الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطائفية في العراق .. بين سطحية التعريف وإستعجال الإدانة*

جعفر المظفر

2021 / 3 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إن تقديم حل لأية مشكلة هامة يتطلب حدا أقصى من الحيادية والحرفية. وأما الحيادية هنا فهي القدرة على المتابعة العلمية البعيدة عن ضغوطات الموروث وليست تلك التي تتخذ موقفا حياديا بين الخطأ والصواب.
من الوهم الإدعاء بالقدرة المطلقة على التحرر من ضغط الموروث, لكن ستشفع طيب النوايا لتخفيف عَوَق التفاصيل, فإن وجدت هَنة هنا أو هَنة هناك, فإن ما يجعلها خارج القصد نقاء الهدف وغياب التدليس, ثم سيقلل كثيرا من شأنها, الفهم الواسع والدقيق لمفهوم الطائفية. ولكي تكون المعالجة وافية فإن علينا أن نميز منذ البدايةً بين ما هو مذهبي وما هو طائفي, وبين ما هو سياسي وما هو مجتمعي.
وأجزم أن ذلك التمييز سوف يحقق لنا إقترابا جيدا وبمداخل تضمن لنا عدم الوقوع في فخ التجريد أو التعويم الذي سيقودنا حتما إلى تأسيس أحكام نهائية خاطئة ربما يكون بالإمكان تلافيها لو أحسنا تصنيف الظاهرة وأجدنا طريقة الإقتراب, فقد بات من السهل جدا إتهام المناوئين بالطائفية وذلك دون تمحيص أو تمييز أو معرفة ما إذا كان سلوك الشخص وقتها قد يشي بطائفية موروثة وغير مسيسة أو كحالة رد فعل على فعل يمكن إنهاءه بإنهاء الفعل الذي أنتجه.
أن الوضع الطائفي في العراق معقد وشائك مما يستوجب ملاحقته في العمق وتفكيكه بصبر وتأني للعثور على تفسيراته بشكل سليم. أما وصفه على السطح لتأسيس أفكار نهائية وناجزة فهو قد يكون مضللا, إذ قد تكون الطائفية عندي مصدرها خوفي من الطائفية عندك !!.
وليس هناك شك أن حداثة تأسيس للدولة الوطنية العراقية في أعقاب الحرب العالمية الأولى, ووجود جارين لن يترددا في العمل من أجل إستثمار الطائفية وتفعيلها سياسيا, وهما الإيراني والتركي, مضافا إلى ذلك غياب فترة الإستقرار اللازمة التي تلت تأسيس العراق الحديث والمطلوبة لإنتاج هوية وطنية عراقية مشتركة, وغياب العمل الإستراتيجي من أجل القضاء على الطائفية, وذلك بعد الإقرار بوجودها أولا, ثم العمل المشترك لإنهائها ثانيا. كل ذلك قد أدى إلى بقاء الطائفية جاهزة للتفعيل في أية لحظة.
وأجد أن ليس هناك مشكلة مع التعريف اللغوي أو حتى الفقهي للطائفة ولا يشكل الإنتماء إليها معضلة إلا إذا تفعلت سياسيا. غير ان عدم تعريف الطائفية على أساس سليم ووفق توصيفات وتصنيفات دقيقة سؤدي حتما إلى تفاقم الظاهرة نتيجة لخطأ تعويم التعريف وصيغ المعالجة, فحينما لا نميز بين الطائفية السياسية والطائفية الإجتماعية, بين الموروثة الخاملة وبين المكتسبة الفاعلة, بين الإنتماء الفقهي للطائفة وبين الإنتماء الهوياتي لها, حين ذاك فإن التعامل مع الطائفية دون تمحيص وكأنها حالة واحدة سيؤدي بالفعل إلى تهميش لفاعلية العلاج وتخفيف لقدرته على المجابهة.
من جهة أخرى سيمنعنا الخلط بين طائفية المجتمع وطائفية الدولة من اكتشاف خصوصية كل منها على إنفراد فنحسب أن خطر الواحدة يتساوى مع خطر الآخرى وأنه بوجود أحدهما يوجد الثاني.
والحال أنه وبدون التفعيلة السياسية فإنه لا خطر هناك لأن يتحول الإجتماعي إلى سياسي. وإن هذا ما يجب أن نعمل على تعطيله. ويشترط ذلك (أن تتحررالنخبة السياسية من تراكماتها االطائفية, وأن تحرر معها الدولة ومؤسساتها من احتمال ارتهانها للعصبيات الخاصة٬حتى تتحول بفضل سياساتها الوطنية إلى دولة امة٬أي دولة مواطنيها, وحتى يعيش المجتمع حالة تماهي وإنسجام مع دولته اللاطائفية).
وإن هذا التأكيد لا يعني من جانبه أن المجتمعي لا ينتج السياسي ولكنه يعني أن بإمكان مجتمع الطوائف أن يبني دولة وطنية إذا ما أنتج نخبا سياسية وطنية غير طائفية في ظل ظروف تشجعه على ذلك. ويتأكد هذا من خلال معرفة أن مجتمعنا مجتمع الطوائف هذا كان قد أفلح سابقا في إنتاج نخب وأحزاب وحركات نقيضة للطائفية وذات ولاءات وطنية متقدمة.
ولعل ذلك يحيلنا إلى مسألة ذات أهمية كبيرة, فإشتراط أن تنتهي الطائفية الإجتماعية أولا للحيلولة دون نشوء الطائفية السياسية هو حلم طوبائي, على الأقل في المراحل المنظورة, مثلما هو تعطيل لأمل بناء الدولة الوطنية من خلال نخب علمانية وطنية ينتجها مجتمع الطوائف نفسه ثم تعود هي بدورها إلى التضييق على الظاهرة الطائفية ثقافيا ومنع تفعيلها سياسيا. إن هذا الآمر يحتاج إلى نشاطات إنسانية تتخطى مساحة الوعظ الثقافي إلى ما هو سياسي وقانوني وإقتصادي, أي العمل على تغيير البيئة أولا لتنشيط جانبها الوطني وإنتاج وتوسيع حواضن تعميق الهويات الوطنية وجعلها تعلو قيمة أخلاقية ومادية على الهويات الثانوية.
إن من المهم قبل الإقتراب من الظاهرة, بدعوى تقديم الحلول لها, ان يكون هناك قدرا عاليا من "الفلترة" الذاتية, لأن ملكية التجرد والحرفية العالية هي ملكية مشكوك فيها, وفي لحظة الإدعاء بوجودها عادة ما يكون الإنسان خاضعا بدرجات إلى تأثير الموروث الذي يوفر تلقائية الإنحياز غير المتوازن, و"الفلترة" المقصودة هنا هي القدرة على أن يكون الإقتراب من الظاهرة بأعلى درجة من كبت الموروث ومنع قمعيته التلقائية لحالة التجرد والمهنية المطلوبة.
وأجد أن المداخل السياسية للإقتراب من الظاهرة غالبا ما تؤدي إلى التيه. مثلا, إن الإدعاء أن ثورة الخميني الإيرانية كانت السبب الإساسي في ظهور الطائفية في العراق هو إدعاء يحاول كسب الجولة سياسيا أكثر من محاولته التصدي لدراسة هذه الظاهرة بكل عمق من خلال البحث عن جذورها وتمظهراتها الموضوعية وتعرجاتها التاريخية. إنه ذات القول الذي يلقي بسبب وجود الظاهرة على كاهل الدول الإستعمارية, وخاصة بريطانيا وفرنسا وبعدهما أمريكا وإسرائيل فيعتمد على نظرية المؤامرة أولا ولكي يحسم بحثه بإنتصار هو بالنتيجة إنتصار طائفي يعكس نفسه من خلال تحميله لتبعات التفعيل الطائفي على الطائفة المقابلة.
إن باحثا من هذا النوع يزيد الطين بلة ويزيد على سوء الحشف كيلات, ولكان الأفضل لنا لو أنه لم يتطوع, حتى بوجود حسن النوايا, على أن يدلي بدلوه الذي حرك فيه فيه طين القعر بدلا من أن يستعمله لتحصيل الماء الصافي من أعلى البئر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*لا ينطبق هذا التعريف على أحزاب السلطة في العراق فهي عميلة إن قعدت وذيولا إن قامت.
بل يمكن تبوبها في خانة العار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع


.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية




.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-


.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها




.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24