الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليأس مدخلا إلى الأمل

سعيد هادف
(Said Hadef)

2021 / 4 / 1
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تزخر الحكمة الشعبية بعبارات كثيرة حول الأمل. في الثقافة الجزائرية مثلا، هناك مثل يقول: "لِي يَستَنَى خِير مِلِي يَتمنَى وَلِي يَتمنَى خِير مِلِي يَقطَع لِيَاس"، ومعناها من ينتظر شيئا أفضل من الذي يتمنى، ومن يتمنىّ أفضل من اليائس. وفي الثقافة الفرنسية مثل يقول: مادام هناك حياة، هناك أمل، ويوجد مثلٌ آخر يقول: الأمل يصنع الحياة، وعبارات أخرى تصف بعض الآمال بالكاذبة، أو بالمخادعة. ولعل أكثر شطر شعري متداول في الوسط العربي هو "ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل"، وفي القرآن آيات تدعو إلى عدم القنوط والثقة في الله. والشاعر أبو ماضي الذي تحول من مذهب التشاؤم إلى التفاؤل، له قصيدة رائعة في التفاؤل لا تقل فلسفة عن قصيدة الطلاسم ذات النزعة اللا أدرية، يستهلها بالقول: كن جميلا تر الوجود جميلا، وباختصار كما يقول مثل آخر: لا حياة مع اليأس ولا يأس مع الحياة.
ثم ماذا؟ الأمل هو حالة إيجابية: نفسية، روحية وذهنية تعيشها الذات البشرية في خضم وضع متأزم، حالة من الصمود تجعل الذات مؤمنة بتحسن الوضع في المستقبل. لكن التجارب تخبرنا أن بعض الأفراد والمجتمعات عاشوا على آمال كاذبة فكان مصيرهم مأساويا. فأن نكون في وضعٍ متأزم ونتوقع الأفضل، فهذا أمرٌ جيد، لكن على أي أساس نتوقع الأفضل؟ وانطلاقا من أي مبادرة أو اجتهاد ننتظر أننا سنخرج من المشكل أو من الأزمة؟ وبالتالي، فإن الأمل لا يكون أملا إلا إذا توفر على شروط تحققه، ومن العبث أن تعلق أملا دون وعي ودون عمل.
الغريب في الأمر، هو أن تجد صنفا من الأفراد ومن الشعوب تتمسك بآمال متوارثة لم تجني منها إلا الخسارات والكوارث. إنها ثقة عمياء. وعندما يلح دعاة الأمل على عدم الاستسلام إلى اليأس، فهذا لا يعني أنهم يقدمون وصفة جاهزة لكل يائس ولا يباركون كل من يدعي أنه متمسك بالأمل. فأن تكون متشبعا بالأمل شيء وأن تبحث عن منافذ للخروج من أزمتك شيء آخر. وبناء على ما تقدم، فإن المتأزم بقدر ما يحتاج إلى أمل يحتاج إلى يأس.
أن يحتاج المتأزم إلى أمل فهذا شيء مفهوم، فما معنى أن يحتاج إلى يأس؟ من المعلوم أن المتأزم الواعي والذي يجد نفسه في بيئة إيجابية يبقى متمسكا بأمل حقيقي، وفي انتظار عثوره على حل يبقى عاكفا على الاجتهاد والبحث عن الحلول بطريقة عقلانية، بينما المتأزم الذي لا يحيط وعياً بأزمته ويفتقر إلى بيئة متبصرة، في غالب الأحيان يبقى متمسكا بأمل كاذب يكون سببا في هلاكه إذا لم يغير من طريقة تعاطيه مع الأزمة. لكن كيف ومتى يتخلى عن أمله الكاذب؟
هنا، يبدو لي، أن هذا المتأزم يكون في حاجة إلى يأس، إما أن ييأس من تلقاء نفسه، أو يتعرّض إلى صدمة تأييس من طرف آخر، وبدل أن ييأس من حل أزمته، عليه أن ييأس من أمله الكاذب، ومن ثمة يبتكر من هذا اليأس أمله الحقيقي ويخرج من الأمل السلبي إلى اليأس الإيجابي، ويُحدِث قطيعة جذرية مع الذهنية التي تسببت في تأزمه ومع الأشخاص أيضا (الأمر ينسحب على الدولة أيضا). حالة اليأس هنا هي حالة ثورية ضد أمل كاذب هو نفسه جزء لا يتجزأ من "وضع بنيوي" يتطلب تغييرا كلّياً ونسقيا.
في حالة الدول الفاشلة، التي لا تتوفر على الحكمة ويتفاقم فشلها عاما بعد عام، يكون مآلها الانهيار التراجيدي بسبب تسويق الآمال الكاذبة إلى الشعب، وبسبب تعلق الطبقة الحاكمة بآمال كاذبة، وبسبب صمت الشعب طمعا في آمال كاذبة، وحتى بسبب ثورة غير متبصرة تقودها فئات متضررة تطمع في التغيير دون أن تتحرر من نمط تفكيرها الذي كان سببا في إنتاج النسق السياسي الفاشل الذي ثارت ضده. ويمكن القول أن الشعوب من الصعب أن تتغير إلا إذا يئست من آمالها الضحلة ويئست من تلك الخطابات المنتفخة بالوهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمات إنسانية متفاقمة وسط منع وصول المساعدات في السودان


.. جدل في وسائل الإعلام الإسرائيلية بشأن الخلافات العلنية داخل




.. أهالي جنود إسرائيليين: الحكومة تعيد أبناءنا إلى نفس الأحياء


.. الصين وروسيا تتفقان على تعميق الشراكة الاستراتيجية




.. حصيلة يوم دام في كاليدونيا الجديدة مع تواصل العنف بين الكانا