الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الغزالي يفضّل الشرع على العقل!

داود السلمان

2021 / 3 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


استكمالاً للمقال السابق الذي نشرناه من على هذا المنبر الحرّ، والذي انتقدنا فيه الغزالي على اعتباره احد الذين سنوا مبدأ التكفير، بل هو سيد كبار التكفيريين على الاطلاق، وكان عنوان المقال "الغزالي إمام التكفير" وذكرنا ذلك مفصلاً من خلال كتابه "الاقتصاد في الاعتقاد".
الغزالي يقلل من شأن العقل، ويفضله على الشرع، معتبرًا إن العقل قياسا للشرع لا شيء، فالشرع هو السيد المبجَل والعقل هو المطية المطيعة لما يؤمر به الشرع وما يريد، فالعقل بمعنى آخر برأي الغزالي تائه حائر لا يهتدي الى سواه السبيل، ما لم يلتجئ الى الشرع، فيهديه ويضعه في الطريق الصحيح. يقول الغزالي في كتابه "معارج القدس في مدارج معرفة النفس": "اعلم أن العقل لن يهتدي إلَّا بالشرع، والشرع لم يتبين إلَّا بالعقل، فالعقل كالأس والشرع كالبناء". وليس هذا فحسب بل قد "سلب الله تعالى اسم العقل من الكافر" (الكافر بدون عقل كونه ترك اوامر ونواهي الشرع)! ويعني الغزالي بـ "الكافر" من يخالف الغزالي بالمعتقد، بمعنى إن جميع المتدينين بغير دين الغزالي، هُم من وجهة نظره كفار ضالين مضلين لا يهتدون سواء السبيل: من علماء ومخترعين واطباء وفلاسفة ومفكرين، من الذين خدموا ويخدمون البشرية منذ مئات السنين الى يومنا هذا، يعتقد الغزالي أنهم لا شيء، وإن علومهم وافكارهم ومخترعاتهم لن تغنيهم عن شيء، فقط الذي قدمه الغزالي، من آراء ونقد وانتقاد وتكفير، هو الذي ينفع الناس ويهديهم صراط المستقيم!. فكبلر ونيوتن واديسون واينشتاين وسواهم بما جاؤوا به، بمعتقد الغزالي كل هذا ضلال وحطام دنيا فانية!. فعند الغزالي القضية المهمة هي قضية الشرع، فالقضايا الشرعية حيث ملكت عليه لبه وسلبته عقله واحاطت بفؤاده، ويخطئ من يرى إن الغزالي يُعد من الفلاسفة بل هو فقيهًا متعصبًا، كما أكدنا في مقالنا السابق.
العقل من دون الشرع لا يستطيع أن يعرف الكليات ولا الجزئيات بنظر الغزالي، بل ولا سيصل الى حسن والاعتقاد، وقول الصدق، وتعاطي الجميل، وغير ذلك من القضايا الاخلاقية، وهذا بعكس ما يراه الفيلسوف الالماني العظيم ايمانويل كانت، صاحب "نقد العقل المحض".
يقول "واعلم أن العقل بنفسه قليل الغناء لا يكاد يتوصل إلى معرفة كليات الشيء دون جزئياته، نحو أن يعلم جملةً حسن اعتقاد الحق وقول الصدق، وتعاطي الجميل، وحسن استعمال المعدلة وملازمة العفة ونحو ذلك، من غير أن يعرف ذلك في شيء، والشرع يعرف كليات الشيء وجزئياته وبيَّن ما الذي يجب أن يعتقد في شيء، شيء".
ويختم الغزالي كلامه في نقد العقل والتقليل من شأنه في كتابه المذكور بقوله: "وعلى الجملة، فالعقل لا يهتدي إلى تفاصيل الشرعيات، والشرع تارة يأتي بتقرير ما استقرَّ عليه العقل، وتارة بتنبيه الغافل وإظهار الدليل حتى يتنبه لحقائق المعرفة، وتارة بتذكير العاقل حتى يتذكر ما فقده، وتارة بالتعليم؛ وذلك في الشرعيات وتفصيل أحوال المعاد، فالشرع نظام الاعتقادات الصحيحة والأفعال المستقيمة، والدَّال على مصالح الدنيا والآخرة، ومن عدل عنه فقد ضلَّ سواء السبيل".
إن مقياس الفلاسفة والمعيار الذي يزنون به الامور والقضايا الفلسفية والمعرفية والكلامية، هو العقل بلا شك، (لذلك سميت هذه القضايا بقضايا عقلية) فبدون هذه الجوهرة المسماة الـ "عقل" لا يمكن لنا أن نعرف على هذه القضايا وندرك مدى صحتها من خطأها، صدقها من كذبها، بل حتى القضايا الشرعية التي يؤمن بها الغزالي ويفضلها على العقل، هي امور خاضعة لمبادئ العقل، لأنها تنصاع له وبه تُعرف، فهل نستطيع أن نميز السليم من السقيم، الحلال من الحرام بدون العقل، هل مثلا أن نلمسها بحواسنا الاخرى!؟. والغزالي على بينة بإن المجنون رُفعت عنه جُل القضايا التعبدية على يصحى من جنونه.
ومن ذلك نستنتج بإن الغزالي هو رجل فقيه اقحم نفسه في حقل الفلسفة، لم يستطع أن يخرج من هذا الحقل لأنه صعب المراس، قائم على العقل، والغزالي قلل من شأن العقل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع


.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية




.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-


.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها




.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24