الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل العلمانية مفهوم نظري أم شرط تاريخي ؟

محمد دوير

2021 / 3 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إهداء.. الي روح نوال السعداوي

لم يخضع مصطلح للغموض والتشويه وتشظي المعاني بمثل ما حدث مع مصطلح العلمانية Secularism، وخاصة في الفكر العربي، فعندما تحاول أن تستخدم محرك البحث للاطلاع علي المصطلح ، أو حينما تبحث بين المؤلفات العربية عن معني الكلمة وتاريخها ودلالاتها؛ لن تجد من البحث العلمي المنهجي حول المصطلح الكثير من الكلام، لدرجة أنك قد تعتقد في عدم قدرتك علي الإلمام بالموضوع أبدا، فموضوع العلمانية يحتاج إلي كتابات تقدمية كثيرة حتي تزيل اللبس والضبابية التي غيمت بكثافة غير معقولة علي المعني والبعد التاريخي له.حتي يكاد كثير من المثقفين يبتعدون عنه،ويستبدلونه بمصطلحات أخري أقل حدة.
وكل حديث عن العلمانية وتعريفها ستجده ينطلق أو يدور حول العبارة التالية " فصل الدين عن الدولة أو عن السياسة "، والغالبية من المنشغلين بالمصطلح يرونه محاولة لهدم الدين، وإقصاء تعاليمه من عقول ووجدان الناس، وفي المقابل هناك من يتشدد في الأمر فيطالب بإلغاء الدين نهائيا من الحياة بشكل عام، بل وضرورة إخضاع مقولات الدين للعقل والعقلانية. وهكذا يتعمد الجميع وضع العلمانية في موقف مضاد للجميع، في موقف اقصائي ابتداء من التعريف نفسه وحتي القول بأنه حالة غربية لا دخل لنا – في الشرق - بها. وفي تقديري أن مناقشة الأمر علي هذه الصورة لن يؤدي إلي نتائج أبدا، إذ سيظل المؤيدون يدفعون باتجاه تحصين المجتمعات والسياسة من فيرس الدين، وسيظل المدافعون عن الدين يستخدمون مثل هذه التعريفات للدفاع عن هويتهم الدينية وإشعال عواطف العامة من الناس.

1- النظري والتاريخي
في البداية، ثمة إشكالية كبري فيما يتعلق بالعلمانية، تلك الإشكالية يمكن أن نطرحها في صيغة السؤال التالي:هل العلمانية مفهوم نظري أم شرط تاريخي؟ بمعني هل هي صورة من صور الحداثة وضرورة من ضروراتها، بحيث تصدق في أية لحظة من لحظات الحداثة؟ أم أن السياق التاريخي فرضها علي المجتمعات الأوربية وجعل من أمور مثل فصل الدين عن السياسة عملية ضرورية ؟. الحقيقة لا يمكنني أبدا فصل الضرورة التاريخية عن السياقات المعرفية أو النظرية ، ففي تصوري أنه حتي نظريات العلوم الطبيعية تحكمها أيضا – في غالب الأحيان – الحتمية التاريخية ، فحينما نقول أن الحاجة أم الاختراع فإننا نقصد من ذلك أن العلم يتطور أو يتقدم بناء علي تحديات يفرضها عليه الواقع ،وبالتالي فالجانب التاريخي في نحت وبلورة وإنتاج مفهوم العلمانية لا يمكن إنكاره. فقد كانت ضرورة تاريخية، مثلما كانت التحولات العملية التي قادها كوبرنيق وكبلر وجاليليو ضرورة علمية/ تاريخية تعبيرا عن جهود لهؤلاء ولمن سبقوهم في تاريخ العلم.
والعلمانية ليست قاصرة علي رغبة الأوربيين في التخلص من سلطة الكنيسة فقط، بل سنجد أيضا أن الدراسات التاريخية قد لحقها التصور العلماني ، فانتقلت كتابة التاريخ الي مرحلة من النضج في القرن التاسع عشر ومن ثم تبلورت دراسات عن فلسفة التاريخ. والفلسفة كذلك سعت للتحرر من فلسفات الدين التي كان يتصدرها توما الاكويني وانسلم...الخ. وتحرر العلم من الفكر الكهنوتي والتصورات البدائية التي مزجت السحر بالعلم والتنجيم بالفلك ..الخ. ومن ثم فالسياق التاريخي هو جزء من مكونات مفهوم العلمانية، وبالتالي فكل تصور أو موقف فكري يتهم العلمانية بأنها ليست سوي انتاج غربي ولا علاقة لنا به لمجرد أن بعض أو كثير من المفكرين العرب – وفي غالبيتهم مسلمين طبعا - هم الذين يقصرون تعريف العلمانية علي المعني الضيق لها بأنها فصل الدين المسيحي عن الدولة الاوربية..ولو أن الامر كذلك لما استطعنا أن نستوعب غالبية نظريات العلم، وتصبح قوانين نيوتن في الحركة صادقة فقط علي المجتمعات المسيحية أو الدولة الغربية.فالأزمة ، ربما تتمثل في عدم القدرة علي النظر لتطور المجتمعات بوصفها تخضع لقوانين عامة، وليست مجرد تجمعات بشرية خاضعة لأهواء من يتقلدون السلطة فيها. ففكرة الفصل بين الطبيعي والاجتماعي، هي ما خلقت حالة الشيزوفينيا التي تعاني منها، حينما نستلهم علوم الغرب ونستعدي الكثير من أفكارهم، متجاهلين أنه نفس العقل الذي كشف عن النسبية وقوانين التفاعل الذري، هو نفسه الذي أسس نظرية الدولة والمعمار الفلسفي ومباديء الحقوق العامة والخاصة، بما فيها العلمانية والاستنارة.
إن الموقف العلماني هو موقف تاريخي كلي وليس موقفا تاريخيا جزئيا، موقف انطلق من تجربة إنسانية في المجتمعات الأوربية يصدق ليس حبا في استنساخ التجربة التاريخية الغربية،ولكن رغبة في تطوير المجتمع العربي نحو امتلاك حقه التاريخي في إدارة شئون حياته، بعيدا عن سلطة رجال الدين أو استبداد رجال الحكم السياسي.
في تقديري أنه من الصعب رسم ملامح المشروع العلماني دون أن نمر علي كافة محاور الحداثة الغربية، ذلك لأنني أتصور شيئا أراه مهما في هذا السياق، أن العلمانية ليست مصطلحا كالتنوير أو الإصلاح الديني ..الخ إنه حالة اجتماع مجموعة من المحاور النظرية والعملية، الاجتماعية والاقتصادية والدينية والسياسية والثقافية.. الخ ، تحققت وحققت نموا وتقدما في سياق تاريخي فأنتجت حالة جديدة هي "العلمانية"، فحينما نطلق علي مجتمع ما صفة "أنه علماني "، فإننا نعني من ذلك ليس مجرد " الفصل " بقدر ما هو مفهوم يعني " الوصل " أكثر ما يعني الانفصال أو التباعد، مفهوم يتحقق فقط إذا ما استطاعت التجربة الإنسانية في مجتمع ما أن تنجز سلسلة من المهام التقدمية في العلم والدين والفلسفة والنظرة للتاريخ والتقدم الاجتماعي وفلسفة السياسة والقانون ونظرية الدولة ...الخ

2- العقل والنقل
إن مشكلة العلمانية الأساسية أو جوهر موقفها عموما، هي الموقف من العقل والنقل فيما يتعلق بالبشر، ما هي حدود العقل؟ وما هو دور النقل ؟ ثم علاقة كل من العقل والنقل بالمصلحة الانسانية. وواحدة من مشكلات المنظرين الدينيين - في كل الديانات تقريبا - هو الربط بين المصلحة الآنية والمصلحة المؤجلة، أي بين الخير في الدنيا والخير في الأخرة، وهذا الارتباط أو الربط يجعل المصلحة الحقيقية في خاتمة المطاف هي المصلحة الأخروية. فالانسان يفعل الخير في الحياة ليس بهدف تحسين شروط الحياة فقط ، بل وأيضا من أجل أن يثيبه الرب علي ذلك في الآخرة.
ولأن الأمر متعلق بالآخرة، فهو إذن سيكون متصلا بالأديان، وللأديان رجال يتحدثون باسمها، وكتب مقدسة أو أصول توضح للمؤمن كيف يفعل الخير ويمارس الحياة، انطلاقا من أنها ليست دار مقر بل منطقة عابرة يمرق منها الانسان فحسب، فتصبح وظيفة الحياة أنها ميدان لكسب معركة الآخرة، أو خساراتها بحسب التزامه بتعاليم الدين – أي دين – هنا، وفقا لفكرة المصلحة يتراجع العقل لصالح النقل، فالعقل هو أداة الانسان لخوض غمار التجارب الحياتية، فيما أن النقل هو المسلك الإلهي لعبور الانسان من الحياة باطمئنان دون الخوف من الآخرة. وليس تراجع العقل سوي احدي صور تجليه في حالة هيمنة منطق النقل، بل وأحيانا كثيرة يتحول العقل الي احدي أسلحة وأدوات الفكر الديني في تمكين النقل من كل ما يتصل بحياة البشر.
بيد أنه من المستحيل أن ينتكس العقل تماما، إذ يظل يعمل في اطار محدود وضيق بوصفه عقلا، فرجل الدين في حاجة دائما الي عقلنة الكثير من القضايا الدينية، ولكنها عقلنه تعمل في اطار محددات الفقه الديني أو منطق النقل، ففلاسفة الدين التاريخيين أمثال القديس أوغسطين أو الإمام الغزالي يقدمون انتاجهم الفكري المؤسس علي أولوية النقل بأدوات عقلانية، ولكنها أدوات عقلانية بدائية لا تتخلي لحظة عن حلول النقل في كل خطوة من خطوات البرهان، ولكن غير مسموح اطلاقا بأن يعلو العقل علي النقل حتي في اثبات الربوبية، ونموذج ديكارت واضح في هذا الأمر، ففي كتابه تأملات ميتافيزيقية في وجود الله، طلب من القساوسة أن يدعموه لأنه يسعي لاثبات وجود الله بالادلة العقلية. فرفضوا ذلك تماما، فاضطر الي اصداره رغما عنهم ولكنه حاول المناورة باهداء الكتاب إليهم.

3- الفرد والدولة
ثمة إشكالية اخري يجب تناولها هي : هل النزعة العلمانية قضية تخص الأفراد أم الدولة ؟ هل هي موقف كلي أم فردي ؟
الحقيقة أن الموقف العلماني ينطلق من زاويتين: رؤية ابستيمية أو تتعلق بنظرية المعرفة، ورؤية عملية مختصة بتنظيم شئون الحياة انطلاقا من فكرة المصلحة المباشرة وليس المصلحة المؤجلة، ولكن ليس معني ذلك أنها تبحث عن مصلحة ذاتية انانية تجعل الناس أعداء بعضهم لبعض، ولكنها معرفة تستند علي معايير قيمية – وضعها الغرب في صورة قوانين حاكمة وملزمة ذات اسسة منطقية وعقلانية ويجوز لنا أن نخلخل ما بها من اختلافات لما يتناسب مع مستويات تطورنا الاجتماعي – وبالتالي فالنزعة العلمانية يختص بها الأفراد والدولة في الوقت نفسه، فالأفراد مطالبون بالعمل وفقا لغطاء معرفي يكسبهم القوة في التمسك بقيمة العلمانية كوسيلة ضامنة لعدم تدخل رجال الدين في شئونهم الخاصة. بينما تحرص الدولة علي فك الارتباط بين المؤسسة الدينية والمجتمع، ولا تجعل من الأول قيِّماً علي الثاني، وتحل محل المؤسسة الدينية منظومة قانونية توافقية، تكشف عن الحد المشترك لهؤلاء البشر الذين قرروا العيش المشترك فيما بينهم.ومن ثم تكون مهمة الدولة – كمؤسسة رضائية حاكمة- نسج ملامح المشروع القيمي... كيف ؟
اذا كانت المسيحية أو الاسلام أو المؤسسة الدينية بشكل عام قد خرجت من دائرة التأثير علي الدولة والسياسية وانقطعت الصلة التأثيرية بين رجل الدين والحاكم، فمعني ذلك أننا نقر بأن قيم المجتمع التي كانت تحكمها التصورات الدينية عن الحياة قد تنازلت هي أيضا عن هيمنتها، وتحولت من النظرة الأحادية للقيم التي ترسمها المؤسسة الدينية وكأنها تقوم بتعميد المجتمع كما يتم تعميد الأطفال حديثي الولادة في المسيحية، أي انتقلنا من القيمة الاحادية لمفاهيم مثل الحق والخير والأخلاق، الي قيم متعددة تضعها الدولة وفقا لتوافق البشر. إذن، تنقلنا العلمانية في منظومة القيم من الأحادية الي التعددية ومن الإلهي الي الوضعي. ومن هذا المنطلق دافع كثير من الفلاسفة والمفكرين عن نسبية القيم، ولكنها نسبية تخضع لصياغات الوعي الجمعي للأمة، وتصاغ في الدساتير غالبا، وكانت فرنسا هي النموذج الأمثل في هذا الصدد. بيد أن فرنسا لم تحقق ذلك دفعة واحدة فقد ظلت العلمانية تكتسب ارضا جديدة منذ الثورة الفرنسية وحتي بدايات القرن العشرين، وربما كان هناك من المستجدات التي تطرح نفسها علي المجتمع الفرنسي كتحديات مثل أزمة الحجاب في تسعينيات القرن الماضي، التي أحدثت ضجة كبري حينها، وحدث خلاف نظري كبير حول رؤيتين: باعتباره- أي الحجاب - يمثل الحق في الاختلاف وهو مبدأ أصيل في العلمانية، أم أن الحجاب تعبير عن شارة دينية يجب منعها كما منعت فرنسا من قبل شارات اليهود المسيحيين وغيرهم..
جدير بالذكر أن السلطة الدينية في العصور الوسطي ما كان موكلا لها من مهام تحدد بناء عليها الخير والشر، الصلاح والفساد ، تحولت بالضرورة الي سلطة سياسية حتي وإن لم تكن منشغلة بالمهام التنفيذية التي تقوم بها الحكومات، فيكفي أن تحدد هي الملامح العامة المستمدة من الشرع الإلهي للدولة أوالمقاطعة، وتقتصر مهمة الحكام علي تنفيذ تلك الرؤية علي المواطنين. وما حدث طوال قرون عصر النهضة وما بعدها هو محاولة نزع هذا الاختصاص من هؤلاء الذين لا يملكون الحق في الحكم السياسي. لقد جمعت الكنيسة بين الحق والخير، فالحق الذي يوضع بموجب عقد بين الحاكم والمحكوم صار رهينة للخير الذي يرسم ملامحه رجال الدين، والفصل بين الحق والخير كان هو معركة التنوير بشكل عام عبر قرون عدة. ويبدو لي أن احد صور الصراع ضد هيمنة الفاتيكان راجع في بعض الحالات الي الدفاع أو تحصين التوجه القومي الذي صاحب التحولات السياسية في أوربا في مرحلة الانتقال من السمات الإمبراطورية أو الممالك الي الدولة ككيان حاكم لحياة مجموعة من البشر قد تحكمهم سمة هوياتية واحدة.وهذا البعد القومي لا يجب أن نغفله أبدا، لأنه يؤكد علي أن العلمانية كانت مشروعا تاريخيا بامتياز، وليس مجرد نزوات نظرية لمجموعة من المفكرين.
وفي المقابل ، إذا كانت الدولة هي من يملك الحق في الاكراة وممارسة القوة علي المواطنين ، وبموجب هذا الحق يجوز لها – اذا كانت خاضعة لسلطة دينية ما – أن تستمد الحق الشرعي من رجال الدين الذين ينطقون باسم النص الديني، ثم تقوم الدولة لكونها صاحبة الحق في التنفيذ أن تمارس القتل أو الحبس أو ملاحقة المخالفين بوصفهم خارجين عن القانون؛ فإن هذا القانون يصبح تعبيرا عن تلك الحدود التي وضعها رجال الدين لمعاقبة هؤلاء "المرتدين" عن الدين وليس المرتدين عن فكرة الدولة نفسها، ومن ثم تحولت الشرعية السياسية الي أداة لقتل المخالف في أمور هي شخصية جدا، أمور لم تعارض السياسات الاقتصادية أو الاجتماعية للدولة.
واحدي مهام العلمانية هنا هي أن تواجه هذا الخلط، بين معارضة الدين أو رجاله فيما يذهبون إليه من تصورات ربما تكون اقصائية، وبين معارضة الدولة كمؤسسة جامعة لكل من وافق علي فلسفة العقد الاجتماعي. إن خطورة خلط الدين بالسياسة أنه يحول الدولة الي مؤسسة للعقد الديني وليس للعقد الاجتماعي، وفلسفة الأديان لا تقوم علي العقد الجماعي، بل هي عقد فردي بين الانسان وربه، فهذا التحول الرأسي بين الانسان والإله، حينما ينقلب لعلاقة أفقية بين الانسان ورجل الدين، يؤدي الي كوراث، لأن البشر بإمكانهم تغيير القوانين البشرية علي الأرض، ولكنهم لا يستطيعون تغيير قوانين الإله وشريعته.إن المطلق حينما يدخل مجال النسبية، إما يُعطل أو يفرض شروطه علي النسبي، فيتعطل النسبي، ويصبح كل شيء في الحياة مطلقا، بأوامر رجال الدين، وليس أمام رجال الدولة حينئذ سوي الامتثال لقطع رقاب الناس. وفصل المؤسسة الدينية عن الدولة لا يعني فقط عدم تديين السياسة أو تسييس الدين، ولكنه يعني أيضا مجموعة من القيم الهامة كالحق في الاختلاف، وعدم الالتزام بعقيدة معينة، ونظرة الدولة للمواطنيين بوصفهم بشرا متساوون في الحقوق ويستحقون عناية متساوية منها.

4- الكهنوت في الاسلام
ثمة قضية اخري، هل يختلف دين عن آخر بحيث يمكن القول أنه إذا صح قبول العلمانية في المجتمعات المسيحية فإن الإسلام قد لا تنطبق عليه تلك المسألة ؟ وهي قضية جديرة بالبحث فعلا، فهل في الاسلام كهنوت كما في المسيحية ؟ .. درج رجال الدين – بزيهم الديني الرسمي أو بخطابهم الديني المسيس – علي انكار أنه لا يوجد كهنوت في الاسلام.. فماذا يعني الكهنوت ؟ الكاهن من فعل "كهن" بمعني أنبأ، هو الشخص الذي يعمل في خدمة الله، وهي كلمة موجود بصور شتي في كل الحضارات القديمة، وكان يطلق علي رجال الدين في العصور المصرية القديمة اسم الكهنة، وانتقلت الي اليهودية، وهو شخص في منزلة النبي، يعمل لخدمة الرب ومؤتمن علي الشريعة وحراسة المقدس. وفي المسيحية هو مرحلة ثالثة بعد القس والقمص، وهو خادم دين، وكيل الله علي الارض أي يتحدث باسمه، ويرسم ملامح الخير والشر ويعتبر المسيح رئيس الكهنة.وفي الاسلام تبدل معني الكلمة وصار يعني من يعمل بالسحر والشعوذة، كما ورد في القاموس المحيط. وصارت تعني من يدعي كذبا العلم بالغيب.لذلك كان كفار قريش يصفون الرسول " ص" بأنه كاهن، وهو وصف اغضب المسلمين.وبناء عليه تتحول كلمة كاهن وكهنوت من مدلولها الديني الي مدلول آخر لغوي، فامتنعت المقارنة في الاصطلاح نظرا لاختلاف المعني اللغوي، من خادم الدين الي ساحر ومشعوذ.. وهذه قضية لغوية علي درجة من الاهمية .
وعلي أية حال فإنه بالمعني اللغوي يصبح لا كهنوت في الاسلام أي لا يقر الاسلام بأعمال السحرة والمشعوذين، ولكن بالمعني التاريخي للمصطلح، نعم هناك كهنوت في الاسلام، وهم رجال يتحدثون باسم الرب، ويفسرون القرآن، والأحاديث النبوية، ويمارسون الفقه وقياس الشاهد علي الغائب ، ويحددون الحرام والحلال في مستجدات الحياة ويطالبون بتطبيق شريعة الله علي المسلمين ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر..الخ وبالتالي فهؤلاء يشكلون سياجا كنهوتيا بامتياز متمثل في شخصيات ومؤسسات لها سطلة تاريخية علي عقل ووجدان البشر، ربما تفوق سلطة كبار الصحابة الذين رافقوا الرسول" ص " في مرحلة الدعوة.واعتقد أن هذا الموضوع " الكهانة في الاسلام " يحتاج الي دراسات موسعة ومستفيضة.
بناء علي ما سبق: يمكن القول بأن العلمانية شرط تاريخي من شروط التقدم، وليست مجرد مفهوم نظري يُختزل في فصل الدين عن الدولة، فعندما تتحقق شروط العلمانية تصبح حينئذ مطروحة اجتماعيا بفعل المفروض لا المفترض، وبفعل الواجب لا المتوجب، وبفعل المنطق لا الهوي. ولكن هذه الفاعلية الضرورية لا تعني أبدا إطلاق الدعوة للعلمانية لكي يقرها التاريخ بتطوراته، وإنما هي أيضا قضية نظرية يجب طرحها دائما بشرط أن يدرك من يتصدي لها أن تلك المسألة النظرية لها شروط موضوعية وتاريخية..أعني أن برنامج العلمانية العربي لابد وأن يحترم مستوي وشروط "العتبة" التي يقف عليها العقل الجمعي العربي في دعوته لتمكين العلمانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأرجنتين تلاحق وزيرا إيرانيا بتهمة تفجير مركز يهودي


.. وفاة زعيم الإخوان في اليمن.. إرث من الجدل والدجل




.. بحجة الأعياد اليهودية.. الاحتلال يغلق الحرم الإبراهيمي لمدة


.. المسلمون في بنغلاديش يصلون صلاة الاستسقاء طلبا للمطر




.. بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري