الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصراع اليعربي – البرتغالي المسلح على الساحل الغربي للهند

سعد سوسه

2021 / 4 / 18
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


بعد الانتصارات التي حققها الامام سلطان في مسقط ، عين سيف بن بلعرب والياً
عليها . ومنها اسرع الى مطرح لمنازلة البرتغاليين هناك ، ويبدو ان قائد حامية مطرح ، قد وصلته انباء الكارثة التي حلت بالحامية البرتغالية في مسقط ، فخرج على راس معاونيه رافعا راية الاستسلام .
توجه بعدها الامام الى نزوى ليستقبل المهنئين ، وقد علم أن سفينة عربية كبيرة ، جاءت من البصرة ، تحمل عربا مهنئين من البصرة وقرين وكاظمة والبحرين ، ومن القبائل العربية في الساحل الشرقي ، ومن قطر ودبى وخور فكان وجلفار ، وقد كُتب على شراعها : (واعتصموا بحبل الله جميعاً) وكتب ادنى من ذلك : (عرب البحر العربي يهنئون عمان بانتصارها على البرتغال) ، فعاد الامام سلطان الى مسقط ليستقبل المهنئين العرب ( 1 ) .
كانت عملية طرد البرتغاليين من مسقط ، مأثرة صاحبت نمو القوة العمانية الذاتية ، وهي قوةٌ استطاعت ان تحقق ، بالمقاييس الاقليمية مركزاً تجارياً وملاحياً وسياسياً بارزاً ، وبتحريرها لم تنته الحرب بين العمانيين والبرتغاليين ، انما امتدت الى بقية الاجزاء الغربية للمحيط الهندي .
تواصل الصراع اليعربي – البرتغالي ، بعد تحرير مسقط ، مدةً تزيد على ثلاثة ارباع القرن ، واولى بوادر هذا الصراع المحاولات البرتغالية السريعة لاستعادة مسقط ، فحال ورود انباء الاندحار البرتغالي ، سارع نائب الملك دوم فيليب Dom Philip بارسال اسطول من سبع سفن الى الخليج العربي ، واصدر تعليماته الى قائده ببذل اقصى الجهود للحصول على مساعدة الفرس في عملياته ضد العمانيين .
وبعد ان توقف الاسطول في ميناء كونك ، اتجه نحو القطيف، وهناك اصطدم بالاسطول العماني ، فنشبت معركة بحرية اسفرت عن دحر الغزاة وتراجعهم . وحاول نائب الملك في اذار عام 1650 ان يجرب حظهُ مرة اخرى ، فارسل اسطولاً أخراً الى الخليج العربي كان اكثر قوة من سابقة ، ولاستعادة أي من الموانئ العمانية المحررة ، الا ان محاولته باءت
بالفشل .
لقد وضح الاب فيليكس في رسالة بعثها من البصرة بتاريخ 4/6/1650 ، الانطباع الذي ساد البرتغاليين بعد فقدانهم مسقط، فكتب يقول : "استولى العرب على مسقط فكان ذلك عارا كبيرا علينا وذلك بخطأ من الجنرال (البرتغالي) الذي توفي هناك بسبب الشعور بالعار على ضياعها" .
وفي اذار عام1652 وصل اسطول برتغالي قوي ، لم يلبث ان شنّ هجوماً على مسقط لكنه فشل ، واشار الهولنديون الى تسرب شائعات تفيد بان البرتغاليين قد تكبدوا خسائر
فادحة .
وفي الاول من ايار عام 1652 ، دخل خليج عمان اسطول يقوده انطونيو سوسا كوتنهو، Antonio De Souse Continho ، ورسا خارج خصب ، وحاول البرتغاليون بناء قاعدة هناك، إلا أن تهديد الاسطول العماني منعهم من ذلك ، وابحرت القوات البرتغالية الى كونك ، حيث عقد القائد البرتغالي اتفاقية مع الفرس ( 2 ) .
وهكذا لم يبق للبرتغاليين في المنطقة سوى منفذ صغير ، هو (كونك) جنوب بلاد فارس، الذي اصبح مقرهم الذي مارسوا منه نشاطهم التجاري .
ادت هجمات الامام هذه ، الى تشجيع الامراء الهنود على الانتفاضة ، فقاموا بتحريض من امام عمان ، بالاستيلاء على قلعة كانارا Canara وتخليصها من البرتغاليين في 14 تموز 1653
تواصلت الهجمات التي شنها الامام سلطان بن سيف ضد المواقع البرتغالية ، ففي الساحل الشرقي للخليج العربي هاجم كونك، ومد نطاق تعرضه نحو مستعمراتهم في الهند وشرق افريقيا ، فتعرضت بومباي الى غارتين ناجحتين في عام 1661 ، وعام 1662 ، دمر خلالهما الاسطول العماني المواقع البرتغالية في الجزيرة ، وغنم منها غنائم ثمينة .
ورداً على تلك الهجمات ، جهزّ البرتغاليون في عام 1667 اسطولاً من ثماني سفن ، وحوالي ستين مركبا لمهاجمة مسقط ، الاّ أن الحملة لم تحقق أّيا من اهدافها ، اذ لم تصل سوى سفينة واحدة الى كونك ، واضطرت السفن الباقية الى العودة الى قواعدها . ويعزو باثرست اسباب الفشل الى سوء قيادة الحملة وافتقارها الى التموين والادامة .
وكرر البرتغاليون المحاولة في السنة التالية ، عندما جهز الادميرال جوزيف دي ميلو كاسترو Joseph De Mello Castro كاسترو حملة ، استولى بها على سفينتين عربيتين محملتين بالرز والخيول . هيأ بعدها اسطول من ثمان سفن ، بهدف مهاجمة مسقط ، ولكن تدهور معنوية رجاله وترددهم اجبره على المرابطة بالقرب من جاسك ، لممارسة القرصنة ، بمحاولات قطع الطريق امام السفن العمانية .
وسارع العمانيون الى الرد ، فتحرك اسطول من اربع وعشرين سفينة ، يحمل على متنه اكثر من الف مقاتل ، وتوجه الى اهم الحصون البرتغالية في غرب الهند ، وهو حصن ديوDeu، فوصله في كانون الاول عام 1668 ، ونجح العمانيون في احتلال المدينة، وبعد ان مكثوا فيها ثلاثة ايام عادوا منها بغنائم كبيرة .
وقد مكنت هذه الغنائم الامام من بناء (قلعة نزوى الشهيرة) التي استغرق بناؤها اكثر من اثنتي عشرة سنة ، وتعد القلعة احدى معالم تاريخ عمان الوطني . ومن الواضح ان رجال الحامية البرتغالية هناك لم يستطيعوا صد الهجوم العماني ، بل اكتفوا بارسال ثماني سفن حربية لتعزيز قواتهم البحرية المرابطة في كونك ، ولكن هذه القوة لم تلبث ان عادت الى قواعدها في اذار عام 1669 .
باتت التحركات العمانية تقلق نائب الملك البرتغالي ، مما دفعه الى ارسال اسطول في صيف العام نفسه ، مكون من اربع سفن حربية ضخمة ، وست فرقاطات بقيادة ، جيرونيمو مانويل Dom Geronimo Manoell ، عبر هذا الاسطول بندر عباس نهاية حزيران ، وفي نهاية اب واوائل ايلول التقى اسطولاً عمانياً مكونا من ست سفن وتسع عشرة بغلة ، في الممر المائي المؤدي الى كونك . فنشبت معركة بحرية ضارية بين الطرفين ، وصفها الوكيل الانكليزي في بندر عباس ، بقوله "كان التحاما دموياً مريعاً … قُتل خمسمائة من العرب، وخسر البرتغاليون ، معظم مقاتليهم … واقتحم البحارة العرب سفينة القيادة البرتغالية … ثم انسحب العرب استعدادا لالتحام جديد ، بينما تراجع الادميرال البرتغالي باسطوله الى غوا للحصول على مزيد من السفن بهدف مهاجمة مسقط" .
ويشير باثرست الى هذه المعركة بقوله :"وقد هوجم الادميرال ، لكن العرب انسحبوا في النهاية ، مهددين بمعركة اخرى، وعاد القائد البرتغالي الى كوا ، من اجل اعداد اسطول اكبر لمهاجمة مسقط" .
عاد الاسطول البرتغالي في العام التالي 1670 ، بقوة اكبر ، وحاول الاقتراب من مسقط ، لكن تقارير الوكالة الانكليزية في بندر عباس تذكر انه : "لم يستطع تحقيق أي نجاح، على الرغم من وصول التعزيزات اليه ، في شهر كانون الاول، … ان البرتغاليين يحدثون ضجة كبيرة ، ولكنها لا تؤثر في اعدائهم العرب والهولنديين، وعلى اية حال لم يحدث اشتباك كبير بين الاسطولين، واكتفى البرتغاليون بعمليات قرصنة مارسوها ضد السفن التجارية العمانية، وكان اكبر نجاح حققوه في شتاء عام 1670 هو اسرهم قافلة تجارية عمانية كبيرة قادمة من البصرة" .
وفي العام نفسه ، رد العمانيون بمهاجمتهم ديو . وبعد ان اصاب الانهاك
الطرفين ، حاولا التوصل الى تسوية مؤقتة ، فشعور الادميرال البرتغالي انطوينو دي ميلو Antonio De Mello بالحرج نتيجة تدهور حالة بحارته المعنوية ، وعجزه عن تحقيق نتيجة حاسمة ، دفعه لاتخاذ مبادرة شخصية تعارضت مع تعليمات نائب الملك .
ففي الرابع والعشرين من ايلول عام 1670 توجه دي ميلو الى صحار للتفاوض مع الامام سلطان ، واسفر اللقاء عن هدنة ، تعهد فيها الطرفان بعدم التعرض للاخر مدة ستة
اشهر .
تلقى بعدها دي ميلو اوامر من نائب الملك بالعودة الى كوا حيث صدرت الاوامر بنقض الاتفاقية ، التي توصل اليها مع الامام سلطان ، قبل تنفيذ بنودها ، كما قبض على دي ميلو وأُرسل الى لشبونة لمحاكمته بتهمة توقيع هدنة مع امام مسقط خلافا لتوجيهات الحاكم .
توهم البرتغاليون، فظنوا ان الدولة العمانية قد ضعفت حين تساهل العمانيون وقبلوا الهدنة ، وهي في حقيقتها ، لم تكن الا محاولة لاستعادة القوة ، التي تاثرت بعض الشيء بسبب، الاشتباكات المتواصلة ، لذا بادر الحاكم البرتغالي ، مدفوعا بهذا الوهم الى ارسال اسطول لمهاجمة مسقط والموانئ العمانية الاخرى .
وصل الاسطول البرتغالي ، المؤلف من اربع عشرة سفينة ، الى الخليج العربي في اذار عام 1671 ، وظل مرابطاً في ميناء كونك حتى تشرين الثاني من عام 1672 ، وكان بصدد اجبار الفرس على دفع الضرائب المترتبة عليهم للبرتغاليين في كونك ، والتي لم تسدد منذ ثلاث سنوات .
وظلّ الاسطول البرتغالي في مياه الخليج العربي حتى اب عام 1673 ، بانتظار حصول مواجهة بحرية مع العمانيين ، الا ان عمليات حربية لم تقع ، فلم يجد قائد الاسطول البرتغالي الشجاعة الكافية للاقتراب من قلعة مسقط ومهاجمتها . واكتفى خلال الشتاء ، بالقيام بعمليات تخريبية للمناطق المحيطة بمسقط .
وجاء الرد العماني سريعا ، ففي شباط عام 1674 ، وبتنسيق مع الهولنديين ، ارسل الامام سلطان اسطولا ، من عشر سفن ، لمهاجمة باسين Bassien ، ونجح الاسطول في انزال خمسمائة رجل ، استطاعوا الحاق الهزيمة بقوة الدفاع البرتغالي ، وحملوا معهم غنائم كثيرة ، ونتيجة الانهيار المعنوي البرتغالي لم يجرؤ احد منهم على مهاجمة العمانيين طيلة وجودهم في المدينة لخمسة ايام ، عادوا بعدها الى مسقط . وقد ادت هذه الغارة الى دفع عدد كبير من سكان باسين الى تركها لاجئين الى بومباي .
وشهد كانون الثاني من عام 1676 ، هجموما عمانيا على ديو ، واسفر القتال بين الطرفين عن تدمير عدة سفن برتغالية ، واسر اخرى ، والعودة بغنائم وافرة منها .
ومرت سنتان من غير حدوث اشتباك مسلح بين الطرفين ، وفي بداية نيسان عام 1678 ارسلت قوة برتغالية ، من خمس عشرة سفينة ، وبعض الزوارق ، نحو الخليج العربي ، لاشغال العمانيين ، لكنها سرعان ما غّيرت وجهتها نحو حملة مهمة الى شرق افريقيا ، لتعزيز الوجود البرتغالي فيها ، والحيلولة دون وقوعها بيد العمانيين .
تابع خليفة الامام سلطان ، ابنه بلعرب ، الحرب ضد البرتغاليين ، بالهمة التي كانت لدى والده ، فحقق في شرق افريقيا انتصارات كبيرة ، فانتزع ماليندي وفازا ولامو وباتا ، بينما بقيت ممباسا بيد البرتغاليين .
اما على الصعيد العماني الداخلي فان استمرار عمليات القرصنة البرتغالية في الخليج العربي، وما عانته التجارة العمانية بسببها ، وشعور البرتغاليين في المقابل بالعجز ازاء الاسطول العماني ، دفع الطرفين الى فتح باب المفاوضات عام 1688 .
مثّل البرتغاليين في هذه المفاوضات جونسالو سيمويس Goncales Simoes (هو مدير الشؤون البرتغالية في كونك ، وقد اعتمدت مسودة الاتفاقية بينهما على شرط الهدنة ، التي سبق ان عقدت بين سلطان بن سيف ودي ميلو عام 1672 ، ورفضها نائب الملك وقتها .
). بينما مثّل الامام الشيخ عبد الله سليمان ، وابرمت بين الطرفين اتفاقية ، سمحت للبرتغاليين بفتح وكالة لهم في مسقط ، واستخدام ميناء خصب اذا رغبوا بذلك ، وسمح البرتغاليون ، في المقابل ، للسفن العمانية بالتردد على الموانئ البرتغالية في الهند كما يؤدي البرتغاليون الرسوم الكمركية المحددة في مسقط .
لم يسفر ذلك الاتفاق ، عن هدنة حقيقة ودائمة ، اذ اراد كلا الجانبين كسب المزيد من الوقت ، ولم يمض سوى وقت قصير حتى باغت اسطول برتغالي ، يقوده الكابتن دييغو دي ميلو، سفنا تجارية عمانية في ميناء سورات ، ودمرها .
وبعد مرور ثلاث سنوات ، قام الكابتن دي ميلو سامبايو بالحاق خسائر كبيرة بالاسطول العماني قرب سورات .
ادت السياسة المرنة التي سلكها بلعرب تجاه البرتغاليين ، الى استياء شقيقه سيف ، الذي قاد جبهة المعارضة ، التي تحولت الى انتفاضة واستطاع خلال عام 1689 الاستيلاء على مسقط ، وفرض سيطرته على معظم انحاء البلاد ، وادى الصراع بين الاخوين ، الذي انتهى بوفاة بلعرب عام 1692 ، الى توقف عمليات التصدي للبرتغاليين .
استأنف سيف سياسة الجهاد البحري ضد المواقع البرتغالية في الهند وشرق افريقيا ، فارسل عام 1694 حملة بحرية كبيرة لمهاجمة جزيرة سالست Salsette البرتغالية قرب بومباي . وتمكن مقاتلو الحملة من تدمير المواقع البرتغالية فيها وعادوا منها ب(1400) اسير، واتبع هذا الهجوم ، بالهجوم على بارسلور ومنغالور ، اذ كانت الاولى مركزا للرز الذي يجهز كوا ، وكانت الثانية ، اكبر سوق في مستعمرات كنارا ، وفيها وكالة للرز ، خاصة بالبرتغاليين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قادة الجناح السياسي في حماس يميلون للتسويات لضمان بقائهم في 


.. دعوات أميركية للجوء إلى -الحرس الوطني- للتصدي للاحتجاجات الط




.. صحة غزة: استشهاد 51 فلسطينيا وإصابة 75 خلال 24 ساعة


.. مظاهرات في العاصمة اليمنية صنعاء تضامناً مع الفلسطينيين في غ




.. 5 شهداء بينهم طفلان بقصف إسرائيلي استهدف منزلا في الحي السعو