الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل توجد مشتركات بين الديمقراطية وبين الشورى؟

حسن نبو

2021 / 4 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لإضفاء صفة عصرية على مفهوم الشورى حاول بعض المفكرين الاسلاميين اعتبار نظام الشورى في الاسلام مرادفا لمصطلح الديمقراطية، فالشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة في تونس لايرى ان هناك فروقا كبيرة بين الشورى والديمقراطية ، فالديمقراطية عنده جملة من الترتيبات الحسنة طورها البشر على امتداد مئات السنين من اجل الحد من الطغيان والتفرد بالسلطة، وهذا هو جوهر نظام الشورى في الاسلام وفق رأيه . اما المفكر الاسلامي فهمي هويدي فيرى ان الديمقراطية والشورى صنوان للامة المسلمة في الوقت الراهن ، ويضيف : ان الديمقراطية هي الجانب السياسي للشورى .

لكن من خلال الرحوع الى الظروف التاريخية التي نشأت فيها كلا النظامين نجد ان كل منهما نشأ في بيئة مختلفة ، كما نجد ان لكل منهما اليات واهداف مختلفة . واعتقد ان الباحث الاسلامي المصري الراحل خليل عبد الكريم هو افضل من بين هذا الامر في كتابه الجذور التاريخية للشريعة الاسلامية  . يقول خليل عبد الكريم : ان نظام الشورى كان موجودا لدى القبائل العربية قبل الاسلام كمبدأ لاختيار شيخ القبيلة او زعيمها او رئيسها ، اضافة الى وظائف اخرى كالتشاور لشن حرب على قبيلة اخرى او التشاور عند رغبة شخص من القبيلة بالزواج من فتاة من قبيلة اخرى او بالعكس ، بل يقول: ان التشاور كان يحدث في جميع الامور المهمة التي تخص القبيلة، وذلك عبر اخذ استشارة مجلس القبيلة الذي كان يتكون ممن يتوفر فيهم العقل والحجة والحنكة والدهاء والتجربة ...الخ . ويضيف قائلا : ان هذه الشورى او المشاورة لم تكن ملزمة لرئيس القبيلة فله ان يأخذ بها وله ان يهملها ويطرحها جانبا، وله ان يأخذ برأي شخص واحد ، وعندما جاء الاسلام يقول عبد الكريم:  تبنى نظام الشورى في صيغته القبلية السابق له ، فكان الرسول يشاور صحابته دون ان يكون ملزما بأخذ رأيهم ، وانتقل هذا الامر الى خلفاءه من بعده دون اجراء اي تغيير في الجوهر والآليات . وكمثال على عدم التزام الخليفة بمشورة مستشاريه يورد الباحث عبد الكريم واقعتين من التاريخ الاسلامي . الواقعة الاولى : هي مخالفة الخليفة الراشدي الاول ابو بكر لمشورة مستشاريه بخصوص حروب الردة ، فبينما عارض الكثير من  مستشاريه محاربة ماسماهم ابو بكر بالمرتدين بسبب امتنعاءهم عن دفع الزكاة له ، وقالوا له كيف نحارب قوما يشهدون ان لااله الا الله وان محمدا رسول الله ، اصر ابو بكر على محاربتهم . اما الواقعة الثانية هي نزع عمر بن الخطاب ارض السواد في العراق عن الجند الذين فتحوا العراق، وقد استمر عمر في رأيه ونفذ مااراده رغم معارضة عدد من مستشاريه لرأيه ومنهم صحابة اكابر مبشرون بالجنة "كالزبير بن العوام" و"عبد الرحمن بن عوف " "وبلال"، حيث قالوا له ان ماتفعله هو تعطيل للاية ( ٤١ ) من سورة الانفال التي تقول ( واعلموا ان ماغنتم من شيئ فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ).

اما الديمقراطية كشكل من اشكال الحكم او كطريق لاختيار الحاكم نشأت حوالي عام ٥٠٠ ق م في اثينا القديمة عندما قدم القائد الاثيني " كليسنيس " نظاما من الاصلاحات الواسعة اطلق عليه اسم " ديموس كراتوس " اي حكم الشعب ، لكن هذه الديمقراطية استبعدت العبيد والاجانب من حق التصويت وحصرت حق التصويت باليونانيين المنحدرين من والدين اثنيين ممن يبلغ اعمارهم ١٨ سنة ، ثم تطورت الديمقراطية لاحقا خلال القرون الثلاثة الاخيرة في اوروبا ووصلت الى صيغتها الراهنة التي تتبناها الدول الغربية ودول اخرى من العلم بصيغ مختلفة في الشكل والتي يشترك في ممارستها جميع المواطنين المؤهلين على قدم المساواة بصورة مباشرة او عبر ممثليهم المنتخبين من قبلهم .

فالشورى اذا يمارسها اهل العقل والحجة والدهاء والتجربة ، بينما الديمقراطية يمارسها جميع المواطنين على قدم المساواة، وهذا فارق شاسع وكبير . والفارق الاخر الاكثر وضوحا بين الديمقراطية والشورى هو ان الشورى نظام الهي ، اي ان مصدر التشريع اوالقوانين هو الله وليس البشر ، بينما في الديمقراطية فان مصدر القوانين اوالتشريع هو البشر او مواطنو الدولة ، ويترتب على هذا الفرق ان المشريع في ظل نظام الشورى لايمكن ان يتخطى حدود النص الالهي فلايمكن مثلا اصدار عقوبة بحق السارق غير قطع اليد لان  قطع يد السارق هو حد من حدود الله اما في ظل الديمقراطية فالمواطنون قادرون على استبدال هذه العقوبة بعقوبة اخرى كالحبس او الاعتقال او الاشغال او الغرامة وذلك من خلال عملية التصويت.

كما ان الديمقراطية اضافة الى ماذكر  تتميز بميزات اخرى ومن هذه الميزات على سبيل المثال :

١ - تسمح الديمقراطية بحرية التعبير ، وبدون هذه الحرية لايمكن قيام الديمقراطية لأن الديمقراطية اصلا قائمة على التعددية.  والمقصود بحرية التعبير : حرية التظاهر وحرية العمل السياسي وحرية الفكر والرأي والعقيدة ..الخ . اذ يمارس جميع المواطنون هذه الحريات في ظل النظام الديمقراطي .

٢ - في ظل النظام الديمقراطي تقام مؤسسات المجتمع المدني كالنقابات العمالية والمهنية ومنظمات وحمعيات حقوق الانسان وغيرها ..بعيدا عن هيمنة الدولة او النظام القائم . وتكون وظيفتها تصحيح او تصويب سياسة الدولة في المجالات التي تخص النقابات والجمعيات والمنظمات المذكورة .

٣ - الديمقراطية هي حكم القانون لاحكم الاشخاص، ولهذا يمكن تغيير شخص الحاكم بسهولة اذا ماعارضته نسبة ٥١% من نسبة الناخبين في الانتخابات، وهذا التغيير يمنع من تحول الحاكم الى ديكتاتور .

٤ - في ظل النظام الديمقراطي تتحقق سيادة القانون ، اي ان جميع المواطنين متساوون امام القانون والقضاء بغض النظر عن الانتماء الديني او العرقي او الاجتماعي او الجنسي ...الخ .

٥ - في ظل النظام الديمقراطي تحترم الاقلية المعارضة ، ويكفل الدستور استمرارها في نشر افكارها السياسية وتوجيه الانتقاد للنظام الحاكم ظون التعرض للملاحقة او الاعتقال او المحاكمة .مادامت تتحرك بشكل سلمي بعيد عن العنف .

واذا ما رجعنا الى التاريخ الاسلامي لانجد اي من هذه الميزات ، وهذا يعني وببساطة ان نظام الشوري يفتقر الى كل هذا الميزات التي تتضمنهاالديمقراطية، ولهذا يهاجم المشايخ والدعاة المسلمون الديمقراطية ويصفونها بالكفر ، كما ان التيارات والجماعات والتنظيمات الدينية الاسلامية باستثناء قلة قليلة جدا لاتؤمن بالديمقراطية وترفض اعطاء الحق للاغلبية البسيطة ٥١% في اخذ القرارات وسن القوانين . يقول الدكتور ايمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة : ان الديمقراطية فكرة كافرة ومن يقول انه مسلم وديمقراطي كأنه يقول انه مسلم ومسيحي او مسلم ويهودي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع


.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية




.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-


.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها




.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24