الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نوال السعداوي امرأة متوحشة وخطيرة لأن الحقيقة متوحشة وخطيرة

عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري

2021 / 3 / 22
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


تعليقاً على كتاباتها التي لا تهادن، قالوا لها “أنت امرأة متوحشة وخطيرة”، فكتبت قائلة “أنا أقول الحقيقة. والحقيقة متوحشة وخطيرة”. وقد كانت صراحتها الشديدة وتفانيها الذي لا يتزعزع في الدفاع عن الحقوق السياسية والجنسية للنساء مصدر إلهام لأجيال متلاحقة اعتبروها أيقونة أدبية ونضالية.

توفيت الطبيبة والكاتبة المصرية نوال السعداوي أمس الأحد 21/3/2021 عن عمر ناهز 90 عاما. بعد أن تدهورت حالتها الصحية في الأيام القليلة الماضية بحسب ما صرحت به ابنتها منى حلمي بأن والدتها تعاني صعوبة في بلع الطعام، الأمر الذي استدعى تركيب قسطرة في المعدة لتسهيل البلع.

ولدت نوال السعداوي، إحدى أبرز الكاتبات المصريات، والمدافعة عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة، في 27 أكتوبر/تشرين الأول عام 1931، في قرية كفر طلحة بمركز بنها بمحافظة القليوبية شمال القاهرة. كان والدها موظفاً حكومياً صاحب دخل محدود، بينما كانت والدتها تنتمي لعائلة ثرية. شجعها أبواها على التعليم، لكنها -كما كتبت في مؤلفاتها- أدركت منذ سن مبكرة أن البنات كُن يحظين بتقدير أقل من البنين، وهو ما سيكون له تأثير بالغ في مسيرتها الأدبية والنضالية.

جمعت السعداوي بين عالم الطب والكتابة الروائية والنضال السياسي، حيث كانت مدافعة مستميتة عن حقوق الإنسان بشكل عام وحقوق المرأة بشكل خاص، كما تعتبر واحدة من أهم الكاتبات المصريات والأفريقيات.

وتعد السعداوي أشهر من نادى بتحرير المرأة، ووضعت مؤلفات حققت صدى واسعا لتناولها قضايا المجتمع بشكل مختلف سواء من خلال أدب الرواية أو المؤلفات الفكرية. بدأت الراحلة الكتابة مبكرا، فكانت أولى أعمالها عبارة عن قصص قصيرة بعنوان “تعلمت الحب” في عام 1957، وأولى رواياتها هي “مذكرات طبيبة” عام 1958.

وأصدرت إثر ذلك العشرات من الكتب التي تُرجم بعضها لعدة لغات أجنبية، كما خضعت بعض مؤلفاتها للمنع من التداول بسبب ما أثارته من جدل واسع مثل “أوراق من حياتي” و”سقوط الإمام” والأخير تمت ترجمته لأكثر من 10 لغات واتسم بالرمزية السياسية والمقصود بالإمام، هو الزعيم السياسي الذي يستخدم الدين ويوظفه لأغراض خاصة به، مثلما فعل الرئيس الراحل محمد أنور السادات.

لم تكن مسيرة السعداوي سهلة ولا طريقها مفروشا بالورود، فقد أمضت عقوداً وهي تعبر عن آرائها من خلال رواياتها ومقالاتها وسيرها الذاتية ومحاضراتها.

تعرضت الكاتبة بسبب أفكارها وكتاباتها إلى السجن والمصادرة والاهمال فترة حكم الرئيس المصري أنور السادات، وقد اعتقلت في أحداث سبتمبر الشهيرة عام 1981 التي سبقت اغتياله بوقت قليل، ولكنها استثمرت فترة سجنها في سجن النساء بالقناطر لتستلهم منها أهم كتاباتها، فعند خروجها قامت بتأليف كتابها الشهير “مذكرات في سجن النساء” نشر في الأسواق عام 1983.

وعلى مدار عمرها، عملت الكاتبة المصرية مستشارة للأمم المتحدة في برنامج المرأة بأفريقيا والشرق الأوسط، ولم تترك الكتابة، حيث نشر لها عشرات الكتب، ما جعلها تحصد عديداً من الجوائز العربية والعالمية من بينها جائزة الشمال والجنوب من المجلس الأوروبي، وجائزة ستيغ داغيرمان من السويد، وجائزة رابطة الأدب الأفريقي، وجائزة جبران الأدبية، وجائزة من جمعية الصداقة العربية الفرنسية، وجائزة من المجلس الأعلى للفنون والعلوم الاجتماعية.

سقوط الإمام
رواية نوال السعداوي المصادرة

سقوط الإمام هي الرواية التي صادرها مجمع البحوث الإسلامية في مصر المحروسة منذ صدورها وحتى أيامنا، لأن نوال السعداوي انحازت في روايتها إلى إدانة مطلقة لكل صور القمع والعسف تتبدي منذ الإهداء الذي يذهب إلى الإيرانية شهربانو شيراز التي تم اغتصاب طفلتها في السجن، ثم السودانية فاطمة تاج السر، التي قطعت السلطات يد طفلها بتهمة السرقة تحت راية الشريعة ثم كوليت عيتاني اللبنانية، وفاطمة محمود السجينة المصرية التي عايشتها السعداوي في السجن عندما تم القبض عليها في أحداث سبتمبر 1981.

عتبة الرواية مدهشة وغنية فكرياً بكل المقاييس، فعبر عدة جمل شديدة التكثيف لخصت نوال السعداوي موقفها من فكرة الألوهية، حيث الإله بالنسبة إليها ليس تلك الهالة الميتافيزيقية المشعة الرهيبة التي تُرتكَب باسمها المجازر والحروب، ويساق باسمها العبيد إلى المحارق، فالألوهية بالنسبة إلى نوال السعداوي تتواجد في صفاء أرواحنا، في جوهنا، وأفعالنا، وفي مدى مطابقة نواهي تلك الألوهية لسلوكياتنا اليومية، وتوجهاتنا الفطرية.

يمثل الإمام الشخصية المحورية في الرواية، وحسب تسلسل الأحداث يتمتع بربوبية مطلقة، فهو لا يضعف ولا يموت، ولا يرد له أحد أمراً، ولا ينطق عن الهوى، ترتكب أعتى الفواحش باسم الله وباسم كتبه ورسله، وهو في حقيقته ليس وحيداً بل هو متعدد وموجود في كل مكان، حيث يوجد في أشباه تقوم بأدواره وتموت نيابة عنه ومعها مفاتيح الجنة، موجود في العسس والعيون المتناثرة في كل حي وزقاق يحصي على الناس أنفاسهم، موجود في صورة قضاته، وكتابه، ورجال أمنه، ورجال دينه، وتجلياته التي لا تنتهي، هو كما عبرت الكاتبة، ظل الله على الأرض والحاكم باسمه.

أما الشخصية الرئيسية الأخرى فهي تلك البنت الموصومة بأنها نبت شيطاني لأنها، كما توصف، ابنة غير شرعية، فقد مات أبوها وهي رضيعة، أما المفاجأة فهي أن الإمام نفسه هو من اغتصب أمها، ورغم علمه بأنها ابنته يتزوجها في أحد محطات الحدث الروائي، ثم بسبب مروقها ورفضها لواقعها تقتل في نهاية الأمر وتصدر الأوامر بدفنها ودفن كل ملفاتها معها.

ربما لتلك الأسباب لا تتراجع المؤلفة عن وصف الإمام في مقدمتها الروائية بأنه شخصية زئبقية، وهو وصف ينطبق أيضا على معارضيه، حيث الحياة السياسية تنقسم إلى حزبين، حزب الله ويمثله الإمام وصفوته، وحزب الشيطان الذي منه تلك الشخصيات الهزلية مثل المعارض الشرعي والكاتب الموصوف بالكبير، وهي معارضة مهمتها الوحيدة تبريرية للسلوك السلطوي الأكثر من خشن.

الواقع الذي رصدته الرواية، هو نفسه الذي كانت تقاومه الكاتبة وتشهد مجازاته اليومية الثقيلة، في مواجهة سلطات غاشمة يمثلها الحكم العسكري أحيانا ويمثلها تحالف رجال السياسة مع رجال الدين في معظم الأحايين، هو واقع كابوسي لازال جاثماً. واقع رفضت نوال السعداوي أن تكون إحدى ضحاياه، فقاومته بكل الوسائل ولازالت تقاوم، ولأن الحقيقة متوحشة وخطيرة، كانت نوال السعداوي-رحمها الله- امرأة متوحشة وخطيرة.

تحميل رواية سقوط الإمام:
https://foulabook.com/ar/book/%D8%B3%D9%82%D9%88%D8%B7-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%85%D8%A7%D9%85-pdf








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا عن الانتهاكات في الحرب في السودان خصوصا بحق النساء؟


.. بسبب أصولها الإيرانية.. ملكة جمال ألمانيا تتلقى رسائل كراهية




.. تمرين تعزيز الحجاب الحاجز | صحتك بين يديك


.. إصابة طفلة بقصف الاحتلال التركي على منبج




.. لقاء صحفي يتناول موضوع المتاجرة بالنساء المغربيات إعلامياً