الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التحوّل في حياتنا

ثائر الناشف
كاتب وروائي

(Thaer Alsalmou Alnashef)

2021 / 4 / 21
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


حياة الإنسان لا معنى لها دون أن يقربها التحوّل، فالأخير ليس مجرد نزوة عابرة تصيب سلوكياتنا بطريقة عشوائية، طالما أنّ وجوده الأزلي مقترن بوجود الإنسان منذ العصر الحجري.
فما من إنسان عاقل يقف على سطح هذا الكون التعيس إلا وتمنى لنفسه بلوغ التحوّل، فأنا مثلًا تحوّلت قبل بضع سنوات إلى الحالة النباتية شبه الكاملة، فشعرت حينذاك بالبون الشاسع، والفرق الهائل والكبير بين ما كنت عليه كإنسان تقليدي ينمو في حالة طبيعية دون أن يشعر بأي فرق وجودي بينه وبين الكائنات الأخرى سوى في هوامش بسيطة؛ إنسانٌ لا ينفك في التهام أي شيء في الحياة دون أن يملك أي قدرٍ من التمايز، وبالتالي لن تكون عنده أدنى مشكلة في معاداة أي إنسان آخر لمجرد الاختلاف في الرأي، ورفع الصوت عاليًا، وإضمار الأحقاد والضغائن، لكنني أحسب هنا متيقنًا، أنّ التحوّل خلق مني إنسانًا جديدًا برؤى ورؤية جديدة، شديد الحساسية، مفرط الخوف، عظيم القلق للحاضر والمستقبل، دائم التيقظ لأنظار الناس، سريع الحزن والأسف لأبسط المواقف، فرغم أن ذلك كله –كما تلاحظون- لم يكن بلا ثمن، لأنّ التحوّل إلى أي شيء كان إنما هو فعل معاكس لتيارات الطبيعة وقواها الخارقة، فعندما يحدث مثل ذلك التحوّل القسري أو التلقائي، عندئذ سيشعر الإنسان الفاقد لوجوده المادي، وربما الروحي، سيشعر بإنسانيته الخالصة.
فالتحوّل رغم اختلاف حالاته البيولوجية والنفسية والذهنية إلا أنه يظل الشرط الأمثل لتمايز الإنسان عن غيره من الكائنات التي قد لا يتاح لها القدرة على التحوّل من حالة إلى أخرى، ورغم أنه يحتاج إلى استعداد نفسي كبير، وتهيّؤ ذهني قد لا يكون متاحًا لدى بعض الأفراد، إلا أنه يحتاج كذلك إلى طاقات ذهنية هائلة، ووعي متوقد، وفكر متأصل، ولعل التحوّل الذهني هو التحوّل الأسمى في الحياة الآدمية حتى وإن كان هذا التحوّل مستحيلًا.
فعندما نرغب في التحوّل والانتقال من صورتنا النمطية إلى صورة ذلك الطائر أو تلك الحشرة كما يظهر دائمًا في الفلسفة الوجودية، أو عندما نريد لأنفسنا الضعيفة محاكاة الحيوانات المتوحشة ذات الحظوة والسطوة على موجودات الطبيعة كما هو مُجسّدٌ في الحضارات الإغريقية والرومانية والفرعونية والفارسية، فإنما نُعبّر عن سقمنا واستيائنا وامتعاضنا الشديد من الجمود والهوان اللذين نحن عليهما، فتحولنا هو ثورة بحد ذاتها على جمودنا وهواننا؛ حتى الأديان الأرضية والسماوية لم تدع التحوّل وشأنه، بل جاءت لتفرض هيمنتها وقوانينها الإلهية على التحوّل عينه، فاختارت –الأديان- لنفسها رسم صورة الإنسان سواء أكانت صورة مثالية أم قبيحة، وذلك وفقًا لمدى استجابته لقواعد الدين، ودرجة انسجامه مع الآلهة، فالخروج عن تلك القواعد الصارمة هو جوهر التحوّل، لأنّ الأخير لا يعني تغيرًا هرمونيًا في وظائف أعضائنا الجسمية لكي نصبح مُتحوّلين بالمعنى الكلاسيكي للكلمة، بل هو التمرد الصارخ الذي يحدث في نفوسنا على كل ما هو حولنا.
الإنسان المُتحوّل في زماننا هذا هو الإنسان المدرك لكينونته؛ والمتحكم بقواه النفسية والذهنية، أمّا الإنسان الذي لا يستطيع التحوّل إلى أي شيء في الحياة، فهو الإنسان الفاقد لوجوده بعدما أصبح مجرد رقم دون أن يشعر بذلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سباق بين مفاوضات الهدنة ومعركة رفح| #غرفة_الأخبار


.. حرب غزة.. مفاوضات الهدنة بين إسرائيل وحماس| #غرفة_الأخبار




.. قراءة عسكرية.. معارك ضارية في شمال القطاع ووسطه


.. جماعة أنصار الله تبث مشاهد توثق لحظة استهداف طائرة مسيرة للس




.. أمريكا.. الشرطة تنزع حجاب فتاة مناصرة لفلسطين بعد اعتقالها