الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من تكون أيها الإنسان؟

حنان بديع
كاتبة وشاعرة

(Hanan Badih)

2021 / 3 / 25
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع




هل لدينا إرادة حرة أم نتوهم ذلك؟
السبب في طرح سؤآل قديم جديد هو إختراع شريحة (نيورولينك العصبية) التي تشبك مخ الإنسان مع الكمبيوتر، لينهي الأخير (الكمبيوتر) إرادتنا الحرة التي مارسناها على مدى القرون الماضية؟ ثم ماذا عن قراراتنا الحرة؟ وعقائدنا القائمة في جوهرها عليها؟ وهل نضحي بحرية إرادتنا إذا كانت موجودة بحجة التقدم التكنولوجي؟
في تجربة تم تطبيقها على البشر خلصوا الى أن المخ يأخذ عن الإنسان قراراته قبل أن يكون واعي بها ويتهيأ له بأنه من أتخذ القرار!
إذن لنكرر السؤآل، هل لدينا إرادة حرة أصلا؟ الواقع يقول بأن أعضائنا تعمل باسقلالية عن إرادتنا فالقلب والكلى وباقي الأعضاء تعمل وحدها دون وعي أو إرادة منا.. أما المشاعر مثل الحب والكره والمتعة والخوف الخ.. فهي أيضا تعمل من خلال موصلات عصبية في المخ ، وردات فعل الجسد تأتي بأمر من الدماغ لذا لا تحسب على أنها قرارات حرة بل مبرجة به بطريقة غريزية مثل الخوف من شىء ما قد يؤذينا ، فالبيئة والذكريات مثلا من قامت بعملية برمجة المخ على هذا الخوف ،والعقل الباطن من خزن صورة لنموذج الشخص الذي يعجبنا لنقع في غرامه لاحقا معتقدين أننا من قرر ذلك! حتى عندما نحب أطفالنا ونحميهم فذلك يحدث فوق إرادتنا أيضا ذلك أنهم يمثلون جيناتنا التي نحاول الحفاظ عليها لنعمر بها الأرض وهي ردة فعل المخ لضمان بقائك وتمرير جيناتك بشكل سليم..
لكن لا تيأس عزيزي القارءى .. لا زال لدينا إرادة حرة في اختيار أذواقنا على الأقل كأن نطرب لأغنية ما أو نفضل طعام ما، ألن تسألني إن كان هذا صحيح أيضا؟وهل هي إرادة حرة هي الأخرى؟
العلم أيضا يجيب بأن تفاعل المخ مع موسيقى معينة أو أكلة معينة هو شىء يحدث اتوماتيكيا حيث الاستماع إلى الموسيقى أو أكل الشوكولاته يفعل مناطق تختص بالنشوة والمكافأة التي تنشط عندما تكون في حالة متعة، فحسب العلماء فإن تفضيلاتنا الموسيقية أو الغذائية محفورة بعمق في تكويننا البيولوجي وهي مسبقة البرمجة في المخ لذا حتى الأطفال يحبون ويفضلون بعضها، ليس لدينا عليها سيطرة، والبيئة بالإضافة الى الذاكرة يلعبون دور كبير مكمل في هذه البرمجة، إذ أن طعام أو موسيقى ما قد يكون لها ذكرى معينة تجعلنا نحبها أو نكرهها!
ماذا بقي إذن؟ بقي التعلم والممارسات التي نقوم بها بإرادة نظنها حرة.. فنحن حتما نكون في قمة وعينا وإرادتنا الحرة لنقوم بكل شىء له علاقة بالتعلم أو الممارسة كقيادة سيارة أو كتابة مقالي هذا مثلا؟
والحقيقة ليس كل ما نفعله يحتاج وعينا ، إنما يحدث ذلك لفترة معينة فقط، فمثلا تستطيع أن تقود سيارتك الى العمل يوميا بشكل اوتوماتيكي وأنت تفكر بشىء آخر تماما! فمخ الإنسان عبارة عن نظامين ، الأول أوتوماتيكي غريزي يتصرف دون تفكير بناء على برمجته السابقة وآخر متحكم واعي وهو ما نستخدمه في المرحلة الأولى لتعلم عمل ما نمارسه ثم بعد ذلك نعود لنعتمد في قراراتنا على النظام الأول الغريزي..
من تكون أيها الإنسان؟وهل تبقى لك أي إرادة حرة؟ وهل تستحق أن نحكم على أفعالك ونضعك في السجن إذا ما ارتكبت جريمة مثلا ؟
إليكم الجواب ، ليست لدينا إرادة حرة لكن وعينا بهذا هو أصل الأخلاق التي تطورت مع الإنسان البدائي إلى إنسان اليوم ، فالوعي هو من يعطينا مقياس للحكم على أفعالنا كانت جيدة أم سيئة ..والإنسان لا يقوم بخيارات لا يستطيع فهمها أو تبريرها كالحيوان ، إنما وعيه هذا ما يجعل خياراته أوسع وقدرة مخ الإنسان بالشبكة العصبية المعقدة فيه تمنحه قدرة على تحليل ما يحدث على الأقل، فنستطيع أن نمتنع عن الطعام رغم الجوع بسبب الصيام أوالريجيم مثلا، ونعرف تماما لماذا حاولنا التمرد على إرادتنا المحتلة لسبب ما!
هذه القدرة المذهلة تمنحنا خيار تحليل الأوامر الدماغية والمشاعر لتصنيفها لاحقا في خانة الخير أو الشر ، بل وعدم الانصياع لها إذا شئنا ..
هل قلت شئنا؟ نعم يبدو هذا ما تبقى لدينا من مشيئة في الحياة، الممانعة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن ينهي زيارته إلى الصين، هل من صفقة صينية أمريكية حول ا


.. تظاهرات طلابية واسعة تجتاح الولايات المتحدة على مستوى كبرى ا




.. انقلاب سيارة وزير الأمن الإسرائيلي بن غفير ونقله إلى المستشف


.. موسكو تؤكد استعدادها لتوسيع تعاونها العسكري مع إيران




.. عملية معقدة داخل المستشفى الميداني الإماراتي في رفح وثقها مو