الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقد أفكار ماركس وانجلز ولينين حول الدولة والطبقة 2/3

منير شفيق

2006 / 7 / 29
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها


الثورة العنيفة واضمحلال الدولة

يذكر لينين في مطلع عرضه لهذه السمة استشهاداً طويلاً لانجلز منقولاً عن كتاب (( أنتي دوهرنغ )) ( ضد دوهرنغ ) فيقوم بتلخيصه بعد ذلك في خمس نقاط ، مركزاً على دحض اتجاه الفكر الاشتراكي في الاحزاب الاشتراكية الديمقراطية التي لم تحتفظ بشيء من الافكار، التي حملها الاستشهاد المذكور، إلا موضوعة (( اضمحلال الدولة )). وقد اعتبر بتر الماركسية الى هذا الحد يعني (( الهبوط الى حضيض الإنتهازية، إذ أن كل ما يبقى بعد هذا التأويل هو تصور مبهم عن تغير بطيء، موزون، تدريجي، عن انعدام القفز والاعاصير، عن انعدام الثورة )) ( ص 18-19)، وهو يرى أن هذا التأويل هو تشويه فظ جداً للماركسية، مفيد للبرجوازية وحدها. (19).

ويذكر تقريض ماركس وانجلز للثورة العنيفة (ص21-22)، ليصل الى القول...(( إن تعاليم ماركس وانجلز بصدد حتمية الثورات العنيفة تتعلق بالدولة البرجوازية، فهذه لا يمكن الاستعاضة عنها بدولة البروليتاريا (ديكتاتورية البروليتاريا) عن طريق الاضمحلال. لا يمكن، كقاعدة عامة، إلا بالثورة العنيفة. (ص23). ويقول: (( إن ضرورة تربية الجماهير، بصورة دائمة، بروح هذه النظرة، وهذه النظرة بالذات للثورة العنيفة، هي أساس تعاليم ماركس وانجلز بأكملها، وخيانة تعاليمهما، من قبل التيارين، الاشتراكي الشوفيني والكاوتسكي السائدين اليوم، تتجلى بوضوح خاص في نسيان هؤلاء لهذه الدعاية، لهذا التحريض )) (ص23).

يجب أن يلاحظ هنا أن أساس تعاليم ماركس وانجلز بأكملها ( وتأمل عبارتي: ((أساس)) و ((بأكملها)) ) هي تربية الجماهير بروح الثورة العنيفة، أو يركز على الموضوعة القائلة: (( إن الاستعاضة عن الدولة البرجوازية بدولة بروليتارية لا يمكن أن تتم بدون ثورة عنيفة )).. (ص23). وتتجلى خيانة تعاليم ماركس وانجلز من قبل التيارين الاشتراكي-الشوفيني والكاوتسكي، أي الغالبية العظمى من الأممية الثانية ( أو الغالبية من ماركسيي ذلك العصر) في نسيانهم هذه الموضوعة. إذن نحن هنا أمام طرح واضح، لا لبس فيه، حول مفهوم لينين لتعاليم ماركس وانجلز بخصوص حتمية الثورة العنيفة للإطاحة بالدولة البرجوازية، وهو خطاب معني أساساً بالدولة البرجوازية الحديثة في أوربا والولايات المتحدة.

لقد أثبتت الوقائع التاريخية أن تلك الدول عموماً، أو كقاعدة عامة، لم تكن حبلى بذلك التغيير العنيف، وأن المطالبة بطرح شعار الثورة العنيفة في تحريض التيار الاشتراكي الماركسي لا أرضية له في تلك البلدان ولا آذان هنالك تسمعه لدى جماهير الغرب المتقدم. ومن ثم كان استبعاد التيار الاشتراكي (الأممية الثانية) له أقرب الى فهم ذلك الواقع الخاص المحدد، وذلك بالرغم من دوافعه الانتهازية، لو سلمنا مع لينين بأنهم: (( أنذال وانتهازيون وخانوا تعاليم ماركس بأكملها ))، فالبديل الذي يطرحه ماركس وانجلز ولينين، كما يشدد لينين، بديل غير واقعي أو غير مستجيب للوضع المحدد، أو بعبارة أخرى، إنه موضوعة نابعة من وهم غير علمي، أو من فرضية لا علاقة لها بالفهم الدقيق لواقع التناقضات داخل المجتمعات الرأسمالية المتقدمة، أي أن نقطة الخلل آتية أساساً من وهمية ولا علمية هذه المقولة الماركسية التي تشكل أساساً لتعاليم ماركس وانجلز.

طبعاً كان يمكن للينين أن يستشف بعمق حقيقة تلك المجتمعات وما يتحكم في تناقضاتها الطبقية من قوانين فلا يصل الى جعل التحريض بحتمية الثورة العنيفة شرطاً أولياً وأساسياً لدعايتها؛ لأنه تحريض سيذهب هباءً مادام ضربه على حديد بارد، ناهيك عما يمكن أن يؤدي إليه من عزلة أو من صدمات موجعة وربما قاصمة لحركة الطليعة. ومن ثم يمكن ادراك هذه المسألة لأنها حقيقة، بغض النظر عن الموقف من أولئك الاشتراكيين أو على حد تعبير لينين من ((انتهازية هؤلاء الماركسيين من اشتراكيي الأممية الثانية)). فكونهم أفادوا من هذه الحقيقة لتغذية انتهازية معينة أو خيانة تعاليم ماركس، كما يتهمهم لينين، فهذا ليس مدعاة لنكران الحقيقة بسبب رفض الانتهازية، فالحق الذي يراد به باطل لا يصبح باطلاً إذا حمله المنافقون، وإنما يظل حقاً فيسحب من يدي الباطل، وعندئذ ينجع تشديد النكير على الانتهازيين!!

مهما حاول الذين يلجأون لاختلاق الذرائع، من أجل إنقاذ وهمية الفكر الماركسي من منابعه الأولى في فهم الثورة في البلدان الرأسمالية المتقدمة، لا يستطيعون أن ينكروا أن الواقع التاريخي الملموس أثبت أن النظرة في أساسها قامت على تقدير خاطئ للوضع والتناقضات في تلك المجتمعات.

أما من الجهة الأخرى فإن طرح لينين آنف الذكر أصبح النظرية المعتمدة من قبل أحزاب الأممية الثالثة، وقد تعززت بأنتصار ثورة أكتوبر العنيفة في دولة روسيا المتخلفة التي لم تكن قد أنجزت بعد ثورتها البرجوازية الديمقراطية وفق التحديد الماركسي، فماذا كانت محصلة هذه النظرية في التطبيق العملي في البلدان الرأسمالية المتقدمة؟ لقد أثبت الواقع التاريخي مرة أخرى في تلك البلاد، وبعيداً عن انتهازية الاشتراكية الشوفينية والكاوتسكية، أنك تضرب على حديد بارد (الطبقة العاملة الأوربية والأمريكية) حين تدعو الى الثورة العنيفة في تلك المجتمعات لإقامة دولة البروليتاريا، أي أثبتت مقولات لينين تلك أن نتائجها تحت الصفر على أرض الواقع فيما يتعلق بمعالجتها للتناقض الطبقي بين الرأسمالية والبروليتارية في تلك البلدان.

وعندما جاء المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي السوفياتي كانت مقولات لينين، التي قامت الأممية الثالثة رسمياً على أساسها، قد بلغت درجة من الإنكشاف الى حد الفضيحة، مما جعل المؤتمر يستعيد مقولات الأممية الثانية (مقولات الإشتراكيين الكاوتسكيين الأنذال) حول الطريق السلمي للإشتراكية أو الطريق البرلماني، دون أن يمتلك الجرأة الأدبية لنقد مقولة لينين المذكورة، بل حاول التسلل الى الموضوع بقلب المسألة رأساً على عقب باستشهاد لرأي قاله ماركس حول إمكانية الانتقال السلمي في بلد مثل بريطانيا، وكان لينين قد ذكر هذا المثال ولكن كحالة إستثنائية في ظروف معينة في بلد محدد، أي القاعدة غير العامة، بينما كان الوجه الرئيس لموقف ماركس وانجلز، أو (( القاعدة العامة))، هو: الثورة العنيفة. فجاء المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي السوفياتي ليحول الثانوي ، الإستثناء الى قاعدة عامة في كل البلدان، الرأسمالية وبلدان العالم الثالث، أي : الانتقال السلمي والطريق البرلماني والتطور اللارأسمالي، ولتصبح الثورة العنيفة الإستثناء والاحتمال الضروري، أو الذي يترك للظروف. ولتغيب تماماً ((ضرورة تربية الجماهير، بصورة دائمة، بروح النظرة للثورة العنيفة)) (ص23).

والأنكى من هذا وذاك، هو أن تستعار كل العبارات التي قيلت بحق كاوتسكي والاشتراكية الشوفينية، يوم لم يقيموا سياساتهم على أساس تربية الجماهير بروح الثورة العنيفة، لتقذف بعد ذلك على رأس ماوتسي تونغ وتيار الثورة الثقافية في الصين حين رفضوا تبني نظرية التحول السلمي الى الإشتراكية ((كقاعدة عامة لنضال البروليتاريا))، وطالبوا باستمرار تبني مقولات ماركس وانجلز ولينين، وجعلوا من الفقرات الآنفة الذكر من كتاب ((الدولة والثورة)) مرجعهم الأساسي. وإذا بمن يتبنون مقولات لينين تلك يسمون باليساريين المنحرفين والمغامرين، خونة تعاليم ماركس وانجلز ولينين، بينما الموضوعات التي استندوا إليها من ماركس وانجلز ولينين لا ينبس حولها ببنت شفة.

ولكن، بماذا سيدافع الآن بعض الماركسيين أمام كل هذا؟ سنراهم يلجئون الى المنهج الزئبقي، فتارة سيقولون: لقد تغيرت الظروف فكان لابد من أن تتغير الموضوعات، أي بمعنى أن موضوعات لينين كانت صحيحة في إطار الظرف التاريخي الذي قيلت به، ومن ثم عندما يُصار الى تبني عكسها لا يكون في الأمر أي خلل نظري. ثم، هل حقاً من يقرأ تلك المقولات والأحكام التي جاء بها لينين يلحظ أنها قيلت لتجيب عن وضع ظرفي معين، أم أنها طرحت كقوانين تحدد سمات الثورة على النظام الرأسمالي وإقامة دكتاتورية البروليتاريا؟ هذا من جهة التحجج كل مرة ((بوضع سياسي محدد)) لتخبئة أخطاء نظرية لا علاقة لها بالمنهجية العلمية وإنما لها علاقة بمنهجية الدفاع عن النظرية، إنها عصبية الدفاع عن النظرية. ولكن حتى إذا قيلت ضمن ذلك الظرف التاريخي ويجب أن تعامل ضمن حدوده، فإنها ستواجه، في المقابل، النقد الصارم بسبب عدم إنطباقها أيضاً على ذلك الظرف التاريخي، من جهة أخرى. ولعل من المفيد، مرة أخرى، تذكر كلمات لينين ذاتها في هذا الصدد: (( إن الاستعاضة عن الدولة البرجوازية بدولة بروليتارية لا تمكن بدون ثورة عنيفة )). إنه تقرير يقدم نفسه كقانون موضوعي لا كتقدير لحالة مرتبطة بظرف سياسي معين وميزان قوى محدد.

أما الحجة الأخرى، التي يلجأ إليها البعض، فمستندة الى تسويغات لها علاقة بتطورات سياسية واقتصادية راهنة حدثت في ظرف عالمي، كأن يقال: لم يعد من الممكن تحقيق الثورة العنيفة بأوربا بسبب إنتقال الرأسمالية من الرأسمالية الحرة الى الرأسمالية الاحتكارية، أي الى الامبريالية. ولكن ينسى هؤلاء هنا أن كتاب لينين كتب بالضبط في الظروف التي قامت فيها اللينينية لتكون ماركسية المرحلة الامبريالية. ومن ثم تكون هذه الحجة غير مقنعة أيضاً، لأن صاحب نظرية الانتقال من الرأسمالية الحرة الى الرأسمالية الاحتكارية هو الذي أعاد الحياة الى كل مقولات ماركس وانجلز تلك كما لاحظنا.

# فصل من كتاب " الدولة والثورة "، ردّ على ماركس وانجلز ولينين.
إصدار: المركز الثقافي العربي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو: الشرط الأول بعد الحرب هو القضاء على حماس والقيام بذ


.. ما الرسائل التي أراد إسماعيل هنية إيصالها من خلال خطابه الأخ




.. سائق سيارة أجرة مصري يرفض أخذ أجرته من ركاب غزيين


.. أردوغان: إسرائيل ستضع أنظارها على تركيا إذا هزمت حماس




.. محاولة اغتيال رئيس وزراء سلوفاكيا وسط ظروف أوروبية معقدة