الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل أنتَ متسامحٌ دينيًّا؟ لستُ متسامحة!

فاطمة ناعوت

2021 / 3 / 31
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



"التسامحُ الديني"، عبارةٌ طيبة نسمعُها دائمًا من القامات الدينية الرصينة في المجتمع المصري. والمقصودُ بها المناداة بالعيش في سلام بعيدًا عن الشقاقات الطائفية التي تهدمُ الوطنَ وتُعرقل رحلة النهوض والتنمية. والعبارةُ دائمًا يقولُها فمٌ وطنيٌّ مسالم، يكره العنفَ ويرجو أن يحيا الناسُ في سلام ومحبة لكي يعملوا ويُعمّروا الوطنَ بعيدًا عن النزاع العَقَدي الذي لا يُفضي إلا للدماء والفواجع والهدم. واليومَ أريدُ أن أتأمل معكم تلك المفردة: "تسامح"، لنقفزَ منها خطوةً للأمام.
دعونا نردُّ الكلمةَ إلى المعجم؛ لنقفَ على معناها اللغويّ الدقيق. في المعجم "الوسيط” نجد: (تسامَحَ الشَّخصُ في الأمر: تساهَل فيه وتهاون). مثال: (لا تتسامحُ الدَّولةُ مع الخونة والمتآمرين). نكتشف هنا أن "التسامُح" يأتي مع الجرائم والدنايا. فليس واردًا أن نقول مثلا: (المعلّمةُ تتسامح مع ذكاء تلميذها)، بل نقول: (تسامحتِ المعلمةُ مع الأخطاء الإملائية، حين أعجبها موضوع التعبير). وفي "لسان العرب": (السماحُ والسماحةُ: الجودُ والعطاء عن سخاء). وفي الحديث يقول اللهُ تعالى: “أسمِحوا لعبدي كإسماحه إلى عبادي"، أي كونوا كرماءَ مع عبدي مثلما هو سخيٌّ مع عبادي. وسمح لي فلانٌ، أي سمح لي بشيء (بوسعه منعه). ويُقال: "سمحتِ الناقةُ" إذا (انقادت). والمسامحة: المُساهلة في الطعان، وهو الطعنُ في العرض والشرف. والخلاصة أن كلمة: "سَمَح"، تُقال عند التكرّم بالعطاء والتفضُّل بالموافقة، أو الاتّباع والانقياد.
فهل ترون الكلمةَ مناسبةً ودقيقةً لغويًّا، حال الكلام عن (احترام) حقّ الآخر العَقَدي، في اعتناق ما يشاء من أديان؟! إن احترمَ مسلمٌ مسيحيًّا، أو احترم مسيحيٌّ مسلمًا، هل يُعدُّ ذلك تَفضُّلا وسخاءً من قوي لضعيف؟ هل هو مذلّةٌ وخنوعٌ من ضعيفٍ لقويّ؟ لا هذا ولا ذاك. كلا المعنيين خطأ ومَعيبٌ ولا يرضاه إنسانٌ حرٌّ في مجتمع حرٍّ.
فحين تحترم المختلفَ عنك دينيًّا وتحبّه فلا تحاربه ولا تقتله ولا تزدري دينَه، فلا أنت ذليلٌ تابع، ولا أنت كريمٌ مُتفضّل. إنك فقط إنسانٌ سويٌّ ناضج نجوتَ من مرض الطائفية الذي اِبتُلي به سفاحون أهرقوا الدماء في الحروب الدينية من الصهاينة والصليبيين والدواعش. وحين "تتعايش" مع المختلف عنك دينيًّا فأنت فقط إنسانٌ طبيعي عاقل. وقد وضعتُ كلمة: (تتعايش) بين مزدوجين؛ لأنني أرفضُها أيضًا، وأستبدلُ بها كلمة أرقى هي: (العيش). فالتعايشُ لا يكون إلا مع "عدو" أو "مرض". فمريضُ السُّكر "يتعايش" مع مرضه. والشخصُ "يتعايش" مع جار السوء. لكنك "تعيشُ" مع أسرتك وأصدقائك وجيرانك الطيبين. (التعايش) فلسفيًّا ولغويًّا يشبه (التسامح)، كلاهما يحملُ معنى "الجبر والاضطرار”. فأنت (تتسامح مع عدوك)، (وتسامِحُ من أساء إليك)، (وتسمح لإنسان بما ليس له). وجميعها معانٍ مغلوطة حال الكلام عن بشر أحرار يعتنقون عقائدَ مختلفة يعيشون معًا على أرض واحدة أو في كون واحد. فالمختلف عنك عقديًّا ليس عدوك، ولستَ تمنحه ما ليس من حقّه، حين تحترم اختلافه عنك.
الأخطرُ من كلِّ ما سبق، هو أنك حين تسمحُ بشيء، فأنت بالضرورة تملك حقَّ "ألا" تسمح به. فمثلا: (أسمحُ لك باستخدام قلمي)، جملةٌ صحيحة. ولكن: (أسمحُ لك باستخدام قلمَك!!!)، جملةٌ غير صحيحة. فمن حقي "ألا" أسمح لك باستخدام قلمي، ولكن هل من حقي ألا أسمح لك باستخدام قلمك؟! الأمر ينطبقُ على حرية العقيدة. فليس من حقي أن (أسمح أو أتسامح مع) ألا يدين إنسانٌ بديني؛ ببساطة لأنني لا أمتلكُ الحقَّ في (ألا" أسمح أو أتسامح) مع ذلك. هو حرٌّ بقدر ما أنا حرّة، ولا تفضّلٌ من أحدنا على الآخر.
وبناءً على ما سبق، فإنني حين أرفضُ النعرات الطائفية وأحاربُها، فلستُ "مسلمة متسامحة"، بل أنا إنسانٌ طبيعي ناضجٌ أعرفُ حدودَ حقوقي فلا أتجاوزها، وأعرفُ واجباتِي فأؤديها. وحين زار الرئيس/ "عبد الفتاح السيسي" الكاتدرائية لتهنئة أشقائنا المسيحيين في عيدهم، كان حاكمًا عادلًا يعرف حقوقَ مواطنيه كرئيس ناضج مستنير مثقف، ويدرك واجباته تجاه أبناء وطنه. وحين حارب المصريون جميعَ حروبهم معًا مسلمين ومسيحيين، لم يكونوا "متسامحين دينيًّا"، بل مصريون وطنيون ناضجون يقفون في وجه عدو واحد. وحين خرجنا في ثورتي 1919، 2013 معًا مسلمين ومسيحيين، "لم نكن متسامحين دينيًّا" بل سلكنا سلوك المواطن الناضج الذي خرج لينصر وطنَه ضد الاحتلال الإنجليزي وضد الاحتلال الإخواني. وحين نختصمُ، نحن جبهة التنوير، المتطرفين الذين يكفّرون الناس على صفحاتهم ومنابرهم، فنحن لسنا متسامحين؛ بل بشرٌ أسوياء عاقلين غير مرضى. لستُ متسامحة دينيًّا حين أحبُّ البشرَ دون النظر إلى عقائدهم، بل إنسانٌ حُرٌّ يشكرُ الله على نعمة العقل. “الدينُ لله، والوطنُ لمن يحترمُ الوطن.”


***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - صدقتي
عبد الرحمن كمال ( 2021 / 3 / 31 - 22:11 )
كلامك عين العقل أستاذة فاطمة وأعجبتني فكرة المقال.. فنحن لن نتفاعل مع التطرف من خلال اختراع مفهوم التسامح بشكل جديد، فسماحة الإسلام تذكر بالمقارنة مع غيره في التعامل مع الآخر، فالإسلام كان رسالة رحمة ولا يزال، وسيفه كان سيف رحمة ضرورية لعصر مضى، وكان لابد من إجراء تلك العملية الجراحية لإزالة عروش طغاة ومؤسسات كانت متجذرة منذ آلاف السنين، وليس من السهل أبداً تغييرها بالحكمة والموعظة الحسنة، وكما قال عثمان بن عفان: (إن الله يزع بالسلطان ما لايزع بالقرآن) وهذه ليست كلمة لكارل ماركس أو لينين، ولكنها لعثمان خليفة المسلمين الثالث أحد الخلفاء الراشدين.. ولكن مع هذا فكان هناك توجيه نبوي بعدم المساس بالشعوب لا بالمرأة ولا الطفل ولا العابد في صومعته ولا التاجر في حانوته، لأن الهدف هو المؤسسة السياسية الشمولية المستبدة التي تبتلع كل شيء لمصلحة فرد واحد ومن حوله، وأما الشعوب فكانت محل عناية الله ولهذا بعث رسول الله بالسيف دفاعاً عنها.. فسماحة الإسلام كانت في حماية تلك الشعوب من حكامها، وليس في حمايتهم من المسلم نفسه.. فلو تطرف مسلم وجُنّ عقله واتبع الدين التوراتي اليهودي فليس بمسلم، ونحن منه براء

اخر الافلام

.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي


.. إسرائيل تقرر إدخال 70 ألف عامل فلسطيني عبر مرحلتين بعد عيد ا




.. الجيش الإسرائيلي يدمر أغلب المساجد في القطاع ويحرم الفلسطيني


.. مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح




.. يهود أمريكا: نحن مرعوبون من إدارة بايدن في دعم إسرائيل