الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الغزو البرتغالي لموانئ ساحل عمان 2

سعد سوسه

2021 / 3 / 27
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


كان نجاح البرتغاليين في غزو بحار الشرق ، تتويجاً لمحاولات عدة قام بها المستكشفون للبحث عن طريق بحري مباشر الى الهند والشرق الاقصى ، وذلك بالدوران حول افريقيا ، ثم الابحار شرقاً عبر المحيط الهندي ، ليكون بديلا للطرق التجارية التقليدية القديمة ، التي تربط اسيا باوربا عن طريق البحر المتوسط ، الذي بات مهددا بالخطر نتيجة تعاظم النفوذ العثماني ( 1 ) ، ففي اعقاب رحلة فاسكودي كاما، الشهيرة ما بين عامي (1497-1498) تركزت المحاولات الاولى للغزو البرتغالي في اخضاع موانئ شرق افريقيا ، وايجاد قاعدة قوية على الساحل الغربي للهند ( 2 ) ، لقد حمل البرتغاليون ، عندما جاؤوا الى المنطقة ، الروح الصليبية ضد المسلمين ، ومع النزعة الدينية حملوا اطماعهم الاقتصادية والاستعمارية التوسعية ، وكان ذلك واضحا من خلال حروبهم مع المسلمين في الهند والخليج العربي وشرق افريقيا ، وكان اسلوبهم المتبع هو اسلوب الارهاب والتدمير لمن لا يخضع لسيطرتهم ( 3 ) .
لقد شهد العقد الاول من القرن السادس عشر، اقامة البرتغاليين رؤوس جسور لهم في سواحل الهند الغربية ، وانشاء ادارة يرأسها نائب الملك (اصبح فرانسسكودالميدا اول من شغل منصب نائب الملك في الهند للمدة ما بين عامي 1505-1509 ، وقد اتخذ من كوشين مقراً له ، وبهذا غدت البرتغال اول حكومة استعمارية اوربية انشئت في الشرق ) ( 4 ) في كوا (Goa) ، التي اصبحت منذ 1509 قاعدتهم الرئيسة، واندفعوا منها اكثر نحو الشرق ، ليؤسسوا ، للمائة سنة القادمة ، احتكاراً لتجارة التوابل مع اوربا ، قائما على اكبر محطة تجارية أسسوها في ملقا ، وبعدها وضع البرتغاليون حلمهم بتدمير دور العرب التجاري موضع التنفيذ ، فكانت الحملة البرتغالية الكبرى عام 1507 لاحتلال موانئ الخليج العربي ، واخضاعها المباشر لسيطرتهم ، ترجمة لذلك الهدف .
وقد مهدت الظروف الداخلية في عمان الطريق للغزو البرتغالي مطلع القرن السادس عشر ، بسب حالة الانقسام والفوضى التي عجز معها الحكام عن صد الغزو الذي تعرضت له سواحلهم . وكان لغياب الامامة الاباضية ، في هذه المرحلة ، دور اسهم في بدء حقبة انطواء وانحدار سياسي واقتصادي ، طويلة عاشتها البلاد ، فعند وصول البرتغاليين كانت خريطة عمان السياسية مقسمة على عدة مناطق متميزة ، ففي الظاهرة حكم فلاح بن محسن واولاده ، الذين تمكن احدهم ، وهو مخزوم ، من الاستيلاء على ينقل، واستطاع الاخر ، وهو نبهان ، من الاستيلاء على مقنيات . اما سمايل فكانت تحت ادارة عمير بن حمير النبهاني فضلا عن مدينة بهلا ، وحكم محمد بن مهنا الهديفي على صحار ، ومدّ محمد بن بركات سيطرته على بعض اجزاء المنطقة الداخلية .

عمليات الغزو البرتغالي لموانئ الساحل :-
أسندت قيادة الحملة البرتغالية الى القائد الفونسو البوكيرك Albuquerque ( 5 ) (ولد بالهندرة ، قرب لشبونة ، وتربى في بلاط الملك الفونس الخامس ، وفي سنة 1503 كانت اولى غزواته للهند بثلاث بوارج حربية-فاستولى على كوا ، واجتاح ساحل المليبار، واحتل مدينة ملقا مفتاح الهند الصينية – ودمر عدن بالمدافع مرتين) ، الذي قرر اخضاع اهم موانئ الساحل ، صور ومسقط وقلهات وصحار ، تمهيدا لاحتلال هرمز ، فتحرك اسطوله لاحتلال سوقطرة (سوقطرة : جزيرة جبلية وعرة ، تقع بالقرب من الساحل الجنوبي للجزيرة العربية ، الى الشرق من عدن وهي قليلة السكان)، بهدف اغلاق البحر الاحمر ، وقد نجح البرتغاليون بعد قتال شديد مع اهالي الجزيرة ، من احتلالها وكان هذا بداية لدخول البرتغاليين منطقة الخليج العربي ، اذ سرعان ما اكتشف البوكيرك ان سوقطرة لا تمثل مفتاح البحر الاحمر ، وان اغلاق البحر الاحمر لا يكون منها ، وانما من عدن ، لكنه ادرك ايضا ان قوة اسطوله لا تسمح له بالاستيلاء على قلعة عدن الحصينة ، لذا قرر ان يبحر من سوقطرة الى شرقي شبه الجزيرة العربية ، باسطوله المكون من سبع سفن ، ماراً بجزر كوريا موريا ، ورساعند جزيرة مصيرة (مصيره : جزيرة تقع على مسافة عشرة اميال من الساحل العماني ، وهي اكبر جزر عمان ، يبلغ طولها اربعين ميلاً ،)، ودخل في المياه العمانية ، واستهل عملياته الحربية بمهاجمة راس الحد ، فدمرت مدافعه اكثر من ثلاثين سفينة كانت راسية في الميناء تحرك بعدها الى ميناء قلهات ، وكانت هذه اول مرة تظهر فيها سفن حربية اوربية في خليج عمان ، منذ ايام الاسكندر ، قبل ثمانية عشر قرنا تقريبا ، واستسلم سكانها بعد مقاومة يائسة ( 6 ) ، بعد قلهات توجه البوكيرك الى قريات، فاستولى عليها، واحرق حوالي (اربعين) من السفن والقوارب الراسية في الميناء . واتجه بعد ذلك الى مسقط ، التي صمد اهلها امام البرتغاليين ، الذين لم يلبثوا ان اقتحموا المدينة، رغم ما ابداه العمانيون من بسالة في الدفاع عنها فاستبيحت المدينة ، ومورست بحق سكانها ابشع عمليات الذبح والتقتيل والاعتداء على الحرمات ، وفرض على سكانها غرامة مالية كبيرة ، ولما عجزوا عن دفعها أمر البوكيرك باشعال النيران في المدينة بما في ذلك مسجدها وسفنها الراسية في الميناء ، كما أمر بجدع انوف الاسرى من النساء والرجال وصلم اذانهم . توجه بعدها البوكيرك نحو صحار، التي استسلمت له دون مقاومة ثم هاجم خورفكان حيث واجه البوكيرك مقاومة باسلة لم تفلح في صد الغزاة ، بسبب التفاوت الهائل في السلاح ، فانزل البرتغاليون اشد انواع العقاب باهلها ( 7 ) .
بعد الدمار الذي انزله البرتغاليون بالموانئ العمانية ، ابحر البوكيرك قاصداً هرمز (كانت هرمز ذات ثراء واسع ، بما تأخذه من الضرائب والاتاوات من المناطق المجاورة ، كما كانت تفرض ضرائب على السفن والقوارب البحرية التي تعمل في صيد اللؤلؤ ) ( 8 ) ، التي رفض ملكها الفتي سيف الدين ، ووصيهُ الشيخ خوجه عطار ، الاستسلام ، فبدأ البرتغاليون ، باطلاق مدافعهم ، وحدثت معركة كبرى استبسل فيها اهالي الجزيرة ، قبل ان يتمكن البوكيرك من هزيمتهم ، وفرض شروط للاستسلام ، ابرزها دفع ضريبة سنوية قدرها خمسة عشر الف دينار اشرفي ذهباً خضوعا لملك البرتغال ، وبناء قلعة على الجزيرة ( 9 ) بنى البرتغاليون قلعة صغيرة في مورنة Morna على الجزيرة ، وضعوا اساسها في تشرين الاول عام 1507 ، فضلا عن التعهد باعفاء البضائع البرتغالية من الرسوم الكمركية .
وتشير المصادر الى ان البوكيرك ظل مقيماً في هرمز لاكثر من عام ، ثم غادرها في تشرين الثاني عام 1508 متوجها الى الهند ، اثر التمرد الذي قام به ضباط وبحارة اسطوله ، مطالبين بالاموال ، بدلا من القيام بمغامرات بحرية غير مجدية ( 10 ) لكن البوكيرك سرعان ما عاد الى هرمز سنة 1515على راس اسطول قوي ، لاعادة السيطرة البرتغالية على الجزيرة ، كما استولى على جزيرة قشم ، وعلى جزء من الساحل الى الشمال والشمال الغربي من هرمز، وذلك من اجل تقوية مركزه في الخليج ، ولتأمين التموين لقواته في القاعدة البرتغالية ، من مياه الشرب والمواد الغذائية ، ولم يكتف البرتغاليون بالاستيلاء على هرمز والمدن الاخرى التابعة لها ، بل وجهوا نشاطهم العسكري الى بقية مناطق الخليج العربي الاخرى، فاحتلوا البحرين سنة 1521 .

المصادر
1 . مديحة درويش ، سلطنة عمان في القرنين الثامن عشر ، والتاسع عشر ،ط1 جدة ، 1982، ص25.
2 . صالح العابد ، تحرير ساحل عمان من الهيمنة البرتغالية ، مجلة آفاق ، بغداد ، اذار ، 1985 ، ص39 .
3 . محمد حسن العيدروس ، دولة الامارات العربية المتحدة من الاستعمار الاستقلال ، ط1 ، الكويت ، 1989، ص21 .
4 . نايف الاحبابي ، الموقف العربي والاقليمي من الهيمنة البرتغالية في الخليج العربي 1507-1650، رسالة ماجستير بغداد ، 1988 ، ص38 .
5 . ستيوارد لوثرب ، حاضر العالم الاسلامي ، ج2 ، نقلة للعربية ، عجاج نويهص ، المطبعة السلفية ، القاهرة ، 1343هـ ، ص357 .
6 . س.ب.مايلز ، الخليج بلدانه وقبائله ، ترجمة : محمد امين عبد الله ، سلطنة عمان ، 1982، ص151-152.
7 . بدر الدين الخصوصي ، دراسات في تاريخ الخليج العربي الحديث والمعاصر ، ج1 ، ط2 ، الكويت ، 1984 ، ص16 .
8 . عبد العزيز عبد الغني ابراهيم، علاقة ساحل عمان ببريطانيا دراسة وثائقية ، الرياض ، 1982 ، ص30 .
9 . نوال حمزة الصيرفي ، النفوذ البرتغالي في الخليج العربي في القرن العاشر الهجري – السادس عشر الميلادي ، الرياض ، 1983 ، ص125-126 .
10 . عبد العزيز محمد عوض ، الغزو البرتغالي لموانئ الجزيرة العربية ، مجلة المؤرخ العربي ، العدد 29 ، السنة 12 ، بغداد ، ص18 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذير دولي من كارثة إنسانية في مدينة الفاشر في السودان


.. أوكرانيا تنفذ أكبر هجوم بالمسيرات على مناطق روسية مختلفة




.. -نحن ممتنون لكم-.. سيناتور أسترالي يعلن دعم احتجاج الطلاب نص


.. ما قواعد المعركة التي رسخها الناطق باسم القسام في خطابه الأخ




.. صور أقمار صناعية تظهر تمهيد طرق إمداد لوجستي إسرائيلية لمعبر