الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفلسفة والحق في العيش المشترك

محمد بقوح

2021 / 4 / 2
التربية والتعليم والبحث العلمي


لعل البعد العقلاني للفلسفة، غالبا ما يفهم ويمارس وفق طبيعة المجتمع القائم، من حيث مستواه العلمي ونخبه السياسية و الثقافية، وكذلك من حيث منسوب جرأته الفكرية و الأخلاقية. لهذا، فالحكم على فلسفة ما بكونها عقلانية، رهين بانشغالها اليومي الدائم بالبحث الفكري المحض و المنهجي في مشكلات العيش المشترك للمواطن في المجتمع الديمقراطي، عن قرب، أينما كان وحيثما وجد. باعتبار، أن قضية العيش اليومي المشترك باتت إحدى القضايا الأساسية التي تحظى باهتمام الفكر الإنساني المعاصر، في ظروف مجتمعية عالمية صعبة، مشحونة بمنطق الفرض و الاستهلاك و العنف و العنف المضاد، بجميع أنواعه و أشكاله. لهذا، يبقى السؤال الفلسفي النقدي الذي يركز على الهدم الناعم للفكر الظلامي و ثقافة العنف و العدمية، من جهة، و التأسيس، من جهة أخرى، لمنطق السلم العام و الاحترام المتبادل بين الأفراد و الشعوب، عملا بثقافة الحق في العيش المشترك بين الناس مهما كانت اختلافاتهم، سواء بجغرافيتهم الضيقة التي تعني بيت المدينة و الوطن، أو بجغرافيتهم الواسعة المعنى المرتبطة بكونية الحياة البشرية على أرضنا الخضراء..
غير أن مسألة الحق في التفكير العقلاني الذي يهدف إلى بناء الإنسان الإيجابي النافع لنفسه ولمجتمعه، لا يمكن تحقيقها كواقع عملي إلا في ظل وجود شرطها الأساسي المتمثل في تبني السياسات العمومية المنصفة و العادلة اجتماعيا، من قبل السلطة المدبرة للشأن العام المحلي والوطني، وخاصة الدولة التي تحرص على الاجتهاد في اتجاه نهج الديمقراطية كأهم ركائزها الأساسية، باعتبار أن الدولة هي المؤهلة سياسيا وعمليا للنهوض بالمجتمع و الارتقاء بالإنسان نحو الأفضل.
لهذا، فالحق في العيش المشترك يعني الحلم بواقع إنساني مُقاوِم، يسوده فكر الانفتاح على الاختلاف و التعاون و السلم و التآخي، ونبذ ثقافة التقسيم و الميز و الكراهية و التعصّب و الإقصاء المنهجي.
ولن يتحقق ذلك إلا بالتنزيل العملي للثقافة التشاركية، بدءا بالتركيز السياسي على دمقرطة التعليم، و إشاعة الكتاب المعرفي، وتشجيع الابداع بكل أنواعه وتجلياته، تحقيقا للمواطن الإيجابي المبدع، و الإنساني المنفتح على الآخر المختلف..
هكذا، يعني لنا الكلام عن التحديث و التقدم و الديمقراطية و التنمية مجرد شعارات فارغة، بدون تنزيلها كواقع قاعدي وعيش مشترك بين الناس، يكون التفكير الجدي لجهاز سلطة الدولة وحليفها الاجتماعي الطبقي، في إصلاح التعليم و التكوين و البحث العلمي إصلاحا جذريا، تتحكم فيه نزعة التخلص من عقدة الماضي، وتجديد عقد قران جديد مع الشعب، يكون عنوانه الأساسي المصالحة مع الذات الجماعية، بحيث يكون المصير المشترك للطرفين معا بمثابة المرآة الناصعة للواقع الحيّ المشترك، في مجتمع مغربي يمر بتحولات كبرى، كما أنه بات يؤمن بمسئوليته التاريخية العظمى أمام التزامه بثقافة الحق و الواجب. إنه الوضع الاجتماعي الممكن الذي يسعى من خلاله تأسيس أفقه التاريخي و الحضاري بجدلية فكر التنوير و التأصيل المقاومين. وهو الوضع البشري الذي يجعلنا كمغاربة في أمس الحاجة اليوم، قبل الغد، ليس لتبرير واقع الحيف و الاستهلاك وترويض الكائن، بل لمساءلة واقع السلطة المدجّنة المُهيمنة على المجتمع، من حيث علاقتها بآليات التدبير الحكومي للشأن العام، و من تمّ تأسيس واقع عملي أكثر نفعا و مدمجا لحاجيات المواطنين بمختلف شرائحهم الاجتماعية.
من هنا، فمسألة الحق في العيش المشترك في ظل سيادة شروط الاختلاف، مطلب عقلاني حلم به الإنسان منذ أقدم العصور، و لا يزال يعتبر تحديا كبيرا لكل المجتمعات الراهنة و المستقبلية..
هكذا، نلاحظ أن أهمية الفلسفة كمعرفة نقدية، وكأفق فكري لابد أن يعتمد سلطة العقل، وتسعى لبناء ما هو إنساني في الإنسان، اعتمادا على مبحث القيم الذي صارت له قوته الراهنية أكثر من أية مباحث أخرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دعوات دولية لحماس لإطلاق سراح الرهائن والحركة تشترط وقف الحر


.. بيان مشترك يدعو إلى الإفراج الفوري عن المحتجزين في قطاع غزة.




.. غزيون يبحثون عن الأمان والراحة على شاطئ دير البلح وسط الحرب


.. صحيفة إسرائيلية: اقتراح وقف إطلاق النار يستجيب لمطالب حماس ب




.. البنتاغون: بدأنا بناء رصيف بحري في غزة لتوفير المساعدات