقيم والتافه، وصلب من أجل الإنسان الذي أحبه وأراد له الخلاص.
إن إنكار القيامة العامة للموتى في نهاية الزمن، يستتبع عند الغنوصيين رفضهم لمفهوم التاريخ الدينامي الذي يسعى إلى نهاية معينة يتخلص عندها العالم من بذور الشر التي زرعها فيه الشيطان، ليغدو نقياً وكاملاً كما كان في البدء.
فالعالم ليس خيِّراً في أصله بل هو شر من حيث الأساس، والتاريخ لا يسعى إلى غاية وليس له معنى، وما على الإنسان إلا الهروب من العالم ورفضه بدلاً من انتظار نهايته السعيدة، لأن الروح الحبيسة في الجسد لن تنعتق إلا من خلال الغنوص، وما الجسد إلا ثوباً نرتديه لفترة مؤقتة ثم نتخلص منه إلى الأبد.
"إن الصراع ضد شهوات الجسد يقع في صميم الأخلاق الغنوصية. والغنوصيون يرون أن الأخلاق السائدة في المجتمع هي أخلاق براغماتية. فالذي يعمل بقاعدة "لا تسرق" يفعل ذلك لكي لا يتعرض هو نفسه إلى السرقة، والذي يعمل بقاعدة "لا تقتل"، يفعل ذلك لكي يحمي نفسه من القتل، والذي يعمل بقاعدة "لا تزن" يفعل ذلك لكي يحمي نساءه من الرجال الآخرين.

جذور الشر في العقيدة الإسلامية:
بأعتقادي أنّ حكاية أبليس وعصيانه لله في العقيدة الإسلامية هي رمز للشرور الموجودة في النفس الانسانية، فحكاية ابليس ورفضه السجود لآدم وطلبه من الله امهاله الى يوم القيامة بعد القسم بعزة الله لكي يغوي البشر وقبول الله هذا الطلب الغريب بتعيين ابليس للقيام بهذه الوظيفة ليست سوى حل لدرء التهمة عن الله بانّه هو الذي خلق الشر وزرعه في نفوسنا، لانّ الانسان سيتسائل: إذا كان الله هو الذي خلق الشر في نفوسنا فلم يحاسبنا ويعاقبنا على ذنوبنا؟
إنّ اعجب ما في قصّة ابليس وآدم هو تمرّد ابليس على الله، إنّ هذا التمرّد هو اغرب حكاية جالت في عقل انسان واحسن مثل لما جال ويجول في الفكر الانساني من تصوير المحال.
هل يعقل عاقل أنّ الله يُمهل الّذي يتمرد عليه الى يوم القيامة ولا يفنيه والادهى من ذلك يعينه في وظيفة اغواء خليفته في الارض والّذي نفخ فيه من روحه؟
لتكون الحكاية محبوكة بصورة تامّة ظهرت حاجة الى كبش فداء، وكبش الفداء في هذه الحكاية هو الشيطان او ابليس.
لنفترض أنّ الشيطان غير موجود في العقيدة الدينية، فماذا سيحدث؟ كل البشر سيكونون اسوياء ومؤمنين وصالحين وسينتفي الحاجة الى وجود جهنّم وسعيرها وعذابها في يوم القيامة والى الجنّة بحورياتها وخمرها ولبنها وعسلها، ولكن هل هذا سيحصل حقا؟ كلا لأنَّ جذور الشر موجودة في جيناتنا التي ورثنها من أجدادنا الحيوانات ولن يتم لجم هذه الشرور وتقليلها إلا بفرض العقوبات الرادعة التي يقرها المدافعون عن الحضارة والمنادون بالإنسانية أو أن يتوصل علم الجينات إلى إكتشاف طريقة لإستئصال جينات الشر أو كبت تأثيراتها.
نلتقيكم في مدارات تنويرية أخرى.
مصادر البحث:
- هل ابليس معضلة ام حل؟............ كامل علي.
- لاهوت إبليس الملاك الساقط......... فراس السواح.
- مغامرة العقل الأولى.................. فراس السوّاح.
- الشخصية المحمدية او (حل اللغز المقدّس ) ......... الشاعر العراقي معروف الرصافي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - وستنتفي الحاجة الي الله نفسه
محمد البدري ( 2021 / 3 / 2 - 16:06 )
فماذا سيحدث؟ كل البشر سيكونون اسوياء ومؤمنين وصالحين وستنتفي الحاجة الي الله نفسه ذلك لان ضرورة وجوده انتفت بوجود اليوتويبا.
تحياتي القلبية للفاضل العزيز كامل علي لهذه الملحمة التي علي كل من ذل رقبته للاديان السماوية ان يعود ويرفعها


2 - تعليق الصديق سامي دانيال
كامل علي ( 2021 / 3 / 3 - 10:36 )
سرني مشاركتك وإغنائك لموضوع المقالة.
1 وعرف ادم حواء امراته فحبلت وولدت قايين.وقالت اقتنيت رجلا من عند الرب. 2 ثم عادت فولدت اخاه هابيل.وكان هابيل راعيا للغنم وكان قايين عاملا في الارض. 3وحدث من بعد ايام ان قايين قدم من اثمار الارض قربانا للرب. 4 وقدم هابيل ايضا من ابكار غنمه ومن سمانها.فنظر الرب الى هابيل وقربانه. 5 ولكن الى قايين وقربانه لم ينظر.فاغتاظ قايين جدا وسقط وجهه....... العهد القيم، سفر التكوين، الاصحاح الرابع، 1-6.
المرامي النهائية للنص التوراتي تتفق مع بقية النصوص السومرية ذلك أنّ مقتل الراعي على يد المزارع إنْ هو إلّا تثبيت لغلبة المزارع وقوته وتفوقه على الراعي. ولم يكن بإمكان النص التوراتي الّا أنْ يسير على هذا المخطط، ذلك أنّ اليهود قوم رعاة، ولكنّهم استقروا فيما بعد وزرعوا الارض وبنو المدن، وبقوا يكنون احتراما لتاريخهم الرعوي القريب.
فجاء قبول يهوه لقربان الراعي تعبيرا عن مرحلتهم الرعوية السابقة واحترامهم لها بسبب قراءاتهم اليومية للتوراة. أما موت الراعي على يد المزارع قابيين فجاء نتيجة للامر الواقع الذي يعيشه اليهود من غلبة الزراعة على البداوة...تجياتي


3 - تعليق الصديق محمد البدري
كامل علي ( 2021 / 3 / 3 - 10:47 )
سرني مشاركتك وإغنائك لموضوع المقالة.
المؤمنون بالدين الإسلامي إن فكروا منطقيا بحكاية عصيان إبليس لله والسماح له بإغواء الناس سيكتشفون حتما عدم معقوليته ولكن إذا أراد الإنسان أن يؤمن بهذه الأساطير فعليه عدم إستخدام عقله والمنطق لذلك يُقال ألإيمان القلبي ومن تمنطق تزندق...تجياتي

اخر الافلام

.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا


.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم




.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا


.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است




.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب