الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذاكرة النار

وديع بكيطة
كاتب وباحث

(Bekkita Ouadie)

2021 / 4 / 27
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


إن للنار حضورا ماديا ورمزيا في كل الثقافات، وقد أخذت تمثلاتها نصيبا مهما من الذاكرة الإنسانية، على اعتبار أنها سر من أسرار التقدم البشري، وهي إلى الآن، العامل المحرك لذلك، ويمكن أن نقيس تقدم الشعوب بمدى خبرتها في الاستفادة من كل مشتقات النار، فهي كما يقول شتراوس : تتيح أساطير الاستخدام المنزلي للنار انتقالنا من الطبيعة إلى الثقافة ، ومن الحيوانية إلى الإنسانية , بوساطة الانتقال من النيئ إلى المطبوخ .. وفي نفس الفترة التي أصبحت النار مدار استعمال منزلي، كانت إلهً يُعبد في المعابد، فهي إلهً خير، وتارة أخرى تعتبر إلهً للشّر، ولا تزال هذه الثنائية موجودة لدى الشعوب البرية، وترتبط النار بموضوعة الشمس في كثير من الأحيان، نظرا للفعل الذي تشتركان فيه.
كان الأفارقة في الزمن القديم على الديانات الطبيعية يعبدون النار والشمس على غرار الفرس، ويتخذون لعبادتها معابد جميلة مزخرفة توقد داخلها نار تحرس ليل نهار حتى لا تنطفئ، كما كان يفعل ذلك في معبد الإلهة "فيستا" عند الرومان. وقد كان بعض الرهبان الذين يأتون من أثيوبيا إبان القرن السادس عشر إلى شمال غرب إفريقيا وأروبا لهم وجوه موسومة بالنار، ولا سيما في روما.
عرفت بلاد السودان آنذاك، بأن أقوامها لا يحاربون أحدا، ولا يخرجون من بلادهم، بعضهم يعبدون الشمس ويسجدون لها بمجرد ما يرونها تبرز في الأفق، وبعضهم يعبدون النار كأهل ولاتة، والبعض الآخر مسيحيون على طريقة المصريين، وهم سكان ناحية كاوكاو. كما تتخذ قبائل زَكْرَك وهي بلا تتاخم كانُو في أرض أكواخها مواقدة كبيرة يوقدون فيها كثيرا من الجمر يضعونها تحت أسرتهم المرتفعة، فينامون عليها نظرا لشدة البرد، لأن لا أحد من السكان يطيق تحمل الشتاء.
وتكاد جميع الأدوية والعلاجات آنذاك تكون بالكي بالنار كما تعالج الحيوانات. لأن الطب لم يكم معروف عندهم، ولا يوجد أي طبيب من أي صنف ولا أي جراح أو عقاقيري. وقد وجد بالفعل بعض الحلاقين الذين تقتصر عملياتهم الجراحية على ختان الأطفال. ولا يصنع الصابون في هذه البلاد، ويستعمل الرماد مكانه . وفي الموت، تجتمع النساء حول النار إذا مات لهن زوج أو أب أو أخ ويرتدين لباساً خشنا، ويلطخن وجوههن بسواد دخان القدور ثم يستدعين أولئك الأنذال الذين يتجولون وهم لابسون ثياب النساء، ليضربوا على دفوف مربعة ويرتجلوا أنظاما حزينة مبكية في رثاء الميت .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السيسي ينصح بتعلم البرمجة لكسب 100 ألف دولار شهريا!


.. تونس.. رسائل اتحاد الشغل إلى السلطة في عيد العمّال




.. ردّ تونس الرسمي على عقوبات الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات


.. لماذا استعانت ليبيا بأوروبا لتأمين حدودها مع تونس؟




.. لماذا عاقبت الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات تونس؟