الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصوفية المقاتلة

محمد الجندي أبو وضاح

2006 / 7 / 29
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


" فساد القلوب على حسب فساد الزمان وأهله"
" لا يدخلنا غضبنا في الباطل ولا يخرجنا عن الحق "

ما لحق بالصوفية من مداد الأقلام وغبار الأيام عبر الزمان أودى بالكثير من الحقائق ونادرا ما كتب أهل الحق عن أنفسهم ومن كتب عنهم لا يعدو ثرثرة متفرجين أو تخمينات المؤرخين و أكثرهم يكتبون وعيونهم على شرطة السلطان تطلعا للأمن والأمان .
من عرف النار احترق بها ومن أين له التنظير عن طبيعتها أو التفكير في أوصافها الفراشة عرفت واحترقت و توحدت مع النار والكتبة لم يعدو علمهم بالأمر التقاط عبارات وردت على ألسنة القوم لحظة الوجد فاض بها علمهم الذوقي علم الخيال والجمال والحدس السامي على عالم الفكر والعقل الباري والجسد الثقيل المشدود الى الأدنى والحسي والمادي المتحول الى عالم الكون والفساد .
لنتبين ماهية العلمين من أربابهما الفيلسوف الأشهر ابن رشد يطلب التعرف على محي الدين ابن عربي من والده الذي يروي عن ابنه الصغير ظواهر لا يجد لها تفسيرا ً فيرسله أليه في حاجة ملفقة ....... ويروي ابن عربي الحدث قائلا ً : (فلما دخلت عليه قام من مكانه اليّ محبة و إعظاما ً فعانقني وقال لي : نعم ! فقلت له نعم فزاد فرحه بي لفهمي عنه ثم أني استشعرت بما أفرحه من ذلك فقلت له لا, فانقبض وتغير لونه وشك فيما عندي وقال كيف وجدتم الأمر في الكشف والفيض الإلهي , هل هو ما أعطاه لنا النظر ‍! قلت له: نعم ولا , وبين نعم ولا تطير الأرواح من موادها والأعناق من أجسادها) .
وعلق ابن رشد _بحسب رواية ابن عربي _ على معاينته لحال العلم الذوقي الذي وجده عند ابن عربي ( هذه حالة أثبتناها وما رأينا لها أربابا ً فالحمد لله الذي أنا في زمان فيه واحد من أربابها الفاتحين مغاليق أبوابها و الحمد لله الذي خصني برؤيته ) .
الحقيقة هدف بذاتها ينشدها الصالح والطالح وعلى كافة المستويات في العلم والفن وفي وقائع الحياة الإجرائية ,لن تجد أحدا يعلن عن نفسه في القول أو العمل في علمه أو جهله أنه يسعى لغير الحقيقة ! والحق واحد من أسماء الله الحسنى إن لم نقل أنه الملاذ الأخير عندما تعجز اللغة المحدثة المتناهية عن التعبير عن المطلق عن القديم عن اللامتناهي عن الحق "الذي ليس كمثله شيء" .
وفي مسعى الإنسانية لبلوغ هذا الهدف تنوعت الطرق والمسالك وتباينت الأقوال والأفعال فاهتدى من اهتدى وضل من ضل في المسارب والشعاب ونشأت الخلافات والصراعات على الفروع والجزئيات بعيدا عن الصراط المستقيم .
سلك ابن رشد طريق النظر العقلي وأدواته التجربة والبرهان والأحكام المنطقية , واعتمد ابن عربي طريق العلم العقلي وأدواته الحدس والكشف والخيال ولم يتنكر للطريق الآخر لذلك استحق لقب فيلسوف الصوفية وصوفي الفلاسفة.
بعيدا عن التأريخ للصوفية وما لحق بها من شكليات في الملبس والمأكل والتواجد أودت بها إلى ما وصل إلينا من طرائقية ضلت الصراط المستقيم وتفرقت في الطقوس والممارسات والمظاهر حتى صدق فيهم قول أبي العلاء المعري : . أفي القرآن قال اللَه هذا كلوا أكل البهائم وارقصوا لي .
وأبعدتهم هذه الشكليات عن الهدف الذي بدأت في الوجود من أجله وعرفت بسببه وهو الصراع ضد النقص والخواء الرابض في هذا الكون وربما الشعور بالخطيئة الأولى نتيجة الغواية والنزوع الأصيل والحارق للعودة إلى المصدر السامي كما عبر عنه ابن سينا :
هبطت إليك من المحل الأرفع ورقاء ذات تمنع وترفع
يوحي بأن هناك عالمين عالم سام , رفيع , متعال لايني الإنسان يتطلع لبلوغه وعلم خسيس هابط يصارع للتخلص منه والارتفاع عنه وبه إلى الأسمى والأنقى , وهذا ما جعل من المتصوفة قوما غرباء في مجتمعاتهم , وقد أسس الجنيد التصوف على ثمانية أركان جعل من الغربة ركنا أساسيا بسبب عدم التجانس بين الروح والمادة وعلمهم بالمضنون به على غير أهله وقد دفع المتصوفة ثمن غربتهم باهظا أقله الإبعاد والشتم والاستهزاء والاتهام بالأنانية والهروب من الواقع الحياتي المعاش وإدارة الظهر للحياة وبالتالي نشدان الخلاص الفردي .
هذا ما وصل إلينا عن القوم من إعلام السلطان عبر الزمان وهل يصدر عن هذا الإعلام إلا ما يرضي السلطان وبطانته على حساب طمس الحقيقة والتعتيم عليها وأن القوم ليسوا أكثر من [تنابــــــــل] كسالى , يخشون الوقيعة ويغّفون عند المغنم وما غربة أجدادهم إلا بسبب التناقض وانعدام التجانس بين الروح والمادة ضاربين صفحا عن أن الصوفية تربط الخلاص والحرية بالتمرد والثورة على المعطى المشروط بالعبودية لغير الحق ويشير النفري:
أوقفني في الوقفة وقال لي : الوقفة تعتق من رق الدنيا والآخرة.
وقال لي : الواقف لا يقبله الأغيار ولا تزحزحه المآرب .
وقال لي : العالم في الرق ,والعرف,مكاتب, والواقف حر .
كيف لا يكون حرا من خلص من متعلقات السوى والخلق ووقف مع الحق, هذا التوق للحرية
دفعه لموقف الرفض والثورة حتى على نواميس الطبيعة والكون التي أسرت روحه في محدودية المادة وثقل الجسد وحاصرته حصارا لامفر منه إلا بالفكاك من أسر الجسد بالفناء في فضاآت الحرية و التماهي بالمصدر الفاعل الحق اللامتناهي الدائم الوجود .
ليس الموت غاية ولكنه طريق للوصول ارتضاها السالكون عبر الوجود إلى عالم الشهود والشهادة ولأن الصوفية ترى في الموت الطريق المفضي إلى الحرية إلى عالم الخلود والسكينة والطمأنينة والجمال هكذا نفهم عبارة : " أتيتك بقوم يحبون الموت أكثر مما تحبون الحياة " يحبون الموت لأنه يمثل الرفض و الانقلاب على فساد المجتمع وما يسوده من قوى ظالمة مادية وتاريخية تميل به نحو الباطل والإسفاف والوضاعة والرياء في عالم الكون والفساد حيث تنعدم الحرية ويختنق الأحرار.
من رأى السلام والسماحة تعلو وجه المسيح وهو يمضي على درب الجلجله " رب لا تؤاخذهم إنهم لا يعقلون " ووجه الحلاج المدمى على الصليب يسامح قاتليه " اقتلوني ... إن في قتلي حياتي" ,لو كان الصوفيون – ولا تفي هذه التسمية بحقهم – فهم أهل الحق لو كانت خلاصا فرديا وهروبا من الواقع ورثاثة ودروشة لما أرعبت السلطان في كل زمان فتعقب أعلامها بالتشريد كحال أبي ذر الغفاري وتهجيره إلى الشام وقبرص وأخيرا إلى منفاه في صحراء الربذه حيث مات بعيدا عن أهله لم يرفع سلاحا في وجه السلطان سوى كلمة الحق لأن الحق يفضح الباطل كما النور ينفي الظلام ,وبالتنكيل والتقتيل كحال الحلاج ومقتل السهروردي وسلخ جلد النسيمي حيا في حلب وقد قال له أحد سوائم السلطان وهو تحت السلخ :أرى لونك يميل إلى الاصفرار وكنت تزعم أنك لاتخاف الموت ,فابتسم النسيمي ورد عليه : إن الشمس تميل إلى الاصفرار
عند المغيب . أنحني بخشوع أمام كل شهداء الحق والحرية وأصلي من أجل كل الفدائيين الذين يضحون بأرواحهم على هذا السبيل,ولهم أهدي مناجاة النبي قبل معركة بدر : "إن تهزم هذه الشرزمة لن تعبد في الأرض ".
وعن علي بعد المعركة : " لقد شهدنا في عسكرنا هذا أقوام في أصلاب الرجال وأرحام النساء سيرعف بهم الزمان ويقوى بهم الإيمان ".









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصحافي رامي أبو جاموس من رفح يرصد لنا آخر التطورات الميداني


.. -لا يمكنه المشي ولا أن يجمع جملتين معاً-.. شاهد كيف سخر ترام




.. حزب الله يعلن استهداف موقع الراهب الإسرائيلي بقذائف مدفعية


.. غانتس يهدد بالاستقالة من الحكومة إن لم يقدم نتنياهو خطة واضح




.. فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران تعلن استهداف -هدفاً حيوياً-