الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأرمن في عصر سلاطين المماليك ( 1250-1517 م)

عطا درغام

2021 / 3 / 15
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الدكتورة: عبير حطب
أعدت الباحثة عبير حطب رسالة دكتوراة بآداب دمياط عن الأرمن في عصر سلاطين المماليك "648-923 ه، 1250-1517 م ". وقد حصلت عليها بمرتبة الشرف الأولي تحت إشراف أ.د علاء طه رزق أستاذ التاريخ الوسيط بآداب دمياط. وقد قسمت الباحثة دراستها إلي خمسة فصول رئيسية علاوة علي مقدمة وتمهيد وملاحق وخاتمة. والفصول هي: ديموغرافيا الأرمن في عصر سلاطين المماليك، والأوضاع السياسية والعسكرية والإدارية للأرمن في عصر سلاطين المماليك، الأوضاع الاقتصادية في عصر سلاطين المماليك، الأوضاع الاجتماعية للأرمن في عصر سلاطين المماليك، الأوضاع الدينية في عصر سلاطين المماليك.
حاولت الباحثة أن تصل خيوط البحث ببعضها حتي تخرج في صورتها المثلي وحُلتها اللائقة بها، علي أن الثابت أن كلمة التاريخ النهائية لم تُكتب في حقب كثيرة من جوانب حياتنا ، غير أنه إذا أردنا التوقف لتقييم أهم النتائج والآراء التي توصلت إليها بعد جهد في دراستها عن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية للأرمن إبان عصر سلاطين المماليك؛ فإنه يمكن إجمالها في نقاط محددة تتميز بأهميتها وقيمتها التاريخية، وتتمثل فيما يلي:
كانت بلاد الأرمن المسرح الأكثر حيوية عبر العصور التاريخية للكيانات السياسية التي أحاطت بها نظرًا لموقعها الجغرافي والإستراتيجي المهم؛ فحاولوا بكل جهودهم أن يحتفظوا بشخصيتهم وهويتهم المستقلة بمنأي عن أي من الكيانات السياسية التي جاورتهم مهما كان نوع الارتباط الذي يربطهم بها، وعرفوا أن الاحتفاظ باستقلالهم السياسي والديني هو حفظ لبقاء عنصرهم ؛ فسعوا لإرضاء وكسب ود الجميع إتقاء لخطرهم وعداوتهم، وكان مقدورًا للأرمن تجنب اتباع مثل هذه الساسة لو أنهم وحدوا صفوفهم ونبذوا خلافاتهم، واستغلوا مواردهم المتنوعة. ولكن خلافات ونزاعات أمرائهم طبعت سياستهم بهذا اللون من التأرجح هادفين من وراء ذلك المصلحة الذاتية التي آلت بهم إلي خيبة الأمل.
تمكنت مملكة أرمينية الصغري بحكم تكوينها وموقعها الجغرافي من البقاء فترة أطول من الزمن لتلعب خلالها دورًا مهمًا في السياسة الشرقية بالاتفاق مع قوة ضد أخري وتقليب فريق علي الآخر عسي أن تفوز من وراء ذلك بإبعاد الأخطار المحدقة بها والمتمثلة في الخطر الصليبي والمغولي أن تعرضت للتفتت والضياع نتيجة تذبذب ولاء الأمراء سياسيًا وعقائديًا بين القوي المتصارعة.
كانت الحركة الصليبية واحدة من القوي التي تعامل معها الأرمن ودارت معارك علي نطاق واسع علي الأراضي الأرمنية، ولعب العنصر الأرمني دورًا بارزًا في هذا المضمار لما لاقاه في أغلب الأحيان وطوال المد الزمني لهذه الحركة من معاملة ودية من امراء الصليبيين إذا جاز استثناء بعض الظروف التي تعرض فيها الأرمن للتنكيل من جانب الصليبيين ؛ فكانت صداقتهم قوية استهدفت مواجهة عدو مشترك مما مكنهم من تأسيس مملكتهم الجديدة وتوسيع رقعتها.
العلاقات السياسية بين الأرمن ودولة المماليك لم تكن لها ضوابط او معايير أو قوانين تنظمها ، بل إن المعيار السائد لحد كبير هو معيار القوة بمعناه المجرد، ففي كثير من الأحيان كان بالإمكان تفادي وقوع حرب طاحنة بينهما لو توفر قدر قليل من السياسة والهدوء تجاه سلاطين المماليك، ويبدو أن مشاكل الأرمن كانت تتجلي في عدم طاعة حكومة القاهرة وعدم الالتزام بالاتفاقيات المعقودة بينهم ؛ فكل ملك يتسلم سدة الحكم يظن نفسه أنه سيقلب رأس المجن علي رءووس المماليك متناسيًا أنهم مهما بلغوا من ضعف؛ فإنهم القوة الوحيدة القادرة علي تغيير السياسات الدولية وقلب الموازين.
إحجام الغرب الأوربي عن مساعدة الأرمن وفقدان السند المغولي وتوالي الحملات العسكرية المملوكية المتواصلة علي قيليقية وانقسام الأرمن إلي فريقين ، كل هذا من شأنه أنه حوّل دور الأرمن الإيجابي من شريك فعّال في السياسة الدولية المُحيطة بهم في نٌصرة الفرنجة والمغول إلي دور سلبي ؛ فأصبح كل اهتمامهم كسب ود المماليك والحفاظ علي ما تحت أيديهم من قلاع ومدن إلي أن ضاع استقلالها.
بضياع استقلال أرمينية في عام 1375م ، اختفي نشاطها السياسي ولم يعد لهم حكم ذاتي، وعاشوا كرعايا فقط وانتشروا في البلاد كأقليات ، والأقليات لا يمكن ان يكون لها نشاط سياسي بالرغم من انهم برعوا في التجارة وأعمال الصرافة. غير أنهم علي المحور السياسي أصبحوا أقلية خاملة وقوة عاجزة ترغب في نشاط التعايش ليس لها فاعلية سياسية وتقتصر فاعليتها في مجال الحرف والصناعات والصيرفة والنشاط التجاري.
استطاع الأرمن استغلال ملكاته التي مكنته من تبوؤ مواقع نشيطة ومفيدة لدي محتلين. فعلي الرغم من استيطانه في المهاجر؛ فإنه قد أفلح في الوصول إلي مناصب عسكرية وإدارية عليها تطوير جميع النشاطات الإنسانية دون استثناء خاصة في مجالي الصناعة والتجارة.
كان النشاط الاقتصادي للأرمن في بلاد المهجر ماهو إلا امتداد لدورهم ونشاطهم الاقتصادي في بلادهم ،حيث يعود ماحققوه من نجاح في جميع الحرف الاقتصادية التي امتهنوها إلي حيويتهم ونجاح ملوكهم في جعل ملوكهم في جعل مملكتهم أكبر مركز تجاري وحلقة وصل بين الشرق والغرب خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر، بتشجيع التجارة مع المدن الإيطالية خاصة والأوربية عامة، وقابل هذا انكماش الحركة التجارية في سلطنة المماليك وضعف مواردها المالية في حين حظيت أرمينية بموارد طائلة ،وانتفخت خزائنها. وهكذا كانت الأوضاع الاقتصادية خاصة التجارية دافعًا لمزيد من الازدهار الاقتصادي إلي الانحدار حيث كانت الجزية عقب كل هزيمة تلحق بهم، وهرب التجار لزيادة الرسوم الجمركية والضرائب وانعدام الأمن ، فوقفوا عاجزين عن استيفاء تلك المتطلبات.
أما علي الصعيد الاجتماعي، فقد نزح الأرمن إلي العديد من بلاد المهجر ، وحملوا معهم عاداتهم وتقاليدهم وتعايشوا مع مجتمعات تلك البلاد، وتفاعلوا معها، ومارسوا حياتهم في ظل رعايا الكنيسة الأرمنية التي حافظت علي قوميتهم في بلاد مهجرهم. غير أنهم علي الصعيد الديني خضعوا في بلاد مهجرهم لأهواء حكامها التي كان يقودها علاقة ملوك الأرمن بالقوي المعادية لدار الإسلام مما أدي إلي زيادة الفُرقة وعدم الوحدة بين الشعب والحكام.
لا نعرف الظروف التي كان لها التأثير الأكبر علي البلايا والأضرار التي أصابت الأمة الأرمنية هل هو الموقع الجغرافي؟ أما تطلعاتها التي تفتقد إلي اليقين والحكمة ؟ أم الانقسام الديني؟ ألم يكن من الحكمة والاعتدال تحسين أحوالهم ودعم بأسهم وعزيمتهم بالاتحاد والتآذر وتوحيد جهوده ودعم قواهم للحيلولة دون حدوث الكوارث المأساوية التي لم يُبتل بمثلها أي شعب آخر.
وربما يُلح علي أذهاننا سبب اختيار هذا التوقيت لإسقاط أرمينية الصغري وضمها إلي حظيرة الممتلكات المملوكية ، فربما يرجع ذلك لعدة عوامل منها قرر المماليك الاستيلاء عليها لأنها لم تعد ملجأ للأرمن، بل أصبحت ملجًأ للاتين، أو ربما لما أصابها من الضعف والوهن بفقدان حلفائها من الصليبيين والمغول.
وهنا نتساءل تُري هل أخطأ الشعب الأرمني بعدم اقتناعه لدين الفرس؟ أم كان يجب عليه الإصغاء للغرب واعتناق الكاثوليكية الرومانية للحصول علي حماية الدول الأوربية ؟ أم كان يجب أن يدخلوا في الإسلام؟
والحقيقة أنهم لو اعتنقوا دين الفرس لانصهروا في بوتقتهم وفقدوا أصلهم كالشعوب التي لم يعد أثر لذكرها اليوم، ولو أنهم قبلوا الكثلكة فقد أثبت التاريخ أن الأرمن الذين اعتنقوا العقيدة الكاثوليكية زالوا تدريجيًا، ولم يبق لهم ذكر ، ومن مُنح منهم وضعية خاصة، تجد بينهم وبين البابوية جدلًا ومعارضات لا تزال مستمرة حتي يومنا، أما لو اعتنقوا الإسلام ؛ فقد كان من الممكن أن يكون وضعهم أحسن بكثير من هذه الأيام، لكن قد أسلم قسم كبير من العناصر وضاعت قوميتهم، ولم يعد يحمل اسم الأرمني سوي هؤلاء الذين ظلوا أوفياء لدينهم المسيحي.
خلاصة القول أن الأرمن شعب بداياته غائمة وفترات ازدهار قصيرة، ولم تخلوا حياته من الأحداث الجسام والشدة أبدًا متمثلة في الاجتياحات وأعمال النهب والسلب والمجازر ، وانتهي كيانه المستقل بعد ثلاثة قرون بعدما سمحت لهم العلاقات الصليبية والمغولية بالبقاء علي قيد الحياة لمدة قرن إضافي في مواجهة التوسع التوسع الإسلامي. وهكذا يبدو البحث في صورة متكاملة من كافة جوانبها السياسية والاقتصادية والدينية بعكس الدراسات العامة التي ترتكز فقط علي الناحيتين السياسة والحربية ضمن إطار الحروب الصليبية بوجه عام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وثائقي -آشلي آند ماديسون-: ماذا حدث بعد قرصنة موقع المواعدة


.. كاليدونيا الجديدة: السلطات الفرنسية تبدأ -عملية كبيرة- للسيط




.. المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانييل هاغاري يعلن مقتل جنديين


.. مقطع مؤثر لأب يتحدث مع طفله الذي استشهد بقصف مدفعي على مخيم




.. واصف عريقات: الجندي الإسرائيلي لا يقاتل بل يستخدم المدفعيات