الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نشوء دولة اليعاربة

سعد سوسه

2021 / 3 / 7
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


موقع عمان وأهميته :
تقع عمان في اقصى جنوب شرقي الجزيرة العربية ، تحيطها البحار من جهات ثلاث : الجنوبية والشرقية والشمالية ، وتطوقها صحراء الربع الخالي من جهتها الغربية، وتمتد سلاسل جبال الحجاز موازية للساحل ، فتقسمها على قسمين : (الباطنة) وهي منطقة الساحل ، و(الظاهرة) وهي المنطقة الداخلية ( 1 ) . ولموقع عمان اهمية بالغة ، اثر بقوة في سير احداثها التاريخية وتحديد موقعها السياسي( 2 ) . فقد ادت موانئ الساحل العماني دورا كبيرا في تجارة المحيط الهندي (الهند-شرق افريقيا –البحر الاحمر) ، فموقعها على مدخل الخليج العربي جعلها الوسيط المفضل للتجارة بين الشرق والغرب ، فضلا عن تجارة الخليج نفسه ( 3 ) .
الامامة الاباضية اهم محرك لتاريخ عمان :
والى جانب الموقع ، كان انتشار الاباضية (ترجع الاباضية باصولها الاولى للعراق زمن عبد الله بن اباض (127-132هـ) والذي اشتهر بخروجه على عبد الملك بن مروان الاموي، لكن الخروج الفعلي على شكل ثورة حدث زمن مروان الثاني،) ( 4 ) . في عمان محركا مهما لتاريخها و(الاباضية) فرقة معتدلة من فرق الخوارج تختلف عن الفرق الخارجية المتطرفة الاخرى في نواح عدة منها : انهم لا يعدون المسلم غير الخارجي (مشركا) لذا فهم يرفضون القتل لاسباب دينية ، فعرفوا بالتسامح ( 5 ) .
ومن الناحية السياسية فهم لا يعدون وجود الامامة امرا اساسيا لا مفر منه ، اذ يمكن الاستغناء عنها في حال قيام ظروف غير ملائمة ، وهو ما يسميه الاباضيون(الكتمان) . وفي هذه المرحلة ، عندما لا يقوى الاباضيون على اعلان الامامة او الافصاح عن ارائهم ومبادئهم ، يقومون بالدعوة الى مذهبهم سرا ، لذا فان هذه المرحلة تمثل ادنى مراحل الضعف وبسببه تلجأ الدعوة الى (الكتمان) لبناء نفسها والاستعداد لمرحلة(الظهور) . ويعود تقرير امر الانتقال من مرحلة الكتمان الى مرحلة الظهور الى مشايخ القطر .
ازدهرت الدعوة الاباضية في عُمان منذ منتصف القرن الثامن الميلادي ، وانتخب الجندي بن مسعود اول امام فيها حوالي عام(749)أو (750) ، وبدأ الاباضيون يحكمون وفق ما يسمونها (امامة الظهور) (عندما يكون الاباضيون قادرون على قهر عدوهم، يصبح اعلان الامامة فرضاً واجباً ، وينتخب واحد منهم يعرف بـ(امام الظهور ) او (امام البيعة) ، ينظر : غانم العجيلي ، قيام سلالة اليعاربة ، ص28-29، ويجب ان يكون المرشح للامامة فقيهأ تقياً ، يعرف بعد الانتخاب بـ(الامام العالم) ، ولكن في حالات طارئة ، حين تكون البلاد معرضة للخطر الجسيم ، يرجع الى الذين يتمتعون بمؤهلات عسكرية ومقدرة قيادية واضحة ، ويسمى في هذه الحالة (امام الشراة) ، أي : التضحية ، يفسره قولهم "شريناانفسنا لدين الله، فنحن الشراة" أي: بيع الدنيا لقاء اجر الاخرة ، او شراء الاخرة بالدنيا ، ولهذا فان المنتخب ملزم بالمثابرة والجهاد الديني والسياسي حتى الموت) ( 6 ) . وساد المذهب الاباضي لدى الازد اكبر قبائل عمان .
وطبقا للعقيدة الاباضية ، يتم اختيار الامام عن طريق اجتماع اهل الحل والعقد من العلماء والفقهاء وكبار الشيوخ ، حيث يجتمعون في جلسة تحاط بالسرية ، وبعد المداولة والتمحيص يعلنون اختيار من اجتمعت الاراء على اختياره ( 7 ) .

التفكك الداخلي والصراع بين الامامة والنبهانيين :
ظلت ممارسة انتخاب الامام تسير ، بلا انقطاع مدة اربعة قرون ، لتتوقف قرابة القرنين من الزمان ، سيطر أثناءها النبهانيون (ينتمي بنو نبهان الى قبيلة العتيك العربية الازدية العمانية العريقة ، التي ينتمي لفروعها المهلب بن ابي صفرة القائد العماني الذي قضى على غلو ابن الازرق ) ( 8 ) . على السلطة ، ليواجهوا سلسلة من الثورات الاباضية التي اسفرت عن بعث الامامة من جديد بداية النصف الاول من القرن التاسع الهجري - النصف الاول من القرن الخامس عشر الميلادي ( 9 ) . لذا فان عهد بني نبهان يمثل مرحلة في تاريخ عمان احتجبت فيها الامامة ، ويميل المؤرخون الى استخدام كلمة (ملوك) لوصف حكام الدولة النبهانية ، ليثبتوا انفصال نظامها عن الزعامة الروحية التي تمثلها الامامة لدى الاباضيين الذين هم غالبية سكان عمان ، تعاقب حكم النبهانيين على البلاد لمدة تقارب خمسة قرون ، ومر بمرحلتين ، عرفت الاولى بعهد النباهنة الاوائل واستمرت اربعمائة سنة ، وعرفت الثانية بعهد النباهنة المتأخرين وعانت عمان خلالها مصاعب مختلفة ، اوهنت البلاد ، وادخلتها في حالة من الانقسام والفوضى العارمة ، واستنادا الى وصف المؤرخين العمانيين فانها مرحلة مظلمة من تاريخ بلدهم ، عانى العلماء فيها من اضطهاد مخيف ، فاحرقت الكتب ، وضيق على النشاطات الدينية والتربوية ، وتعرض العمانيون لانواع مختلفة من القمع ، وصودرت الممتلكات والاراضي ، مما أرغم بعض القبائل على الانتقال الى داخل البلاد ، او الهرب منها (10 ) ، وانغمس ملوك بني نبهان المتأخرين في حياة الترف والبذخ والملذات ، وتركوا امور البلاد تغرق في فوضى داخلية ادت الى تدهور خطير .
مثل النبهانيون نظاما سياسيا دنيويا ، وهو اسلوب يتناقضُ مع التقاليد الاباضية القائمة على اختيار الائمة الذين اتصفوا بالزهد والتقشف ، وعدم احتكار أي قبيلة او اسرة الحكم لنفسها بالوراثة ، اذ اتخذ النبهانيون اسلوب الوراثة الملكي الذي واجه معارضة
العُمانيين ، وابرز تحدٍ واجهته عمان في عهدهم ، هو افتقارها الى حكومة مركزية قوية تستطيعُ فرض وجودها على البلاد ، وفي اوائل القرن الخامس عشر الميلادي اشتدت المعارضة لسلطة النبهانيين ، وحققت نجاحا واضحا ، تمثل بانتخاب الحواري بن مالك (1406-1435) اماما في نزوى (نزوى) : مدينة مهمة من مدن عمان ، يبلغ ارتفاعها عن سطح البحر نحو (1900) قدم ، انظر : ابو سليمان المعولي ، قصص واخبار جرت في عمان) وعلى الرغم من عجز الامام الجديد عن بسط سيطرته على ارجاء عمان ، والاطاحة بحكم النبهانيين ، الذين تركز وجودهم في عاصمتهم بهلا (بهلا) : احدى مدن المنطقة الداخلية ، تقع غرب نزوى ، وهي مشهورة بصناعة الفخار)، كان عهده استهلالا بشر بقرب عودة الشرعية ، اذ تحقق بعض الاستقرار لاجزاء مهمة من مناطق الظاهرة ، وفي عهد الامام محمد بن اسماعيل (1500-1535) ، انكمشت سلطة النبهانيين ، لتقتصر على بهلا والرستاق ((الرستاق) : مدينة قديمة ، يعود تاريخها الى ما قبل الاسلام ، وبها قلعة مشهورة تقع في منطقة الحجر الغربي . المعولي)، بعد ان تمكن ملك هرمز(برزت دولة هرمز كأهم منطقة لتجميع السلع التجارية أواخر القرن الثالث عشر الميلادي ، وظلت خاضعة لعدة سنوات للاسر التي كانت تحكم في كرمان الفارسية ، الا انها استغلت الاضطرابات التي اعقبت الغزو المغولي الفارسي ، واخذت باتباع سياسة اكثر استقلالية ، وسرعان ما مدّ حكامها سيطرتهم على قلهات وغيرها من مدن ساحل عمان ، ويمكن تحديد المدة ما بين عامي ، 1270 و1507 ، مرحلة خضوع ساحل عمان لهرمز) من بسط هيمنته على ساحل الباطنة، التي مارسها عن طريق تابعين له ، اتخذوا مراكز لهم في قلهات (قلهات مدينة تقع عن الساحل الشرقي بين صور وسيوى او طيوى)، ومسقط (مسقط ويطلق عليها اسم الكوت المغولي)، .
المصادر
( ) 1 . لوريمر ، ح.ج. دليل الخليج ، القسم الجغرافي ، ج1 ، ترجمة : مكتب الترجمة بديوان امير قطر ، الدوحة، ص 80-81 .
( ) 2 . من تاريخ الخليج العربي ، سلسلة ثقافية عسكرية تشرف على اصدراها الكلية العسكرية ، بغداد ، 1972 ، ص76-77 .
( ) 3 . شوقي عبد القوي عثمان ، تجارة المحيط الهندي في عصر السيادة الاسلامية ، الكويت ، 1990 ، ص176-177 .
( ) 4 . عائشة السيار، دولة اليعاربة في عمان وشرق افريقيا، ط1، دار القدس، بيروت، 1975، ص106-127.
( ) 5 . صالح العابد ، دور القواسم في الخليج العربي ، 1747-1820 ، بغداد ، مطبعة العاني ، 1976 ، ص38؛.
( ). 6 . دينا محمد الادهمي ، الاوضاع السياسية في الخليج العربي في ظل التسلط البرتغالي 1515-1650، رسالة ماجستير ، كلية الاداب – بغداد ، 2002، ص101 .
( ) 7 . مصطفى عقيل الخطيب ، التنافس الدولي في الخليج العربي 1622-1763، المكتبة العصرية ، بيروت ، 1981 ، ص110
( ) 8 . وزارة الاعلام – سلطنة عمان ، عمان في التاريخ ، لندن ، دار اميل للنشر ، 1995، ص166.
( ) 9 . جمال زكريا قاسم ، الاصول التاريخية لقضية عمان ، المجلة التاريخية المصرية ، م12 ، 1964-1965، ص168-169.
( )10 . حسين عبيد غباش ، عمان الديمقراطية الاسلامية ، ترجمة : انطوان حمصي ، ط1 ، بيروت ، دار الجديد ، 1997 ، ص89 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منظومة الصحة في غزة الأكثر تضررا جراء إقفال المعابر ومعارك


.. حزب الله يدخل صواريخ جديدة في تصعيده مع إسرائيل




.. ما تداعيات استخدام الاحتلال الإسرائيلي الطائرات في قصف مخيم


.. عائلات جنود إسرائيليين: نحذر من وقوع أبنائنا بمصيدة موت في غ




.. أصوات من غزة| ظروف النزوح تزيد سوءا مع طول مدة الحرب وتكرر ا