الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قتل المرتد بين فرج فودة ورفيق تقي

سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي

2021 / 3 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في عام 1992م قتل المفكر المصري "فرج فودة" بناء على فتوى من الجماعات الإسلامية وبعض شيوخ الأزهر وقتها بردته وخروجه عن الإسلام مما يلزمه تطبيق حد الردة في حقه وهو القتل، وفي عام 2011 قتل المفكر الأّذربيجاني "رفيق تقي" بنفس التهمة وهي حد الردة قتلا بعد إفتاء بعض مراجع الشيعة الإمامية في إيران بردته منهم آية الله العظمى "محمد فاضل لنكراني" وآية الله "مرتضى بن فضل"

في كلا الحدثين نحن أمام مفكرين سلميين لا يرفعون سلاحا سوى القلم، فقد تتفق أو تختلف مع أحدهم بما يستدعي الرأي والرأي الآخر، أو القول والرد..أو التهمة والدفاع..وإلى ذلك من آليات الحوار والتفكير بين البشر التي تعارف عليها منذ بزوغ عصر العقل، لكن الإسلام السياسي والجماعات لا يعترف بتلك الآليات ولا يعطي فرصة للتفكير والاعتراض، إنما يقوم بنفسه وعبر وسائله الأمنية بضبط العالم وفقا لمنهجه فيختار ضحاياه من الضعفاء ، أو من يسهل الوصول إليه وقتله غيلة مثلما حدث مع فودة وتقي، وكما حدث أيضا مع رئيس مجلس الشعب المصري رفعت المحجوب وغيره ممن سهل على الإرهابي الوصول إليه ..

بيد أن لو فكرت بإمكانية أن يصل الإرهابي لخصوم أقوى كالجيش الإسرائيلي مثلا أو الأمريكي فسيقف عاجزا عن التفكير لواقعيته المفرطة حينها والتي تتعلق جوهريا بحياته والحرص عليها طلبا للشريعة وأملا في تحقيق نموذج إسلامي يبهر العالم حسب زعمه، وهي نفس المنهجية التي شغلت بال الفقهاء المسلمين طيلة قرون فخرجت تشريعاتهم بنسبة 90% تقريبا لضبط الضعفاء والنساء والجواري، في ذات الوقت ينبغي عليهم طاعة الأقوياء والرجال الأشداء والأحرار، هنا نكون قد وقفنا أمام مشهد في طبيعته مادي يتعلق بالقوة والضعف لا بالحق والباطل..فشريعة رجال الدين لا تعرف الثانية أكثر من الأولى مما وضع رجل الدين في منزلة اجتماعية أقرب للحكام والبلاط والأعيان في سائر مشاهدهم التاريخية وصورهم الاجتماعية..

شخصيا عندما أفكر في حادثة مقتل فودة فأنا متفهم مرجعية القاتل عقائديا، فهي غير مرتبطة حصريا بالتكفير والإسلام السياسي والشريعة بل بالمذهب الجبري تحديدا، ومعناه جبر الإنسان على طاعة الأقوى باعتبار أن تلك القوة مصدرها الله لا الإنسان، مصداقا لقوله تعالى "أن القوة لله جميعا" [البقرة : 165] فمن ملكها وساس بها الناس يكون قد امتلك هذه القوة الإلهية التي يتوجب طاعتها تحت أي ظرف، وهي المنهجية التي خلقت لاحقا مذهب "طاعة الحاكم وإن ضرب ظهرك" فالمبرر الفقهي أن الخروج حينها تشريعا للفوضى وأن الإسلام يولي أخف الضررين، وبما أن الخروج عن الحاكم له مآلات أعظم من عدم الخروج فالثانية أولى وفقا لترتيبهم الفقهي..

ولكن هذا ما يصدروه للناس..ولو ذلك صحيحا ما بلغ الفقهاء بلاط الحكام وما أفتوا لصالحهم في وقت السلم، لكون هذا المبرر حجة في زمن الحرب والفتنة قد تكون معقولة لكن ما بال الفقهاء الذين يطيعون الحاكم الظالم وينحازون معه وينافقوه دون وجود أي خطر على سلطانه؟..هنا يبحث العقل البشري في دوافع ذلك الفقيه نجد لها شقا دنيويا يتعلق بالمصالح والمنافع، وشقا آخر عقائديا هو ضرورة احترام وطاعة القوي أيا كان هو، وفي مقالي بشهر مارس 2019 بعنوان "نقض مذهب طاعة الحاكم" شرحت فيه تلك الجزئية التي يتبع فيها الفقيه منطق الغاب كليا لا منطق العقل والتفكير كما هو مفترض..

أما المذهب الجبري فقد ظهر أولا بالتاريخ الإسلامي عبر الأمويين الذين زعموا أن معارضي الخليفة الأموي وقادته المجرمين أمثال الحجاج بن يوسف الثقفي أو يزيد بن معاوية فهو (قدري) ملعون زنديق ويجب أن يقام عليه الحد، فالقدري بزعمهم لا يعارض الخليفة والقائد بحسب لكنه يعارض الله، وعقليا فالقدري يؤمن بحرية الاختيار والإنسان في أفعاله ، وأن حكمة الثواب والعقاب لن تكون إلا بالحرية، من هنا كان الدافع الذي حفّز الخلفاء لقمع القدرية كان سياسيا يتعلق بالحريات التي تعني في جوهرها وجوب أو إباحة الخروج على الحكام الظالمين، ومن هنا نشأت فكرة (قتل المرتد) التي لم تكن لها وجود في زمن النبي والخلفاء الأربعة..

قتلوا غيلان الدمشقي والجعد بن درهم ومعبد الجهني بهذه التهمة..(القدر) فهؤلاء المفكرين العظام قالوا أن الخليفة الأموي من قدر الله..والاعتراض عليه أيضاً من قدر الله، وأن من حق الشعب أن يثور على الحاكم الظالم..وأن اختيار الخليفة في أصله هو فعل إنساني مصدره (حرية الاختيار والفعل)..من هنا جاءت جريمة قتل المرتد التي مثلما أودت بحاة غيلان والجعد أودة أيضا بحياة فرج فودة ورفيق تقي، فهي عقيدة ذات أصل سياسي لا ديني، بينما القرآن ثابت ومؤكد بحرية العقيدة..وأن قتل المخالفين لعقائدهم كان سلوك الطغاة المتجبرين ضد الأنبياء عملا بمبدأ فرعون.."لا أريكم إلا ما أرى"..لكن هذا الكلام لم يعجب الأمويين فاخترعوا ذلك الحد الملعون ..إلى أن سجله البخاري في صحيحه ليصير من الثوابت التي قتل بسببها ملايين المسلمين وغيرهم ظلماً وعدوانا..

إلى هنا تتفق جريمة قتل فودة مع الفكر السني الجبري الذي رسخه وصنعه فقهاء البلاط الأموي، ولكن كيف يؤمن الشيعة الإمامية بهذه الجريمة الجبرية الجوهر في قتل "رفيق تقي" بينما لُب المذهب ليس جبريا ويفتي ضدهم ويعارض كل ما أنتجه الأمويون من ثقافة؟

مبدئيا فهذا المفكر المغدور هو صاحب فكر حداثي وله مقالات بعنوان "أوروبا ونحن" يقارن فيها بين مجتمعات المسلمين والغرب من حيث العلم والمعارف والعدالة..إلخ، فتلك المقالات تنبئ من داخلها عن صدمة حداثة لا زال العقل الشيعي يعيش تجلياتها الأولى بعد ظهور دولة الإمام الفقيه في إيران، بمعنى أن العقل الشيعي الإمامي لا يؤمن في جوهره بدولة شريعة في غيبة الإمام الكبرى، لكن ولأن دولة الإمام قد تحققت في ولي الفقيه أصبح لزاما على كل شيعي أن يمتثل لشريعة تلك الدولة ويسقط كل ما كان سيفعله في دولة الإمام الغائب على ولي الفقيه، وتلك الجزئية التي كان ينتقدها الشيخ "محمد حسين النائيني" في كتابه "تنبيه الأمة وتنزيه الملة" وطالب بناء عليها بدولة ديمقراطية دستورية أساسها الشعب والبرلمان لا الشريعة والإمام..

وفكريا عندما تجتمع صدمة الحداثة مع الإسلام السياسي ودولة الشريعة فالناتج هو قتل أي معارض فكري باعتباره معارض ليس فقط سياسيا ولكنه (عسكريا) فالمعارض في دولة الشريعة – سنية أو شيعية – هو عسكري بالأساس، والناقد في تلك الأجواء يُحسَب فورا على المعارضة العسكرية وفقا لمبدأ "لا صوت يعلو فوق صوت السلاح" وقد شرح ذلك الفقيه "ناصر مكارم الشيرازي" في تفسيره المعروف بالأمثل حيث يقول:

"في حديث معروف عن الرّسول نقرأ: «لا يحل دم امريء مسلم يشهد أن لا إِله إِلاّ اللّه وأنّ محمداً رسول اللّه إِلاّ بإِحدى ثلاث: النفس بالنفس، والزاني المُحصن، والتارك لدينه المفارق للجماعة» أمّا القاتل فتكون نهايتهُ معلومة بالقصاص، الذي يُؤمّن استمرار الحياة واستقرارها، وإِذا لم يعط الحق لأولياء دم المقتول بالقصاص مِن القاتل، فإِنَّ القتلة سيتجرؤون على المزيد من القتل والإِخلال بالأمن الإِجتماعي...أمَّا قتل المرتد فيمنع الفوضى والإِخلال في المجتمع الإِسلامي، وهذا الحكم ـ كما أشرنا سابقاً ـ هو حكم سياسي، لأجل حفظ النظام الإِجتماعي في قبال الأخطار التي تهدِّد كيان النظام الإِسلامي ووحدة أمنه الإِجتماعي، والإِسلام ـ عادةً ـ لا يفرض على أحد قبول الإِنتماء إِليه، ولكن إِذا اقتنع أحد بالإِسلام واعتنقهُ، وأصبح جزاءاً من المجتمع الإِسلامي، واطلع على أسرار المسلمين، ثمّ أراد بعد ذلك الإِرتداد عن الإِسلام ممّا يؤدي عملا الى تضعيف وضرب قواعد المجتمع الإِسلامي، فإِن حكمه سيكون القتل.." (التفسير الأمثل 8/ 467)

تأمل كلمات الشيرازي "اطلع على أسرار المسلمين".." قتل المرتد بمنع الفوضى والإخلال بالأمن" واستدلاله بحديث "التارك لدينه المفارق للجماعة".. فالرجل يتحدث عن معركة حربية في مجتمع عسكري لا عن معركة فكرية في مجتمع مدني، وهذه هي الصورة التي في مخيلة فقهاء الشيعة الذين يفتون بقتل المرتد والتي راح ضحيتها المفكر الأذري "رفيق تقي"

وثمة معضلة هنا في الفكر الشيعي، فالردة تحصل وفقا لآية الله العظمى السيستاني "بإنكار التوحيد أو الألوهية أو الرسالة" (فتاوى السيستاني 1/ 53) ومع ذلك فمقتل رفيق تقي لم يكن وفقا لهذا التعريف من السيستاني، فالرجل لم ينشغل بأمور العقيدة والتوحيد واللاهوت أصلا، بل انشغل بأمور السياسة والفلسفة والأدب والتنظير الفكري ومقارنات الثقافة..هنا يكون المرتد قد أضيف له بعدا (لاشيعيا) من قِبَل الأئمة الإثنى عشرية في ضم الناقدين للمجتمع الإسلامي والمروّجين للحداثة، وقلت (لا شيعيا) لأن هناك ثمة ثورة كبيرة على الفقه الشيعي القديم لصالح وليّ الفقيه له بعدا سياسيا يشترك في كثير من أبعاده مع فقه الأئمة الأربعة السنية المشهور عنه (الرغبة السلطوية) في ضبط المجتمع وانضباطه وفقا لأحكام الشريعة..

والمعضلة الأكبر عند الفقهاء أن رفض قتل المرتد يعني حُرمة العدوان وتكفير الآخرين وضرورة الإيمان بحرية الفكر والاعتقاد وينظرون لأول مرة إلى معابد الآخرين كأماكن عبادة وذكر وبيوت للخير بدلا من رؤيتها الآن وكرا للكفر والمؤامرة وبيوتا للشر، فمركزية قتل المرتد في عقائد الشيوخ لأنها تقوم على حرمة التفكير والاجتهاد ومعارضة الحكام، فيصبح إنكارها إيمانا بالحقوق الثلاثة آليا، ويتضمن اعترافهم بحق المرتد في اختيار عقيدته جواز مخالفتهم وهي المشكلة النفسية الأكبر عند الكهنة لتضخم ذواتهم من أثر التقديس، وبالتالي فنفي قتل المرتد وقتاله يعني نفي ما يترتب على جميع أحكام الكفر، فحرصهم على عقاب المرتد لخطورته علي دينهم.. كذلك حرصهم على قتال الكافر لنفس المبدأ، وهذه المشكلة الأكبر التي عاني منها الفكر السني ولا زالت مصدر تفريخ دائم لا يتوقف للجماعات الإرهابية بدعوى الشريعة، أما التشيع فقد بدأ يكتسب نفس الآفة لدخول ولاية الفقيه على الخط التي شرحنا أنها تستورد كافة مفردات ومفاهيم الأئمة الأربعة السنية عن دولة الشريعة..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - إنهم يحاكمون الشيخ ميزو
مسافر عبر الزمن ( 2021 / 3 / 13 - 07:25 )
ماذا فعل الشيخ ميزو كي يدخل السجن؟؟
لقد وجد تفسيرا آخر لقطع يد السارق فإختلف معه القوم بين معنى القطع أو البيتر!!1
وبعد هذا كله هل نأمل من الفقهاء أن يكونوا إنسانيين أو حتى بشريين ؟؟
يا للعار الذي خلفه فقهاء الدين في ماضينا و حاضرنا ومستقبلنا!!1
شكرا لكم


2 - المؤامرة
ابراهيم الثلجي ( 2021 / 3 / 13 - 13:32 )
اخ سامح عندي مشهد اوضح لقراءة معنى الردة وحكمها
فالارتداد هو رد فعل لفعل سبقه
لنفهمه علينا فهم الفعل الذي حصل ثم حصلت عملية الارتداد
فعند تمعن الاية الكريمة وَقَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72
تجد ان الاية تحكي عن قضية مؤامرة معقودة بهدف الضرر والايذاء
لاحظ معي كل العملية سريعة لتامين ردة فورية قبل ان تسكن الحركة لتبقى الردة او رد فعل مرئي ومسيطراعلى المشهد والحدث فكان اسلام سريعا والتفصي والخروج منه اسرع لهز وارباك مشاعر الجمهور وهذا الامر لا تزال بعض الانظمة السياسية تستعمله لتعهير السياسيين او بعض المنشغلين بالدين واستعمله اليهود ضد القساوسة والرهبان فاللي يتمسك مع ولد واللي يزني يمومس ليسقط ارضا من الضربة الاولى
فالردة لم تكن هواية او قناعة تغيرت انما مشهد من مشاهد فيلم المؤامرة
وهنا الحكم يبنى ليس لحرية فكرية بقدر ما هي اساءة جرمية واضحة
والله العظيم اعلم وادرى وهو العليم الخبير

اخر الافلام

.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال


.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر




.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي


.. إسرائيل تقرر إدخال 70 ألف عامل فلسطيني عبر مرحلتين بعد عيد ا




.. الجيش الإسرائيلي يدمر أغلب المساجد في القطاع ويحرم الفلسطيني