الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موقف العشيرة من ابنائها اوقات النزاع

عبد الحسين العطواني

2021 / 4 / 15
المجتمع المدني


مهما يكن من اختلاف في الرؤية والتعريف بين ابناء العشيرة الواحدة ، لاسيما بين ابناء ( الحمولة ، او الفخذ) الواحد، فان مالا خلاف حوله هوعندما تكون القضايا مصيرية تهم كرامة وقيمة وسمعة ( الحمولة) نفسها بين ابناء العشائر الاخرى ، عندها تتجاوزفيه الخلافات ويكون الاتجاه متسما بالصلابة نحو الخصم ، وفي مقدمة هذه القضايا حين تتعرض العشيرة الى مقتل احد افرادها سواء من قبل عشيرة اخرى ، اومن قبل احد )افخاذ (العشيرة نفسها ، لذلك يتطلب الامر الوقوف بوجه الجهة ( الجانية او القاتلة ) ، كأساس للاخوة والترابط الذي نشأت وبنيت عليه اعراف وتقاليد العشائر وكما مسلم به على مر العصور، حتى يحسب لهذا الموقف من قوة ، وبالتالي تخضع العشيرة المعتدية للضوابط (والسناين) المتفق عليها والمعمول بها بين العشائر - كتسليم القاتل الى السلطات الامنية ، او الاستجابة لاحكام الاعراف السائدة وفقا للظروف والملابسات التي تحيط بالقضية وتحد من انتشارها ( كالجلاء ، وغيرها من الامور التي تساعد في تخفيف وطأة الصراع) ، وفي خلاف ذلك يحصل التمادي والمماطلة واستضعاف الاخر، وهذا قد يكون سبب في تفاقم المشكلة وتطورها لتشمل الابرياء ومن ثم من يصعب التوصل الى حلها .
الا ان الملاحظ ومع الاسف الشديد برزت في الفترة الاخيرة ظواهر مشينة لدى بعض ( افخاذ العشائر ) ممن يراودهم الخوف والجبن من المواجهة ، اوممن تربطهم بعض صلات القرابة الثانوية بالعشيرة المعادية كعلاقة ( الخوله ، او المصلحة الشخصية) او بدافع التشفي والشماتة ،ادت هذه الظواهر الى فقدان الثقة وتهشم العلاقات البنيوية بين افراد العشيرة وتدهورها، فتبدأ المساومة على اضعاف اهل (المجني عليه) ، رغم مصابهم ، وتهديدهم بالعزل من العشيرة ، او اعلان البراءة منهم ، والتشهير بهم بين القبائل الاخرى بحجة عدم استجابتهم لارادة وتوجهات (الحمولة ) ، ومخالفتهم لقراراتها ، والتي هي في حقيقتها قرارات مجحفة لاينتج عنها سوى الانحداروالتسليم والخنوع للاخر ، متناسين الاعتبارات والمواقف والتضحيات المشتركة التي تربطهم بأبناء عمومتهم المتضررين ، كدفع ( الدية ) بتزويج بناتهم على طريقة( الفصلية )، عندما كان الصلح العشائري يتطلب ذلك ، وبذلك فان هذه السلوكيات التهربية ، والانهزامية لم تعد امراضا وآفات وأوبئة عادية ، لانها تصيب البناء الجسدي لابناء العشيرة، بل تصيب تكوينهم العقلي والنفسي والروحي ، انها امراض تغلل جراثيمها الى التصورات والمفاهيم والمبادئ والقيم والثوابت التي يقوم عليها البناء العشائري والاجتماعي ، بأبتكار مخططات واساليب جديدة بتكثير نقاط الضعف من خلال الدسائس والمكائد ، وتسويق العديد من التلفيقات والافتراءات التي لادليل لديهم عليها ، مع الافلاس على مستوى الانجازات والنجاحات العشائرية ، لينحصر حصادهم على تطوير بعض القشور والمظهريات الخارجية ، وبالفشل التاثيري والبنائي في احراز نقلة على المستوى الفكري والاخلاقي ، وبقصورهم وبعجزهم عن مجاراة المشكلة ، في اوقات تأزم المواقف بين العشيرة واعدائها ، وهنا يزداد سوق الكلمة رواجا وتألقا ، وتزداد وتيرة المقدار الكمي والعاطفي والمزايدات الشخصانية في الاجتماعات الفاشلة ، التي يعزز بعضها بحضور الخصم والاحتفاء بهم ، وحل مشكلاتهم ، فضلا عن حضور مناسباتهم لابقائهم على افضل حالة ، وابقاء اصحاب المشكلة على اردأ حالة ، في هذه الاجواء المتوترة والساخنة دون وجود ادنى وازع اخلاقي ، او ذاتي ، او حتى انساني ، او تأنيب للضمير، او اقل تقدير الانتبىاه ان هذه السلوكيات لاتندرج الا تحت تنحية (الحمولة) من قدرتها القتالية ودفعها الى الحضيض لتصبح اصفارا على الخريطة العشائرية .
فقد خلفت هذه المساومات حالات غريبة لم نعهدها سابقا بين افراد العشيرة ، فبدلا من الولاء بالرضا والقبول ، صار الولاء بالالزام ، ولم تعد عملية اتخاذ القرارات تجري بالتوافق ، بل من خلال الانفراد ، ولعل ذلك مايفسر تبعية العشيرة للشيخ لتقرير مصيرهم تمسكا منهم بقيمته العشائرية ، الامر الذي يعكس حالة التصدع الذي تتعرض له العشيرة المنكفئة على ذاتها والغارقة في التخلف والجمود ، خاضعة لشيخها ومعادية لابناء جلدتها المتمسكين بحقوقهم .
وعندما يحصل بروز شكل جديد بين افراد ( الحمولة ) ليعلنوا رفضهم الفاعل والانسحاب من الذين يدينون بالولاء للجهة المعادية – غير مبالين – في ذلك – بتوجهات العشيرة التي تناقضت مع مصالح ابناء حمولتهم ، ومن الحيف الذي لحق بهم ، وميلهم الى الاستقلال بالرأي في مقدمتها الاعتزاز بوجهة نظرهم ، اذ يرون انها تفوق وجهات نظر ممن ارتضى لنفسه الذلة واعلن ولاءه لعدوه ، وهذا مايشير الى تطور قيمة خضوع الفرد للجماعة والى قيمة الاعتزاز بالذات ، والميل الى الاستقلالية عن التبعية المهينة ، وما الى ذلك من حجم التفكك الذي طرأعلى طبيعة الولاءات المخالفة لمكانة وهيبة العشيرة .
لذلك اصبح الوضع في العشيرة معقد ومختلف من عائلة الى اخرى ، وحتى داخل العائلة الواحدة ، حيث يمكن ان يوجد عناصر يدعمون الانسحاب من التصرفات المذلة والمشار اليها ، واخرون يحاربونها ، لكن هيمنة ومصالح (المشيخة ) قد يمنع تعاطف البعض داخل العشيرة مع المنسحبين ، وقد يكون من الصعب اثبات وجود تعاون من خلال تشخيص بعض التحركات العشوائة والتخطيط بارتجال ، كالضغوطات غير المباشرة لاعادة المنسحبين ، وهذا واضح من التضاد او التنافر المنهجي والفكري الذي يحدد الكيفية التي تتناولها طروحات من يدعي مسؤولينه على العشيرة ، وهو واضح ايضا من تضارب الرؤى التي يتصدى لها ، واما الهدف القادم والاسلو ب القادم والكمين القادم فلا يمكن لاحد تخمينها ، اذا بقيت التنافرات على هذا المنوال .
نأمل ان يعاد النظربهذه السلوكيات وان يصار تحولا اجتماعيا وفكريا ونفسيا لارساء مقومات الاستقلال العشائري بد لا من التبعية والاستقلال الصوري ، ولاعطاء الانسان حريته وحقوقه بدلا من تكمينه واستغلاله ، والتمسك بقوة العشيرة وعدم التفريط بأبنائها ، والابتعاد من استجداء المواقف من جل ارضاء الاخرين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان.. مدينة الفاشر بين فكي الصراع والمجاعة


.. إعلام إسرائيلى: إسرائيل أعطت الوسطاء المصريين الضوء الأخضر ل




.. كل يوم - خالد أبو بكر ينتقد تصريحات متحدثة البيت الأبيض عن د


.. خالد أبو بكر يعلق على اعتقال السلطات الأمريكية لـ 500 طالب ج




.. أردنيون يتظاهرون وسط العاصمة عمان تنديدا بالحرب الإسرائيلية