الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة الولايات المتحدة (21) – العشرينيات الهادرة

محمد زكريا توفيق

2021 / 4 / 19
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


العشرينيات الهادرة

الفتيات يرقصن رقصة تشارلستون. رجال العصابات يحملون الرشاشات ويسطون على البنوك. تشارلي شابلن يقدم أفلاما فكاهية. هذه هي بعض الصور التي تأتي إلى أذهان الناس عندما يفكرون في الولايات المتحدة في عشرينيات القرن العشرين. أوقات سعيدة في زمن مجنون مجنون مجنون.

كانت الولايات المتحدة دولة غنية جدا في هذه السنوات. هذا بسبب الحرب العالمية الأولى، بلدان أخرى كانت مديونة لها بالكثير من المال. لديها الكثير من المواد الخام، والكثير من المصانع والمزارع. الدخل القومي، أعلى بكثير من بريطانيا وفرنسا وألمانيا واليابان مجتمعين.

تنتج المصانع الأمريكية المزيد من السلع كل عام. أكثرها نشاطا، مصانع السيارات. بين عامي 1922 و1927، ارتفع عدد السيارات على الطرق من 11 مليون إلى أكثر من 20 مليون سيارة. كما ازدهرت صناعة الأجهزة الكهربائية. ملايين الثلاجات والمكانس الكهربائية وأفران البوتاجاز وأجهزة الراديو.

أصبحت الولايات المتحدة أول دولة في التاريخ، يعتمد اقتصادها على بيع كميات كبيرة من السلع الاستهلاكية، التي تساعد الناس وتجعل حياتهم أسهل وأكثر متعة. هذه السلع الاستهلاكية، تدفقت على خطوط التجميع في المصانع الجديدة الكبيرة. بين 1919 و1929، ضاعفت مثل هذه المصانع انتاجها الضخم.

نمو الصناعة حسن وضع العديد من الأمريكان. حصل الملايين على أجور جيدة. استثمر الآلاف في شركات ناجحة، أشركتهم في أرباحها. اشترى العديد من الناس السيارات وأجهزة الراديو والمنتجات الجديدة الأخرى بأموالهم. في كثير من الأحيان، يشترون هذه السلع بالتقسيط المريح. شعارهم هو "عش الآن، وسدد غدا". على أمل أن غدا سيكون مثل اليوم أو أفضل.

أصبح رجال الأعمال أبطالًا مشهورين في عشرينيات القرن العشرين. منهم هنري فورد، الذي كان ينال الإعجاب كأحد المبدعين الذين شاركوا في ازدهار الأمة. الرجل الذي يبني مصنعا في الولايات المتحدة، مثل الذي يبنى معبدا في البلاد المهوسة بالدين. هذا ما قاله كالفن كوليدج، الرئيس الأمريكي (1923 – 1929)، "إن العامل الذي يعمل هناك، يتعبد هناك ".

كلمات كوليدج، ساعدت على شرح سياسات الحكومات الأميركية في عشرينيات القرن العشرين. هذه الحكومات كان يسيطر عليها الحزب الجمهوري. الذي يعتقد بأن الحكومة إذا اهتمت برجل الأعمال، سينعكس هذا على كل الناس ويصبحون أثرياء. رجال الأعمال، عندما تزدهر أعمالهم وشركاتهم، يحتاجون إلى عمالة أكثر، ويدفعون أجورا أعلى. بهذا تكون زيادة ثروتهم، هي في الواقع فائدة لكل الناس.

لكي يساعد الكونجرس رجال الأعمال، رفع الضرائب على السلع المستوردة. الهدف هو جعل السلع المستوردة أكثر تكلفة، بذلك تكون السلع المصنعة محليا أرخص وأقدر على المنافسة. في الوقت نفسه، خفض الكونجرس الضرائب على الدخل المرتفع وأرباح الشركات. هذا قد وفر للأغنياء المزيد من الأموال للاستثمار.

ساكو وفانزيتي

في عام 1917، قامت الثورة الشيوعيّة في روسيا. بعض الأمريكان خافوا أن تقوم هذه الثورة بالتخطيط لقلب النظام في الولايات المتحدة. من هنا جاء الخوف من الحمر. كل من ينتقد الطريقة يسير بها المجتمع الأمريكي، بات متهما بعدم الولاء وعدم الوطنية.

هذا الاتهام يشكل خطورة كبيرة لمن يتبنى أفكارا اشتراكية. مثل هذه الأفكار، ينظر إليها على أنها أفكار أجنبية وليست أمريكية. من يتبنى مثل هذه الأفكار، أصبحوا مضطهدين يخشى منهم. خاصة إذا كانوا مهاجرين مولودين خارج الولايات المتحدة.

في 15 أبريل عام 1920، قتل شخصان بالرصاص في محاولة سرقة 15 ألف دولار بالقرب من مدينة بوسطن. قال الشهود، على ما يبدو، هما إيطاليان. بعد ثلاثة أسابيع، تم القبض على اثنين من المهاجرين الإيطاليين، نيكولا ساكو، وبارتولوميو فانزيتي.

كلاهما كان لديه ما يثبت تواجده بعيدا عن مكان الجريمة. لكن ساكو، وجد البوليس في حوزته مسدساً، يمكن استخدامه في القتل. لهما بشرة سمراء وسحنة إيطالية. كانا أجنبيين، يعتنقان أفكارا يسارية.

لم يعجب القاضي كل هذا. قال لأصدقائه أنه سيأتي بهؤلاء الأوغاد الفوضويين. ثم حكم في النهاية بالإعدام على كل من ساكو وزميله فانزيتي.

اعتقد الكثيرون أن ساكو وفانزيتي قد أدينا بسبب معتقداتهما السياسية، وليس بسبب الأدلة ضدهما. لمدة ستة سنوات، قاتل الناس في كل من الولايات المتحدة وخارجها، من أجل إطلاق سراحهما. إلا أنه، في 22 أغسطس 1927، تم تنفيذ الحكم.

ادعى ساكو وفانزيتي، حتى النهاية، أنهما أبرياء مما نسب إليهما. حتى اليوم، لم يثبت إدانتهما أو براءتهما. والشك يكون عادة من مصلحة المتهم. لذلك تذكر قضيتهما باعتبارها مثال على كيفية تأثير التحيز العنصري والسياسي على سير العدالة.

مع ثراء الدولة، كان هناك الكثير من الأميركيين الفقراء. دراسة أجريت عام 1929، أظهرت أن نصف الشعب الأمريكي، لم يكن لديه دخل كاف لشراء ما يحتاجونه من غذاء وكساء. في المدن الصناعية في الشمال، مثل شيكاغو وبيتسبرج، العمال المهاجرون لا يزالون يعملون ساعات طويلة نظير أجر ضئيل في مصانع الصلب والمسالخ.

في الجنوب، آلاف المزارعين الفقراء، بيض وسود، يعملون من شروق الشمس إلى غروبها. يكسبون بالكاد ما يكفي لبقائهم أحياء. الثروة التي يتحدث عنها الجمهوريون، ويدعون أنها ستفيد الجميع، لم تصل لمثل هؤلاء الناس.

السبب الرئيسي للفقر بين عمال الصناعية، كان الأجور الزهيدة. العمال الزراعيون مروا بأوقات عصيبة لأسباب مختلفة. في الجنوب، الكثير من العمال الزراعيين لا يمتلكون الأرض التي يزرعونها. كانوا يستأجرونها نظير نسبة من المحصول. بعد سداد تلك النسبة، لا يتبقى لهم في الغالب ما يسد رمقهم، ويطعم عائلتهم.

في الغرب، يمتلك معظم الفلاحين أراضيهم. لكنهم أيضا يقابلون أوقاتا صعبة. خلال الحرب العالمية الأولى، كانوا قادرين على بيع القمح إلى أوروبا بأسعار مرتفعة. بحلول عام 1921، لم تعد البلدان الأوروبية بحاجة إلى الكثير من المنتجات الزراعية الأمريكية.

وجد المزارعون صعوبة كبيرة في بيع منتجاتهم محليا. لأن عدد المهاجرين إلى الولايات المتحدة كان قد انخفض، ومن ثم، قل الطلب على المنتجات الزراعية. كما أن انتشار استخدام السيارات، قلل الطلب على الخضرة والكسب والذرة والقش لزوم أكل الخيل والبغال والثيران التي كانت تستخدم بكثرة في نقل المسافرين والبضائع. لذلك، نجد في عام 1924، ما يقرب من 600 ألف مزارع أمريكي أعلنوا إفلاسهم قانونيا.

لكن بدا للأميركيين الذين يملكون أسهما في الشركات الصناعية، أن المستقبل مشرق لهم. مبيعات السلع الاستهلاكية كانت في تزايد مستمر. هذا يعني أرباحا أكبر للشركات المنتجة والمصنعة لهذه السلع، وارتفاعا لقيمة أسهمها في البورصة.

في عام 1928، انتخب الشعب الأمريكي رئيسا جديدا، هو هربرت هوفر. هوفر كان متأكدا من أن الاقتصاد الأمريكي في ازدهار ونمو مستمرين. وأن الفقر الذي يعاني منه بعض الأمريكان، سوف يصبح من ذكريات الماضي. وأنه في القريب العاجل، سوف يتواجد الدجاج في كل طبق، وسيارتان في كل جراج. ارتفاع مستوى معيشة الأمريكان خلال ال 1920s، جعل الكثير منهم يعتقدون ذلك.

الأفلام

في 1920s، غزت الأفلام الأمريكية شاشات العالم. معظمها كانت تنتج في هوليوود، أحد ضواحي مدينة لوس انجلوس في ولاية كاليفورنيا. لماذا هوليوود بالذات، هي منطقة جذب لصناع السينما؟ لأن هواءها نقي وشمسها ساطعة. الأفلام التي تصور هناك، تأتي صورها واضحة لامعة نقية. في العشرينيات من القرن العشرين، باتت عاصمة صناعة السينما في العالم كله.

أفلام هوليوود، صنعتها شركات كبيرة تسمى استوديوهات. تدار برجال أعمال هدفهم الربح. سرعان ما وجدوا، لزيادة أرباحهم، أنه بمجرد نجاح نوع معين من الأفلام، يقومون بإنتاج الكثير من نفس النوع.

طريقة أخرى للأستوديو لزيادة أرباحه، هو صناعة النجوم. النجم، هو الممثل الذي يذهب الجمهور لكي يشاهد أفلامه، بغض النظر عن مستواها الفني. النجم المشهور، يضمن نجاح الفيلم جماهيريا. لذلك تهتم الأستوديوهات بصناعة النجوم، بالدعاية لهم وتلميعهم ونشر أخبارهم في المجلات والصحف الفنية.

الأفلام في العشرينيات كانت أفلاما صامتة. الفيلم يحكي القصة بالصور، لا بالكلمات. والصور لغة دولية، واحدة في كل أنحاء العالم. من برلين إلى طوكيو. من لندن إلى بوينس آيرس. ملايين المشاهدين يصطفون كل ليلة في طوابير، لكي يشاهدوا نجوم هوليوود المفضلين لديهم. بدون أن يدروا أنهم قد تأمركوا وحدث لهم غسيل مخ.

أفلام هوليوود أظهرت للناس عالم آخر أكثر إثارة. أكثر حرية، وأكثر مساواة، من عالمهم الذي يعيشون فيه. لمعظم المشاهدين، الأفلام هي عالم الأحلام. منفصل عن عالم الواقع. لكن للبعض، تمثل الأمل في تغيير واقعهم إلى الأفضل، مهما كان هذا الأمل ضئيلا.

ال كابوني

في عام 1919، صوت الشعب الأمريكي لصالح تعديل جديد للدستور. التعديل ال 18. يحظر صنع أو بيع المشروبات الكحولية في الولايات المتحدة. ادعى الأشخاص الذين يؤيدون الحظر، أنه من شأنه القضاء على إدمان الكحوليات، والسكر والعربدة، وجعل الولايات المتحدة، بلدا أكثر صحة وأكثر سعادة.

لكن الأمريكان لم يكونوا مستعدين للتخلي عن المشروبات الكحولية. بدأ الملايين كسر قانون الحظر هذا عمدا، مع سبق الإصرار والترصد، وبشكل منتظم. ثم تواجدت أماكن سرية لتعاطي الخمور. بدأت في الطوابق السفلية والبدرومات والكواليس في جميع أنحاء البلاد. مدينة شيكاغو كان بها 10 آلاف مكان سري لشرب الخمور. نيويورك كان لديها 32 ألف.

كان مورد المشروبات الكحولية لهذه الأماكن السرية، عصابات إجرامية. أشهرها عصابة في شيكاغو، يرأسها "ال كابوني".

هذه العصابات، تقوم فيما بينها منافسات خطيرة تصل في بعض الحالات إلى حروب دموية في الشوارع. تستخدم فيها السيارات المدرعة والمدافع الرشاشة. العصابة المنتصرة تصبح غنية ولها سلطة قوية. تستخدم هذه الأموال والنفوذ في رشاوي البوليس والسياسيين، حتى لا يتدخلوا في نشاط العصابة.

بهذه الطريقة، أصبحت عصابة ال كابوني هي الحاكم الحقيقي لمدينة شيكاغو. لقد كان ل ال كابوني جيشا خاصا، قوامه ألف بلطجي. مسلحين بالمدافع الرشاشة. دخله من البلطجة والخمور والدعارة كان 100 مليون دولار في السنة.

بالقرب من نهاية العشرينيات، كان معظم الأمريكان يعتبرون قانون منع الخمور مجرد نكتة أو فضيحة تشريعية. عدم الأمانة في تطبيقه والفساد والرشاوي المصاحبة له، جعلت القانون يفقد مصداقيته واحترام الجميع له. مما أدى إلى إلغائه غير مأسوفا عليه عام 1933.

لكن قانون منع الكحوليات، ترك جرحا غائرا لا يندمل. جعل التجرؤ على القانون وعصيانه أمرا ممكنا. كما ترك لنا العصابات المسلحة، التي لا تزال موجودة، وتقوم بتغيير نشاطها من حين لآخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نداءات لتدخل دولي لحماية الفلسطينيين بالسجون الإسرائيلية | #


.. غارات إسرائيلية استهدفت بلدة إيعات في البقاع شرقي لبنان




.. عقوبات أوروبية منتظرة على إيران بعد الهجوم على إسرائيل.. وال


.. شاهد| لحظة الإفراج عن أسرى فلسطينيين من سجون الاحتلال الإسرا




.. مسؤول أمريكي: الإسرائيليون يبحثون جميع الخيارات بما فيها الر