الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطائفية .. من التكفير والإرهاب إلى عبادة الموتى

جعفر المظفر

2021 / 4 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من المهم التأكيد على أن الإعتزاز بالإنتماء للهويات الثانوية ليس فيه ضير ولا يحمل عدوانية لكن إئتمان جانب العدوانية النائمة لهذه الهويات الثانوية لا يمكن تحقيقه إلا بوجود عاملين متفاعلين في نفس الوقت, العامل الثقافي الحداثي الذي يؤمن بحرية التدين والإلحاد والتمذهب والعامل الثاني هو ضبط الصراعات السياسية لكي تجري في ساحة الهوية الوطنية وضمن دولة علمانية تضمن سيادة القانون والمساواة وتفصل الدين عن السياسة وتعتمد على إعتبار العمل السياسي الديني محرما.
المسلمون طائفة وكذلك المسيحيون وكذلك اليهود والإيزيدين والصابئة, وفي كل طائفة هناك طوائف متعددة, وإن من الخطأ تصور إمكانية قيام مجتمع بلا أديان ولا طوائف, لكن التعدد شيء أما الطائفية فهي شيء آخر لأنها, أي الطائفية, فهي التعصب أو الإنتماء المتعنت لطائفة أو دين وتقديم هوية هذا الإنتماء الثانوي على هوية الإنتماء الأساسي وهو الإنتماء الوطني.
ونرى أن هذه المجاميع قد تنغلق على نفسها وتبدأ بالتمأسس الفقهي والثقافي وحتى التنظيمي السياسي والإجتماعي خارج إطار المجتمع الموحد, ثم إذا بها تؤسس لها تاريخا خاصا بها متناقضا مع تاريخ الأمة أو الوطن السياسي الجامع. إنها تتحول من ملة وطريقة فقهية للتعبد إلى مكون له حقوق بموجب الإنتماء لطائفته.
يقول إبراهيم غليون في كتابه (نظام الطائفية .. من الدولة إلى القبيلة) : إن الطائفية تنتمي إلى ميدان السياسة لا إلى مجال الدين والعقيدة٬وأنها تشكل سوقا موازية٬ أي سوداء للسياسة٬أكثر مما تعكس إرادة تعميم قيم او مباديء أومذاهب دينية لجماعة خاصة.
ولنا حق أن نسأل, هل الطائفية هي ظاهرة دينية أم ظاهرة سياسية أم ظاهرة عرقية, ففي إعتقادي ان جملة من الأخطاء سوف تنشأ حينما لا نميز بين الطائفية والمذهبية, ففي الأولى هناك تعصب لمجموعة من الناس أما في الثانية فهناك تعصب لمجموعة من الأفكار والطرائق والتشريعات .. وليس غريبا أن نرى أن هناك ملحديين وطائفيين في نفس الوقت.
ونشهد في يومنا الحالي وبعد سنوات من حالة الصراع على السلطة أن هناك نضجا لمفهوم (الطائفية الحداثية) الذي إنتقل بالطائفية من حالة تغلب إحلالي إلى حالة تعايش توافقي يقوم على الإعتراف بنظام المكونات الذي نقل الصراع من خانة الهيمنة إلى حالة الأغلبية الطائفية, والتي هي أبشع أنواع الأغلبيات, لا لكونها تُدْرِج كل المكونات الأخرى في خانة الأقليات فتنتقص منها قانونيا وسياسيا وإعتباريا, وإنما لأنها لا تحمل لطائفتها غير التدليس اللفظي أما على الصعيد الأخلاقي والإقتصادي والسياسي والقانوني فهي تمتهن من ناحية أساسية الإنسان الذي تدعي الدفاع عنه
فلو أنا نظرنا إلى الطائفة الشيعية بمعزل عن وجود الطوائف الأخرى لما تأخرنا عن إكتشاف طبيعة التجاذبات والتنافرات الإجتماعية والطبقية داخل الطائفة المذكورة, فهناك رجال الدين من جانب وهناك رؤوساء القبائل وشيوخ العشائر من جانب آخر, وبينهما هناك طبقات ومعايير إجتماعية من السهل إكتشافها, وبموازاتها سوف نكتشف أن الثقافة الطائفية التي يجري شحنها بخطاب عصبوي فقهي وتاريخي قد وُضِع منذ البداية لغرض التجهيل والإفقار وما ينشأ على ذلك من قيم إمتهان الغوغاء وإستغلالهم وحتى إحتقارهم. ولست أرى أن الطائفية السنية تختلف من ناحية المبدأ عن أختها الشيعية, وبينما تمنح الأولى وبخاصة من خلال مذهبها الحنبلي فرصا فقهية مشرعنة لنشوء الإرهاب والتكفير فإن الثانية هي الأشد على أبنائها من أعدائهم لأنها تقدم ثقافة القبور وعبادة الأضرحة على ثقافة الأحياء والبناء فتفلح في إحياء الموتى وإماتة الأحياء.
لكن نظاما سياسيا طائفيا لا يمكن أن يحافظ على إستقراره في وسط ديني إلا إذا كان هذا الوسط ثابتا بشكل نهائي ولا يعيش حالة من الصراعات الفقهية المتحركة المشرعنة من خلال شرعية وجود المذاهب في الإسلام وشرعية الصراع الثقافي الفقهي بينها, الذي ينفجر حالما يتسيس, وهو لا بد أن يتسيس بوجود الدولة التوافقية الطائفية التي لا تمتلك شرعية سلطتها لإيقاف ديناميكية الصراعات الفقهية على من يمثل الإسلام الحقيقي.
بمعزل عن وجود الدولة الوطنية التي تبعد النشاط الديني عن الدولة وتحد من تفعيله سياسيا من خلال قوانين صارمة فإنه ليس بإمكان المعادلة التوافقية وواقع التعايش السلمي بين الطوائف في دولة المكونات أن يسود, فالتعايش في دولة المكونات هو امر غير مكتوب له بالإستقرار والثبات من واقع حركية الصراع بين المذاهب, وهو صراع مكتوب له أن ينتقل من مساحة التعايش السلمي التوافقي إلى مساحة الحرب الطائفية حينما يجري تفعيله سياسيا في اية لحظة .. مثال على إستحالة نظام الحداثة هذا هو الوهابية ودولة الفقيه
لكن الإستقرار والثبات الطائفي التعايشي ضمن دولة المكونات التوافقية غالبا ما تهدده حركية الطموح السلطوي لأشخاص يحاولون الوصول إلى السلطة من خلال تغذية التعصب الطائفي الذي غالبا ما يتأسس على تفعيل لثقافة الإختلاف وتغليبها على ثقافة التعايش بما يحول دون نشوء ثقافة ساكنة ونهائية لعملية التوافق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آلاف اليهود يؤدون صلوات تلمودية عند حائط البراق في عيد الفصح


.. الطفلة المعجزة -صابرين الروح- تلتحق بعائلتها التي قتلها القص




.. تأهب أمني لقوات الاحتلال في مدينة القدس بسبب إحياء اليهود لع


.. بعد دعوة الناطق العسكري باسم -حماس- للتصعيد في الأردن.. جماع




.. تأبين قتلى -وورلد سنترال كيتشن- في كاتدرائية واشنطن