الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلاقات اليعربية – اليمنية

سعد سوسه

2021 / 4 / 24
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


لعب الموقع الجغرافي دورا كبيرا في تسهيل الاتصال بين اليمن وعمان ، ويبدو ان اول مؤشرات هذا الاتصال هي التجارة ( 1 ) .
وربما تكون العلاقة بينهما اعمق من ذلك اذا ما علمنا ان الاباضية دخلت اليمن كما دخلت عمان وشرق افريقيا والمغرب العربي (نجحت الاباضية في المغرب العربي ، من تأسيس دولة على يد عبد الرحمن بن رستم وهي الدولة الرستمية وقامت في المغرب الاوسط في الجزائر الحالية سنة 160هـ/776م ، واتخذت تاهرت مقرا لها ، وملوكها عشرة اشخاص ، واستمرت تحكم قرابة 136سنة ، حتى تمكن ابو محمد عبيد الله المهدي اول حكام الفاطميين من الاستيلاء عليها واسقاطها سنة 296هـ/908م) ( 2 ) في حدود عام 129هـ/746م .
واجهت اليمن مطلع القرن السادس عشر ، اخطر تحد واجهة الشرق ، اذ كان التهديد البرتغالي، خطة استعمارية لاغلاق مداخل البحر الاحمر والخليج العربي ومخارجهما بوجه التجارة والملاحة الاسلامية . وفشلت دولة المماليك في التصدي للبرتغاليين في عدة مناسبات ، وتمكن الاسطول البرتغالي من الاستيلاء على المراكز اليمنية المهمة في البحر الاحمر منذ عام 1506 عندما احتل سوقطرة ( 3 ) .
ثم جاء دور العثمانيين الذين نجحوا في القضاء على دولة المماليك الجراكسة في مصر والشام، واستولوا على اليمن، وسط صراعات قبلية واخفاق البرتغاليين في البحر الاحمر .
دخلت اليمن بعدها في صراع لاهوادة فيه مع العثمانيين، استمر مائة سنة، بقيادة الائمة الزيديين (الزيدية مذهب اسلامي شيعي، قامت على اسسه الدولة الزيدية في اليمن، التي اسسها الامام الهادي الى الحق (يحيى بن الحسن، الذي ينتسب الى الحسين بن علي بن ابي طالب(عليهم السلام) في اليمن سنة 284هـ/897م ) ، (وتعرف (الدولة الزيدية) في بعض المصادر باسم (الدولة القاسمية) نسبة الى الزعيم القاسم المنصور بالله بن محمد، او (الدولة العلوية الرسية) احمد السعيد سليمان ، ان التتشيع الذي طبع هذه الدولة انقسم الى حزبين، زيدي واسماعيلي، يعارض احدهما الاخر ، وخاض الطرفان حروبا ضارية ، كما ان الزيديين خاضوا حروباً طويلة في شمال اليمن ضد الرسوليين وبني طاهر والاتراك ) ( 4 ) . وكانت الدعوة الزيدية في هذا الوقت قد بلغت ذروتها في اليمن ، على مؤسس الدولة القاسمية الرسية الامام المنصور القاسم بن محمد الهادوي .
عاصرت اليمن الزيدية دولة اليعاربة في عمان ، لكن اية علاقات سياسية لم تسجل بينهما في عهد الامام ناصر بن مرشد اليعربي .
لكن عهد الامام سلطان بن سيف شهد تطورات مهمة في العلاقة بينهما ، ويبدو ان طبيعة هذه العلاقة لم تكن ودية فقد تبنى ائمة اليعاربة سياسة مقارعة البرتغاليين اينما وجدوا ، لكن هذه السياسة قد لقيت معارضة ائمة الزيدية ، لما سببته من عدم استقرار في مياه البحر الاحمر والمحيط الهندي .
فالقرصنة التي مارسها البرتغاليون في حق السفن العربية والعمانية ، وردُّ العمانيين عليها ، بقوة سببت معاناة كبرى للزيديين الذين لم يبنوا أي اسطول او قوة بحرية .
ومنذ عام 1669 ظهر اسطول عماني بسبع سفن كبيرة قرب شوطئ عدن والمخا (المخا: ميناء مهم في اليمن القديم ، على ساحل البحر الاحمر قامت بدور مهم في تصدير المنتجات اليمنية وكانت قديما تسمى (موزا) ، وقد تصدت المخا لعدة حملات جردها البرتغاليون ، بدأت منذ اوائل القرن 10هـ/16م على سواحل اليمن المهمة الاخرى ، كباب المندب وعدن والشحر والمكلا وغليفقة ، طمعا في السيطرة عليها ، لاهميتها تجاريا وعسكريا ، كما حاول العثمانيون السيطرة عليها ، وتمكنوا سنة 1540 من احتلالها . وتمكنت المدينة بعد جلاء العثمانيين عنها عام 1640 من استعادة حيويتها كمركز تجاري مهم، بلغت أوج ازدهارها ايام المتوكل على الله اسماعيل 1644-1676 ) ( 5 ) ، لاعتراض ثلاث سفن شراعية كبيرة تابعة للفرنسيين ، واشتبك العمانيون مع الفرنسيين وقتلوا عددا منهم ، وقد حاول نائب المخا صد القوات العمانية ، الا انه فشل لعددهم الكبير، وعلى الرغم من نداءات النائب للامام اليمني المتوكل اسماعيل من القاسم (1644-1676) لدعمه بقوات ومتطوعين ، الا ان النجدة لم تصله الا بعد عودة العمانيين حاملين غنائم وافرة ( 6 ) .
وشهد العام نفسه ارسال الامام سلطان بن سيف خطابا الى ملك صنعاء ، اورده السالمي في تحفته ، ويبدو ان امام صنعاء كان قد بعث خطابا الى الامام سلطان يستعلمه حقيقة الغارة العمانية على سواحل المخا واسبابها ، لكنّ المركب الذي كان يقل حامل الخطاب غرق ، واستطاع حاملهُ نقل مضمون الخطاب شفويا الى الامام سلطان ( 7 ) .
وتبين ان الامام الزيدي عاتب عليه بسبب انتهاك مياهه من قبل السفن العمانية التي كانت تطارد البرتغاليين وتقارعهم في مياه البحر الاحمر والمحيط الهندي ، وجاء رد الامام سلطان بن سيف محاولة ، لتبيين ان سياسة العمانيين في هذه الآونة كانت موجهة ضد البرتغاليين اينما وجدوا، وانه يتفهم سبب كون ملك صنعاء متضايقا . من انتهاك حرمة مياهه الوطنية ، ومن خطاب الامام سلطان بن سيف نقتبس قوله : ".. واتضح لنا من واضح نطقه وبيانه انكم علينا عاتبون، ومنا واجدون، لاجل قطع خدامنا في العام الماضي مراكب رقاب المشركين (يقصد البرتغاليين) على بابكم ، واخذهم لسفنهم الواردة لجنابكم ، ولعمري انا لندري ان العتاب بين الاخلاء عنوان المودة الخالصة … فانا لم نقصد الى انتهاك ذلك سبيلا…" .
لكن خاتمة خطاب الامام سلطان لم تخل من لهجة تهديد وتحذير لملك صنعاء اذا ما حاول اعتراض السفن العمانية اذ جاء فيها : "انت تدري ما جرى بيننا وبينهم .. من قبل في سواحل عمان وفي سائر الاماكن والبلدان ، من سفك الدماء وكثرة الصيال وتناهب الاملاك والاموال ، وانا لنأخذهم في كل موضع تحل به مراكبهم وتغشاه ، حتى من كنج وجيرون وبندري الشاه ، (بندر عباس) ولم يظهر لنا من اجل ذلك عتابا ولا نكيرا … وإنّا لك من المنذرين وعليك من المحذرين .." .
كما يتضح من خطاب الامام سلطان انه غاضب من الهجوم الذي شنه جيش السلطان الكثيري (قام عيسى بن بدر الكثيري بثورته الكبرى في ظفار عام 1670 ، ضد حكم المتوكل على الله اسماعيل وبعدها قطعت كل علاقة للائمة بحضرموت) على ظفار ، والتي خرج منها عامل الامام اليعربي خلف تاركا مدفعا عمانيا ، ليستولي عليه رعايا الامام اليمني ، لذا طالبهُ الامام سلطان باعادته ، ومضى يدعوه الى مد جسور المودة والصداقة واصلاح ذات البين بينهما ، قائلا : "انا في اصلاح ذات بيننا وبينكم راغبون طالبون" .
ويبدو ان الحسد الذي انتاب امام صنعاء من سلسلة الانتصارات الكبيرة التي حققها الامام سلطان اليعربي ضد البرتغاليين في عمان والخليج العربي وشرق افريقيا ، دفعه الى عدم اصلاح ذات البين معه، ومع الائمة اللاحقين ، وعلى الرغم من ان اليمن نفسها قد عانت من هجمات برتغالية هددت المخا وعدن ، لم ينسق ملوكها وائمتها جهودهم مع ائمة عمان للقضاء على العدو المشترك .
وجاء رد امام صنعاء على خطاب الامام سلطان شديد اللهجة ، شديد التحدي ، قاسي العبارة، ومنه قوله "… ظنا منك ان هذيان وعيدك ، وطنين ذباب تهديدك يزعزع من بأسنا صخرة صماء … ونحن من القوم الذين سقوا قومك يوم النهروان كؤوس الحتوف" .
وشهد اواخر حكم الامام سلطان ، حادثة قرب ميناء المخا اليمني ، حيث رست في الحادي عشر من مايو عام 1679 سفينة هندية ، قام العمانيون باعتراضها واحتجازها في الميناء
وفي الشهر التالي حقق العمانيون نصراً اخر عندما اعترضوا السفينة (ماشليفتان) التي وصلت الى سواحل عدن ، ولم يفلح عامل عدن الشيخ راجع ، في نجدة طاقم السفينة ، الذين كتبوا اليه طالبين ان يدعمهم بالرجال ليلا ، خوفا من هجوم عماني ، ونجح العمانيون ، المتخفون بشكل جيد ، في سحب السفينة بالكلايب الى الشاطئ ( 8 ) .
لم يقتصر نشاط الامام سلطان على النشاط الحربي مع اليمن ، بل جاوزه الى التجارة معها ، فيذكر ابن رزيق ان الامام كان يرسل التجار للمخا يشترون له التحف الثمينة والنادرة المرصعة بالجواهر والدرر مهما غلا ثمنها .
ولم يطرأ أي تحسن في العلاقات اليعربية – الزيدية في عهد الامام سيف بن سلطان ، وشهد عصره اعتراض السفن العمانية لبعض السفن الاوربية المملوكة للافراد ، وتلك التي ترفع اعلام الشركتين الانكليزية والهولندية للتأكد من هويتها ففي عام 1711 جرد حملة في البحر الاحمر لتعقب السفن السوراتية ، لكنها فشلت ، اذ قام حاكم عدن بتحذير السفن السوراتية للمغادرة في الوقت لمناسب ( 9 ) .
لكن الامام سيفا حاول تهدئة التوتر ، عندما بعث بخطاب طيب اللهجة الى امام صنعاء المهدي احمد بن الحسن القاسم (1687-1718) ، يطلب اليه ارجاع ما اخذه سكان ، عدن من اموال ومقتنيات سفينة عمانية تحطمت قرب سواحل عدن .
لكن ردّ ملك صنعاء جاء غليظا وقاسيا وبنبرة تحد كبيرة ، فسارع الامام سيف الى تجريد حملة كبيرة، لمحاصرة المخا من البر والبحر ، وكان حصاراً شديداً وقاسياً ، مما اجبر امام صنعاء على الاذعان، ورد ما بذمته ، مما اخذته رعيته في عدن الى امام عمان ، كما فرضت غرامة حربية ، على ما اتلفته رعيته .
ويقول ابن رزيق ان امام صنعاء أُجبر بعدها على مكاتبة الامام سيف، ليعفو عنه، ويُسقط، ما بذمته من مال ، لكنه لم يتلق أي جواب من امام عمان وعندما مات الامام سيف عادت القوات العمانية الى مسقط ، وفي طريق عودتها تعرض الاسطول لرياح عاتية حطمت احدى سفنه ، وهي (الفلك) ، وبقيت اجزاء منها في خليج عدن ، ولم يتمكن احد من رفعها
لثقلها.
وبانشغال العمانين في جهات غرب الهند وشرق افريقيا ، توقفت العمليات الحربية التي كانت تتعرض لها الموانئ اليمنية .

المصادر
1 . لبيد ابراهيم احمد ، المصادر التاريخية لتجارة الخليج العربي في العصور الاسلامية الاولى ، مجلة المؤرخ العربي ، العدد 12 ، بغداد ، 1980 ، ص176 .
2 . احمد السعيد سليمان ، تاريخ الدول الاسلامية ومعجم الأسرات الحاكمة ، القاهرة ، دار المعارف ، 1969 ، ص103 .
3 . حسن احمد محمود ، التهديد البرتغالي السواحل جزيرة العرب ، مجلة المؤرخ العربي ، العدد 12 ، 1980، بغداد ، ص222 .
4 . محمد عبد الله ماضي ، دولة اليمن الزيدية نشأتها- تطورها– علاقاتها ، المجلة التاريخية المصرية ، العدد المجلد 3 ، القاهرة ، 1950 ، ص15-35 .
5 . احمد حسين شرف الدين، اليمن عبر التاريخ من القرن الرابع عشر الى القرن العشرين – دراسات جغرافية وسياسية تاريخية شاملة، ط2 ، اليمن 1964 ، ص23 .
6 . آ. ر. سارجنت ، النشاط الملاحي العماني على الساحل العربي الجنوبي ، ندوة الدراسات العمانية ، م6 ، سلطنة عمان ، 1980 ، ص114-115 .
7 . نور الدين السالمي ، تحفة الاعيان ، ج2 ، ص58 .
8 . آ. ر. سارجنب ، النشاط الملاحي العماني ، ص120-121 .
9 ز ب .ج. سلوت ، عرب الخليج ، ص234 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. داعمو غزة يغيرون ا?سماء شوارع في فرنسا برموز فلسطينية


.. رويترز: قطر قد تغلق مكتب حماس كجزء من مراجعة وساطتها بالحرب




.. مراسل الجزيرة هشام زقوت يرصد آخر التطورات الميدانية في قطاع


.. القسام تستهدف ثكنة للاحتلال في محور نتساريم




.. واشنطن تطالب قطر بطرد قيادة حماس حال رفضها وقف إطلاق النار