الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المتحولون دينيًا في كلا الاتجاهين.

ثائر الناشف
كاتب وروائي

(Thaer Alsalmou Alnashef)

2021 / 4 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كلما أعلن أحد الأوروبيين عن تحوّله الكيفي إلى الإسلام، فإنه سرعان ما يهب آلاف المسلمين على شبكات التواصل الاجتماعي مرحبين ومهلهلين بهذا التحول الذي يبدو بالنسبة لهم وكأنه شهادة يقينية مدموغة بختم الاعتراف بعالمية الدين الإسلامي، فيما يبدو التحوّل بالنسبة لبعض المتدينين هداية ربانية لعقل وقلب المتحوّل، لا سيما وأن عينيه المغمضتين عن الإبصار قد أدركتا أخيرًا "الحقيقة الإلهية الخالصة" نتيجة لحلول تلك الهداية السماوية على ذاك الشخص، واختياره من بين الملايين ليكون قبسًا دعويًّا للذين لم يبصروا الحقيقة بعد.
فيما يهلل المبشرون المسيحيون لأي مسلم مُتحوّل -في الاتجاه المعاكس- إلى الديانة المسيحية باعتبارها طوق نجاة البشرية من شرورها وآثامها في الدنيا قبل بلوغ الرقود الأبدي الأخير، وحلول ميعاد القيامة، فتحوّل المسلم إلى المسيحية باعتقاد أولئك المبشرين المسيحيين لا يختلف البتة عن اعتقاد الدُعاة المسلمين عند تحوّل أي مسيحي إلى الإسلام، لأن المغزى واحد لدى أتباع الديانتين؛ ألا وهو الهداية وإدراك الحقيقة الإلهية المتجسدة في النور السماوي، وإن في وقت متأخر.
غير أن التحوّل في جوهره مجرد سلوك محض يعبر عنه العقل الباطني بطريقة لا واعية وغير إدراكية، حتى إن المتحوّل لا يدرك الغايات البعيدة التي تحوّل من أجلها.
وغالبًا ما يرتبط التحوّل أشد الارتباط بالحالة النفسية للشخص المتحوّل عينه -أيًا كان شكل التحول دينيا، جنسيا، غذائيا- إلا أنه يظل مجرد مرآة باطنية تعكس الصراعات النفسية المحتدمة؛ والتي تدور رحاها في ميادين الروح الآدمية للشخص المتحوّل، ولا ينبغي أن يغيب عن ذهننا تأثير الصدمات النفسية العنيفة التي يتركها الواقع الاجتماعي والعائلي في نفسية المتحوّل بسبب الإخفاق الشنيع في تحقيق الغايات والمصالح التي لا تنسجم مع الرغبات الفردية والنفسية، ولذا فإنه سرعان ما تظهر إلى العلن نتائج ذلك الصراع الشرس – ليس نور الهداية كما يظن المتدينون- فيبدو فعل التحوّل بحد ذاته أشبه ما يكون بلحظة الإعلان الحاسم والمصيري عن إطلاق التمرد على سمات الذات كلها، بل على الحاضر والماضي بكل تفاصيلهما الدقيقة.
فالمتحوّلون ليسوا مسلوبي الإرادة لأنهم أخفقوا في تحقيق التوازن بين عقلهم الباطني وذواتهم، فأصبحوا أسرى لما يُميله عليهم اللاوعي، إنما هم أشخاص حساسون وعاطفيون لا يقلّون حساسية عن مدمني الخمر، لأنهم لا يستطيعون استيعاب الصدمات النفسية وامتصاصها تدريجيا وفق ما يقتضيه الواقع بكل تفاعلاته الحيّة.
التحوّل ليس هداية ولا إبصارًا للحقيقة كما يظن المتدينون، بل هو عبارة عن اختلال في كيمياء الواقع الذي يحيط بالإنسان المُتحوّل، وتغيّر جذري في العناصر التي تنشأ عليها المعادلة بين الإنسان والواقع، لأنه إذا ما اختلت عناصر المعادلة الراهنة -التي كوّنها المجتمع والعائلة- في نفوس أولئك المتدينين، فإنهم سرعان ما سيجدون أنفسهم أمام معادلة جديدة مصحوبة بتحول حاسم لا فكاك منه.
إن أردت أن تناقش أي مُتحوّلٍ من الإسلام إلى المسيحية أو العكس، أو أية امرأة خلعت حجابها مؤخرًا، فإن عليك أن ترصد حالته النفسية السابقة قبل حلول فعل التحول، وأن تبحث في الأسباب التي دعته إلى مثل ذلك الفعل، فستجد أن معظمها مجرد أسباب نفسية، وأن اتخذت أحيانًا مظاهر البحث عن السكينة والراحة والهداية والتأمل والزهد، فهذه المفاهيم الفلسفية المجردة ما هي إلا دعائم لسد الفراغات الروحية والعاطفية الكامنة في ثنايا النفس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اغتيال ضابط بالحرس الثوري في قلب إيران لعلاقته بهجوم المركز


.. مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية




.. الخلود بين الدين والعلم


.. شاهد: طائفة السامريين اليهودية تقيم شعائر عيد الفصح على جبل




.. الاحتجاجات الأميركية على حرب غزة تثير -انقسامات وتساؤلات- بي