الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقتل سيدة السلام … والتطهُّر الأرسطي

فاطمة ناعوت

2021 / 3 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


Facebook: @NaootOfficial
"الرذيلةُ دائمًا امرأة!”. سنواتٍ وعقودًا ظلَّ السلفيون يحقنون الأدمغةَ بأفكار مشوشّة ومنقوصة وعنصرية حول "مفهوم الرذيلة”. حتى "الذَّكر" شريكُ المرأة في الإثم، لا يرِد عنه كلامٌ. فهو مُبرَّأٌ سلفًا. لن تجد في كلامهم ما يُخرجُ الرذيلةَ والفحشاءَ والآثامَ عن "جسد المرأة”. فالقذارةُ ليست رذيلة، ولا سرقةُ التيار الكهربائي ولا الرشوة ولا إهمال العمل ولا الاختلاس والقسوة والبلطجه وخيانة الوطن وجميع ما تُرتكب من كوارثَ مرعبةٍ كلّ نهار، وبعضُ مرتكبيها من أدعياء الشرف الذين يقتلون المرأة بزعم "الدفاع عن الشرف”. تلك سماتُ النفاق الديني والازدواجية الأخلاقية التي لوثت ثوبَ مصر مع دخولها في عصر "التديّن الشكلي” منذ سبعينيات القرن الماضي. فمَن يقتلُ امرأةً بدعوى الشرف، هو في أغلب الظن عديم الشرف (يسرق، يرتشي، يخون، يبلطج، يقسو، الخ) ويداري ما سبق من بلاءات بالانتقاص من شرف المرأة. معادلة قديمة ومستهلكة ومكشوفة ورخيصة. تكلم عنها الفيلسوف أرسطو في كتابه "فن الشعر"، فصرنا نسميها: “التطهّر الأرسطي"، لأنها ظهرت كثيرًا في تراچيديات المسرح الإغريقي في القرن الرابع ق.م. فالمجرمُ يداري جرائمه في جرائم الآخرين، فيشعرُ بالراحة و"التطهّر الزائف"، فيكون بوسعه الاستمرار في الحياة دون تأنيب ضمير.
إذا تحرش "ذَكَرٌ" بامرأة؛ فالمرأة هي المخطئة بسبب ملابسها المكشوفة. فإن كانت الضحيةُ محجبةً أو منتقبة، عاد السببُ إلى أي امرأة غير محجبة موجودة في الحياة. ذاك هو عُرف السلفي والإخواني. هذا ما وضح جليًّا في واقعة مقتل سيدة مدينة السلام، سواء ألقاها مجرمون من الدور السادس، أو انتحرت هربًا من بطشهم؛ بعدما اقتحموا بيتها متوعدين.
عبارةٌ كوميدية كتبها العظيم "لينين الرملي"، وجسّدها مايسترو المسرح "محمد صبحي" في مسرحية "وجهة نظر". قال الشيخُ الضريرُ لزملائه العميان: (المسلسلات كلها عُري وإباحية. الحمد لله الذي جعلنا عميانًا لكيلا نراها. احذرْ، الكلامُ عن النساء حراااام! صدقوني، إذا انطفأ النور، تساوت كلُّ نساءِ الدنيا. ومن نِعم الله علينا؛ أنه أطفأ نورَ أعيننا حتى لا تفتتنا النساء. يا إخواني، النسااااءُ فِتنة. الأموااااالُ فِتنة. الطعااااامُ فِتنة. ) وفجأةً، يدق جرسُ المؤسسة مُعلنًا موعد وجبة الغداء. فنجد ذلك الشيخَ يصرخ بنفس الحماس السابق: (موعد الطعام، أفسحوا الطرررريق.) وكان هو الأسرعَ ركضًا، من بين رفاقه العميان، نحو قاعة الطعام (الفتِنة).
أتذكّر دائمًا هذا المشهد الهزلي (الواقعي جدًّا) كلما سمعتُ تصريحًا لأحد "رجالات" حزب النور السلفي، أو الجبهة السلفية أو الجهادية أو التكفيرية أو الإخوانية أو تيارات الإسلام السياسي كافة. أولئك هم أشاوس ُالتكفير وتصديع الأوطان وتسويد القلوب وتمزيق الأرواح وتلويث الصدور وتسميم العقول، الذين لوّنوا سماء مصر الناصعة بغيوم البغضاء والشتات والشهوات. الهوسُ الَمَرضيّ بالمرأة جعلها السببَ في كل موبقات الأرض. فالمهووس بالمرأة، لا يتوقفُ عن ذمّها وتحقيرها والنيل منها، وهو بهذا يمارس "التطهّر الأرسطي" Catharsis. فاللصُّ، لا يتوقف عن انتقاد السرقة وادّعاء الشرف، لأنه يشعرُ أن الناس جميعًا يعرفون أنه لص، فيعالج هذا بأن يلبسَ ثوبَ الأمانة بانتقاد اللصوص. والبغيّ الساقطة تبالغُ دائمًا في انتقاد البغاء وسبّ الساقطات لكي توهمَ الناس بشرفها غير الموجود.
أولئك الذين يوهمون الناس، بأنهم أكثرُ الناس تُقًى وإيمانًا، وأنهم حُرّاس السماء على الأرض، أرسلهم اللهُ لكي يرسموا لنا طريق الهداية بالحديد والنار، فيكفرون هذا ويقتلون تلك، ويحرّمون أمرًا (قد يفعلونه سرًّا). فإن انكشف أمرُهم راحوا يفصلون فتوى جديدة (تناقض الفتوى الأولى) لكي تناسب جسدًا مترهلا أعيت تشوهاتُه المقصدارات. أذكّركم بالأخ السلفي الشهير الذي صرخ على الشاشات مرارًا: (تهنئة المسيحيين في عيدهم حرام، ومواساتهم في موتاهم حرام ) ثم ركض (سرًّا) إلى البابا تواضروس (قبيل الانتخابات) يواسيه في وفاة السيدة والدته. ولما انكشف أمام الناس، همس في خجل: (تجوز مواساةُ المسيحي من أجل إظهار سماحة الإسلام! ) سماحةٌ لا تظهرُ إلا قُبيل انتخابات البرلمان، طمعًا في أصوات المسيحيين!
أدعياءُ التدين الزائف حرّموا الخروج ضد الرئيس مبارك في2011، لأن (الخروج عن الحاكم حرام.) ثم كانوا الأسرع ركضًا لمائدة الطعام بمجرد أن سقطت الذبيحةُ وطاب لحمُها. ثم حرّموا الخروج على مرسي ووقفوا مسلحين ضد الشعب في موقعة "رابعة"، وبمجرد سقوطه انهالوا عليه يُعملون السكاكين والسواطير ليلتهموا لحمه بدمه بعظامه، ونسيوا، ويظنون أننا نسينا، أنهم من هتفوا: (هييييييه بقى عندنا رئيس بدقن وبيصلي)، وكأن من سبقه من رؤساء، منذ محمد علي بك الكبير، وحتى مبارك، كانوا كفار قريش ويهود بني قريظة وأبرهة الأشرم ومُسيلمة الكذاب! “الدينُ لله والوطنُ لمَن يخافُ على الوطن.”
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأبين قتلى -وورلد سنترال كيتشن- في كاتدرائية واشنطن


.. تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!




.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي




.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال