الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرفاه المادي والإجتماعي (بوق السلطوية) - الجزء الثاني

علي ارجدال
باحث في القانون العام والعلوم السياسية

(Arjdal Ali)

2021 / 4 / 21
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يكمل صديقنا مسيره في زحمة التناقضات وصخب المدينة، لم يعتد كثيراً على نمط عيشه الجديد بل يساور ذهنه كل يوم رغيف أمه، رائحة جدته، حتى أنه يضع بعض الصور في غرفته لأفراد عائلته، ويقف كل ليلة قبل الخلود للنوم أمام تلك الصور، أحيانا تنسيه رفاهه المادي وتذكره أن من رحم الفقر ولدت العقول الصاخبة، هو إنسان طيب داخليا لكن دفاعاته النفسية تمنعه من إظهار أي مشاعر إنسانية، خصوصا عندما يعتلي منبر الناصح والموجه، يتعامل مع الأسئلة والحالات بنوع من التفكيك المنطقي، عله يصل بمتلقيه فكرة الخلاص الأبدي. مواقفه اليوم تتغير شيئا فشيء، يبدو مرنا في ملائمتها مع الزمن حسب تقديره، (لقد قلنا سابقا أنه إنسان طيب) غير أنه بتعبير فيلهلم رايش في كتابه خطاب إلى الرجل الصغير مخاطبا الطفل الصغير داخله .... وسوف تعتقد أنه بمساعدة جلاديك ستحقق الحرية وستجد نفسك دائما غارقا في الوحل، سوف تعدو عبر القرون خلف زعمائك، المأخوذين بجنون العظمة وتتقوت على كلماتهم المغرية، وأمام الحياة التي تناديك، ستظل أعمى، أصم،.... إنتهى الإقتباس ، فبعد تحقيقه حلم السيارة، وبعد أن تحسنت مكانته المادية، يحوز اليوم تقدير الجميع، يرغب الجميع في أخذ صور تذكارية معه، كثيرون يرغبون في توقيع على كتابه الذي نشره بعنوان كيف تصبح سعيدا ، سرد في كتابه كثير من التجارب عن المعاناة التي مر منها، وأوسم الصفحة الأولى بعبارة إلى الأباء والأمهات... أحسنوا توجيه أبنائكم... حتى لا يمر الزمن ويصبح الندم دون فائدة ، حصل كتابه على تصنيف متقدم في عدد المبيعات، إستدعاه برنامج إداعي حول تجارب ناجحة ، ليحكي للعالم (عفواً لمتابعيه) قصة نجاحه. ما إن يصل منزله إلا ويكون منهكا للغاية، هو إنسان غير متزوج، عادة ما تجد أغراضه غير مرتبة، ويضطر عادة إلى إقتناء طعام مطبوخ، ثلاجته مليئة بأغراض الطبخ، لكنه لا يطبخ شيئاً، يصل متأخراً، ينزع ربطة عنقه، يستلقي فوق اريكة الصالون أمام التلفاز، يضع هاتفه في وضع الطيران نظراً لكم الرسائل الواردة عليه صباحا ومساءاً، يعيد التفكير في يومه كيف مر، يشعر بنشوة التقدير والإحترام. يتطلع الآن إلى خوض غمار السياسة لكنه متردد، لم يعد يسعفه برجه العاجي، قرر الإنتفاظ في وجه الكم الهائل من هرمون السعادة الملازم له، لم يعتد في الماضي على سلاسة الأمور، تذكر الآن أن المشاكل تحلوا معها الحياة، يتسلل إلى أذنيه صوت يخبره كما في كتاب فيلهلم رايش أنت لا شيء أيها الصغير، لست أنت من بنى هذه الحضارة، بل فقط القليل من أسيادك المحترمين... . أغمض عينيه وأخفى رأسه تحت وسادته، وتغلب على ذلك الصوت المشؤوم بنوم عنيف ينسيه تلك الوساويس. مرت أيام عديدة، لازال يحرز تقدما كبيرا في إبداعه، أصبح محط أنظار، أحلامه لم تعد حبيسة كتب، يحتاج لتقدير أكبر. وصلته أخبار تفيد أن السلطة تبحث عن بروفايل مناسب لشغل أحد مناصب المسؤولية، هرع هنا وهنالك، أجرى إتصالات عديدة عله يظفر ببعض الأخبار التي لا تتاح للعموم، المنصب أكثر رفاها، سيمتلك فيلا شخصية، سيتخلص أخيرا من ضجيج جيران العمارة التي بها شقته، سيضاعف راتبه، سيستفيد من تصريح أمني رفيع، لا أحد سيوقفه، سيكون له ما شاء. إمتلكه شعور السعادة، بدأ يخطط ويرتب أغراضه في مخيلته، يتخيل كل جزء من الفيلا، بما فيها مسبح الخاص، لكنه لم يعرف نوعية المسؤولية أو العمل، سمع أن القليل من يثوقون لمثل هذه المهام، في الواقع ليس منصب مسؤولية، إنه منصب بوق السلطوية ، ستكون مهمتك تبرير وتوفير غطاء مفاهيمي لكل حركات السلطوية، أي ستدافع عن التنكيل والقمع، ستواجه أصحاب كلمة الحق، ستقوم بالتصفيق لكل إنجازاتنا (حكومة السلطوية)، تأمل قليلا، وقبل العرض بسرعة، لديه ملكة تبرير إكتسبها منذ ايام الجامعة، اليوم سوف يضعها في إطارها الصحيح، سوف يحشد قواه المنصب الجديد، منصب (بوق السلطوية).
هنا تنتهي قصة صديقنا، لا تسيئوا الظن به، سوف يواجه الشعب بإسم السلطوية. يؤمن فعلا أنها تجربة مارة كباقي التجارب. يبدوا اليوم كمن يمشي في الوحل،. إنه يتسلق المراكز، وكل مركز له مقابل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استشهاد فلسطينيين اثنين برصاص الاحتلال غرب جنين بالضفة الغرب


.. إدارة جامعة جورج واشنطن الأمريكية تهدد بفض الاعتصام المؤيد ل




.. صحيفة تلغراف: الهجوم على رفح سيضغط على حماس لكنه لن يقضي علي


.. الجيش الروسي يستهدف قطارا في -دونيتسك- ينقل أسلحة غربية




.. جامعة نورث إيسترن في بوسطن الأمريكية تغلق أبوابها ونائب رئيس