الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غاستون باشلار (1884- 1962)

غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني

2021 / 3 / 6
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع




6/3/2021

وُلد الفيلسوف الفرنسي باشلار لأسرة فرنسية فقيرة، لكن يبدو أن نبوغه المبكر خَلَقَ عنده نوع من الطموح لاثبات وجوده، ففي شبابه لم يتوقف عن تثقيف نفسه في المساء بعد الانتهاء من عمل النهار، حيث كان يقضي الليالي الطويلة في الدراسة والكدح والعزلة التأملية، وقد وصف كل ذلك في كتابه "لهب شمعة" (1961)، وفي عام 1912 حصل العصامي الفتى على إجازته في الرياضيات؛ و"حصل على شهادة التبريز في الفلسفة سنة 1922، وعلى الدكتوراه في الآداب سنة 1927، وجاءت أطروحته: "دراسات في تطور مسألة فيزيائية": الانتشار الحراري في الجوامد لتنبئ بموضوعها وروحها عن المكانة التي سيشغلها في تطور الفلسفة المعاصرة، وعُيِّنَ في سنة 1930 أستاذاً للفلسفة في كلية الآداب في ديجون، وهو منصب بقي يشغله عشراً من السنوات، وبين 1940 و1955 شغل كرسي فلسفة العلوم في السوربون، وفي عام 1961، منح الجائزة القومية الكبرى للآداب"([1]).
يعتبر "باشلار واحداً من أهم الفلاسفة الفرنسيين، وهناك من يقول أنه أعظم فيلسوف ظاهري، وربما أكثرهم عصرية أيضاً، كما يعتبره البعض " أحد أبرز فلاسفة المعرفة والعلم في القرن العشرين، وقد أثرَّت افكاره بقوة على العاملين في حقول: تاريخ العلم، وعلم المعرفة، وعلم النفس التحليلي والنقد الأدبي الجديد"([2]).
كرّس باشلار جزءاً كبيراً من حياته وعمله لفلسفة العلوم، وقدّمَ أفكاراً متميزة في مجال الابستمولوجيا حيث تُمَثِّل مفاهيمه في العقبة المعرفية والقطيعة المعرفية والجدلية المعرفية والتاريخ التراجعي، مساهمات لا يمكن تجاوزها بل تركت آثارها واضحة في فلسفة معاصريه ومن جاء بعده، وفي هذا الجانب، أشير إلى أن "باشلاو" من أوائل الفلاسفة الذين استخدموا مصطلح "القطيعة المعرفية".

ولعل أهم مؤلفاته في مجال فلسفة العلوم هي([3]) :
· العقل العلمي الجديد / 1934
· التحليل النفسي للنار / 1937
· تكوين العقل العلمي / 1938
· العقلانية والتطبيقية / 1948
· المادية العقلانية / 1953
· الخيال الشعري والتأمل / 1961 "الذي اكمل فيه نظريته في المعرفة، والعلاقة بين الوعي واللاوعي، وبين المحسوس والمتخيل وبين الاحساس والتجريد، لتحقيق معرفة متكاملة"([4]).
درس باشلار بعمق الوسائل التي يحصل بها الإنسان على المعرفة العلمية عن طريق العقل، وعلى هذا الأساس يعتبره البعض "مؤسساً للعقلانية الجديدة وطامحاً إلى تأسيس إبستيمولوجية (معرفة) العلوم الطبيعية. باشلار أيضاً، يُعتَبَر رائداً من روّاد علم الجمال يرى في الخيال بشقيّه العلمي والشاعريّ أساساً لما يسميّه الفلسفة المفتوحة، وهي فلسفة تتوسط (المثاليّة والمواصفاتيّة والصوريّة) التي تعلوها، والواقعيّة والاختبارية والوضعيّة التي تأتي تحتها، وهي فلسفة يطلق عليها باشلار أسماء مختلفة منها: العقلانية التطبيقية والمادية التقنية، ويرى فيها أن الواقع الذي يدرسه العلم، في تطوّره، واقع مصطنع، وهو الأمر الذي يظهر جليّاً في الميكرو فيزياء، وهو واقع مُبَنيّ، لأن الواقع العلمي قد صار بُنيات، ولهذا يجب النظر إلى الفلسفة العلمية بذاتها، من دون استخدام أيّ أفكار قَبْلية، ذلك أن العلم هو أفكار مصحّحة باستمرار، تتحول كل فكرة إلى عقبة إبستيمولوجيّة (معرفية)، والعقبات الإبستيمولوجية كثيرة منها المعرفة العامة والمعرفة الواحديّة التجريبيّة، ومفهوم الجوهر والمعرفة الكميّة.
لهذا فعلى الفيلسوف العلمي –عند باشلار- أن يرسم ما يسميّه "الجانبية الإبستيمولوجية" وهي الوجه المعرفي الجانبي لمختلف الصيغ المفهوميّة لظاهرة ما، فتطور المعارف يحدث بالقفزات وتجاوز العقبات الإبستيمولوجية أي بما يسميّه باشلار "القطيعة الإبستيمولوجية (المعرفية)""([5]).
ربما كان مفيداً معرفة شيء عن ظاهرية باشلار، إنّ الفكرة الرئيسة في الظاهراتية Phenomenology كما أوجدها أدموند هوسرل، هي قصدية الوعي أي أن الوعي يتجه دائماً إلى موضوع، أي أنه يؤكد مقولة أنه لا يوجد موضوع من دون ذات.
كما يؤكد المنهج الظاهراتي على الامتناع عن الحكم فيما يتعلق بالواقع الموضوعي وعدم تجاوز حدود التجربة المحضة " الذاتية " ويؤكد على عدم اعتبار موضوع المعرفة موضوعاً واقعياً تجريبياً واجتماعياً بل مجرد وعي مفارق " أي أنه مستقل عن التجربة والمعرفة المحددة أي ميتا فيزياء ".
إنّ المهم، في فلسفة باشلار، هو أن يَظَلْ الإنسان ذا شخصية مفتوحة على العالم والقراءة، ويظهر الإنسان في كتابه "شاعرية أحلام اليقظة" وهو يبدع ويَخْلِق؛ يَظْهَر بصفته منبعاً وموقظاً لعوالم، سواء كانت عوالم العلوم أم عوالم الفنون، وهو الكائن الذي يواجه جميع التحديات، لاسيما تحدي اللحظة، بالإبداع والاختراع، الكائن الذي يناضل ضدّ نوم العالم وضدّ غفلته، يقول بشلار: "نحن نعيش في عالم نائم علينا أن نوقظه بواسطة الحوار مع الآخرين،وما إيقاظ العالم إلاّ شجاعة الوجود بأن نوجد ونعمل ونبحث، نخترع، نبدع، نخلق".



([1]) جورج طرابيشي – معجم الفلاسفة – دار الطليعة – بيروت – ط1 – أيار (مايو) 1987– ص 143
([2]) سامى خشبة – مفكرون من عصرنا – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة - 2008 – ص 155+156
([3]) موقع ويكيبيديا – الانترنت.
([4])سامى خشبة – مرجع سبق ذكره - مفكرون من عصرنا – ص 155+156
([5])كاستون باشلار - موقع المعرفة – الانترنت https://www.marefa.org








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كينيا: قتلى وجرحى إثر تفريق الشرطة مظاهرات مناهضة للحكومة في


.. احتجاج أمام شركة -سيمنز- الألمانية رفضا لتعاونها مع إسرائيل




.. تأثير الذكاء الاصطناعي في الحروب


.. السياسي العراقي فائق الشيخ علي يوجه رسالة لحسن نصر الله: -كي




.. الإفراج عن عشرات أسرى الحرب الروس بعد تبادل للأسرى مع أوكران