الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانسان بين التوكل و المسؤولية /3

احمد الحمد المندلاوي

2021 / 4 / 6
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


# مع الجزء الأخير:
{وسِعَ ربنا كلَّ شيءٍ علماً على الله توكلْنا} "الاعراف:89"
لذا فان الاستغناء عن الله، والاعتماد على الاسباب امر غير ممكن في عالم الوجود، ان بدا لذوي الفهم السطحي والسذج من الناس ان الاسباب الطبيعية هي القوة المؤثرة في الكون والحياة الانسانية، وهي المولدة للنتائج والاحداث المشاهدة على صفحة الوجود: {وانْ يخذلكمْ فمنْ ذا الذي ينصرُكُمْ منْ بعدهِ وعلى الله فليتوكل المؤمنونَ} "آل عمران/160".
وسبب هذا التوهم هو خفاء المشيئة والارادة الالهية التي قدرت، وضبطت كل شيء، وساقت الاسباب، والشروط الطيعية لايجاد المقدر، وتحقيقه وفق حكمة وتقدير متقن ومصان من العبث والفوضى والاضطراب: {يُدبرُ الامرَ ما منْ شفيع إلا منْ بعدِ إذنهِ} "يونس/3".
وبذا يأتي التوكل كنتيجة للايمان اليقيني في نفس المؤمن، فيفوض امره الى الله، ويسلم بان الله هو المدبر، وهو المسير، وهو الموفق للانسان في أفعاله، لاصابة الاسباب، وإيجاد شروط تكوين الافعال والاحداث، لتحقيق النتائج التي سبق علم الله اليها، وجرى قضاؤه بتكوينها، فتكون ارادة الإنسان احد الاسباب والشروط الطبيعية لايجاد الافعال، وتقرير الحوادث، لان الوجود بأسره يسير نحو تحقيق النتائج التي انطوى عليها وجوده ـ بما ففيها اسباب التحقق والايجاد ـ فهو يسير نحو غاية مرسومة، ووفق شروط وأسباب تترتب زمنياً وذاتياً حسب ما تقتضيه النتائج.
فالنتائج والاحداث هي المقررة سلفاً بسابق علم ومشيئة وتقدير من الله : {أفرأيتَ من اتخذَ الههُ هواهُ وأضلهُ الله على علمٍ وختم على سمعهِ وقلبهِ وجعلَ على بصرهِ غشاوةً فمنْ يهديهِ من بعدِ الله أفلا تذكرون}" الجاثية/23".
والأسباب ـ بما فيها ارادة الإنسان واختياره ـ تترتب ذاتياً وزمنياً لاعطاء نتائجها، لذا كانت الارادة تحتل موقع السبب والشرط في ايجاد الحوادث والافعال الانسانية المرتبطة بها، لذا كان الإنسان مسؤولاً عنها ومحاسباً عليها، لانه يملك سبب اجرائها وايقاعها وبذا يكون الإنسان مريداً ومختاراً، لانه اعطي القدرة على الدخول في دائرة الاحداث أو الانسحاب منها كسبب مؤثر ومنتج في هذا الوجود.
وعلى اساس هذا المفهوم الايماني جاء الدعاء المأثور : (( .. اللهم ولا تكلني الى نفسي طرفة عين أبداً ..)) لأن المؤمن لا ينظر الى شيء في الوجود ذا قيمة وقدرة تستطيع الاستقلال عن الله، لذا فهو لا يثق بشيء، ولا يعتمد على شيء غير الله منطلقاً من ايمانه، بأن الله عالم، قادر، حكيم، عادل، رحيم، لطيف بالعباد.. الخ. فهو لا يجهل شيئاً، ولا يعجز عن شيء فيه خير الإنسان ، وهو لا يعبث ولا يظلم ، ولا يقسو على احد من خلقه، لانه رحيم بالانسان عطوف عليه، يريد هدايته وخيره وتسديده.
لذا فان الإنسان يطمئن كل الطمأنينة بالتوكل على الله، وتفويض الامور اليه والثقة به، لأنه يعتقد ان الله الذي يتولى امره سيكفيه ويغنيه عن غيره: {ومنْ يتوكلْ على الله فهوَ حسبُهُ}"الطلاق/3".
فيتصرف ويعمل، وهو يرجو تحقيق خيره من الله موقناً ان كل ما يملك الإنسان من قوة ووسائل وامكانات لا يمكن الاعتماد عليها او الاطئمنان اليها.
فلم يعد يعتمد على ماله، ولا على قوته وسلطته، او مركزه الاجتماعي، او علمه، او أي من وسائله لانه يعلم أنها لا تكفيه حق الكفاية، ولا تغنيه عن الله سبحانه ولا يمكنه ان يستفيد منها الا بعد إذن الله ومشيئته.
لذا فان المتوكل يعيش مستقر النفس، هادئ البال، مطمئناً الى ان كل ما يقع عليه، ويحصل له هو خير له، لانه معتمد على الله في كل اموره موقناً ان الله لا يفعل الا الصالح بعباده، بعكس من لا ايمان له، ولا توكل، ولا اعتماد على الله في نفسه، فانه يعيش مرتبطاً بما حوله من اسباب وظروف وحسابات بشرية، فهو ابداً هلع النفس قلق غير مطئمن، ولا واثق من نتيجة، فهو يخشى على ما في يده من الضياع، ويخاف عما يرغب بايجاده من عدم التحقق، ويعاني مرارة الحزن مما قد فاته، فهو يرسم في تحركه النفسي وعلاقته بالاشياء خطاً متكسر الابعاد غير متوازن الحركة.
فالماضي والحاضر والمستقبل يشكلان قلقاً له ومخاوف تنغص عليه عيشه وسعادته.
وقد جاءت الاحاديث والروايات مصرحة بأهمية التوكل وبأثره في نفس المتوكل على الله سبحانه.
فقد جاء عن الرسول "ص" : (من سرهُ أن يكون أغنى الناسِ، فيكن بما عندَ الله اوثق منه بما في يده) .
والغنى الوارد ففي الحديث هنا ليس المقصود به غنى المال والثروة وحدهما، بل الغنى والكفاية في كل شيء.
وجاء في الحديث عن الامام الصادق "ع" : (أوحى الله الى داود "ع": ما اعتصم بي عبدٌ من عبادي دون أحد من خلقي، عرفت ذلك من نيته، ثم تكيدهُ السماواتُ والأرضُ، ومن فيهنَّ إلا جعلت له المخرجَ من بينهنّ..) .
ويتطابق هذا الحديث تطابقاً تاماً مع قوله تعالى : {أليسَ الله بكافٍ عبدهُ ويخوِّفونكَ بالذينَ منْ دونهِ} "الزمر/36".
وهكذا يكون التوكل حصيلة لليقين، ودرجة عليا من درجات العبادة، وحسن العلاقة بالله سبحانه، وله آثار ومردودات نفسية كثيرة، منها الثقة بالنفس، بعد حصول الثقة بالله، والتخلص من الحيرة والتردد والنكوص والسلبية، وتحول السلوك الانساني الى سلوك مقدام واثق بسلامة النتائج التي سيصل اليها، لانه يثق بربه الذي يتوكل عليه، فيعيش حالة من الاستقرار، والرضى بكل ما يمكن ان يحدث بالنسبة اليه، فيتمتع بشعور نفسي دائم بالطمأنينة والسعادة، لانه بعيد عن الخوف والقلق والحيرة والتشاؤم، لايمانه بان الله يكفيه ويساعده ويسدده في الحياة.
وهذه الحالة الفكرية والنفسية التي يعيشها الإنسان المؤمن هي التي توصله الى التعبير عن علاقته بالله سبحانه وثقته به، فيقول صادقاً :
{وأفوضُ أمري الى الله إنَّ الله بصيرٌ بالعبادِ} "غافر/44".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في ظل التحول الرقمي العالمي.. أي مستقبل للكتب الإلكترونية في


.. صناعة الأزياء.. ما تأثير -الموضة السريعة- على البيئة؟




.. تظاهرات طلابية واسعة تجتاح الولايات المتحدة على مستوى كبرى ا


.. تصاعد ملحوظ في وتيرة العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل




.. اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي مدينة الخليل لتأمين اقتحامات