الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة الولايات المتحدة (19) – الامبراطورية الأمريكية

محمد زكريا توفيق

2021 / 4 / 17
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الامبراطورية الأمريكية

في 25 يناير عام 1898، واحدة من أحدث السفن الحربية في أسطول الولايات المتحدة، دخلت ميناء هافانا كوبا. السفينة طرادة تسمى مين. كانت هناك حرب دائرة في كوبا في ذلك الوقت، أرسلت الطرادة لكي تبين القوة الحربية الأمريكية. بعد ذلك بثلاثة أسابيع، في ليلة 15 فبراير، حدث انفجار كبير هز المدينة. انفجرت الطرادة إلى قطع صغيرة، وقتل 260 من طاقمها وجنودها.

إلى يومنا هذا، لايزال انفجار مين لغزا. يعتقد البعض أنه بسبب شرارة في مخزن الذخيرة. لكن في ذلك الوقت، كان الاعتقاد في أمريكا بأن السبب هو لغم من فعل الأعداء. صاحب هذا الادعاء، وأعلاهم صوتا، هو صحافي اسمه وليام راندولف هيرست.

"السفينة الحربية مين تم شطرها نصفان بآلة العدو الداخلية الجهنمية"، هكذا كانت عناوين صحفه. القصة التي تبعت ذلك العنوان، أوضحت أن العدو المقصود هو إسبانيا. أيده الكثير من الأمريكيين. ليس هذا بسبب دليل واضح، ولكن لأنهم أرادوا تصديق ذلك.

في عام 1867، كانت الولايات المتحدة قد اشترت ألاسكا من روسيا. لم تكن الولايات قد اضافت أراض إليها بعد إضافة كاليفورنيا وأراض الجنوب الشرقي، بعد حربها مع المكسيك من عام 1846 إلى 1848. في عام 1890، كانت هناك روح جديدة للسياسة الخارجية الأمريكية.

في نفس الوقت، كانت بريطانيا وفرنسا وألمانيا مشغولة باحتلال دول أخرى، وتكوين مستعمراتها هناك. بعض الناس كانت تعتقد أن أمريكا من الواجب أن تفعل نفس الشيء. الاحتلال وتكوين مستعمرات أجنبية تعني انتعاش في التجارة والثروة، والقوة، والهيبة.

"سياسة العزلة أدت وظيفتها، عندما كنا أمة هشة ضعيفة. لكن اليوم الأمر مختلف." قال السيناتور أورفيل بلات عام 1893. "نحن الأكثر تقدما والأعظم قوة على وجه الأرض. مستقبلنا يتوقف على تخلينا عن سياسة العزلة. أولادنا يجب أن يتجهوا نحو المحيط، كما اتجه أجدانا سابقا إلى الغرب الأمريكي لإقامة مستعمراتهم."

أيد العديد من الأميركيين رأي بلات. السياسيون ورجال الأعمال والصحفيون والمبشرون كلهم، تبنوا فكرة أن أمريكا من حقها بل من واجبها، مثل شمال أوروبا، نقل الحضارة إلى شعوب آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. لكن كيف نجعلهم يقبلون توجيهات الأمريكيين؟

منذ عام 1895 فصاعدا، كانت مثل هذه المشاعر متركزة على كوبا، التي تبعد 90 ميلا فقط عن الساحل الأمريكي. كثير من الأميركيين كانوا قد استثمروا في مزارع السكر والتبغ هناك. لكن في ذلك الوقت كانت كوبا مستعمرة إسبانية.

في عام 1895، قام الشعب الكوبي بالثورة ضد الحكم الإسباني. أغار الثوار على القرى وأحرقوا مزارع السكر ومخازن السكك الحديدية. لقطع امدادات الثوار وإخماد الثورة، وضع الجنود الإسبان آلاف المدنيين الكوبيين في معسكرات اعتقال. إلى أن أصبحت المخيمات مكتظة بالثوار.

ما يصل إلى 200,000 شخص ماتوا بسبب المرض والجوع والزحام. جريدة هيرست، وجريدة بوليتزر، نشرا مواضيع مثيرة عن الثورة في كوبا. يوميا تقريبا، يقرأ ملايين الأمريكان في هيرست وبوليتزر، عن القمع الإسباني والمعاملة السيئة للكوبيين.

في عام 1898، شعر الأمريكان أنه من واجب الولايات المتحدة أن تفعل شيئا لمساعدة الكوبيين. لكي تظهر الحكومة الأمريكية تعاطفها مع الثوار الكوبيين، أرسلت الطرادة مين إلى ميناء هافانا.

عندما انفجرت الطرادة مين، بدأ الناس ينادون بإعلان الحرب على إسبانيا. صرخة الحرب أصبحت هي، "تذكر الطرادة مين". في أبريل، طالب الرئيس ماكينلي من إسبانيا الانسحاب من كوبا، وبعد ذلك بعدة أيام، اشتعلت الحرب بين إسبانيا وأمريكا. الحرب الإسبانية الأمريكية، كانت تدور في مكانين. في كوبا، وفي الفيليبين.

الفيلبين كانت مستعمرة إسبانية كبيرة أخرى بالقرب من ساحل جنوب شرق آسيا. قيل إن الرئيس الأمريكي ماكينلي، كان عليه البحث في الخرائط الجغرافية ليعرف بالضبط أين تقع الفيلبين. لكنه رأى أن جزر الفيليبين يمكن أن تكون مفيدة للولايات المتحدة. من قواعد في الفيليبين، يمكن للأسطول الأمريكي حماية التجارة مع الصين.

مبدأ مونرو

في أوائل القرن التاسع عشر، معظم أمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية، وهي ما يطلق عليها بأمريكا اللاتينية، كانت تحت حكم إسبانيا. في عام 1820، ثارت هذه البلاد ضد الحكم الإسباني.

طلبت الحكومة الإسبانية من القوى العظمى في أوروبا، مساعدتها على هزيمة المتمردين. عندما علم الأميركيون بهذا، تملكهم القلق. إنهم لا يريدون الجيوش والبحرية القوية للدول الأوروبية أن تكون متواجدة في هذا الجزء من العالم بجوارهم. لدواعي الأمن الأمريكي، لا يجب أن تتواجد قوات أجنبية لدول عظمى بالقرب من حدودها.

في عام 1823، حذر الرئيس مونرو الأوروبيين من التدخل في شؤون أمريكا اللاتينية. القارات الأمريكية خط أحمر من الآن فصاعدا، ولا يجب أن تستعمر أو تحتل من القوى الأوروبية. ثم قال للكونجرس الأمريكي: "ينبغي أن ننظر إلى أي محاولة من جانبهم لاحتلال أي جزء من نصف الكرة الأرضية الذي نعيش فيه، لأن هذا يمثل خطورة على سلامتنا وأمننا القومي." بيان مونرو أصبح يعرف ب مبدأ مونرو. وأصبح أساسا للسياسة الخارجية الأمريكية.

مبدأ روزفلت

مبدأ مونرو الأصلي يحذر الأوروبيين من التدخل في أمريكا اللاتينية. في عام 1904، أضاف الرئيس ثيودور روزفلت نتيجة أو ملحق لهذا المبدأ. وهو أن الولايات المتحدة ستتدخل إذا كان ذلك ضروريا. اعتقد روزفلت أنه بذلك، ستتمكن دول أمريكا اللاتينية من ضمان الاستقرار الداخلي، وإزالة أي عذر للأوروبيين بالتدخل في شؤونها الداخلية.

في السنوات العشرين التالية، كانت سياسة الحكومات الأمريكية المتعاقبة مبنية على مبدأ روزفلت. لذلك نجد الجنود الأمريكان يهبطون في بلدان مثل نيكاراجوا وهايتي وجمهورية الدومينيكان، للسيطرة على حكوماتها لسنوات. غالبا يحدثون تحسينات كبيرة. يقومون بسداد ديون الحكومات، وتجفيف المستنقعات، وبناء الطرق. لكن هذا لم يوقف المقاومة للوجود الأمريكي وتدخله في شؤون هذه البلاد.

أول معارك الحرب الأمريكية الإسبانية كانت في الفيليبين. أغرقت السفن الحربية الأمريكية الأسطول الإسباني الذي كان راسيا هناك. بعد بضعة أسابيع، احتل الجنود الأمريكان مانيلا، أكبر مدن الفيليبين، وانهوا المقاومة الإسبانية هناك.

كما هبط الجنود الأمريكيون في كوبا. في أقل من أسبوعين من القتال، هزم الجنود الإسبان مرة أخرى. جنود أمريكيون آخرون احتلوا بورتوريكو، وهي جزيرة أخرى كانت مملوكة لإسبانيا بالقرب من كوبا. وفي يوليو، رأت الحكومة الإسبانية أنها قم هزمت في الحرب، فطلبت من الأميركيين السلام.

عندما تم التوقيع على معاهدة السلام، أعطت إسبانيا معظم ممتلكاتها الامبراطورية الاستعمارية إلى الولايات المتحدة. كوبا، الفيليبين، بورتوريكو، وجزيرة صغيرة في المحيط الهادي اسمها جوام.

في نفس الوقت، ضمت الولايات المتحدة إلى أراضيها جزر هاواي. وهي مجموعة جزر في وسط المحيط الهادي. قبل ذلك، كانت هذه الجزر كيانات مستقلة. لكن الولايات المتحدة، كانت تمتلك مزارع لإنتاج السكر وزراعة الأناناس هناك.

في أقل من عام، باتت الولايات المتحدة قوة استعمارية كبيرة. تحكم ملايين غير الأميركيين تحت رعايتها. بعض الأمريكيين كانوا قلقين. بعد كل هذا، صرنا أيضا دولة استعمارية.

عندما ثار الأمريكان ضد الحكم البريطاني، كانوا يتبنون شعار، شعوب المستعمرات يجب أن تتحرر من ربقة الاستعمار. فماذا عن الكوبيين؟ وماذا عن الفلبينيين؟ الفلبينيون الذين قاتلوا من أجل الاستقلال عن إسبانيا، قريبا سيقاتلون قوات الاحتلال الأمريكي الجديدة. كيف يمكن للأميركيين قتال مثل هؤلاء الناس، دون أن يكونوا غير مخلصين لأهم مبادئهم وقيمهم؟

أجاب معظم الأميركيين على هذا السؤال بالادعاء أنهم كانوا يعلمون الدول المتخلفة الحضارة والديمقراطية. "أنا فخور ببلدي"، قال قسيس في نيوانجلاند. "بصبر نعلم الناس كيف تحكم أنفسهم، وكيف يتمتعون ببركات الحضارة المسيحية".

بالتأكيد هذه الحرب الإسبانية لم تكن بهدف الاستيلاء على ممتلكات الإمبراطورية الإسبانية. إننا نبذل جهدا بطوليا لتحرير شعوب كانت مضطهدة، ومحو أمية ملايين جاهلة، ونقوم بتعليم جماهير من الناس كيف تعيش."

هناك بعض الحقيقة فيما ادعاه رجل الدين. لقد بنى الأميركيون المدارس والمستشفيات، وشيدوا الطرق، ووفروا المياه النقية ووضعوا حدا للأمراض القاتلة مثل الملاريا والحمى الصفراء في الأراضي التي حكموها الآن. استمروا في حكم هذه البلاد حتى منتصف القرن.

الفيليبين أصبحت دولة مستقلة في عام 1946. في عام 1953، أضحت بورتوريكو تتمتع بالحكم الذاتي، لكنها استمرت في الارتباط الوثيق بالولايات المتحدة. في عام 1959، تم قبول هاواي الولاية الخمسين للولايات المتحدة.

لكن التعامل مع كوبا كان مختلفا. عندما أعلن الكونجرس الحرب على إسبانيا في عام 1898، قالت إنها فعلت ذلك لمساعدة الشعب الكوبي على الاستقلال. عندما انتهت الحرب، سرعان ما أعلنت كوبا استقلالها عن إسبانيا.

لكن لسنوات كان استقلال كوبا استقلال ظاهري. قبل أن يسحب الأميركيون جنودهم عام 1902، طلبوا من الحكومة الكوبية منحهم قاعدة في خليج جوانتانامو على الساحل الكوبي. هناك، بنت البحرية الأمريكية قاعدة بحرية كبيرة هناك.

كان على الكوبيين أيضا قبول شرط يسمى تعديل بلات. يقول هذا التعديل أن الولايات المتحدة من حقها إرسال قوات لاحتلال كوبا في أي وقت تعتقد فيه أن المصالح الأمريكية في خطر. أو بمعنى آخر، في أي وقت تشاء.

لقد فعلت الولايات المتحدة ذلك مرات عديدة في عام 1906، على سبيل المثال، قام الرئيس ثيودور روزفلت، بتكوين حكومة عسكرية أمريكية في كوبا لوقف الثورة. هذه الحكومة العسكرية قامت بإدارة شؤون البلاد حتى 1909. في أعوام 1912، 1917 و1921، تدخلت البحرية الأمريكية لإخماد الثورات هناك. ولسنوات عديدة، كانت كوبا مجرد محمية للولايات المتحدة لدواعي الأمن القومي.

دبلوماسية الدولار

منذ فترة طويلة، كانت الولايات المتحدة تنتهج سياسة خارجية، تخدم مصالح رجال الأعمال، وتفتح لهم فرصا جديدة. في السنوات الأولى من القرن العشرين، على سبيل المثال، كانت الدول الصناعية في أوروبا تقسم التجارة مع الصين فيما بينهم.

لكي يضمن الأميركيون الاستفادة من هذه السوق الكبيرة الجديدة، عملوا على إقناع الدول الأخرى قبول حرية التجارة في الصين، وهي سياسة تسمى سياسة الباب المفتوح.

العلاقة الوثيقة بين السياسة الخارجية والمصالح التجارية الأمريكية، تظهر أيضا بصور أخرى. فمثلا، قد يقوم القادة السياسيون بتشجيع رجال الأعمال الأمريكيين بالاستثمار خارج البلاد، لتقوية النفوذ الأمريكي.

هذا حدث في أوائل 1900s، عندما تبنى الرئيس تافت، السياسة المعروفة باسم "دبلوماسية الدولار". وهي سياسة تشجع الأمريكيين للاستثمار في أماكن استراتيجية هامة لأمن الولايات المتحدة، مثل دول أمريكا اللاتينية.

الشركات الأمريكية التي تعمل في البلاد الأخرى، عادة تقابل بترحاب ممزوج بالشك. يتهمها البعض بأن نشاطها الاقتصادي، قد يكون له تأثير في سياسة حكوماتها، مما يجعلها تتبع سياسة تخدم مصالح الولايات المتحدة، ولا تتفق بالضرورة مع مصالحها الوطنية.

لكن القادة الأجانب، غالباً ما يرحبون بالاستثمار الأمريكي. فهم يرون مثل هذا الاستثمار، يعني وظائف جديدة وتكنولوجيا جديدة، مما يؤدي إلى تحسين مستوى المعيشة في بلدانهم.

في أوائل 1900s، أرادت الحكومة الأمريكية شق قناة عبر برزخ بنما، تشبه قناة السويس. البرزخ هو أرض ضيقة تصل أمريكا الشمالية بالجنوبية وتفصل البحر الكاريبي عن المحيط الهادئ.

فحت القناة عبر هذا البرزخ، يعني أن السفن الأمريكية يمكنها السفر بسرعة بين الساحل الشرقي والساحل الغربي للولايات المتحدة، بدلا من الاضطرار إلى الإبحار حول أمريكا الجنوبية كلها من أسفل، وهي رحلة طويلة باهظة التكاليف.

المشكلة الرئيسية هنا، هي أن الولايات المتحدة لا تمتلك البرزخ. البرزخ يقع في دولة كولومبيا، وهي إحدى دول أمريكا اللاتينية. في عام 1903، عندما تباطأت الحكومة الكولومبية في السماح لأمريكا ببناء القناة، أرسل الرئيس ثيودور روزفلت سفنا حربية إلى بنما. السفن الحربية ساعدت مجموعة صغيرة من رجال أعمال من بنما، للتمرد على الحكومة الكولومبية.

ثم أعلن المتمردون أن بنما أصبحت الآن دولة مستقلة. وبعد بضعة أيام، أعطوا الأمريكان الحق في حكم شريحة من الأرض، بعرض عشرة أميال ونصف، وبطول دولتهم الجديدة. ثم بدأت أمريكا في بناء قناتها عام 1904. أول باخرة عبرت قناة بنما كانت عام 1914.

معظم أمريكا اللاتينية تعتقد أن تمرد بنما، كان من تخطيط الرئيس الأمريكي ثيودور روزفلت، لكنهم تأكدوا من ذلك، عندما صرح روزفلت علنا: "لقد أخذت بنما".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا تنظر في حصانة ترامب الرئاسية في مواجهة التهم


.. مطالب دولية لإسرائيل بتقديم توضيحات بشأن المقابر الجماعية ال




.. تصعيد كبير ونوعي في العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل|


.. الولايات المتحدة تدعو إسرائيل لتقديم معلومات بشأن المقابر ال




.. صحيفة الإندبندنت: تحذيرات من استخدام إسرائيل للرصيف العائم س