الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رفض المسيحيون الاوئل يهودية يسوع المسيح وطالبوا بفك ارتباط العهد القديم بالجديد

نظمي يوسف سلسع
(Nazmi Yousef Salsaa)

2021 / 4 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نظمي يوسف سلسع - مدريد

تحتفل الطوائف المسيحية الشرقية يوم 25 نيسان/ ابريل الجاري، بعيد "أحد الشعانين" وهو بداية أسبوع الآلام المقدس والأحد السابع من الصوم الكبير والأخير قبل "عيد القيامة "، ويرمز الاحتفال الى دخول السيد المسيح مدينة اورشليم* برفقة تلاميذه وأتباعه "راكباً على جحش ابن أتان"، يدخل دون حراس ومراسيم، وبلا سلاح ومسلحين، يدخل بمحبة ووداعة وتواضع، مبشراً بالسلام والتوبة والرجاء والمحبة، بهذا الوصف، تقريبا، قد تتفق رواية الاناجيل الاربعة مع رؤية وتحليل الاحداث التاريخية، التي ترى ان هذا الحدث بمثابة عصيان مدني وتظاهرة سلمية لجماهير الشعب بهدف دخول المدينة التي تغلق ابوابها لغير اليهود خاصة في عيد الفصح اليهودي.. وباعتبار ان المسيرة السلمية كانت لجماهير من غير اليهود حملوا سعف النخيل كاشارة للسلام والنصر والخلاص من الظلم والاضطهاد، لذا يمكن القول ان يسوع المسيح الذي قاد التظاهرة والمسيرة السلمية ليس يهوديا !..
قبل الدخول في "معترك" نفي يهودية المسيح، اود الاشارة الى مفارقات احداث التاريخ ومقولة : (يكرر نفسه) اذ يلاحظ رغم بعض الاختلاف باحداث ذلك الزمان – "ان اليهود، وخلال الاحتلال الروماني، قد تمتعوا باستقلال جزئي وحكم ذاتي كهنوتي – واليوم تقوم سلطات الاحتلال الصهيوني بمنع غير اليهود من دخول القدس باستثناء من يحمل تصريحا او هوية ممغنطة .. وحتى هذا الاستثناء كثيرا ما يلغي في اي مناسبة دينية يهودية او غير دينية!..

لا شك ان الاناجيل الاربعة ناهيك عن اعمال الرسل لم تترك اي مناسبة دون الاعلان والقول مباشرة الى يهودية السيد المسيح، فنجد افتتاحية انجيل متى ينسب المسيح الى سلالة ابراهيم وفق تعريف التوراه بالقول "كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن ابراهيم ..الخ" وكذلك انجيل لوقا يذكر السلالة ايضا، في حين ان كلا المقطعين يرجع نسب يوسف خطيب مريم الى سليمان ابن داود ومريم الى ناثان ابن داود الذي هو من سسبط يهوذا.. وكأن "كتبة الانجيل"، عن قصد او بدونه، أرادوا القول لليهود غير المؤمنين بالمسيح ولا برواية الحبل بلا دنس، ان مريم ويوسف هما من اليهود!.. لذلك يبدو ان كل ما كتب عن يهودية المسيح في الأناجيل جرت كمحاولة إقناع اليهود انه هو ملكهم وهو من نسلهم وبالتالي هو مسيحهم المنتظر!..
نقول "كتبة الانجيل" باعتبار ان الاناجيل ليست كتبا مقدسة نزلت بها الملائكة ثم حرفت فيما بعد كما يخيل للبعض من غير المسيحيين، بل تعتبر في مجملها روايات وقصص وحكايات عن حياة يسوع المسيح، تحمل عظاته وخطبه وتنقلاته بمدن فلسطين، والمتأمل والقارىء في الاناجيل الاربعة يجد فيها تفاصيل عديدة تبدو متناقضة وغير مترابطة بين إنجيل وآخر.. فمثلا، في انجيل لوقا الذي سرد حكاية ميلاد يسوع، لم يذكر المجوس ولا الهروب الى مصر من بطش جنود هيرودس باطفال بيت لحم، كما جاء في انجيل متى، بل واصل انجيل لوقا سرد الرواية، بان يوسف ومريم ذهبا من بيت لحم الى اورشليم (لختان الطفل ويقدماه للرب في الهيكل بعد ثمانية ايام من ولادته وفق الشريعة الموسوية- لوقا 2: 21-22) أي التركيز ايضاً على يهودية المسيح!.. فهل تم ختان المسيح في الهيكل أم رحلت العائلة المقدسة الى مصر؟!..
لسنا بصدد البحث في تفاصيل واحداث ومرويات الاناجيل، فمن المعروف انه إلى جانب الأناجيل الأربعة الرسمية: "متى ومرقس ولوقا ويوحنا" التي إعترف بها مجمع نيقية المسكوني عام 325م هناك عشرات الأناجيل التي يطلق عليها "الأناجيل المنحولة، وتسمى أيضا الكتب الأبوكريفية أو أبوكريفا وباليونانية: α̉πόκρυφοα" والتي تم منعها وإحراقها وتحريم تداولها بين الناس وذلك بقرار من الإمبراطور الروماني قسطنطين الأول بعد إقرار المجمع المسكوني بذلك، ومنها: إنجيل توما/إنجيل الحق/ إنجيل مارسيون/ إنجيل فيلبس/ إنجيل مريم المجدلية/ إنجيل يهوذا/ إنجيل الطفولة العربي/ إنجيل الطفولة اللاتيني/ الإنجيل الطفولي لتوما/ إنجيل الإثنى عشر/إنجيل العوالم الأربعة السماوية/ إنجيل السبعين/ إنجيل الحسن/ إنجيل حواء /إنجيل الناصريين/ إنجيل رادوسلاف/ إنجيل برنابا/ إنجيل برثلماوس/ إنجيل برلين المجهول/ أناجيل البهناسة/ إنجيل إقرتون/ إنجيل الأبيونيين/ إنجيل العبرانيين/ إنجيل المصريين القبطي/ إنجيل المصريين اليوناني/ إنجيل مرقس السري/ إنجيل يعقوب/ إنجيل متياس/ إنجيل بطرس/ إنجيل برلين المجهول/ الإنجيل الرباعي/ إنجيل ولادة مريم وطفولة المخلّص / حياة يوحنا المعمداني/ تاريخ يوسف النجّار/ ميلاد مريم/ إنجيل راعي هرماس/ انبعاث يسوع المسيح/ سفر رؤيا آدم.. وغيرها من الاناجيل، منها ما كتب في العقود الاولى والقرن الاول بعد الميلاد، ومنها ما هو بعد ذلك وباللغات اليونانية القديمة والقبطية والآرامية والعبرية حتى ان هناك نسخ مختلفة ومتناقضة من نفس الكتاب!..
واقع الأمر، ان اختيار الإمبراطور قسطنطين المسيحية كديانة رسمية للإمبراطورية الرومانية، قد اعطى هذا الزخم الكبير للدين المسيحي، فقد استدعى قسطنطين نحو 250 من الاساقفة يمثلون مختلف مذاهب المسيحية في المناطق التي تقع تحت حكم الإمبراطورية الرومانية، إلى مدينة نيقية وهي العاصمة الثانية لولاية بيثينية وتقع في الشمال الغربي لآسيا الصغرى، ترأس الامبراطور جلسات المجمع الذي بدأت اعماله في 20 أيار/ مايو من عام 325م وتواصل انعقاد الجلسات طيلة شهرين، حاول الاساقفة ايجاد صيغة توافقية لانهاء الخلاف والاختلاف بين المذاهب، وبوجه خاص مذهب الاسقف آريوس، حيث تعددت الاراء والافكار في العقيدة الدينية، وتم وضع الأسس ومختلف تفاصيل وطقوس الديانة الرسمية، وما جرى تحديده وتعريفه باللاهوت والناسوت والثالوث المقدس، وحقيقة المسيح ومريم وولادة العذراء وصلبه وقيامته وصعوده للسماء وبعثه من جديد..الخ.
ويرى المؤرخون ان الامبراطور قسطنطين الأول، اراد من مجمع نيقية وضع وتنظيم طقوس وكهنة للديانة الجديدة لتكون على قدر من التألق والفخامة لتتناسب ومكانة الإمبراطورية الرومانية، وقادرة على استيعاب وجذب اتباع الديانات الوثنية الواقعة تحت حكم روما الممتد على القارات الثلاث، لذلك نجد شخصية المسيح قد اضحت تتماهى مع شخصيات اسطورية في ديانات تعود لآلاف السنين قبل مجيء المسيح المفترض مثل: ميثراس، حورس، كريشنا، أدونيس، وكلها تمثل آلهة وديانات كانت منتشرة بين الشعوب التي حكمتها روما آنذاك.. وكما تمخض المجمع على اعتماد الصليب كعلامة ورمز الدين الجديد، ولم تعد السمكة شعار المسيحية التي كانت طيلة القرون الثلاث الاولى، ويعتقد ان اختيار الصليب قد جاء لتغيير صورة ودور روما في صلب المسيح، اضافة الى ان الصليب كان يتقدم الجيوش الرومانية في الغزو والحرب، كإشارة لاعداء روما بان مصيرهم الموت صلباً، ومن ثم تحول الصليب رمز الدين الجديد والقوة الالهية لجند روما ضد الاعداء!.. الجدير بالذكر والاشارة، انه رغم حرص الامبراطور قسطنطين الأول على مجمل ودقة التفاصيل للديانة المسيحية واعلانها الديانة الرسمية لروما، فقد بقي وثنيا حتى موته ولم يؤمن بها ؟!..
لقد حفلت القرون الاولى للمسيحية، بالخلاف والاختلاف حول تفاصيل العقيدة الدينية، قبل وبعد ان أصبحت الديانة الرسمية للإمبراطورية الرومانية .. ووصل الامر ان المسيحية كانت توصف كمذهب هرطوقي منشق عن الديانة اليهودية، و(فرّخ) عدة مذاهب انتشرت على امتداد المنطقة من أقصى شمال سوريا الى مداخل الصحراء والجزيرة العربية، ووادي النيل، ولم تُعرف حينها لا بالمسيحية ولا بالنصرانية.. ففي القرن الثاني الميلادي عُرفت بـ(الغنوصية) ونشأ المذهب بالاسكندرية وانتشر على محيط البحر المتوسط متأثرا بأفكار الحركة المسيحية الأولى وبنظريات الأفلاطونية الوسطى.. ومن مصر ايضا، في القرن الثالث الميلادي ظهرت (الآريوسية) نسبة لأسقف الاسكندرية آريوس، وانتشرت في المناطق التي لم تعتنق المسيحية والواقعة إلى الشمال من نهر الدانوب، وتحولت الشعوب الجرمانية إلى العقيدة الآريوسية، ويشير الباحثون أنه في أعقاب انهيار الإمبراطورية الرومانية الغربية عام 476م كانت الممالك القوطية في ألمانيا بالمجمل آريوسية، غير انها حصرت كدين النخبة الحاكمة، لذلك يرى العديد من الباحثين أن الآريوسية الجرمانية بحد ذاتها إستراتيجية تم اتباعها من أجل التفريق بين النخبة الجرمانية والسكان المحليين وثقافتهم، فأغلب المناطق التي احتلت لم تقطنها شعوب جرمانية.. وخلال القرن السابع الميلادي تحول الملك الآريوسي كلوفيس الأول إلى الكنيسة الرومانية الكاثوليكية وتبعته نخب مملكته والمعتنقين للآريوسية من مواطنيه، وتوالت بعده عمليات الانضمام حتى اختفت الآريوسية تمامًا أوائل القرن الثامن.. غير اننا نجد اليوم ان جماعة شهود يهوه تعتنق ذات الافكار والمعتقدات التي استخدمها آريوس قديمًا..
وفي القرن الخامس الميلادي عُرفت باسم (النسطورية) نسبة لأسقف القسطنطينية نسطور، وانتشر هذا المذهب بشكل رئيسي بين مسيحيي العراق وبلاد فارس بتشجيع من الساسانيين وذلك لاعتقادهم بأن ابتعاد المسيحيين القاطنيين في مملكتهم عن إخوانهم من مسيحيي الإمبراطورية الرومانية سيسهل السيطرة عليهم، ومن ثم اعتنقت النسطورية جماعات من مسيحي الهند، وفي القرن السابع امتدت إلى الصين وحتى منغوليا ويوجد في مدينة شيآن الصينية نصب حجري أقامه أحد المبشرين النساطرة سنة 781م، وكان هذا المذهب هو السائد بين مسيحي شبه الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام..
أما في اقصى الشمال السوري، وعلى ضفاف البحر الاسود، عُرفت المسيحية واشتهرت باسم (المارسينية) نسبة الى مارسيون ابن اسقف مدينة سنوب التي تقع غرب تركيا، ليس كمذهب بقدر ما جاءت بمثابة مباديء وافكار اصلاحية جادة رفضت ربط اليهودية بالديانة المسيحية والدعوة الى فك ارتباط العهد القديم بالجديد، كما كانت محاولة عملية ومنطقية لإزالة الشكوك والشوائب عن المسيحية.. والاسقف مارسيون (ولد عام 85م وتوفي عام 144م) أول من تصدى لاشكالية يهودية المسيح، واليهودية المسيحية، ويستشهد بحوار المسيح مع اليهود كما جاء بانجيل يوحنا 10- 35 : «أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: أَلَيْسَ مَكْتُوبًا فِي نَامُوسِكُمْ:.. ».. قوله في "ناموسكم" يؤكد بأن يسوع المسيح ليس يهوديا ولا يعترف بالناموس، وقد توصل بعد دراسة متأنية ان المنطق يقول من المحال ان تكون هناك علاقة ما بين رسالة يسوع المسيح وتوراة اليهود، أي بين العهد القديم والجديد، فإله العهد القديم لا يمكن ان يكون هو نفسه إله العهد الجديد، فـ"يهوه" إله العهد القديم شديد القسوة والغيرة ومتعطش لسفك الدماء، وهو إله فقط لـ"شعبه المختار"، بينما نجد إله العهد الجديد يدعو الى المحبة والعطف والسلام والوئام بين جميع الشعوب..
وأشار مارسيون باصبع الاتهام الى التغيير بنص انجيل متى الأصلي 5:17 والآية الشهيرة التي فتحت الباب حتى اليوم الى دخول الإسرائيليات في المسيحية وبموجبها تم ربط العهد القديم بالعهد الجديد والتي تقول: (ما جئت لأنقض العهد بل لأكمله)، ويرى مارسيون أن النص الأصلي يجب ان يكون: ( لم آتِ لأكمل العهد بل لأنقضه)، باعتبار ان المسيح قام بنقد ورفض الشريعة اليهودية مستشهدا بخطابه على الجبل، فنقرأ بعد اربع آيات من انجيل متى 5:21 "سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلأَقْدَمِينَ: لاَ تَقْتُلْ! وَمَنْ قَتَلَ يَسْتَحِقُّ الْمُحَاكَمَةَ. أَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَنْ هُوَ غَاضِبٌ عَلَى أَخِيهِ، يَسْتَحِقُّ الْمُحَاكَمَةَ وَمَنْ يَقُولُ لأَخِيهِ: يَا تَافِهُ! يَسْتَحِقُّ الْمُثُولَ أَمَامَ الْمَجْلِسِ الأَعْلَى؛ وَمَنْ يَقُولُ: يَاأَحْمَقُ! يَسْتَحِقُّ نَارَ جَهَنَّمَ! .... ". ويواصل السيد المسيح نقد الشريعة في انجيل متى 5:27 وحتى نهاية الفصل الخامس: ونقرأ قوله: "وَسَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: لاَ تَزْنِ! . أَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى امْرَأَةٍ بِقَصْدِ أَنْ يَشْتَهِيَهَا، فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ! ... ".
اذن، المسيحيون الاوائل اعتبروا وبشواهد الانجيل، ان خطاب السيد المسيح على الجبل كما اوردته الاناجيل، كان بمثابة رسالة الدين المسيحي بالكامل، وفيها رفض قاطع ونقد صريح للشريعة اليهودية.. لذلك فإن مارسيون كان محقاً في اعتراضه وتساؤلاته والتي تتردد اليوم: كيف يقال ان المسيح جاء ليكمل شرائع يهوه ؟!.. وهل نحن بحاجة لتعاليم يهوه لموسى أم تعاليم موسى ويشوع لشعبه الضائع ..؟!.. أم معاصي وخطايا انبياء التوراة من آدم الذي أكل من الشجرة المحرمة وابراهيم الذي قال عن سارة انها اخته، وعن سكر نوح وعريه وزنى لوط مع بناته وموسى وقتل المصري وزنى داود بامرأة أوريا الحثي ؟!!..الخ.. وما دام المسيح بجسده الطاهر وكلمته المقدسة هما العهد الجديد.. فلماذا ربط العهد الجديد بذاك القديم..؟!..

نظمي يوسف سلسع- مدريد

*مقالنا: القدس اليوم ليست اورشليم بالامس – الحوار المتمدن ع 6811 ت 11/2/2021








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الكنائس القبطية بمحافظة الغربية الاحت




.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا


.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية




.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟